كركوك - بانياس.. خط قديم لتصدير النفط يسعى العراق لإحيائه مع سوريا

مصعب المجبل | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

تسير سوريا الجديدة والعراق ضمن إستراتيجية بعيدة المدى تقوم على أرضية صلبة عمادها العلاقات السياسية المتينة وحاملها الأساسي التكامل الاقتصادي.

فبعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، انفتحت بغداد على قيادة دمشق الجديدة سياسيا ولم تغفل الجانب الاقتصادي الهام للبلدين.

تصدير النفط

وفي خطوة تؤسس لاستفادة العراق من موانئ سوريا البحرية على البحر الأبيض المتوسط في تصدير النفط، أعيد التفاوض بين بغداد ودمشق لتأهيل خط النفط الواصل من العراق إلى ميناء بانياس بريف طرطوس الساحلية والمتوقف منذ 22 عاما.

وكشف وكيل وزارة النفط العراقية باسم محمد خضير، أن وزارته تجري مفاوضات مع الحكومة السورية لإعادة تأهيل خط النفط العراقي السوري الواصل إلى ميناء بانياس المطل على البحر الأبيض المتوسط.

وقال خضير في تصريحات صحفية نقلتها وكالة الأنباء العراقية في 27 سبتمبر/ أيلول 2025: إن وزارة النفط تجري حاليا مشاورات مع شركة "أكسون موبيل" الأميركية لتنفيذ مشاريع في استثمار الحقول النفطية والبنى التحتية ومنظومة تصدير النفط والغاز.

وأضاف الوكيل، أن المباحثات مع الحكومة السورية تتزامن مع خطط بغداد لإعادة تأهيل خطوط الأنابيب الداخلية في الشمال والجنوب، إضافة إلى مستودعات خزن النفط الخام.

وفي منتصف أغسطس/ آب 2025 زار وزير الطاقة السوري محمد البشير بغداد لبحث إعادة تأهيل الخط المتوقف منذ 22 عاما، حيث أكد أن بلاده تستورد شهريا نحو 3 ملايين برميل من النفط الخام لتغطية احتياجاتها، مشددا على الأهمية الإستراتيجية لربط الشبكتين النفطيتين السورية والعراقية.

من جانبه، أبدى وزير النفط العراقي حيان عبد الغني استعداد بلاده لاستئناف تشغيل الخط، مقترحا التشاور لتحديد جدوى إعادة تأهيل الخط القديم أو إنشاء خط بديل جديد.

وقد جرى الاتفاق حينها على تشكيل فريق فني واستشاري مشترك لتقييم الوضع الحالي، وإنشاء لجنة مركزية للتنسيق في إدارة المشاريع المشتركة.

وسبق أن أرسل العراق في أبريل/ نيسان 2025 وفدا رفيع المستوى إلى سوريا لدراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لإعادة تأهيل وتشغيل خط أنابيب كركوك–بانياس.

ويُعد هذا الخط من المشاريع النفطية التاريخية في المنطقة؛ إذ أنشئ في خمسينيات القرن العشرين، وبدأ تشغيله عام 1952 بطول يقارب 800 كيلومتر وبطاقة ضخ تصل إلى 300 ألف برميل يوميا.

وتقدر الكلفة الأولية لإعادة تأهيل الخط بما بين 300 و600 مليون دولار، بعد تعرضه للتلف عام 2003 وبقائه خارج الخدمة منذ ذلك الحين، ويمتد الخط من حقول كركوك شمالي العراق إلى ميناء بانياس السوري على البحر الأبيض المتوسط.

وبحسب ما قال وزير الطاقة السوري محمد البشير لقناة "الإخبارية السورية" في 6 يوليو/ تموز 2025، فإنه يجرى دراسة إنشاء مصفاة نفط جديدة في سوريا، بهدف جعل البلاد من الدول المصدرة للمشتقات النفطية.

ويُعد العراق الذي يوفر النفط نحو 90 بالمئة من عائداته،  ثاني أكبر الدول النفطية في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، ويصدّر ما معدّله 3,5 ملايين برميل من النفط الخام يوميا.

