المجاعة تتفشى رسميا في غزة والاحتلال ينكرها.. وناشطون: الصمت العربي مخزٍ

شدوى الصلاح | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

فصل قاسٍ من فصول الإبادة الجماعية لقطاع غزة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، أسدلت ستارته بإعلان أممي رسمي عن تفشي المجاعة في محافظة غزة شمال القطاع بدءا من منتصف أغسطس/ آب 2025، وتحذير من تمددها.

وقال التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي وهو مرصد عالمي تابع للأمم المتحدة لمراقبة الجوع، في تقرير أعلنه في 22 أغسطس 2025: إن المجاعة تفشَّت في مدينة غزة وستنتشر على الأرجح في بقية القطاع الشهر المقبل.

وتأسس "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" عام 2004 على يد وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، من أجل تقييم الوضع الغذائي في الصومال آنذاك.

ويهدف إلى التوجيه نحو قرارات دقيقة وفعَّالة في الأزمات الغذائية، ويعتمد على منظمات عالمية ووكالات أممية وهيئات تنموية وإنسانية تعمل بشكل مشترك على تطوير وتطبيق هذا الإطار عالميا وإقليميا ومحليا.

ولتصنيف منطقة على أنها في حالة مجاعة بالفعل، يجب أن يعاني 20 بالمئة على الأقل من السكان من نقص حاد في الغذاء وطفل من كل ثلاثة أطفال من سوء تغذية حاد، ويموت شخصان من بين كل عشرة آلاف يوميا بسبب الجوع أو سوء التغذية أو المرض.

وحتى إذا لم تصنف منطقة ما على أنها في حالة مجاعة لعدم استيفاء هذه المعايير، يمكن للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن يحدّد أن الأسر تعاني من ظروف المجاعة المتمثلة في الجوع والعوز والموت بسبب ذلك.

وأوضح التصنيف أن 514 ألفا تقريبا، أي ما يقرب من ربع سكان قطاع غزة، يعانون من المجاعة وأن هذا العدد سيرتفع إلى 641 ألفا بحلول نهاية أيلول/سبتمبر.

وشدد التصنيف على أن شمال قطاع غزة، في حالة مجاعة بالفعل، لأول مرة، وبقية الفلسطينيين في دير البلح وسط القطاع وخانيونس في الجنوب، من المتوقع أن تضربهم المجاعة نهاية الشهر المقبل.

بدوره، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: إن المجاعة في غزة "كارثة من صنع الإنسان". مؤكدا أن على الاحتلال، ضمان توفر الغذاء والإمدادات الطبية لسكان غزة.

وشدّد على أنه لا يمكن السماح باستمرار الوضع في قطاع غزة دون محاسبة، مضيفا "نحن بحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار وضمان وصول المساعدات إلى غزة".

من جانبها قالت منظمة الصحة العالمية: إن المجاعة تتفشى في أنحاء قطاع غزة كافة. مشددة على أن هذه هي المرة الأولى التي نرصدها في الشرق الأوسط، لافتة إلى أن أكثر من 55 ألف مرضع وحامل في قطاع غزة يحتجن إلى تغذية إضافية.

فيما وصفت لندن المجاعة في غزة بأنها "فضيحة أخلاقية"، ودعت ألمانيا للسماح بدخول مزيد من المساعدات.

ودعت عواصم عدة المجتمع الدولي للتدخل الفوري ووقف حرب الإبادة ومحاسبة الاحتلال الإسرائيلي، وأعلن وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب استقالته من منصبه، بعد جدل بشأن فرض عقوبات محتملة على إسرائيل في جلسة حكومية.

في المقابل، هاجم الاحتلال التقرير زاعما أنه استند إلى شهادات "هاتفية"، وادعى الجيش الإسرائيلي: "وجود فجوات جوهرية في الحقائق والمنهجية، واستخدام مصادر معلومات منحازة وذات مصلحة تعود إلى حركة حماس، إضافة إلى غياب دقة أساسية وتغيير معايير يضر بمصداقية التقرير".

