ماذا يعيق الإنتاج الصناعي في سوريا كي يعود لأرقام ما قبل 2011؟

مصعب المجبل | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تكثف الدولة السورية الجديدة خطواتها لإصلاح البنية التحتية المتضررة، نتيجة التدمير خلال حقبة الرئيس المخلوع بشار الأسد والذي أنهك كذلك القطاع الصناعي الذي كانت تتميز به سوريا.

ومع تعويل دمشق على الاستفادة من مفاعيل رفع العقوبات الأميركية والأوروبية في دفع عجلة الإنتاج من جديد، تسعى وزارة المالية السورية لتذليل العقبات أمام القطاع الصناعي.

تسهيلات ضريبية

وفي خطوة مباشرة نحو ذلك، أعلن وزير المالية محمد يسر برنية، في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2025 أن النظام الضريبي الجديد سيحدد نسبة الضريبة على الصناعيين بـ10 بالمئة فقط.

وقال برنية: إن 25 بالمئة من حصيلة ضريبة المبيعات، التي ستستحدث بديلا عن ضريبة الإنفاق الاستهلاكي بدءا من مطلع 2026، سيتم تخصيصها لدعم القطاع الصناعي والتصدير بشكل مباشر، عبر خطوات تنفيذية واضحة وملموسة.

جاءت تصريحات برنية خلال اجتماع الهيئة العامة لغرفة صناعة دمشق وريفها، حيث شدد على أن الحكومة تعتمد مبدأ "التشاركية الفعلية" مع غرف الصناعة والتجارة في رسم السياسات الاقتصادية. 

وأشار برنية إلى أن أي قرارات مستقبلية لن تُتخذ من دون حوار مسبق مع ممثلي القطاع الصناعي.

وأوضح الوزير أن المنشآت الصناعية المتضررة أو المدمرة ستُعفى كليا من الضرائب حتى إعادة تأهيلها، في خطوة تهدف إلى تحفيز إعادة الإنتاج في المناطق المتضررة.

وخلال الـ 14 عاما الماضية استنزف الاقتصاد السوري وتعرضت البنية التحتية للضرر الكبير.

كما ألحق القصف أضرارا بالغة بالبنية التحتية للكهرباء، مع انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 20 ساعة يوميا.

وفي الوقت الراهن تأمل دمشق جذب الاستثمارات في مختلف القطاعات لا سيما بعد إعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مايو 2025 رفع عقوبات مفروضة على سوريا منذ سنوات.

وفي قطاع الاستثمارات، نظم في يوليو/تموز 2025 بدمشق "منتدى الاستثمار السوري السعودي"، وقد شهد توقيع اتفاقيات استثمار وشراكة بقيمة 6,4 مليارات دولار في مجالات عدة، بينها البنية التحتية والصناعة والطاقة.

كما أعلنت الرياض أنها ستمنح سوريا 1,65 مليون برميل نفط خام بهدف مساعدة اقتصادها على التعافي، وهي منحة تغطي الاحتياجات السورية لنحو 12 يوما.

كما أعلنت سوريا في 13 يوليو/تموز 2025 توقيع اتفاقية بين الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية وشركة موانئ دبي العالمية بقيمة 800 مليون دولار، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا". 

وقال رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة موانئ دبي العالمية سلطان بن سليم في كلمة عقب توقيع الاتفاقية "مقومات الاقتصاد السوري كبيرة ومنها ميناء طرطوس، الذي يُعد فرصة لنقل وتصدير العديد من الصناعات السورية".

وفي مايو/أيار 2025، وقّعت دمشق عقدا لمدة 30 عاما مع شركة "سي أم إيه سي جي ام" الفرنسية، لتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية.

وتضم سوريا العديد من المناطق الحرة التي يتيح الاستثمار فيها مزايا عديدة للمستثمرين الأجانب، بينها الاعفاء الكامل من الضرائب والرسوم كافة، وحرية استخدام اليد العاملة المحلية أو الأجنبية، عدا عن حرية تحويل الرأسمال الأجنبي المستثمر.

وأعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية في مايو 2025 توقيع مذكرة تفاهم مع شركة Fidi Contracting الصينية، لاستثمار مناطق حرة بمساحة تتجاوز مليون متر مربع، لمدة عشرين عاما، بهدف إنشاء منطقة صناعية متكاملة تحتوي على مصانع متخصصة ومنشآت إنتاجية.

مطالب الصناعيين

هناك تحديات كبيرة يواجهها قطاع الصناعة، لا سيما أن الأرقام تشير إلى تراجع حاد في الأداء الصناعي بسوريا، في وقت يتطلع فيه الصناعيون لتعزيز صادراتهم لتعود أفضل مما كانت عليه قبل عام 2011.

وأكد معاون وزير الاقتصاد والصناعة محمد ياسين حورية لـ وكالة "سانا" في 2 أكتوبر 2025 الوصول للمراحل النهائية من إعداد قرار شامل ينظم إقامة المنشآت الصناعية خارج المناطق والمدن الصناعية، بما يسهل عمل المنشآت القائمة ويمكنها من تلبية احتياجات السوق المحلية ورفد الأسواق الخارجية، وفق قوله.

وأوضح حورية أن العمل يتركز حاليا على عدة محاور، من أبرزها خفض تكاليف الإنتاج من خلال إجراءات مالية وجمركية، وتنشيط حركة التصدير، وفتح خطوط جديدة للصناعيين في الأسواق المجاورة والدولية، إلى جانب معالجة ملفات حساسة مثل التشوهات الجمركية، ومكافحة دخول البضائع المهربة من المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة.

كما لفت معاون وزير الاقتصاد والصناعة إلى أن العمل جار على تخفيض الرسوم على استيراد المواد الأولية، وتسهيل إجراءات التصدير، وتنظيم البلاغات المتعلقة بإقامة المنشآت الصناعية، بما يضمن بيئة قانونية مستقرة ومتوازنة.

وبحسب حورية فإنه عقب إعفاء الآلات الصناعية المستوردة من الرسوم الجمركية، فإن عدد المعامل التي عادت إلى العمل داخل سوريا تجاوز 1500 معمل، مشيرا إلى أن الطلبات ترد بشكل يومي من صناعيين من خارج البلاد، في مؤشر واضح على استعادة ثقة المستثمرين بالبيئة الصناعية السورية.

وفي نهاية سبتمبر 2025 نظم عدد من أصحاب المنشآت الصناعية، وقفة احتجاجية أمام مقر اتحاد غرف الصناعة في دمشق، مطالبين الحكومة بالتدخل لدعم الصناعة الوطنية والعمل على تخفيف الأعباء المالية عن أصحاب المعامل.

ورفع الصناعيون المشاركون في الوقفة، لافتات تتضمن مجموعة من المطالب، تمثلت أبرزها في خفض تكاليف الطاقة وأسعار المواد الأولية وتقديم تسهيلات ضريبية، إضافة إلى وقف الاستيراد المؤقت لبعض المنتجات المنافسة، بما يسمح للصناعات المحلية بالتعافي، وإعادة التموضع في السوق.

وطالب بعض الصناعيين بضرورة وقف الاستيراد لمدة عام أو عامين، كي يتمكن المنتج الوطني من الصمود والنهوض، وعلى التجار أن يروجوا للمنتج المحلي، بدلا من الاعتماد على البضائع المستوردة.

وفي تصريحات لوكالة "سانا" أشار عبد الرحمن الحفار، صاحب معمل لإنتاج الزيوت والصابون إلى التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع، لافتا إلى أنه يعمل حاليا على إعادة بناء مصنوعه بعد تضرره خلال سنوات الحرب، ومطالباً بتدخل حكومي يساند الصناعيين لتمكينهم من متابعة الإنتاج والمنافسة.