ويمتلك العراق 145 مليار برميل من الاحتياطي النفطي المؤكد، وهو من بين أكبر احتياطيات النفط الخام في العالم.

مشروع إستراتيجي

وأمام ذلك، فإن العراق الذي تربطه مع سوريا حدود تقدر بأكثر من 600 كم، يمكنه أن يوسع دائرة  ممرات التصدير الحالية للنفط.

لا سيما أن سوريا القريبة من الأسواق الأوروبية، يمكن أن تسهم في مثل هذه التوجهات لبغداد مع وجود بنية تحتية لأنابيب النفط يمكن إعادة تأهيلها.

وخط أنابيب كركوك - بانياس، يعدّ من أقدم مسارات تصدير النفط في الشرق الأوسط.

ووفقا لبيانات "ستاندرد آند بورز كوميدتي"، يمتد الخط لمسافة تقارب الـ 850 كيلومترا بطاقة تصل إلى 300 ألف برميل يوميا، قبل أن يتوقف عن العمل عام 2003 نتيجة الاضطرابات السياسية في العراق.

وتبرز أهميته في كونه يوفر منفذا أقل كلفة لنقل النفط العراقي عبر الأراضي السورية، ويفتح لبغداد بابا مباشرا نحو أسواق البحر المتوسط وأوروبا، بعيدا عن الاعتماد الحصري على مضيق هرمز والمسارات البحرية المزدحمة.

وشركة “مصفاة بانياس” الحكومية، أُنشئت بموجب العقد “رقم 20” في العام 1974 مع شركة “إندستريال إكسبورت أمبورت” الرومانية.

وتبلغ طاقة المصفاة السنوية ستة ملايين طن متري من النفط الخام المزيج بين نفط خفيف ونفط سوري ثقيل، بنسب تكرير تتراوح بين 80 بالمئة نفط خفيف و20 بالمئة ثقيل وحتى 50 بالمئة خفيف و50 بالمئة ثقيل.

وتوجد في سوريا مصفاتا نفط، هما “بانياس” و”حمص”، لكن مصفاة بانياس أكبر إنتاجا، بطاقة إنتاجية 130 ألف برميل يوميا، مقابل 110 آلاف برميل في مصفاة “حمص”.

إن المتغيرات الجذرية في المشهد السوري، تشكل فرصة سانحة لإعادة بناء العلاقة بين سوريا والعراق سياسيا واقتصاديا وأمنيا.

ولهذا زار عزت الشابندر، وهو سياسي عراقي شيعي، العاصمة دمشق يوم 9 يونيو/حزيران 2025، والتقى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع.

وأفادت وكالات أنباء محلية بأن الشابندر مبعوث خاص لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني.

ونقلت وكالات أنباء محلية عن الشابندر، قوله: إن "اللقاء مفيد جدا من أجل بناء علاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية بين العراق وسوريا".

وجاءت زيارة الشابندر، بعد زيارتين ذواتي طابع أمني أجراهما رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري، ولقاء آخر مباشر جمع بين السوداني والشرع في العاصمة القطرية الدوحة، في أبريل/نيسان 2025.

وضمن هذا السياق، أكد الخبير السوري في مجال الطاقة محمد العفارة، لـ "الاستقلال" أن "خط النفط العراقي السوري الواصل إلى ميناء بانياس، خط إستراتيجي في الدرجة الأولى ومهم جدا لكلا البلدين".

وأضاف قائلا: "لكن الخط الآن معطل ويعاني من مشاكل كثيرة ويحتاج إلى صيانة، لكن من ميزاته أنه لا يحتاج إلى مضخات لضخ النفط إلى بانياس السورية".

ولفت العفارة إلى أن "خط بانياس يشكل منفذا موازيا للعراق لكنه أسرع من تصدير النفط من إقليم كردستان بالعراق إلى ميناء جيهان التركي".

وكان إقليم كردستان العراق يصدّر يوميا 450 ألف برميل من النفط عبر ميناء جيهان التركي، من دون موافقة الحكومة الاتحادية العراقية.