كما زعم في بيان أن "التصنيف يستند إلى استطلاعات هاتفية غير منشورة، وتقديرات مشبوهة للأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، وإلى منظمات محلية غير حكومية".

وعدّ رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التقرير الأممي "كذبا صريحا" تجاهل ما وصفها بـ"إجراءات الإغاثة الإسرائيلية".

وادعى أن "إسرائيل لا تعتمد سياسة تجويع، بل سياسة منع الجوع"، زاعما أنه منذ بداية الحرب، سمحت بدخول مليوني طن من المساعدات إلى قطاع غزة، أي ما يزيد على طن واحد من المساعدات لكل فرد"، وأن المساعدات بقيت تدخل القطاع المحاصر خلال الحرب.

وعدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ما أعلنه التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي وما أكدته منظمة الصحة العالمية، شهادة دولية دامغة على الجريمة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق أكثر من مليوني إنسان محاصر.

وأضافت أن ذلك يعد "تأكيدا على حجم الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها شعبنا بفعل العدوان الإسرائيلي المتواصل، الذي يستخدم سياسة التجويع كأداة من أدوات الحرب والإبادة ضد المدنيين، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني ولكل الأعراف والمواثيق الدولية".

وأكّدت الحركة "أهمية هذا الإعلان الأممي، رغم أنه جاء متأخرا كثيرا بعد أشهر طويلة من التحذيرات والمعاناة التي عاشها شعبنا تحت الحصار والتجويع الممنهج".

وأشارت إلى أنها "حذّرت مرارا من أن سياسات الحصار والتجويع الممنهج، ومنع الغذاء والدواء والماء عن أهلنا، هي جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، واليوم جاءت تقارير الأمم المتحدة لتؤكد للعالم كله حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها شعبنا".

وتابعت أن "إنكار الاحتلال المجرم لهذه الحقيقة الموثقة، وادعاءاته الكاذبة بعدم وجود مجاعة في غزة، يكشف عن عقلية إجرامية تتعمد الكذب لتغطية جريمة القتل بالتجويع التي تُمارس ضد الأطفال والنساء والمرضى، في تحدٍّ صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية".

ودعت حماس إلى فتح المعابر و"التحرك الفوري.. لوقف حرب الإبادة وضمان تدفق المساعدات الإنسانية العاجلة" إلى القطاع الفلسطيني.

وغداة الإعلان الأممي، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي 21 فلسطينيا بينهم 6 أطفال، منذ فجر 23 أغسطس، بهجمات متفرقة شنها على مختلف مناطق قطاع غزة الذي يرتكب فيه إبادة جماعية منذ 22 شهرا.

واستهدفت الهجمات خياما تؤوي نازحين ومنازل ومنتظري مساعدات في منطقة أصداء شمال غرب خان يونس، في حين ارتفع العدد الإجمالي لضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 273 شهيدا، بينهم 113 طفلا. بحسب وزارة الصحة في القطاع.

وارتكبت المجزرة الجديدة في منطقة يطلب الاحتلال النزوح إليها زاعما أنها آمنة، وهي منطقة المواصي غرب خان يونس، ما يدحض هذه الادعاءات ويؤكد مجددا أنه لا مكان آمنا في غزة.

واستبق الاحتلال مجزرة خان يونس، بشن غارات إسرائيلية استهدفت إحداها مدرسة تؤوي نازحين غربي مدينة غزة، في وقت تشهد فيه مناطق بالمدينة حركة نزوح وسط تقدم لدبابات الاحتلال باتجاه مناطق سكنية.

واستهدفت طائرات الاحتلال صباح 22 أغسطس، مدرسة عمرو بن العاص التي تؤوي نازحين في حي الشيخ رضوان مما أسفر عن استشهاد 12 شخصا بينهم أطفال.

وأثار الإعلان الأممي رسميا عن تفشي المجاعة في قطاع غزة موجة غضب واستياء واسع بين الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي دفعهم لصب جام غضبهم على الأنظمة العربية الحاكمة المتخاذلة والمتواطئة والمجتمع الدولي الحليف للاحتلال والصامت على التجويع والإبادة.

وتحدثوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي "إكس" و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #المجاعة_في_غزة، #غزة_تُجوع #غزه_تموت_جوعا، وغيرها عن تداعيات الإعلان الأممي وكيف يمكن استغلاله قانونيا للقصاص من الاحتلال وإلزامه بوقف الإبادة، مستنكرين الصمت العالمي والعربي المخزي.

وهاجم ناشطون رئيس وزراء الاحتلال وواجهوا نفيه للتقرير الأممي بصور ومقاطع فيديو توثّق تفشي المجاعة لأطفال وشبابا تظهر عظامهم نتيجة سوء التغذية وآخرين توفوا مجوعين، منددين بمواصلة الاحتلال ارتكاب مجازره في خان يونس والشيخ رضوان. 

خذلان عربي

وانتقادا لضعف الموقف العربي المناصر لغزة، علق المغرد إبراهيم، على إعلان المجاعة في غزة، قائلا: “هذا إعلان أممي لا لبس فيه ولا شكوك، فهل من مروءة عربية أو شهامة إسلامية تفرض حصارا على من جوَّع غزة وأهلها؟ أو هل من شجاع يشذ عن قاعدة العبيد وينطق بالحق دون إذن مسبق ؟”

وقال الناشط السياسي حسن بناجح، إن بعد إعلان الأونروا رسميا حصول المجاعة في غزة.. فإن استمرار الأنظمة العربية يوما واحدا إضافيا في التطبيع هو "شراكة كاملة في جريمة تجويع غزة".

واستنكر المغرد غازي إعلان المجاعة رسميا في غزة التى تقع في محيط ما يقرب من أربعمائة مليون عرب مسلمين يأكلون ويشربون، متسائلا: "أي عار ما سيسطّره التاريخ من عار لهؤلاء العرب.. انتظروا العار والحساب من الله".

وكتب أحد المغردين: "أكبر عارٍ وذلّ في تاريخ الأمة الإسلامية منذ فجر الإسلام، لو كان أحد الخلفاء الراشدين حيّا لأمر بإعدام حكام اليوم من الشرق إلى الغرب".

وقال سفيان القاسم، إن "إعلان المجاعة بغزة إعلان الخزي والعار لأمة الاثنين مليار".

وعد الإعلامي حفيظ دراجي، الإعلان الأممي لحظة عار على جبين البشرية، وصمتٌ دولي يرقى إلى شراكة مباشرة في جرائم الاحتلال: الإبادة، التهجير، والتجويع. 

نفاق عالمي

وتحت عنوان "رسميا: المجاعة تضرب غزة... والضمير الدولي في قفص الاتهام...!!"، قال المتخصص في علم الحديث وجيه القيق: "في العالم الذي يدعي التحضر والعدالة، ينهار اليوم المعنى أمام حدث لا يُفسر إلا بكونه فعلا سياسيا إراديا لا كارثة طبيعية".

وأكد أن "المجاعة تضرب غزة، ليس كما تُضرب المدن بالقنابل، بل كما يُغرس السكين ببطء في الجسد".

وقال الصحفي محسن الإفرنجي: "لو كان في العالم قدر يسير من العدل والإنسانية لتحول هذا الإعلان إلى بركان يثور ضد الطغاة المحتلين وأعوانهم.. لكن الاحتلال يدرك أنه فوق مستوى المحاسبة حتى الآن ويمضي بلا هوادة في حرب الإبادة الجماعية".

وعدت نونا السيسي، الإعلان الأممي "متأخرا جدا ويحمل في طيّاته إلزاما للعالم كله بالتحرك لوقف ما يحدث".

ورأى المدون مدحت، أنه‏ بعد إعلان حالة المجاعة رسميا في قطاع غزة؛ أصبح المجتمع الدولي أمام كارثة إنسانية غير مسبوقة في أحداثها وتداعياتها؛ لتنتهي في توصيفها إلى "وصمة عار" في جبين الإنسانية. 

