قمة شرم الشيخ واتفاق غزة.. بين هدنة مؤقتة وصراع دائم مع الهيمنة الغربية

"يبدو أن إسرائيل تجد صعوبة في التراجع عن وقف إطلاق النار"
استعرضت صحيفة تركية، أبرز العوامل التي دفعت إلى توقيع اتفاق لإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، متسائلة عما إذا كان ذلك يمثل بداية فجر جديد للسلام في الشرق الأوسط، أم أن الأمر مجرد حل مؤقت سيعيد المنطقة إلى دائرة التوتر كما جرت العادة؟
وقالت صحيفة ستار في مقال للكاتب التركي “قدرت بلبل”: إن توقيع إعلان نوايا حسنة حول مستقبل غزة في شرم الشيخ بمصر (13 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، بمشاركة رؤساء دول وحكومات عدة، لم يكن ليجد طريقه للتنفيذ بدون تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل.

السياق الدولي
واستدرك الكاتب: يجب الاعتراف أن صمود أهل غزة وحركة المقاومة الإسلامية حماس هو ما جعل هذا الاتفاق ممكنا، وذلك رغم الدعم الكامل لإسرائيل من القوى الإمبريالية العالمية كافة.
وقد لعبت عدة عوامل دوراً محورياً في تمكين هذا الاتفاق، أولها الضغوط الدولية والوعي العالمي بعد أن شهد العالم استيقاظا ملحوظا للضمير الإنساني، خصوصا في الدول التي تدعم إسرائيل.
فالتصوير الإعلامي للجريمة الإنسانية في غزة، والرفض الشعبي للدول التي دعمت الهجمات، أسهم في خلق بيئة ضغط على إسرائيل للإذعان مؤقتاً لوقف إطلاق النار، وفق تقديره.
ثانيا، الدبلوماسية العربية والإسلامية، بما فيها الدور التركي، حيث كانت جهود تركيا محورية في تقريب وجهات النظر، والتوسط بين الأطراف.
فدعم الرئيس رجب طيب أردوغان للجهود الدبلوماسية انعكس على فعالية المفاوضات، ورفع من سقف الآمال المرتبطة بالاتفاق.
كما مارست الدول العربية والإسلامية ضغوطاً على الولايات المتحدة لإقناع إسرائيل بضرورة قبول الاتفاق. بحسب تقدير الكاتب.
وثالثا، تطرق إلى أساطيل المساعدات الإنسانية الدولية لغزة بدءاً من أسطول "مافي مرمرة" حتى أسطول “الحرية”.
وهو ما أسهم في رفع الوعي العالمي حول الأزمة الإنسانية في غزة، وكشفت حجم المعاناة بسبب الحصار المستمر والجوع المتفشي.
وذكر الكاتب أنّ هذا العمل الإنساني لم يكن مجرد تقديم مساعدات، بل شكل ضغطاً دبلوماسياً على إسرائيل والدول الداعمة لها.
وعلق بالقول: نظراً لأن هذه الظروف لا تبدو قابلة للتغير على المدى القصير، يبدو أن إسرائيل تجد صعوبة في التراجع عن وقف إطلاق النار.
أما توقّعُ أن تتخلى إسرائيل على المدى المتوسط والطويل عن سياساتها التوسعية و الإبادية منذ تأسيسها "فهو سذاجة".

