النفوذ الروسي في سوريا.. كيف تحدى التغيير وخالف التوقعات؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

عندما أطاحت الفصائل السورية المسلحة بالديكتاتور السوري بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، اعتقد العديد من المراقبين أن أيام روسيا في سوريا باتت معدودة.

ولكن رأت مجلة "فورين أفيرز" أن "روسيا لم تنتهِ من سوريا بعد"، مضيفة أنه منذ سقوط الأسد، "تحدت موسكو التوقعات، متمسكةً بقواعدها الرئيسة على الساحل السوري -قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية- بل ورسّخت وجودها في شمال شرق البلاد".

وقالت هانا نوت الباحثة في "مركز جيمس مارتن لدراسات منع انتشار الأسلحة النووية" الأميركي، إنه لعقود، بنت موسكو علاقات وثيقة مع عائلة الأسد؛ وقبل أقل من عام، قصفت مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام التي قادت إسقاط النظام. 

ومع تولي أحمد الشرع، زعيم الهيئة السابقة التي جرى حلها والرئيس الانتقالي الحال للبلادي، زمام الأمور في دمشق، حذرت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية من أن الوجود العسكري الروسي في البلاد "على حافة الهاوية".

كما شعر الروس بالقلق؛ إذ أعربت الصحف الروسية، بعد سقوط الأسد مباشرة، عن أسفها لفقدان حليف رئيس في الشرق الأوسط، وأبدى المدونون العسكريون ذعرا بشأن مستقبل القواعد والمواقع الروسية في البلاد.

روسيا تتحدى التوقعات

ورغم ذلك، قالت الباحثة: "سارع الدبلوماسيون الروس إلى التواصل مع الحكام الجدد في دمشق، مستفيدين من نظرة السوريين إلى روسيا كقوة عظمى، ورغبة الشرع في بناء علاقات إيجابية مع جميع الدول".

من جانبها، اتخذت القيادة الجديدة في سوريا نبرة بناءة مع موسكو، أملا في الحصول على الدعم الروسي في مجالات الطاقة والحبوب، وكسب أصوات مؤيدة في الأمم المتحدة، وربما الأسلحة أيضا.

ومن خلال الانخراط مع روسيا، تسعى حكومة الشرع إلى منع أنصار الأسد السابقين من الظهور أو التحرك مجددا، وتحذير الدول الغربية من أن سوريا يمكن أن تبحث عن دعم آخر في مجالي الطاقة والدفاع، وربما حتى الحد من العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل حدودها.

وأوضحت الباحثة أن "هناك أطرافا أخرى ترى مصلحة في استمرار الوجود الروسي المحدود في سوريا؛ فبينما تتنافس القوى المختلفة على النفوذ، برزت روسيا كملاذ مفضل للجميع".

وأضافت: "ترى كل من إسرائيل وتركيا أن النفوذ الروسي يمكن استغلاله لمنع الطرف الآخر من أن يصبح قويا للغاية".

وأردفت: "أما قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فتريد وجود روسيا إلى جانبها تحسبا لاحتمال تخلي الولايات المتحدة عنها أو محاولة دمشق كبح طموحاتها في الحكم الذاتي".

واستطردت قائلة: "قد يأمل حكام دمشق الجدد أن يستغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علاقته الجيدة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإجبار إسرائيل على كبح جماح أنشطتها العسكرية في سوريا".

وبينما يسعى حكام سوريا الجدد إلى "تصفير المشكلات" مع القوى الأجنبية، يبدو أنهم يعتقدون أن من المفيد الحفاظ على علاقات ودية مع الكرملين.

وتابعت الباحثة: “لإسرائيل أسبابها الخاصة التي تدفعها إلى الرغبة في أن تحافظ روسيا على وجود متواضع في سوريا”؛ إذ تنظر تل أبيب إلى الشرع على أنه "إسلامي متطرف مشكوك في نواياه، وتخشى الدور المتنامي لتركيا في سوريا والمنطقة".

وأشارت إلى أن "تركيا تريد سوريا مركزية قوية لقمع تطلعات الأكراد السوريين إلى الحكم الذاتي.

وفي المقابل، تُفضّل إسرائيل سوريا لامركزية، ليس بالضرورة من منطلق مبدئي، بل لأنها لا تثق بالحكام الحاليين في دمشق، وتقدّر أنه سيسهل التحكم بالبلاد عندما تكون ممزقة.

ويبدو أن قادة إسرائيل يعتقدون أن الوجود الروسي قد يُساعد في إبقاء البلاد مُقسّمة إلى مناطق نفوذ. وفق الباحثة.