وقال: إن العالم اليوم أمام خيارين: إما صيانة حقوق الإنسان دون تمييز، أو السّماح بوقوع سابقة في تاريخ الجرائم بحقِّ الإنسانيّة على مرأى ومسمع المجتمع الدولي".

وتساءل آدام العرابي: "ألا يستدعي إعلان المجاعة تدخل بريطانيا وأوروبا وأميركا لوقف المجنون نتنياهو وعدم تصدير السلاح له وحصار جيش الإرهاب الإسرائيلي، أم أن إعلان المجاعة يتطلب الصمت والمكافآت لنتنياهو على جرائمه بعدم التحرك ضده"

تضامن هولندي

وإشادة بإعلان وزير خارجية هولندا استقالته من حكومة تصريف الأعمال بسبب موقفها الرافض لفرض إجراءات جديدة ضد إسرائيل، قال أستاذ الاتصال السياسي أحمد بن راشد بن سعيد: إن "هذا الرجل يستحقُّ الإشادة والدعاء بالتوفيق والهداية". 

وأضاف: "لم يفعلها في ممالك العرب وزير ولا سفير، ولا ذو منصب وشأن، ولا مُفتٍ يُشار إليه بالبنان".

ووصف المحلل السياسي ياسر الزعاترة، قرار الوزير الهولندي بأنه "خطوة تاريخية وموقف نبيل ورائع" يذكّر بالتحولات التاريخية الراهنة في الرأي العام الغربي حيال الكيان وتوابعه المتنفّذة في أميركا والغرب، وكيف أصبحت فلسطين أيقونة في العالم رغم أن من يمثّلونها "رسميا". 

وأضاف: هم النقيض للسبب الذي جعلها كذلك (ممثلوها في وعي الأحرار هُم أبطالها وشهداؤها، وليس جماعة "احمونا" وأشاوس "التنسيق الأمني").

واستنكر الزعاترة، ألا تَعثُر على موقف مشابه من مسؤول عربي أو مُسلم، رغم أن بعض أنظمتنا غارق في البؤس بمستويات شتّى؛ في السرّ والعلن (أضف بحزن أكبر أن لا تعثر على مثل ذلك من مسؤول "فتحاوي" كبير، رغم مسلسل مواقف لحركته وسلطته يندى لها جبين كل حرٍّ شريف).

وأشار الإعلامي نصر البوسعيدي إلى أن وزير خارجية هولندا الشجاع الحر الأكرم من أي سخيف تافه أصبح عبدا للصهاينة، يقدم استقالته من منصبه لعدم مقدرته على فرض عقوبات ذات معنى على الاحتلال الإسرائيلي المجرم الذي يرتكب إبادة جماعية بشعة في غزة.

واستنكر أن ذلك يحدث بينما يعيش المسؤول العربي المطبع بكل راحة وسلام وهو يشاهد حليفه القذر يذبح ويقتل أكثر من 61 ألف شهيد في غزة من لحمنا ودمنا وديننا، مقدما الشكر لوزير خارجية هولندا.

ورأى الإعلامي أحمد سمير، أن الوزير الهولندي ترك المنصب وانتصر لإنسانيته وأقام الحجة على كل المسؤولين عربا وعجما.

وأشار سالم المهندي إلى أن فيلدكامب، ليس بمسلم وليس بعربي ولكن ضميره وإنسانيته جعلته يقدم استقالته من منصبه كوزير، ليثبت أنه أشرف من جميع وزراء الخارجية العرب.

تداعيات وعواقب

وقدم محمد المليجي تحليلا مفصلا لأسباب المجاعة وعواقبها والحلول المتعلقة بها، بناء على الأبحاث الحالية وأمثلة من العالم الواقعي، موضحا أنها تمثل أشد أشكال أزمة الجوع، ذات عواقب مدمرة وبعيدة المدى تمتد إلى ما وراء المجاعة الفورية لتشمل آثارًا طويلة الأجل على الصحة والوضع الاجتماعي والاقتصادي والأجيال القادمة.

