لم ينص عليها الاتفاق.. أثمان باهظة تدفعها إسرائيل مقابل صفقة غزة

إسماعيل يوسف | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعيدا عن تفاصيل البنود الـ20 لاتفاق غزة، هناك أثمان سياسية سوف يدفعها الكيان الإسرائيلي مقابل توقيع الاتفاق وتنفيذه، لم ترد في الإعلان الرئيس.

من هذه الأثمان: توقيع اتفاقية دفاع بين الولايات المتحدة وقطر ستمنع إسرائيل من استهداف قادة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” هناك، أو الاعتداء على قطر مجددا.

ومنها التقارب بين الولايات المتحدة وتركيا بسبب دورها في توقيع الصفقة، وما قد يعقبه من موافقة الأميركيين على تزويد تركيا بطائرات مقاتلة من طراز إف-35.

فضلا عن عودة الزخم لفكرة دولة فلسطين وحل الدولتين، التي تم الإشارة لها في اتفاق غزة بعبارة “فتح مسار موثوق به ينتهي باعتراف بالدولة، وسيُجري الطرفان حوارا من أجل التعايش”.

فدولة فلسطين، أصبحت مطلبا عالميا متزايدا خصوصا مع اعتراف دول أوروبية رئيسة بهذه الدولة.

ناهيك عن انهيار صورة إسرائيل عالميا واضطرارها لإنفاق مليارات الدولارات في حملات دعاية لمحو ما التصق بها بصفتها "دولة ارتكبت إبادة جماعية". 

ما بعد اتفاق غزة 

عكس اهتمام حكومة المطلوب للجنائية الدولية بنيامين نتنياهو بإعلان ما أسمته "النصر"، اهتمت مراكز الأبحاث والصحف الإسرائيلية بالحديث عن أثمان باهظة يدفعها الاحتلال إثر اتفاق غزة.

شددت على أن قضية حماس وغزة لم تعُد مشكلة محلية يمكن معالجتها من زاوية ضيقة تخص الحدث، بعدما نالت تداعياتها المنطقة الإقليمية والعالم.

وصل الأمر بـ "منتدى الشرق الأوسط"، وهو موقع إسرائيلي، للحديث، في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، عن أن انتحار أو قتل أسرى الاحتلال أفضل لإسرائيل.

مستندا لقصص توراتية وهمية عن قتل الملك شاول نفسه بسيفه وتفضيل شمشون الموت على استمرار إذلاله أسيرا، بحجة أن “الوقوع رهينة يعني أن يصبحوا سلاحا ضد شعبهم”.

من جانبه، كتب المحلل الإسرائيلي "تسفيكا حايموفيتش"، في صحيفة "يسرائيل هيوم"، في 9 أكتوبر، يوضح أنه بعد اتفاق غزة ستدفع إسرائيل “أثمانا باهظة”.

قال: إنه بعيدا عما يثار من جدل بشأن صفقة غزة، هناك أمر واحد لا خلاف بشأنه هو "الأثمان التي لم تكن جزءاً من أي عرض، أو اتفاق جرى صوغه".

عدّ اتفاقية الدفاع بين الولايات المتحدة وقطر أحد خسائر إسرائيل والأثمان التي ستدفعها مقابل الصفقة، بعدما وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا رئاسيا بمثابة معاهدة دفاع، مع قطر، يرفع مستوى العلاقات إلى أعلى درجات الالتزام. 

فبموجب هذا الاتفاق أصبحت قطر ملاذا آمنا لقادة حماس ولا تستطيع إسرائيل تكرار العملية الفاشلة التي نفذتها لاغتيالهم، وفقدت بذلك مرونتها في التعامل مع كبار المسؤولين في حماس. وفق المحلل الإسرائيلي.

ورأى أن موافقة الأميركيين على تزويد تركيا بطائرات مقاتلة من طراز إف-35 "خطوة ستؤدي إلى خلل واضح في تفوق إسرائيل النوعي في المنطقة، مع أن هذا مبدأ راسخ في القانون الأميركي".

وأكد أن تدخل تركيا في صفقة غزة ولعب دور فيها ضمن فريق الوسطاء، جعلها "لاعبا ناشطا ومركزيا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يبشر بالخير لإسرائيل".

كما أن حصول تركيا على الطائرة الحربية الأكثر تطورا في العالم وطيرانها المتوقع فوق سماء سوريا، أمر كانت تل أبيب تُفضل تجنبه.

وظهر الدور والتأثير التركي في غياب نتنياهو عن قمة شرم الشيخ بسبب تهديد أردوغان بعدم الحضور، رغم محاولة الخبير الأمني خالد عكاشة القريب من السلطة، نفي ذلك.

وعقب توقيع اتفاق غزة قالت صحيفة "إسرائيل هيوم"، في 14 أكتوبر: إن "تركيا هي أكبر الرابحين من الاتفاق، وأن دعمها لترامب سيكون له ثمن".

 وأوضحت أن الجيش التركي سيكون جزءا من القوة الدولية المنتشرة في غزة، وتركيا ستلعب دورا في إعادة الإعمار"، و"بهذه الطريقة، حقق (الرئيس رجب طيب) أردوغان ما أراده منذ بداية الحرب: موطئ قدم ونفوذ مباشر في غزة".

ورأى أن "المكافآت الدبلوماسية التي تتلقاها أنقرة من الولايات المتحدة قد تحدث تغييرا كبيرا في ميزان القوى الإقليمي."

فيما أشار “أوديد أيلام”، الرئيس السابق لمكافحة الإرهاب في الموساد إلى تداعيات أخرى للتدخل التركي في قضية غزة وفلسطين كوسيط.

قال: رأينا شيئًا غريبًا جدًا لم نره من قبل، وهو أن الأتراك بالتعاون مع حماس يحاولون إقامة نوع من المعقل في سوريا في منطقة درعا، التي تقع على حدود الأردن، ويبدو أنهم يعدون (جبهة) بديلاً لغزة". وفق زعمه.

ومع أن موضوع دولة فلسطين لم يُذكر، ولو تلميحاً، في كل المفاوضات والاتفاقات التي طُرحت على الطاولة خلال العامين الماضيين، إلا أنه في خطة العشرين بنداً التي أعلنها ترامب، تناول بندان هذا الأمر، كثمن للصفقة.

حيث تم النص في بنود خطة ترامب على "فتح مسار موثوق به، سينتهي باعتراف، وسيُجري الطرفان حوارا من أجل التعايش."

وهو ما يعني أن إسرائيل التي سعت لحل مشكلة غزة، خلقت مشاكل أخرى في الوقت نفسه، إذ إن مجرد قبول النقاش حول فكرة دولة فلسطين يعتبر خسارة إسرائيلية ويثير الذعر بعد السابع من أكتوبر 2023، وفق الإسرائيليين.

عزلة إسرائيل

كان أبرز ثمن دفعته ولا تزال تدفعه إسرائيل بسبب جرائم الإبادة في غزة هو حالة العزلة التي فُرضت عليها دوليا، سياسيا واقتصاديا وثقافيا وأكاديميا وفنيا ورياضيا.

وكان هذا الثمن واضحا في ذهن قائد حماس الشهيد يحيي السنوار، حين استخلص من دراسته لتاريخ الصراع أن الفخ الأخطر على إسرائيل هو استثارة ردة فعل أكثر عنفا يضعها في مواجهة العالم.

فحين رسم ملامح المواجهة الكبرى المنتظرة مع الاحتلال الإسرائيلي، عام 2022، قدر لها أن تمتد لفترة وتنتهي إلى عزلة إسرائيل عن العالم وإجبارها على الاعتراف بدولة فلسطين وإنهاء حالة دمجها في الإقليم.

وسبق لـ "الاستقلال" رصد 5 تأثيرات لعزلة إسرائيل التي حذر منها نتنياهو، وزعم أنه سيتحداها بـ "نبوءة إسبرطة".

وقد أشار تحليل نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، 12 أكتوبر 2025 إلى أن أكثر ما أضر إسرائيل بفعل هذه الحرب، بخلاف الضرر المادي والبشري هو تضرر علاقتها مع أكبر حلفائها، أميركا، وتسبب الحرب في تدنّي علاقاتها بالأميركيين.

شرح هذا الكاتب ديفيد هالفينغر رئيس مكتب صحيفة نيويورك تايمز في إسرائيل، مؤكدا أن سمعة إسرائيل في الولايات المتحدة الآن في حالة يرثى لها. 

وأن التحول ضد إسرائيل شمل نخبا سياسية، وأحزابا، ومجموعات دينية، مثل الإنجيليين، تحول رأيهم ضد إسرائيل، وليس فقط في الجامعات أو بين الأوساط التقدمية، بل أيضا بين الناخبين الأميركيين.