مصالح تركيا

بدورها، ترى تركيا فائدة في وجود روسي في سوريا لأسباب مماثلة؛ فقد استقبلت أنقرة هجمات إسرائيل الجريئة وتدخلات السعودية في سوريا بقلق، بحسب الباحثة التي أشارت أيضا إلى أنه "في الماضي، موّلت الرياض قسد".

وأضافت: "تركيا تلجأ إلى روسيا لإبعاد إسرائيل، ودعم رفع الشرع من قائمة الإرهاب لدى مجلس الأمن، وتزويد الجيش السوري الضعيف بالسلاح، ودعم موقف أنقرة ضد الأكراد السوريين".

وأوضحت أن "هذه الآمال لم تأتِ من العدم، فعندما كان الأسد في السلطة، رضخت روسيا للعمليات العسكرية التركية ضد قسد، ونفذت دوريات مشتركة مع تركيا في أجزاء من شمال سوريا".

"ومع ذلك، ربما تكون قسد الضعيفة هي التي تعتمد على روسيا أكثر من غيرها. فتنظيمها مُعرَّض لخطر فقدان الحكم الذاتي مع محاولة الشرع توطيد سلطته".

وتابعت الباحثة: "في الأشهر الأخيرة، كثفت قسد تواصلها مع روسيا بهدف تحقيق أفضلية على تركيا والحكومة في دمشق، وللحصول على حليف إضافي في حال أوفت الولايات المتحدة بوعدها بتقليص أو إنهاء وجودها العسكري في شمال شرق سوريا".

وبحسب الباحثة، فإن روسيا تتحرك بالفعل؛ ففي فصلي الربيع والصيف، نشرت موسكو أنظمة دفاع جوي ووحدات حرب إلكترونية -تمكّنها من التشويش على الإشارات اللاسلكية- في قاعدة مطار القامشلي، ووسعت مساكن قواتها، وحصّنت محيط القاعدة".

وعلى الرغم من تعاونها مع تركيا، فقد دعت روسيا في الماضي إلى حماية حقوق الأكراد وعرضت الوساطة بين القادة الأكراد والحكومة السورية المركزية.

وعلى هذا، خلصت الباحثة إلى أن "إسرائيل وتركيا وقسد، كلٌّ على حدة، تسعى إلى استغلال وجود روسيا لتحقيق أهداف تتعارض جوهريا".

وبالنظر إلى براعة روسيا في المناورات سابقا، فإن كل طرف لديه ما يدعوه للأمل في أن تدعم موسكو طموحاته.

حدود الطموح الروسي

وقالت الباحثة: "في المستقبل المنظور، ستبقى سوريا مُجزأة وضعيفة، مع تنافس القوى الخارجية على النفوذ في دمشق وعلى مناطق النفوذ غير الرسمية".

في هذا المشهد المُتقلب، ستكون روسيا لاعبا واحدا من بين آخرين كثر، وهي بعيدة كل البعد عن كونها الأكثر أهمية. بحسب تقييم الباحثة.

وقالت: "مع استعداد الشرع لزيارته الأولى إلى روسيا، المُقررة في أكتوبر/تشرين الأول 2025، يبدو أن موسكو قد نجت في أن تُطرد من سوريا".

 ومع ذلك، فإن سوريا الآن بحاجة أكثر من أي شيء آخر، إلى الدعم الاقتصادي والاستثمار المالي ورفع جميع العقوبات الدولية المتبقية.

وأوضحت: "لتحقيق هذه الأهداف، ستكون دول الخليج العربي وتركيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية هي المفتاح وليس روسيا".

"فحتى قبل غزوها لأوكرانيا، لم يكن لدى روسيا مجال واسع للتركيز على التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار في سوريا؛ ومع غرق مواردها الآن في أعماق أوكرانيا، فإن لديها موارد أقل بكثير".

وأكدت أنه "إذا استطاعت روسيا الحفاظ على قواعدها العسكرية مع استمرارها في إثبات فائدتها لمختلف القوى المتنافسة على تشكيل مستقبل سوريا، فسيكون ذلك إنجازا كبيرا".

وشددت على أن "النفوذ الروسي في سوريا والقدرة الإقليمية المصاحبة له لن يعودا كما كانا قبل سقوط الأسد".

واستدركت: "ستحافظ روسيا على موطئ قدم عسكري يمكن أن تبني عليه مستقبلا، ومن خلاله يمكنها الاستمرار في دعم عملياتها في باقي الشرق الأوسط وإفريقيا، لا سيما بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا".