هل يقود جفاف إيران إلى احتجاجات جديدة؟ قراءة في الأسباب والتداعيات

منذ ٤ أيام

12

طباعة

مشاركة

تواجه إيران أزمة جفاف غير مسبوقة؛ فالأمطار لم تهبط منذ أسابيع، فيما تعاني السدود من انخفاض حاد في مستويات المياه؛ حيث استنزفت احتياطات المياه بشكل حاد ووصلت إلى مستويات مقلقة، ما أثار تساؤلات واسعة حول الأسباب الحقيقية وراء هذه الكارثة المتفاقمة. 

فهل تعود جذورها إلى التغيرات المناخية القاسية، أم أنها نتيجة مباشرة لسوء التخطيط والإدارة من قبل الجهات المعنية؟

في ظل هذه الأوضاع المضطربة، حذر موقع "دويتشه فيله" الألماني من أن "إيران تتجه نحو كارثة تهدد الاستقرار البيئي والمعيشي لملايين السكان، الأمر الذي قد يدفع المواطنين إلى الخروج في موجة احتجاجات جديدة ضد الحكومة".

قيود صارمة

منذ بداية فصل الخريف، لم تشهد إيران تقريبا أي هطول للأمطار، وفي عام المياه الجديد، وهو فترة تمتد لـ12 شهرا تُستخدم لرصد كمية الأمطار ويبدأ في إيران بتاريخ 23 سبتمبر/ أيلول، لم تسجل 15 من أصل 31 محافظة أي هطول مطري.

وأشار الموقع إلى أنّ "هذا الجفاف الاستثنائي أجبر السلطات على فرض قيود صارمة على توزيع المياه".

فقد بدأت السلطات بقطع المياه خلال ساعات المساء عن نحو 15 مليون نسمة في العاصمة طهران، فيما دعت السلطات السكان إلى تخزين المياه في أحواض الاستحمام والحاويات المنزلية.

وبحسب ما أوردته وسائل إعلام إيرانية، فقد أصبح تخزين المياه جزءا من الروتين اليومي، خصوصا لتلبية احتياجات دورات المياه.

ونوَّه التقرير إلى أن "هذه الإجراءات لم تقتصر على العاصمة فقط؛ حيث بدأت السلطات في مناطق أخرى بوضع خطط لمواجهة أزمة المياه".

ففي مدينة مشهد الواقعة شمال شرق البلاد، والتي تُعد ثاني أكبر مدينة في إيران، يدرس نائب المحافظ حسن حسيني خيار قطع المياه ليلا كإجراء احترازي إضافي.

من جهته، أوضح وزير الطاقة عباس علي آبادي أن هذه الخطوة ضرورية بهدف تقليل الاستهلاك والحد من "الهدر"، ولإتاحة الفرصة أمام خزانات المياه لإعادة الامتلاء. 

وفي هذا السياق، لفت الموقع إلى أن "نظام توزيع المياه في طهران، المدينة التي توسعت بسرعة وتحولت إلى مدينة ضخمة، يعاني من التقادم والتدهور".

وتابع: "وحتى قبل تفاقم أزمة نقص المياه، أفاد سكان وسط المدينة منذ بداية الصيف بتكرار انقطاع المياه لساعات طويلة بسبب أعمال الصيانة، دون أي إشعار مسبق".

في هذا الصدد، قالت سيدة متقاعدة انتقلت إلى طهران قبل عامين لتكون أقرب إلى أولادها وأحفادها: "نعيش في غرب العاصمة، ولم يتم قطع المياه لدينا حتى الآن، لكننا نستخدم مضخات المياه في المبنى منذ فترة طويلة بسبب ضعف الضغط".

وأفاد الموقع بأن "هذه السيدة تعد واحدة من نحو 20 بالمئة من سكان إيران الذين يعيشون في العاصمة طهران، ويواجهون خطرا مباشرا بسبب نقص المياه الحاد".

وأضاف: "مع بداية عام الجفاف السادس على التوالي، وصلت مستويات المياه في السدود المحيطة بالعاصمة إلى أدنى معدلاتها منذ عقود".

وعرض التلفزيون الإيراني الرسمي لقطات لعدد من السدود، خاصة في أصفهان وسط البلاد وتبريز شمال غرب البلاد، تبين احتفاظ الخزانات بكميات مياه أقل بكثير مقارنة بالسنوات السابقة.

وذكر الموقع أنه "وفقا لشركة المياه والصرف الصحي في محافظة طهران، اضطر سكان العاصمة خلال الأشهر السبعة الماضية إلى التعايش مع انخفاض بنسبة 12 بالمئة في كمية المياه المتاحة".

وأردف: "ومع استمرار الظروف المناخية القاسية واستفحال الجفاف، أكد المدير التنفيذي لشركة المياه أن نسبة الترشيد يجب أن ترتفع إلى نحو 20 بالمئة لضمان استمرار التزويد بالمياه حتى حلول فصل الشتاء".

حقائق مقلقة 

وحذرت خبيرة البيئة عزام بهرامي، الباحثة والمستشارة في مجال السياحة البيئية المستدامة، من أن "الجهود الفردية لتوفير المياه لا تكفي إطلاقا لمواجهة هذه الأزمة". 

وفي حديثها مع "دويتشه فيله" أوضحت بهرامي: "إذا نظرنا إلى هرم استهلاك المياه، نجد أن القطاع الزراعي يستحوذ على ما بين 80 إلى 90 بالمئة من إجمالي الاستهلاك".