وحتى اليهود الأميركيون، الذين كانوا تاريخيا أقوى داعمي إسرائيل في الداخل الأميركي، أصبحوا، وفقا الكاتب، أكثر انتقادا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية، وبحكومته اليمينية.

وكان آخر استطلاع لصحيفة واشنطن بوست أظهر أن غالبية اليهود الأمريكيين يعتقدون أن إسرائيل ارتكبت "جرائم حرب"، بعدما قتلت عشرات الآلاف من المدنيين وقيدت وصول المساعدات الغذائية لهم.

وفسر الباحث والمختص في استطلاعات الرأي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة ميريلاند والمتخصص في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، "شِبلي تلحمي"، ذلك بقوله: "نحن الآن أمام جيل غزة النموذجي، كما كان لدينا جيل فيتنام وجيل بيرل هاربر".

أوضح أن "هناك شعورا متناميا بين الأميركيين بأنهم يشهدون إبادة جماعية كشفتها وسائل الإعلام الجديدة التي لم تكن موجودة خلال حرب فيتنام، وهذا الانطباع لن يزول بسهولة".

وظهرت ملامح العزلة الدولية لإسرائيل في وتيرة إعلان الحلفاء والشركاء الأوروبيين لتل أبيب تعليق ومراجعة اتفاقيات تجارية وعسكرية، والتلويح المستمر من قبل الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية.

تنازلات أخفوها

ولا يقتصر الأمر على "أثمان" تم دفعها مقابل الحرب وصفقة غزة، فقد تحدث كُتاب إسرائيليون عن تنازلات أخفتها حكومة نتنياهو في الصفقة.

المحلل "رونين برغمان"، وهو مراسل صحيفة نيويورك تايمز أيضا، شرح في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في 12 أكتوبر، جانبا من هذه التنازلات مشيرا لأن ما تحدث عنه نتنياهو أثناء الحرب عن 5 أهداف من وراء خطة احتلال غزة، انهارت ولم يحقق أغلبها وقدم تنازلات.

وأوضح أنه لم يحقق سوى تدمير غزة كأحد الإنجازات العظيمة في "حرب النهوض"، كما أسماها، بينما لم يحقق أربعة من أصل شروطه الخمسة وهي: 

لم يفكك سلاح حماس، ولم ينزع السلاح من القطاع، كما أن إسرائيل لا تسيطر سيطرة أمنية كاملة على القطاع بكامله، ولا يوجد ضمان فعلي لتأسيس حكومة مدنية بديلة، ليست من حماس، ولا من السلطة الفلسطينية كما قال.

وفي 14 أغسطس/آب 2025، قال نتنياهو في خطاب له: "إن هذه المبادئ الخمسة ستضمن أمن إسرائيل، هذا هو معنى كلمة النصر، هذا ما نعمل من أجله، ويجب على الجميع أن يفهموا ذلك".

ويقول "برغمان" أن كل من شاهد مؤتمر ترامب وهو يعلن خطة غزة يستغرب ما يسميه نتنياهو "نصراً"، مؤكدا: إذا كان نتنياهو يعتبر أن تلك المبادئ هي "النصر المطلق"، فكيف يصف حالنا الآن بعد عدم تنفيذه معظمها؟"

وسخر من تنازلات نتنياهو وحكومته قائلا: "يروجون اتفاق غزة على أنه نجاح مطلق، بينما التنازلات عميقة جدا".

ونقل الكاتب عن "مصدر استخباري" إسرائيلي قوله: إنه يجب على نتنياهو أن يجيب عن تساؤلات رئيسة لا تزال مفتوحة منها: لماذا يجري ترويج هذا الاتفاق على أنه نجاح مطلق، بينما ينطوي على تنازلات عميقة جدا؟

قال: إن الاتفاق الذي وُقع في شرم الشيخ، كان مناقضا لما ذكرته مصادر إسرائيلية ومصادر من الدول الوسيطة؛ حيث ذكر في البند الأول أن "الرئيس ترامب سيعلن إنهاء الحرب في قطاع غزة، وتم الاتفاق بين الأطراف على تنفيذ الخطوات الضرورية لذلك".

وذُكر في بداية البند الثاني أن "الحرب ستنتهي فورا عند موافقة حكومة إسرائيل، وستتوقف العمليات العسكرية كلها، بما فيها القصف الجوي وإطلاق النار والعمليات الهجومية"، لكن بيان حكومة نتنياهو تجهل ذلك.