معوقات كبيرة

وضمن هذه الجزئية، يؤكد الباحث الاقتصادي، رضوان الدبس، لـ "الاستقلال" أن "هناك معوقات مباشرة وأخرى غيرة مباشرة، وجميعها تؤثر على الإنتاج الصناعي".

وأضاف الدبس قائلا: "إن أهم نقطة هي وجود بنية تحتية مدمرة وغير مؤهلة في غالبية المحافظات السورية وخاصة المناطق التي كان فيها مصانع إنتاج ضخمة وورش صناعية بـ الآلاف".

وأردف "والآن بالنظر إلى وضعها فإن غالبيتها قد تعرض للقصف والتدمير أو التخريب أو النهب علاوة على أن البنية التحتية المساندة لها متضررة".

ومضى يقول: "عندما نتحدث عن عدم وجود تغذية كهرباء وإمدادات مياه وإنترنت وطرق صالحة ومواصلات فإن هذه تندرج ضمن خانة معوقات الإنتاج الصناعي في سوريا في الوقت الراهن والتي تجعل من كل صناعي يعيد تفكيره قبل إعادة ترميم مصنعه؛ لأن هذا الصناعي بحاجة إلى مرحلتين الأولى تتمثل بإيصال الخدمات الأساسية والثانية هي إعادة ترميم المصنع أو ورشته الصناعية".

وأشار الدبس إلى أن "وجود شبكة كهرباء صالحة من أهم العوامل المساعدة في دورة الإنتاج الصناعي حيث إن 80 بالمئة من الإنتاج الصناعي في سوريا يعتمد على الكهرباء أو المحروقات مثل المازوت وهذا الأخير بات اليوم سعره حرا والذي وصل سعر اللتر لأكثر من دولار أميركي وهذا ما يعني زيادة في تكلفة الإنتاج".

وأضاف أن "هناك نقصا في الكوادر الفنية المتخصصة بسوريا نتيجة عمليات القصف والنزوح والهجرة للخارج عقب اندلاع الثورة، علاوة على افتقاد الشباب للتعليم المهني خلال السنوات الماضية مما ينعكس على وجود كفاءات مهنية وحرفية والتي تؤثر على دورة الإنتاج الصناعي في بعض القطاعات وهو معوق كبير للمصانع".

وألمح الدبس إلى أن "مسألة المصارف ومنح القروض الصناعية وتأمين مبالغ لإعادة ترميم المصانع أو إدخال آلات حديثة هي من الصعوبات التي تواجه الصناعيين".

وراح يقول: "كل تلك التكاليف على الصناعة ستنعكس على سعر المنتج في النهاية كي يتمكن من تسديد قيمة الخدمات، الأمر الذي يفتح الباب أمام المقارنة بين المنتج المحلي والمستورد من ناحية أيهما أرخص على جيب المواطن الذي يعاني من مشاكل مادية فضلا عن انخفاض قيمة الرواتب والدخول في هذا المرحلة من ناحية ضعف القوة الشرائية".

وعقب سقوط نظام بشار الأسد، بات النموذج الاقتصادي الجديد في سوريا يقوم على سوق حر تنافسي مع حماية للصناعة الوطنية، وذلك من خلال رسوم جمركية مدروسة تحمي المنتج المحلي من المنافسة غير العادلة، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الطاقة مقارنة بدول الجوار.

ويؤكد الخبراء أن تنشيط القطاع الصناعي الوطني، يترافق مع ضرورة تطوير البيئة التشريعية والإجرائية، وتقديم التسهيلات اللازمة لعودة الاستثمارات، وتحقيق التوازن بين الانفتاح الاقتصادي وحماية الإنتاج المحلي.

ولا سيما أن إعادة بناء الصناعة السورية وتطويرها وخلق التنافس من حيث الجودة والسعر سيسهم في نهاية المطاف في خفض تكاليف الإنتاج وإنعاش التصدير.