تحديات الالتزام
واستدرك الكاتب التركي: إن أبرز نقطة في أي اتفاق هي التزام إسرائيل به، وهو أمر بالغ التعقيد بالنظر إلى تاريخها في خرق الاتفاقيات السابقة.
فلطالما أظهرت إسرائيل أن قواعد القانون الدولي أو الأخلاق والاتفاقيات لا تكبح طموحاتها التوسعية مما يجعل مراقبةَ الالتزام بالاتفاق ضرورة قصوى.
وأوضح أن تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل يمثل علامة إيجابية، لكنه خطوة أولى فقط في سلسلة من الإجراءات اللازمة لضمان سلام مستدام.
لذلك "لاستمرار الاتفاق يجب أن تكون هناك مراقبة دولية دقيقة، وضغط المستمر على القوى الداعمة لإسرائيل، واستدامة المساعدات الإنسانية لغزة".
وأردف الكاتب: لفهم دور إسرائيل في الصراع الفلسطيني، لا يمكن النظر إليها كدولة مستقلة فحسب، بل كذراع للإمبريالية الغربية في المنطقة.
و"هذا الفهم يوضح أن أي سياسات إسرائيلية ليست عشوائية، بل جزءا من إستراتيجية أوسع تشمل مصالح القوى الغربية، تاريخياً بريطانيا واليوم أميركا".
إذ جرى تأسيس اسرائيل كذراع إستراتيجي بدعم بريطاني، ثم تطورت لتصبح ذراعاً متقدماً للإمبريالية الأميركية، ما جعلها أداة للتأثير في الشرق الأوسط، سواء من خلال السيطرة على الموارد أو إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية.
وتابع: يجب أن ندرك أن أي دعم لإسرائيل من قبل الغرب يكون بلا حدود، وبلا مبادئ، وبلا أخلاق، كما يظهر في كل أزمات غزة الأخيرة.
وغالباً ما تكون الإمبريالية الغربية هي التي توقف مؤقتاً آلة الإبادة الإسرائيلية. فلو أرادت كان بالإمكان إيقافها في وقت أبكر بكثير، بحسب تقديره. لذلك، يجب توجيه ردود فعل بشكلٍ أكبر إلى القوى الداعمة لإسرائيل أكثر منها إلى تل أبيب نفسها.
وواصل الكاتب: "لو افترضنا أن إسرائيل توقفت عن كل أفعالها وتحولت إلى دولة سلمية متناغمة مع جيرانها، فإن مصالح الإمبريالية الغربية في المنطقة لن تكون مضمونة كما هي اليوم".
وبالتالي فإن الغرب لن يرغب في دولة سلمية، بل ستكون إسرائيل العدوانية مرغوبة أكثر. وفق تقديره.
وأوضح أنه منذ تأسيسها، اعتمدت إسرائيل على إستراتيجية متعددة الأبعاد تعرف بـ"3 أ"، وتشمل: خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدول المجاورة، والحد من تأثير القوى الإسلامية في المنطقة وتقويض قيمها وهويتها الدينية والسياسية.
وأخيرا، إزالة السكان المحليين أو تقليل تأثيرهم عبر تنفيذ النزوح القسري، الحصار، أو دعم الجماعات التي تعمل ضد المحليين.
و"هذه السياسة هدفها تفريغ المناطق المستهدفة وجعلها أكثر تهيئة لإسرائيل، التي تقف خلف معظم الأنشطة الإرهابية بالمنطقة، بما في ذلك تركيا".
وأضاف الكاتب: يجب أن تمتلك دول المنطقة أنظمة سياسية مستقرة وقابلة للإدارة، وقادرة على حماية مصالح شعوبها حتى تستطيع مواجهة إسرائيل.
فالتجارب في العراق ولبنان توضح أن الأنظمة الهشة تسمح للإمبريالية بالتدخل بسهولة، وتفتح الباب للتهديدات الإقليمية على نحو أكبر

رمز عالمي للصمود
وأضاف الكاتب التركي: أن غزة ليست مجرد قضية محلية، بل رمزا للمقاومة الإنسانية ضد السياسات الإمبريالية العالمية.
وبين أن نجاح أي اتفاق في غزة يعتمد على عدة عوامل؛ وهي الضغط على إسرائيل والقوى الداعمة لها، بالإضافة إلى تعزيز الأنظمة السياسية القابلة للإدارة في الدول المجاورة، والتضامن الدولي مع حقوق الشعب الفلسطيني.
فكما يظهر في تدخلات الغرب بالعراق وغيرها، يتم تنفيذ السياسات الإمبريالية عبر تحالفات عالمية تحت مسمى "تحالفات الحرية"، وليس بالاحتلال المباشر فقط.
لذلك، يجب على الدول الإسلامية والشعوب المظلومة تكوين تحالفات دولية للعدالة، ليس لمواجهة إسرائيل فقط، بل أيضا لمجابهة أي تهديدات عالمية، بما في ذلك الاستعداد المبكر لحروب عالمية محتملة.
ولفت الكاتب إلى أن أحد الأخطاء الشائعة هو عد أي اتفاق مع إسرائيل حلاً نهائياً، فإسرائيل لا ترى الاتفاقات إلّا خطوات مؤقتة ضمن عملية مستمرة.
لهذا، “يجب الحفاظ على يقظة مستمرة، وفهم أن الصراع يمتد إلى القوى التي تدعم تل أبيب خلف الكواليس، وليس فقط الدولة نفسها”.
وذكر أن نجاح وقف إطلاق النار في غزة يمثل خطوة مهمة، لكنه ليس نهاية الطريق، مشيرا إلى أن تحقيق سلام مستدام يتطلب وعياً جماعياً بأن القضية الفلسطينية هي جزء من صراع أوسع مع الإمبريالية والصهيونية.
وختم مقاله قائلاً: إن خلاص غزة والإقليم يعتمد على إدراك أنّ القصة ليست قصة الآخرين فقط، بل مسؤولية الجميع في الدفاع عن العدالة والإنسانية.
فكل خطوة نحو حماية غزة هي بالضرورة تحمي قيم الإنسان الأساسية، وتضمن عدم سيطرة القوى الإمبريالية على مستقبل المنطقة.