وأشار العفارة إلى "أن إيرادات العبور ستفيد سوريا في المرحلة الحالية التي تتلمس فيها بناء موارد اقتصادية منتجة للعملة الصعبة ومستقرة ودائمة، علاوة على تدعيم حاجة السوق السورية لمشتقات النفط في مرحلة إعادة الإعمار لا سيما مع وجود مصفاة بانياس". 

وراح يقول "لهذا فإن الاتفاق السياسي بين دمشق وبغداد هو الأساس لإعادة تأهيل الخط الذي فشلت محاولات سابقة لإعادة تأهيله في عامي 2007 و2009، وتكثيف التعاون بين وزارتي نفط البلدين لتقليل تكاليف تشغيله وتسريع العمليات.

وذهب العفارة للقول: "من الأهداف الإستراتيجية لتشغيل خط النفط العراقي السوري الواصل إلى ميناء بانياس المساهمة في حل بعض الإشكالات السياسية والاقتصادية بين البلدين وفتح الباب أمام تعاون أكبر على صعيد الأمن".

واستدرك "خاصة أن العراق يسعى لتنويع شراكاته النفطية رغبة في تقليل الاعتماد على ممرات التصدير الحالية منها جيهان التركي ومضيق هرمز والبحث عن استقرار أكبر في إيراداته النفطية الغير مستقرة والمتفاوتة من شهر لآخر".

ونوَّه إلى أن العراق "لديه توجه لزيادة الكميات النفط المتوجهة إلى السوق الأوروبية، ولهذا فإن السواحل السورية يمكن أن تسهم في زيادة الكميات لهذا السوق".

اقتراحات بديلة

 هناك بعض الخبراء ينظرون إلى أن العمر الزمني لخط كركوك–بانياس، يجب أن يؤخذ في الحسبان من ناحية جودته في ظل الحديث عن إعادة تأهيل المشروع؛ إذ يشير بعض خبراء النفط إلى إمكانية مد خط جديد بين العراق وسوريا لضخ النفط، خاصة أن ذلك يعد أقل تكلفة من إعادة تأهيل القديم. 

وهذا ما يشير إليه الدكتور أسامة القاضي وهو مستشار أول في وزارة الاقتصاد السورية بقوله لـ "الاستقلال": إن "عمر الأنبوب كركوك–بانياس الآن يفوق السبعين عاما، وأعتقد أن إصلاحه مكلف للغاية وغير مجد للأشقاء العراقيين فمثلا ضخ العراق 300,000 برميل يوميا عبر هذا الأنبوب ربما لا يكون عمليا؛ لأن تكلفة إصلاحه قد تتجاوز خمسة إلى ستة مليارات دولار، فضلا عن الوقت الكبير الذي سيستغرقه ذلك".

وأضاف القاضي: "لذلك ربما يكون من الأفضل بحسب ما سمعت من عدة خبراء نفطيين أن بناء خط جديد قد تكون تكلفة إنشائه تقريبا معادلة أو أقل أو أكثر بقليل من تكلفة إصلاح هذا الخط القديم جدا، خاصة أن فحص أنبوب بطول 860 كم وإصلاحه قد يكون غير مجد ويستغرق وقتا طويلا".

ولفت القاضي إلى أن هناك "مؤشرا سياسيا يتمثل بفتح صفحة جديدة في العلاقات مع العراق، ولعل خط كركوك–بانياس يمكن أن يكون فاتحة خير لهذه العلاقة".

ونوه القاضي إلى أن "سوريا ستستفيد من الخط، سواء من رسوم العبور حتى لو لم تحصل سوريا على نفط منه، أو من أي شروط اتفاق أخرى؛ فقد تقدر العوائد المحتملة بنحو 300 مليون دولار سنويا وقد تصل إلى نحو نصف مليار دولار سنويا تقريبا. لكن هذا كله يحتاج إلى نقاش تفصيلي في النهاية".

وختم القاضي بالقول: "أعتقد أن الخبراء سيجدون أن مد خط جديد بقدرة مناسبة من البراميل يوميا سيكون أفضل بكثير من إصلاح هذا الخط الحالي".