إشارات متتالية واهتمام متزايد.. هل اقترب التطبيع بين إندونيسيا وإسرائيل؟

"الشرط الإندونيسي الوحيد للتطبيع هو إقامة دولة فلسطينية"
منذ توقيع اتفاقيات أبراهام عام 2020، تضع إسرائيل إندونيسيا ضمن أبرز الدول التي تسعى لتطبيع العلاقات معها، في وقت تُبدي فيه جاكرتا اهتماما حذرا ببحث سبل الانفتاح الدبلوماسي والاقتصادي دون التخلي عن دعمها للقضية الفلسطينية.
ورغم تعثر هذه المساعي في مراحل سابقة، كان مفاجئا تجدد الحديث عنها خلال العدوان الإسرائيلي على غزة (2023 – 2025)، ما يعكس رغبة متبادلة وإن كانت غير معلنة بالكامل.
ومع الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة ودخوله حيز التنفيذ في أكتوبر/تشرين الأول 2025، يتوقع كثيرون تجدد محاولات إسرائيل لاختراق الجدار السياسي والدبلوماسي في أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان.

مشاركة لافتة
وفجأة وبدون مقدمات، أصبحت إندونيسيا في قلب المناقشات الهادفة إلى إيجاد حل لمستقبل قطاع غزة والقضية الفلسطينية، وبدأت بالمشاركة إلى جانب دول المنطقة في الاجتماعات المتعلقة بهذا الأمر.
إذ شارك الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو إلى جانب قادة وزعماء نحو 20 دولة عربية وغربية بينهم نظيره الأميركي دونالد ترامب، في قمة شرم الشيخ بشأن التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة، في 13 أكتوبر.
وتهدف القمة إلى المساهمة في حشد دعم دولي إضافي لخطة ترامب للسلام في غزة، في ظل بقاء قضايا صعبة عالقة تتعلق بحكم القطاع ما بعد الحرب والأمن وإعادة الإعمار.
وكان لافتا أيضا مشاركة سوبيانتو مع زعماء ومسؤولين من 8 دول عربية وإسلامية في اجتماع قمة مع ترامب في نيويورك 23 سبتمبر/أيلول، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأفضى هذا الاجتماع إلى إعلان ترامب عن خطة يخضع القطاع المحاصر بموجبها لحكم انتقالي مؤقت من قبل لجنة فلسطينية تكنوقراطية وغير سياسية، تكون مسؤولة عن إدارة الخدمات العامة اليومية وشؤون البلديات لسكان غزة.
وتتألف اللجنة من فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين، تحت إشراف هيئة انتقالية دولية جديدة تدعى "مجلس السلام"، يترأسها ترامب ويشارك فيها رؤساء دول آخرون يتم الإعلان عنهم لاحقا.
وورد في الخطة اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير للإشراف على إدارة قطاع غزة، لكن ترامب شكك في 12 أكتوبر، بإمكانية انضمام الأول لعدم تأكده من أنه "خيار مقبول للجميع"، وسط انتقادات لدوره في حرب العراق.
وخلال اجتماع القمة في نيويورك، أثنى ترامب على رئيس إندونيسيا ووصف خطابه في الجمعية العامة بـ"الرائع"، مضيفا: "أحسنت بضربك على الطاولة".
وجاءت هذه الإشادة بعد أن تميز خطاب سوبيانتو دونا عن باقي كلمات القادة والزعماء، بالحرص على أمن إسرائيل، ما عزز التكهنات باهتمام إندونيسيا بالتطبيع معها رغم شنها عمليات إبادة جماعية في غزة على مدار عامين.
وقال سوبيانتو خلال الخطاب: "يجب أن نعترف ونحترم ونضمن سلامة وأمن إسرائيل، وحينها فقط يمكننا الحصول على سلام حقيقي لا مكان فيه للكراهية"، قبل أن ينهي كلمته بـ"شالوم" بالعبرية، أي "سلام".
