"كل من يتكلم يتم إسكاته".. هكذا تقوض سلطات تونس الإرث الديمقراطي للربيع العربي

"هذه التطورات ليست بالضرورة في صالح قيس سعيد"
تحت عنوان "كل من يتكلم يتم إسكاته"، سلطت صحيفة ألمانية الضوء على التدهور الحاد في أوضاع حقوق الإنسان بتونس؛ حيث أقدمت الحكومة على إغلاق مئات المنظمات غير الحكومية بشكل مؤقت، بدءا من المبادرات المدنية غير السياسية وصولا إلى وسائل إعلام معارضة.
ووصفت صحيفة "تاتس" الحملة التي تشنها سلطات الرئيس قيس سعيّد ضد المنظمات غير الحكومية بالقول: إن "الحكومة التونسية تضيّق الخناق حاليا على من جعلوها يوما ما بلدا نموذجيا للربيع العربي".

استهداف واسع
"الأمر الذي جعل العديد من منظمات حقوق الإنسان، مثل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تحذر من أن حرية التعبير التي تحققت في ثورة 2011 باتت مهددة". وفق ما أوردته الصحيفة.
وأوضحت أنه "لا توجد قائمة رسمية بالمنظمات المستهدفة، لكن التقديرات تشير إلى إغلاق نحو 500 منظمة".
وأضافت أن "من بين المتضررين مبادرات صغيرة غير سياسية كانت تنظم ورشا في مناطق مهمشة لتعليم الحرف اليدوية أو مهارات الحاسوب".
وتابعت: "كما طالت الإجراءات وسائل إعلام معارضة، بينها المنصة الإلكترونية المستقلة (نواة)، التي اشتهرت بتغطيتها النقدية لقضايا الفساد والتلوث البيئي والمشكلات الاجتماعية".
وبحسب الصحيفة "أغلقت السلطات منصة (نواة)، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2025، لمدة أربعة أسابيع، مبررة ذلك بضرورة التدقيق في كيفية صرف التمويلات الخارجية التي تدفقت إلى المجتمع المدني منذ 2011".
وأردفت: "فقد حصلت المنصة على دعم من مؤسسات ألمانية، ومشاريع ممولة من الاتحاد الأوروبي، وصناديق دولية أخرى هدفت إلى تعزيز مسار الديمقراطية بعد (الربيع العربي)".
وفي هذا السياق، لفتت الصحيفة إلى أن "القانون المنظم للجمعيات في تونس أتاح تأسيس مبادرات عديدة لدعم الأحزاب السياسية والجماعات الدينية".
إلا أنه يبدو أن قيس سعيّد يسعى لقطع مصادر التمويل عن الأحزاب، لا سيما ذات التوجه الديني؛ حيث ذكرت الصحيفة أنه "خلال الحملة الانتخابية لعام 2024، شن سعيد هجوما على حزب النهضة ذي التوجه الإسلامي المعتدل، وكذلك على الجماعات المتشددة".
معركة البقاء
وتعتقد الصحيفة أن "ما يدفع السلطات التونسية لشن هذه الحملة ضد المنظمات المدنية هو شعورهم أنهم يخوضون صراعا من أجل البقاء".
وقالت: "في أروقة القصر الرئاسي وقيادة الحرس الوطني والشرطة، يسود شعور بأنهم يخوضون معركة بقاء ضد الجماعات (المحافظة) وحزب النهضة".
وتابعت: "يقبع زعيم حزب حركة النهضة، راشد الغنوشي البالغ من العمر 84 عاما، خلف القضبان مع كامل قيادة الحزب، بتهم تلقي أموال من الخارج وقضايا أخرى".
وأردفت: "ومع ذلك، لا تزال النهضة، كحركة اجتماعية، نشطة".
وفي سياق متصل، أشارت الصحيفة إلى أن "الغنوشي وعددا من رفاقه دخلوا أخيرا في إضراب عن الطعام تضامنا مع المحامي جوهر بن مبارك، رئيس أكبر أحزاب المعارضة (جبهة الخلاص الوطني) الذي يقبع في السجن منذ 2023".
وذكرت أنه بحسب أسرته، فقد أجبره عناصر من الشرطة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 على إنهاء إضرابه بالقوة.
وأشارت إلى "ما يتعرض له بن مبارك -المعتقل بتهمة محاولة التآمر للإطاحة بالرئيس- من انتهاكات في محبسه؛ حيث أكدت محاميته أن موكلها تعرض خلال فترة احتجازه لكسور وضرب مبرح".
وعقبت صحيفة "تاتس" قائلة: "هذه التطورات أثارت اهتماما واسعا، لكنها ليس بالضرورة في صالح قيس سعيد".
وشددت على أن "ارتفاع تكاليف المعيشة، وبطء الإصلاحات، وتراجع الفساد بوتيرة بطيئة؛ كلها عوامل تنال من شعبية سعيد".

تراجع ملحوظ
وسلطت الصحيفة الألمانية الضوء على القيود المفروضة على الإعلام قائلة: "حرية الصحافة في تونس تعاني منذ فترة من تراجع ملحوظ".
وذكرت أن منظمة العفو الدولية ولجنة حماية الصحفيين (CPJ) طالبتا أخيرا بالإفراج عن المحامية سنية الدهماني التي اشتهرت بتعليقاتها اللاذعة في البرامج التلفزيونية، واعتُقلت في مايو/أيار 2024.
وأوضحت أن “سبب اعتقالها يعود إلى مشاركتها في مناظرة تلفزيونية؛ حيث ردت على تصريحات أحد الضيوف الذي قال: إن مهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء يأتون إلى تونس لنهب ثرواتها وجمالها، فقالت ساخرة: (أي بلد تقصدون؟ ذلك الذي يهرب منه شبابه؟)”
وقد قضت محكمة تونسية بسجنها عاما واحدا استنادا إلى المادة 54 التي صدرت عام 2022، والتي تجرم نشر الأخبار الكاذبة.
وعقبت الصحيفة على هذا المناخ السياسي: "أي نوع من الديمقراطية هذه التي تنتهجها تونس؟! ربما يتساءل التونسيون".
والمثير للدهشة، بحسب الصحيفة، أنه "على عكس ما حدث عام 2011، لم تشهد البلاد موجة غضب واسعة ضد الإجراءات القاسية التي تتخذها السلطات القضائية".
وفسرت ذلك قائلة: "يبدو أن كثيرا من التونسيين فقدوا إيمانهم بالديمقراطية خلال السنوات الأخيرة".