وقد أشارت مجلة "فورين بوليسي"، 9 أكتوبر 2025 إلى أن اتفاق ترامب يواجه تحديات سياسية وأمنية قد تعرقل المفاوضات المقبلة وتمنع التوصل إلى تسوية دائمة.

منها: سلاح حماس؛ حيث ترفض الحركة ذلك، في حين تعد إسرائيل هذا الشرط أساسيا لتنفيذ بقية الخطة، وحتى احتمال قبول حماس بتسليم جزئي للأسلحة، لن يكون مقبولا لدى الحكومة الإسرائيلية، التي تريد تدمير الحركة بشكل كامل.

ومن هذه العقبات انسحاب جيش الاحتلال كليا من غزة، فخطة ترامب تنص على انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من غزة، غير أن تفاصيل الحدود وموعد الانسحاب لا تزال غير محددة على وجه الدقة.

أيضا ملف "إدارة غزة" الشائك إحدى العقبات الكبرى؛ حيث تنص خطة ترامب على تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية لحكم قطاع غزة تحت إشراف دولي، مع إشراف "مجلس سلام" دولي برئاسة الرئيس الأمريكي.

ورغم أن حماس أبدت موافقة مبدئية على التخلي عن إدارة قطاع غزة، فإنها لم تتنازل عن دورها السياسي بالكامل، وهو ما ترفضه إسرائيل والولايات المتحدة، وفق المجلة.

هناك أيضا عقبة المعارضة الشرسة ضد الاتفاق من داخل حكومة نتنياهو اليمينية؛ إذ هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بالانسحاب من الائتلاف إذا تم تنفيذ الاتفاق، مما قد يؤدي إلى سقوط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.

وهذه الملفات الشائكة قد تجعل تنفيذ الاتفاق أكثر تعقيدا من الحرب ذاتها، وفق فورين بوليسي.

أثمان أخرى

وتشير تقديرات غربية وإسرائيلية إلى "أثمان" أخرى دفعتها إسرائيل، مثل الإفراج عن أسرى فلسطينيين وتكلفة وخسائر الحرب.

فضمن الصفقة، وافقت إسرائيل على إطلاق عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق أسرى إسرائيليين من قبل حماس، ودفعت أثمانا باهظة، بحسب موقعي "فلسطين كرونيكل"، و"وكالة الأخبار اليهودية" JNS، 14 فبراير 2025.

أيضا تكلفة الحرب هيكلياً واقتصادياً، فقد قُدرت تكلفة الحرب على غزة حتى نهاية عام 2024 قُدرت بحوالي 250 مليار شيكل، ما يعادل حوالي 67 مليار دولار أميركي، وخلال 2025 بقرابة 170 مليار شيكل.

يضاف لهذا الخسائر الاقتصادية والتجارية، مثل الخسائر في الإيرادات، وانخفاض الاستثمار، وتراجع في السياحة، وتزايد التضخم وانخفاض قيمة العملة (الشيكل) وغيرها.

وتعاني دولة الاحتلال من ديون داخلية وخارجية ضخمة، بعضها بسبب الحروب، تفوق 400 مليار دولار، والفوائد وحدها تُكلف الخزينة ما بين 12–13 مليار دولار سنويًا.

وهي نسبة مرتفعة تشكّل عبئًا على الميزانية، خصوصًا مع اتساع الإنفاق العسكري، وفق موقع “ترايدينغ إيكونوميكس” (trading economics).

وإسرائيل مدينة اليوم بإجمالي دين عام يبلغ 1.35 تريليون شيكل (ما يعادل 406 مليارات دولار)، وستدفع هذا العام قرابة 60 مليار شيكل (18 مليار دولار) فوائد دين فقط (بخلاف أقساط الديون)، وفق بيانات رسمية.

ونسبة الدين إلى الناتج المحلي نحو 67 بالمئة من الناتج، وارتفعت بسبب الحرب على غزة وزيادة الإنفاق العسكري، وفق تحليل للمؤشر الاقتصادي "مودي".

والديون مُقسمة إلى "خارجية" (لجهات أجنبية) تبلغ نحو 149.8 مليار دولار (في الربع الأول 2025، وفوائد الديون، أو مدفوعات الفوائد كنسبة من الإيرادات الحكومية تبلغ 9.1 بالمئة، فيما مدفوعات الفوائد كنسبة من إجمالي المصروفات 7.7 بالمئة، وفق البنك الدولي (بيانات 2023).