وبين أن الإعلان رسميا عن المجاعة يتم باستخدام نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) عند تحقق ثلاثة شروط، ما لا يقل عن 20 بالمئة من الأسر تواجه نقصا حادا في الغذاء، وأكثر من 30 بالمئة من الأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد (يُقاس بالهزال أو محيط منتصف العضد).

وأوضح المليجي أن الشرط الثالث هو أن يتجاوز معدل الوفيات اليومية بسبب الجوع شخصين لكل 10,000 فرد، مؤكدا أنه بحلول وقت الإعلان عن المجاعة، يكون الموت على نطاق واسع والضرر غير القابل للإصلاح قد وقعا بالفعل.

وتحدث عن العواقب الصحية الفورية وطويلة الأجل للمجاعة، منها التأثيرات على الصحة الجسدية كالهزال وتوقف النمو، واختلال الوضع الأيضي وهو يضعف جهاز المناعة، مما يزيد من التعرض لأمراض مثل الكوليرا والإسهال والالتهاب الرئوي والوفيات.

وأشار المليجي إلى أن الآثار طويلة الأجل وعبر الأجيال منها تغيرات جينية فوقية وتأخر النمو، لافتا إلى أن غالبا ما تلد الأمهات اللاتي يعانين من سوء التغذية أطفالا منخفضي الوزن، مما يؤدي إلى استمرار دائرة الفقر وسوء الصحة.

وسلط الضوء على العواقب الاجتماعية والاقتصادية والمجتمعية للمجاعة، ومنها "خسائر تعليمية واقتصادية وعدم استقرار اجتماعي وفوارق بين الجنسين".

ورصد الخبير القانوني أيمن سلامة، التداعيات القانونية والسياسية لإعلان المجاعة دوليا، مؤكدا أن ذلك الإعلان ليس مجرد وصف للوضع، بل هو إقرار رسمي بأن الظروف قد وصلت إلى مستويات تتطلب استجابة دولية فورية ومكثفة.

وأوضح أن في سياق القانون الدولي، يمكن أن يُفسّر هذا الإعلان على أنه دليل على أنّ الأطراف المتحاربة قد تكون مسؤولة عن جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، خاصة إذا كانت المجاعة ناتجة عن أعمال متعمدة مثل الحصار أو تدمير البنية التحتية المدنية.

وأشار سلامة إلى أن وسط هذا التصعيد، تُطرح تساؤلات حول جدوى المفاوضات، فبينما تستمر الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى هدنة، يبدو أن الإعلان الإسرائيلي عن خطط عسكرية شاملة يعكس نية واضحة في المضي قدمًا في العمليات العسكرية، ما يضعف أي فرصة لتحقيق تقدم حقيقي على طاولة المفاوضات.

ورأى أن الإصرار على الحل العسكري من قبل طرف، في وقت يواجه فيه الطرف الآخر كارثة إنسانية، يجعل أي حديث عن مفاوضات يبدو بعيدا عن الواقع، مؤكدا أن إعلان المجاعة أمام مجلس الأمن يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته. 

وأشار سلامة إلى أنه وفقا للقانون الدولي الإنساني يقع على عاتق الدول التزام بضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في مناطق النزاع، لافتا إلى أنه إذا تمّ إثبات أن المجاعة ناتجة عن أعمال متعمدة من قبل الأطراف المتحاربة، فإن هذا يفتح الباب أمام إجراءات قانونية دولية ضد المسؤولين.  

وتساءل: "هل المجتمع الدولي سيكتفي بالإدانة اللفظية أم سيتخذ إجراءات ملموسة لوقف هذه الكارثة"، موضحا أن هذه الإجراءات يمكن أن تشمل فرض عقوبات على الأطراف المسؤولة، إنشاء آليات للتحقيق في الجرائم المحتملة، فرض قرار ملزم من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، أو فتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات.

