انقسام ما بعد الحرب.. هل تنتقل إسرائيل من جبهة غزة إلى معركة داخلية؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مع توقيع اتفاق وقف الحرب في غزة خلال أكتوبر/تشرين الأول 2025، يناقش نواب إسرائيليون من مختلف الأطياف السياسية الخطوة التالية: التعافي الاقتصادي، وترميم النسيج الاجتماعي، وإعادة بناء الهوية الوطنية.

وفي تقرير له، سلط موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي الضوء على الخلافات الداخلية التي تعاني منها إسرائيل حول أولويات اليوم التالي. فبعد 24 شهرا من القتال، بات السؤال في الداخل الإسرائيلي: كيف سنتعافى بعد الحرب؟

وأكد الموقع أن “التحديات هائلة: ركود اقتصادي، وتفكك اجتماعي، وصدمات نفسية جماعية، وأزمة في الصورة الدولية”.

وأيضا تختلف رؤى الأحزاب السياسية حول أولويات إسرائيل في "اليوم التالي"، بين من يضع الردع والدفاع في المقدمة، ومن يركز على التعافي النفسي وإعادة بناء الثقة العامة.

الأمن نقطة البداية

وفي حديثهم مع الموقع الأميركي، عبّر نواب من ثلاثة تيارات أيديولوجية رئيسة -الصهيونية الدينية (أقصى اليمين)، والليكود (يمين)، وحزب الديمقراطيين اليساري- عن رؤيتهم لمستقبل إسرائيل بعد توقف القتال.

رغم اختلافها الأيديولوجي، تكشف آراؤهم عن إدراك مشترك بأن الحرب خلّفت جراحا عميقة لا يمكن علاجها بمعالجات وقتية.

من جانبه، يرى عضو الكنيست (البرلمان)، تسيفي سوكوت، من حزب الصهيونية الدينية (برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش) أن الأمن هو نقطة البداية والنهاية في مسار التعافي.

بصفته عضوا في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، يرفض سوكوت أي وهم بعودة الأمور إلى طبيعتها بعد وقف إطلاق النار. ويقول: "إسرائيل ما زالت أكثر دول العالم تعرضا للتهديد، وهذا أمر مؤكد لا يحتمل الشك".

وأضاف: "فحتى بعد غزة، توجد أسلحة الضفة الغربية، وفي البلدات العربية، وبالقرب من الحدود المصرية. هذه تهديدات وجودية، ولا يمكننا أن نغض الطرف ونقول: لنتحدث عن السياحة".

ويرى سوكوت أن إعادة بناء إسرائيل اقتصاديا ومدنيا يجب أن تأتي بعد تحقيق إنجازات عسكرية حاسمة، لا قبلها. 

ويقول: "عندما نتمكن من تقليص التهديدات في الضفة وداخل إسرائيل، ستزداد قدرتنا على التنمية والتعافي بشكل هائل".

كما يعتقد أن الردع هو الأساس الحقيقي للنمو الاقتصادي، مضيفا: “الشيكل (العملة الإسرائيلية) يزداد قوة، والتضخم يتراجع، وسعر الفائدة سينخفض قريبا”.

وأرجع كل ذلك إلى أن إسرائيل “تحارب وتزيل التهديدات. فالحرب، وليست مفاوضات السلام، هي التي جعلت الاقتصاد الإسرائيلي أقوى”. وفق قوله.

وبحسب التقرير، تعكس وجهة نظره تشككا عميقا في فكرة العودة السريعة إلى الحياة الطبيعية، وإيمانا بأن استقرار الدولة لا ينفصل عن سيطرتها على الوضع الأمني.

وقال سوكوت: "لا نملك ترف الادعاء بأن كل شيء على ما يرام. فقط عندما تُزال التهديدات يمكن لإسرائيل أن تبدأ عملية إعادة البناء فعلا".

الأثر الحاسم للاقتصاد

ويشارك أميت هاليفي النائب الإسرائيلي عن حزب الليكود (بزعامة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو)، قلق سوكوت بشأن كلفة انعدام الاستقرار، لكنه يركّز على الأبعاد الاقتصادية للتحديات التي ستواجه إسرائيل بعد الحرب.

وقال في حديثه لـ "ذا ميديا لاين": "إذا لم يشمل اليوم التالي تغييرا جوهريا في الشرق الأوسط، فسيكون لذلك أثر حاسم على الأجندة الاقتصادية لإسرائيل".

ويصف هاليفي، عضو لجنة المالية في الكنيست، الأزمة المالية الحالية بأنها نتيجة مباشرة للبيئة الأمنية التي تعيشها إسرائيل.

وقال: "الإنفاق الدفاعي أصبح البند الأكبر في ميزانية الدولة. فالحرب ضاعفت العجز وغيّرت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. وإذا لم تنتهِ بهزيمة كاملة لـ(حركة المقاومة الإسلامية) حماس، فستواصل غزة استنزاف مواردنا".

ويرى أن الحل لا يكمن في زيادة الضرائب أو خفض البرامج الاجتماعية، بل في إعادة تعريف الأولويات الوطنية.

وأضاف: "يجب أن تكون الحرب فرصة لخفض النفقات الحكومية غير الضرورية وإجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية. علينا أن نركّز على الاستثمارات التي تبني الدولة فعلا، في البنية التحتية والإنتاجية والابتكار، لا في البيروقراطية".

إلا أن واقعيته الاقتصادية ترتبط برؤية إقليمية أوسع؛ إذ يؤكد هاليفي أن ما سيحدث في غزة سيحدد المستقبل المالي لإسرائيل.