وبين أن “الحل الوحيد هو حل الدولتين"، مضيفا: "حفيدا إبراهيم يجب أن يعيشا في مصالحة وسلام وانسجام، وإندونيسيا مهتمة بأن تكون جزءا من تحقيق هذه الرؤية”.
كما عرض المساهمة بـ "20 ألفًا أو أكثر من أبنائنا وبناتنا" للخدمة في قوة متعددة الجنسيات للمساعدة في توفير الأمن في ظل حل الدولتين.
وتأخذ تصريحات الرئيس الإندونيسي طابعا جديا وعمليا، إذ كان يعتزم زيارة إسرائيل في 14 أو 15 أكتوبر لأول مرة، وذلك بعد محادثات سرية حول هذه الخطوة، وفق ما نقل موقع آي 24 الإسرائيلي.
فيما قالت القناة 12 العبرية: إن الاستعدادات جارية في إسرائيل لاستقبال الرئيس الإندونيسي في تل أبيب 14 أكتوبر.
وصرح ديمتري جيندلمان، المستشار السياسي في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لـ "نوفوستي" الروسية، بأن الرئيس الإندونيسي سيجري زيارة إلى إسرائيل في 14 أكتوبر.
وبعد وقت من هذا الإعلان، نفت الخارجية الإندونيسية بشكل قاطع ما جرى تداوله، مؤكدة أن برنامجه يقتصر على زيارة مصر فقط قبل عودته إلى الوطن.
فيما نقلت القناة 12 عن مسؤول إسرائيلي قوله: إن إندونيسيا غاضبة من تسريب خبر الزيارة، فيما يبدو أن جاكرتا كانت تريدها سرية.
وتأتي هذه الخطوة في وقت لا تقيم جاكرتا علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، وتربط أي اعتراف رسمي بها بإبرام اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
وأعلن سوبيانتو مرارا، أن شرط إندونيسيا للتطبيع مع إسرائيل يكمن في اعترافها بدولة فلسطين وحل الدولتين، لكنه بدأ في اتخاذ خطوات للتقرب من تل أبيب رغم عدم اتخاذها هذه الخطوة.

تحركات جدية
ففي 7 أغسطس/ آب 2025، جدد المتحدث باسم الحكومة الإندونيسية، حسن نصبي، عرضا سابقا باستقبال أعداد من جرحى ومرضى من قطاع غزة، مشيرا إلى أن الرئيس سوبيانتو رفع العدد إلى ألفي شخص.
وأوضح نصبي أن سوبيانتو طالب خلال جلسة مجلس الوزراء بتسريع التحضيرات لاستقبال هذا العدد على أن يكون معظمهم من الأطفال الجرحى والمصابين مع ذويهم.
وكان سوبيانتو عرض للمرة الأولى، وقبيل جولة له في الشرق الأوسط في أبريل/ نيسان 2025، استقبال نحو ألف من ضحايا الحرب في قطاع غزة، من بينهم جرحى وأيتام ومصابون بصدمات نفسية، لتلقي العلاج الطبي في الدولة الآسيوية.
ووضع سوبيانتو حينها شرطا أساسيا، وهو موافقة السلطات الفلسطينية برئاسة محمود عباس والدول المجاورة مثل مصر والأردن، إضافة إلى جامعة الدول العربية، دون الإشارة إلى الحاجة لرأي إسرائيل.
ولكن، على الصعيد الداخلي، هناك تحذيرات متزايدة، خصوصا من ممثلي المؤسسات الإسلامية، من تبعات خطة الإجلاء الإنساني.
وقال أنور عباس، القيادي في ثاني أكبر جمعية إسلامية معتدلة في إندونيسيا (المحمدية) ونائب رئيس مجلس العلماء: من المؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب "سيكونان سعداء" إذا نقلت إندونيسيا المصابين الفلسطينيين من غزة لتلقي العلاج.
وتابع متسائلا: “لكن، هل ستقبل إسرائيل والولايات المتحدة بعودتهم إلى غزة بعد شفائهم؟”، وفق ما نقلت صحيفة تاز الألمانية.