وحذّر سلامة من أن المصداقية القانونية والأخلاقية للمجتمع الدولي على المحك، فإما أن يثبت أنه قادر على حماية المدنيين واتخاذ إجراءات ضد مسببي الكوارث الإنسانية، أو أن يكتفي بالمشاهدة ويزيد من إحباط الفلسطينيين.

وأكد المحامي حبيب الملا، أن إعلان الأمم المتحدة رسميا تفشي المجاعة بغزة يحمل تداعيات مهمة بموجب القانون الدولي، وأن هذا الإعلان يضع غزة ضمن "كارثة إنسانية من الدرجة القصوى"، ويستدعي استنفارا عاجلا للمجتمع الدولي.

وذكر بأن استخدام التجويع لقتل المدنيين يشكل جريمة حرب بموجب القانون الدولي؛ إذ تنص المادتان 54 من البروتوكول الإضافي الأول و14 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف لعام 1977 إلى حظر استخدام التجويع كسلاح حرب، ويُعد أي إخفاق في الالتزام به جريمة حرب يمكن محاسبة مرتكبيها أمام المحكمة الجنائية الدولية أو المحاكم الوطنية التي تطبق الولاية القضائية العالمية. 

كما ذكر الملا، بأن قضاة المحكمة الجنائية الدولية قد أصدروا مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع لتسببهم عمدا فى حرمان السكان المدنيين في غزة من وسائل البقاء الأساسية.

وأوضح أن الإعلان الأممي لا يضيف صفة قانونية جديدة بحد ذاته، لكنه يُفعّل معايير معروفة وأن القانون الدولي يستلزم تصرفا سريعا ومؤثرا للحيلولة دون حدوث المزيد من الخسائر الإنسانية.

واستحضر الملا سوابق قضائية تعزز قدرة المحكمة الجنائية الدولية على ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين، مضيفا أن هذا يجعل من غزة أول حالة حديثة يُعلن فيها المجاعة رسميًا في ظل وجود إجراءات قانونية قائمة ضد قادة دولة يُتهمون باستخدام التجويع كسلاح. 

وقال: إن إعلان المجاعة يُعتبر دليلا موضوعيا مستقلا يُمكّن الادعاء من إثبات الركن المادي للجريمة (وقوع المجاعة كنتيجة مباشرة للحصار والحرمان)، متوقعا أن يستخدم المدعي العام للمحكمة إعلان المجاعة كدليل معزز لإظهار أن السياسات المطبقة لم تكن مجرد قيود أمنية، بل ترقى إلى جريمة حرب وقد يُحاكم قادة سياسيون وعسكريون مسؤولون عن قرارات الحصار ومنع المساعدات.

وتوقع الملا أيضا أن تمتد المسؤولية إلى قادة ميدانيين إذا ثبت تورطهم في تنفيذ أوامر حرمان الغذاء.

ولفت إلى أن "إسرائيل" ليست طرفا في ميثاق روما، وسترفض تسليم المتهمين، ولكن حتى لو لم تُسلَّم الشخصيات المستهدفة للمحكمة، فإن وجود مذكرات التوقيف مع إعلان المجاعة سيُقيد حركتهم الدولية ويُعرّضهم للعزلة الدبلوماسية.

وأوضحت الصحفية ديما حلواني، أن هذا الإعلان لا يخلق التزامات جديدة، لكنه يعدّ توصيفا قانونيا خطيرا، ويوثق أن الشروط التي يحددها القانون الدولي لوصف المجاعة قد تحقّقت، ويفتح الباب أمام ضغوط سياسية وقانونية دولية، ويُشكل أرضية لإثبات وقوع جرائم حرب.

وأكدت أن التجويع جريمة حرب، وفق القانون الدولي الإنساني، مستدلة بالمادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول (1977)، والمادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مشيرة إلى أن كلها تنصّ بوضوح: "استخدام التجويع كسلاح حرب ممنوع تماما ويُصنّف كجريمة حرب".