 وقال محذرا: "إذا لم نحقق السيطرة الكاملة ونضمن إنهاء التطرف فعليا، فسندفع ثمنا أكبر بكثير من الدماء والأموال".

وعند سؤاله عن السياحة، أحد أكثر القطاعات تضررا خلال الحرب، قدّم هاليفي رؤية متوازنة قائلا: "لست معنيا مباشرة بسياسة السياحة، لكن من الواضح أن جاذبية إسرائيل تعتمد على عاملين: الأمن والهوية".

وأضاف: "من دون أمان ودبلوماسية مسؤولة، حتى أجمل الوجهات لن تعيد الزوار".

وفي لحظة تأمل، عبّر هاليفي عما يراه ترتيبا هرميا لفنون الحكم، قائلا: "كل دولة تقوم على ثلاثة أعمدة: الهوية، والأمن، والاقتصاد".

وأردف: "الهوية هي من نكون، غايتنا، ثقافتنا، وتراثنا. إذا عززنا هذا الركن، فإن البقية ستتبعه تلقائيا. فقبل الأمن والاقتصاد تأتي الهوية".

رؤية يسارية معاكسة

وفي حين يربط كل من سوكوت وهاليفي تجديد إسرائيل بالأمن وإعادة تعريف الذات، تقدم النائبة الإسرائيلية إفرات رايتن من حزب الديمقراطيين اليساري (بقيادة يائير غولان)رؤية تكاد تكون معاكسة، إذ ترى أن على تل أبيب أن تبدأ بشعبها لا بحدودها.

وقالت: “إنها حرب لم تشهد إسرائيل مثلها من قبل. مئات الآلاف من جنود الاحتياط تركوا عائلاتهم ودراساتهم وأعمالهم، وقاتلوا لأشهر طويلة على عدة جبهات ضد تنظيمات إرهابية معروفة بوحشيتها”. بحسب تعبيرها.

وأضافت أن التكلفة البشرية لا تُقدر بثمن، فقد "واجه الجنود معضلات لا تُطاق، وهم يقاتلون بالأنفاق، ويرون رفاقهم يُصابون ويقلقون على الرهائن".

وأردفت: "في الوقت نفسه، أصيب كل مواطن في إسرائيل بصدمة نفسية جراء أحداث السابع من أكتوبر. هذا جرح نازف في الروح الإسرائيلية".

وتعتقد رايتن أن الدولة فشلت في تقدير الخسائر النفسية، قائلة: "كان ينبغي على الحكومة إنشاء هيئة وطنية مُخصصة لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي للجنود وعائلاتهم".

وذكرت أن "تأثير الحرب على النساء والآباء والأطفال هائل. كما أنهم بحاجة إلى التوجيه والإرشاد والدعم طويل الأمد".

وقدّمت رايتن قضية الصحة النفسية بوصفها مهمة وطنية لا سياسة رفاه اجتماعي، موضحة أن "العقد الأساسي بين الدولة ومواطنيها يُلزم الحكومة برعاية أمنهم وحياتهم وصحتهم، بما في ذلك النفسية".

وأضافت: "بعد عامين من الحرب، يجب توفير العلاج والدعم الأسري وإعادة التأهيل فورا ودون قيود مالية". 

وأردفت: "إن تعافينا كشعب لن يُقاس بالنصر العسكري فقط، بل بقدرتنا على شفاء من عايشوا الحرب من الداخل".

وسلطت رايتن الضوء أيضا على الحاجة لإصلاحات عميقة. وقالت: "كثير من المجندين الاحتياطيين طلاب فاتتهم سنوات دراسية، ولذلك على الدولة تعديل نظام التعليم العالي وتقديم برامج مرنة لسد هذه الفجوات".

وتابعت: "يجب أن نستثمر في التدريب المهني، ونمنع هجرة العقول، ونضمن أن يكون للشباب مستقبل هنا في إسرائيل".

وبالحديث عن السياحة والدبلوماسية، أشارت إلى أن "العالم سيعود إلى إسرائيل فقط عندما يرى أنها مرة أخرى بلد حياة، لا حرب". وترى رايتن أن شرعية تل أبيب تعتمد على ديمقراطيتها بقدر ما تعتمد على ردعها. وفق تعبيرها.

وأضافت: “الحكومة الحالية ألحقت الضرر بصورتنا وعمّقت الانقسام الداخلي، لكن إسرائيل الحقيقية حية في المواطنين الذين يسيرون كل أسبوع من أجل الديمقراطية ولأجل الرهائن. هذا هو القلب النابض لهذه الأمة”، بحسب وصفها.

وعلق الموقع الأميركي قائلا: "يتفق الثلاثة على أن مستقبل إسرائيل لا يمكن أن يعود ببساطة إلى ما كان عليه قبل السادس من أكتوبر، فالدولة التي ستخرج من هذه الحرب ستحتاج إلى إعادة تعريف ليس حدودها فقط، بل أيضا شعورها بالهدف والمعنى".

وقد عبّر هاليفي عن ذلك بإيجاز، قائلا: "سيُقاس أداء إسرائيل ليس بأمنها فقط، بل بالنموذج الذي ستصير عليه الأمة". وردّت رايتن قائلة: "قوتنا الأخلاقية ستحدد بقاءنا أكثر من أي نصر عسكري".

وختم الموقع بالقول: “من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، تكشف كلماتهم عن فهم مشترك: المعركة الأكبر لإسرائيل اليوم تكمن في الداخل، لإعادة البناء، والتعافي، وتذكر سبب خوضها الحرب”.