وأضاف: “ماذا لو لم يرغب المتعافون بالعودة إلى غزة؟”، مشددا على أنه "من الأفضل تقديم العلاج لهم داخل القطاع أو في المناطق المجاورة مباشرة".
من جانبه، قال أوليه سوليه النائب البرلماني من حزب الصحوة الوطنية الإسلامي: إن "إجلاء سكان غزة قد يعطي انطباعا بأن إندونيسيا توافق ضمنيا على رغبة إسرائيل في الاستيلاء على كامل الأراضي الفلسطينية".
وأضاف: "إذا كان الأمر يتعلق بإندونيسيا التي تُخرج سكان غزة من أرضهم، فإن ذلك يعادل موافقة جاكرتا على رغبة إسرائيل في الاستحواذ على كامل الأراضي الفلسطينية".
كما حذر النائب المعارض توباغوس حسن الدين من أن “عملية إجلاء الجرحى من غزة قد تكون فخا إسرائيليا”، مشيرا إلى أن "السلطة الفلسطينية لم توافق حتى الآن على العرض الإندونيسي، وهو ما أقر به أرماناثا نائب وزير الخارجية".
ورغم أن الخطة الجديدة لوقف إطلاق النار نسفت محاولات إسرائيل لتهجير أهالي قطاع غزة، فمن غير المعلوم ما تخطط له جاكرتا مع تل أبيب.
فقد كانت إندونيسيا منخرطة في مخطط لإجلاء عائلات من قطاع غزة خلال الشهور الماضية لكنه لم يجد طريقه للتنفيذ، وفق ما كشف مصدر فلسطيني لـ"الاستقلال" قبل أسابيع قليلة من انتهاء العدوان.
وقال المصدر وهو شاب من قطاع غزة يعيش في دبي: إن هناك “مؤسسة تعمل مع حكومة الإمارات، كانت تسجل أسماء عائلات فلسطينية لديها أفراد يعيشون في الدولة الخليجية من أجل إجلائهم”.
وتابع: “سجلت أفراد عائلتي لإجلائهم إلى الإمارات ومن ثم إلى إندونيسيا بسبب عدم وجود حل بشأن غزة”.
وبين أن هذا الإجلاء كان مشروطا بالتوقيع على تعهد بعدم العودة إلى القطاع مع منح كل فرد 5 آلاف دولار عند المغادرة إلى الدولة المستضيفة، وفق قوله.
وأردف: “قد يكون هذا الأمر انتهى بانتهاء الحرب وخطط التهجير، لكن الإمارات كانت تقود هذا المخطط وتموله وتعتزم إرسال آلاف الفلسطينيين إلى دول مثل إندونيسيا وماليزيا وليبيا وغيرها”، ما يعني تورط جاكرتا بالخطة.

الهدف والمقابل
وعن دور جاكرتا، رأى أستاذ العلوم السياسية خليل العناني أن هناك محاولات لإدخال دول جديدة في اتفاقيات أبراهام وعلى رأسها إندونيسيا.
وأردف في مقطع فيديو على يوتيوب: “إسرائيل تريد التطبيع مع دولة عربية كبيرة (السعودية) وأخرى مسلمة كبيرة (إندونيسيا)، حتى تحذو الدول الأصغر حذوهما بشكل أسهل وأسرع وتقتدي بهما”.
ورغم أن إندونيسيا لا تُعد رسميا دولة إسلامية فإنها تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم (230 مليون مسلم).
وتوقع العناني أن يحدث قريبا تطبيع رسمي بين إندونيسيا وإسرائيل “خاصة أنه لا يوجد حرج بالنسبة لجاكرتا في موضوع الإبادة بقطاع غزة وستقول إنها فعلت ما عليها”.
ولفت المحلل السياسي المصري المقيم في أميركا، إلى أن الاحتمالات تعززت أخيرا بأن تكون إندونيسيا وجهة لقبول فلسطينيين من قطاع غزة.