ولفتت الحلواني إلى أن القانون لا يحاسب فقط "الدولة"، بل القادة السياسيين الذين يضعون السياسات، والقادة العسكريين الذين ينفذونها أو يتغاضون عنها، حتى الأفراد الميدانيين الذين يمنعون المساعدات، موضحة أن هذه المسؤولية قد تُلاحقهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، ومحاكم وطنية تُطبق مبدأ الولاية القضائية العالمية، لجان تقصي الحقائق الأممية.

وعما بعد إعلان المجاعة في القطاع، أكدت أن تقرير الأمم المتحدة يصبح وثيقة إثبات لأي ملاحقة قضائية لاحقة، ويشكّل ضغطا سياسيا متزايدا على الدول الداعمة لـ"إسرائيل"، وقد يدفع المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق مباشر بملف التجويع كجريمة حرب، ويفتح الباب لمطالبات دولية بفرض عقوبات، أو على الأقل زيادة عزلة سياسية ودبلوماسية.

وبينت الحلواني، أن المعضلة الكبرى: التنفيذ، لأنه رغم وضوح النصوص القانونية، يبقى التحدي في غياب الإرادة السياسية الدولية، خصوصا مع حماية الولايات المتحدة لـ"إسرائيل"، وبطء الآليات القضائية الدولية (قد يستغرق الأمر سنوات)، ومعاناة المدنيين اليومية التي لا تنتظر مسار المحاكمات.

وخلصت إلى أن إعلان المجاعة ليس مجرد خبر إنساني، بل إشارة قانونية خطيرة: التجويع في غزة لم يعد اتهاما سياسيا بل جريمة حرب مثبتة بتقارير أممية.

وتساءلت: هل ينجح المجتمع الدولي في فرض القانون على "إسرائيل"، أم يبقى القانون الدولي رهينة السياسة والانحياز؟

أكاذيب نتنياهو

واستنكارا لزعم نتنياهو أن سياسة كيانه منعت المجاعة في غزة وتحميل الكيان كامل المسؤولية، أكد مدير عام وزارة الصحة بغزة منير البرش، أن المجاعة في غزة مسؤولية الاحتلال وحده، مذكرا بأنها لم تأتِ إلى غزة بفعل الطبيعة أو الفقر، بل جاءت بفعل الحصار والقصف ومنع الغذاء والدواء.

وقال: "اليوم، حين تعلن الأمم المتحدة عن المجاعة رسميا، فإن المسؤول الوحيد عنها هو الاحتلال الإسرائيلي الذي حاصر أكثر من مليونين وأربعمائة ألف إنسان، ومنع وصول الغذاء والدواء، وجعل الأطفال يذبلون حتى الموت".

ووجه البرش نداء إنسانيا، شدد فيه على أن الاحتلال وحده يتحمل هذه الجريمة، وأن لا شرعية لحصار يقتل شعبا جوعا، داعيا لوقف الإبادة الجماعية عبر سلاح الجوع.

واقتبس الناشط تامر قديح، قول منظمة الصحة العالمية في تقريرها: إن "المجاعة في غزة نتيجة مباشرة للإجراءات الإسرائيلية، وقد ترقى إلى جريمة حرب وعار على المجتمع الدولي".

وعرض المغرد توفيق تصريحه قائلا: "هذا الصهيوني الحقير مصاص الدماء قاتل الأطفال سفاح العالم يجب القضاء عليه وهو وعصابته الإرهابية إلى زوال طال الزمان أو قصر عصابة حرامية وبلطجية سارقي الأراضي الفلسطينية".

ورد أحد المغردين، على نتنياهو، قائلا: إن "الصور والفيديوهات لا تكذب، والأمم المتحدة نفسها تؤكد وجود مجاعة حادة.. كفى كذبا وافتراء!".

كما عرض حازم مزيد مقطع فيديو يوثّق أحد مشاهد المجاعة في القطاع، قائلا: "نتنياهو ينكر المجاعة في غــزة ويصف وفيات الجوع بأمراض خلقية.. لكن صرخات الأطفال على أبواب التكايا تفضح الحقيقة".

مجزرة جديدة