وأضافت: "وطالما تُمنح الأولوية لقطاعات أخرى بهدف تعزيز الإنتاجية، فلن تحقق إجراءات الترشيد نتائج ملموسة".

وأشارت إلى أن "احتياطيات المياه في البلاد استنزفت نتيجة عقود من الاستغلال المفرط، وأساليب الري غير الفعالة في الزراعة إلى جانب ضعف البنية التحتية".

وذكر الموقع الألماني أن "دراسات متعددة، من بينها دراسة نُشرت في مجلة (نيتشر) العلمية عام 2022، تشير إلى حقائق مقلقة بشأن تراجع مخزون المياه الجوفية في بلد يعاني أصلا من ندرة الموارد المائية".

وفي هذا السياق، قال محمد جواد توريان، أحد مؤلفي الدراسة من جامعة شتوتغارت، في رد على استفسار من دويتشه فيله: "منذ عام 2002 تفقد إيران في المتوسط نحو 16 كيلومترا مكعبا من المياه سنويا".

وبحسبه، "فإن هذا يعني أن البلاد تخسر كل ثلاث سنوات تقريبا كمية من المياه تعادل حجم بحيرة كونستانس". 

وأضاف توريان: "على مدار 23 عاما، اختفى ما يقرب من 370 كيلومترا مكعبا من المياه.. الوضع خطير للغاية".

بدوره، قال الموقع: "لطالما حذر خبراء البيئة من أن إيران لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من النمو السكاني، ولا تملك القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء".

"ومع ذلك، فإن من يجرؤ على طرح هذه القضايا يُقصى بشكل منهجي من دوائر صنع القرار، ويُستبدل بموظفين موالين أيديولوجيا". وفقا له.

إلا أن الأزمة المتفاقمة في الآونة الأخيرة، دفعت العديد من الصحف الإيرانية للتحدث بشكل أكثر وضوحا حول مسؤولية السلطات عن أزمة المياه غير المسبوقة التي تضرب البلاد.

وأشار التقرير الألماني إلى ما كتبته صحيفة "اعتماد" الإصلاحية؛ إذ حملت "المديرين غير الأكفاء في المؤسسات الحيوية" مسؤولية أزمة المياه.

وتابع التقرير: "أما صحيفة (شرق) اليومية، فانتقدت ما وصفته بـ (التضييق على مناخ الحوار السياسي)".

تصريحات دعائية

من جانبه، حذر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من أنه في حال استمرار فترة الجفاف، فقد يضطر إلى اتخاذ قرار بإخلاء العاصمة طهران التي يقطنها نحو 15 مليون نسمة. 

وشكك الموقع الألماني في واقعية هذه الفكرة قائلا: "يرى العديد من المراقبين أن هذا التصريح لا يتعدى كونه إعلانا خطابيا يفتقر إلى خطة تنفيذية واقعية"؛ "إذ إن نقل العاصمة سيستغرق سنوات، وربما عقودا، نظرا لتمركز المؤسسات الحكومية الرئيسة وأماكن عمل غالبية السكان في طهران، مما يجعل فكرة الانتقال غير قابلة للتطبيق بالنسبة لمعظم سكان المدينة". بحسب قوله.

مع ذلك، أفاد الموقع بأن العديد من سكان العاصمة الإيرانية وجهوا انتقادات لبزشكيان متسائلين: “إلى أين يُفترض بنا أن نذهب؟”

"في الوقت ذاته، يوجه منتقدون للنظام في إيران اتهامات باستخدام الدخل الوطني خلال السنوات الماضية في تمويل صراعات إقليمية، بدلا من توجيهها لتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، مثل تطوير أنظمة بديلة لتوفير المياه". وفق ما ذكره الموقع.

ومع تفاقم أزمة المياه، وعدم تقديم حكومة بزشكيان أي خطة واضحة أو إستراتيجية عاجلة لمعالجة الأزمة، سوى اللجوء إلى قطع المياه وانتظار هطول الأمطار؛ نوه الموقع إلى أن "التكهنات تتزايد حول احتمال اندلاع احتجاجات شعبية واضطرابات اجتماعية واسعة النطاق في البلاد".

وحول الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الحكومة لمعالجة أزمة نقص المياه، قال الخبير محمد جواد توريان من جامعة شتوتغارت: "هناك بعض الإجراءات التي يمكن أن تُحدث فرقا ملموسا في وقت قصير". 

وأضاف: "منح الأولوية لتوفير مياه الشرب في المدن الكبرى مثل طهران إلى جانب تقليص استخدام المياه في القطاعات غير الحيوية مؤقتا، يمكن أن يكون له تأثير سريع".

واستدرك: "لكن الأكثر أهمية هو تبني حلول إستراتيجية طويلة الأمد لمعالجة الأزمة بشكل مستدام".

وأكد توريان أن "الاستخدام المنهجي لبيانات الأقمار الصناعية من شأنه أن يوفر صورة دقيقة ومستقلة وشاملة لحجم الفاقد المائي في البلاد، ويساعد في وضع ميزانيات مائية واقعية".

ومن بين الخطوات الأساسية التي يشير إليها، ضرورة تحويل القطاع الزراعي نحو محاصيل تتكيف مع المناخ المحلي، واعتماد أنظمة ري أكثر كفاءة.

وختم توريان بالقول: "كل هذه الإجراءات تبدو سهلة على الورق، لكنها صعبة التنفيذ، فهي تتطلب إصلاحات مؤسسية، وبنية تقنية متقدمة، ونظم بيانات موثوقة، وإرادة سياسية حقيقية، وهي عوامل غالبا ما تكون أصعب من الحلول التقنية نفسها".