وعزا اهتمام ترامب بحضور قادة باكستان وإندونيسيا ودول أخرى للاجتماعات الأخيرة بشأن غزة، بحرصه على انخراط تلك الدول في التطبيع.
وأردف العناني: “التطبيع قد يكون أحد الأمور التي حاول ترامب إقناع نتنياهو بها لوقف الحرب ولو مؤقتا”.
ورأت وكالة أنباء اليهود (JNS) أن زيارة الرئيس الإندونيسي التي نفي لاحقا عزمه تنفيذها “كانت ستُنذر بتطبيع محتمل للعلاقات مع الدولة اليهودية”.
وأكدت في 13 أكتوبر 2025، أن إندونيسيا تعد واحدة من الدول التي تسعى واشنطن معها إلى توسيع نطاق اتفاقيات أبراهام. وشهدت السنوات الماضية بعض أشكال التعاون بين الجيشين الإسرائيلي والإندونيسي، إلى جانب وجود حركة سياحية متبادلة.
وقبل عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، جرى التوصل إلى تفاهمات بشأن انضمام إندونيسيا إلى “اتفاقيات أبراهام”، وفق ما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت.
وبينت الصحيفة في 13 أكتوبر 2025 أن “إندونيسيا وافقت قبل نحو عام ونصف العام على تطبيع العلاقات مقابل دعم إسرائيل لمحاولتها الانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”.
ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تأسست عام 1961، وتضم 31 من الدول المتقدمة التي تلتزم بالديمقراطية واقتصاد السوق (من بينها إسرائيل)، ومقرها العاصمة الفرنسية باريس.
فيما تتحدث تقارير عبرية أخرى عن اهتمام سوبيانتو بالتعاون مع إسرائيل في مجال التكنولوجيا الزراعية المتطورة ورغبته بتطوير جيشه وتعزيز الصناعات الدفاعية.
وبدوره، أوضح الدكتور جيورا إليراز، من معهد ترومان بالجامعة العبرية أن "لدى إندونيسيا طموحات على الساحة الدولية، وهذا (التطبيع) جزء من تصورها الذاتي بأنها دولة يجب أن تكون فاعلة في مختلف الساحات، بما في ذلك الشرق الأوسط، إذ تسعى للعب دور سياسي نشط".
واستدرك لموقع القناة 12 العبرية في يوليو/تموز 2025 أن "مشاركتها تظل محدودة حتى الآن بسبب غياب العلاقات مع طرفي النزاع في المنطقة؛ إسرائيل وفلسطين".
وبالنسبة لإسرائيل، يقول : "تُعد إندونيسيا القوة المهيمنة داخل منطقة جنوب شرق آسيا، وهناك من يتوقع أنه خلال عشرين عاما ستكون واحدة من أكبر خمس اقتصادات في العالم، وهي بالفعل اليوم عضو في مجموعة العشرين".
وفيما يتعلق بموقفها، قال إليراز: "الشرط الإندونيسي الوحيد للتطبيع هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة لكن هناك مجال للمناورة السياسية".
ووصف الرئيس برابوو بأنه "شخص براغماتي للغاية، ومنفتح على التغيرات السياسية". ويقدر أن "السعودية -بصفتها دولة مسلمة رائدة ومؤثرة- قد تلعب دورا محوريا في هذا السياق".
فوفقا لرأيه، "إذا وافقت السعودية على صيغة مخففة من الالتزام بقيام دولة فلسطينية مقابل التطبيع، فقد يكون لذلك تأثير مباشر على إندونيسيا ويدفعها لتبني تسوية مشابهة".
على أرض الواقع، ذكرت القناة العبرية أن "رجال الأعمال الإسرائيليين يجرون تعاملات تجارية داخل إندونيسيا، كما يزور بعض المواطنين الإندونيسيين إسرائيل ويقومون بأنشطة اقتصادية فيها".
وترى القناة أن "تحقيق اتفاق تطبيع مع إندونيسيا سيشكل إنجازا سياسيا كبيرا، سيكون له تبعات اقتصادية واسعة".