حفتر وتهريب النفط الليبي.. هل تضع واشنطن حداً للنفوذ الإماراتي؟

"نُفِّذت هذه السرقة بمساعدة خفية من دول مثل الإمارات"
تتسابق شركات النفط الدولية للدخول مجددا إلى قطاع النفط الليبي؛ حيث بدأت ليبيا في إطلاق أول جولة منذ نحو عقدين لتقديم العروض لاكتشاف وتطوير حقول نفطية جديدة، ويبدو أن هناك اهتماما واسعا من شركات حول العالم، بما في ذلك الأميركية.
لكن نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مقالا أكدت فيه أنه ينبغي على الشركات الدولية معالجة الفساد قبل المشاركة في قطاع يعاني من اختلالات عميقة، وترى أن "فساد القطاع النفطي في ليبيا يضرّ بالأعمال التجارية".
وجاء المقال بقلم جوستينا جودزوسكا، المديرة التنفيذية لمنظمة "سينتري"، وهي منظمة تحقيقية وسياسية تسعى إلى تفكيك الشبكات الاستغلالية متعددة الجنسيات التي تستفيد من النزاعات العنيفة والقمع والنهب.
شبكة فساد
وقالت جودزوسكا: "للوهلة الأولى، قد يبدو هذا تطورا واعدا للشعب الليبي؛ إذ تحتاج البلاد بشدة إلى إعادة إعمار واستقرار سياسي واستثمارات".
"غير أن صفقات النفط الجديدة من غير المرجح أن تحقق هذه الفوائد؛ إذ تعاني ليبيا من نظام متجذر من الفساد والجشع تستولي من خلاله النخبة الفاسدة على ثروات النفط، ما يؤدي إلى رفع أسعار الوقود على الليبيين ويتركهم يكافحون من أجل المعيشة". وفق الكاتبة.
وأضافت: "لتجنب استمرار شبكة الفساد هذه، ينبغي على صانعي السياسات والمسؤولين التنفيذيين في بريطانيا وأوروبا والولايات المتحدة توخي الحذر".
"فبينما قد تُحقق الفرص التجارية الجديدة مكاسب قصيرة الأجل لليبيا، إلا أنها لن تُقدم فوائد تُذكر على المدى الطويل طالما استمر القادة في طرابلس وبنغازي في ملء جيوبهم بالثروات، بينما يستبعدون الشعب من ثروات البلاد الطبيعية الهائلة". بحسب تعبيرها.
وشددت على أنه "لا يمكن أن تكون الشركات الدولية شريكا إلا مع دولة ليبية فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة".
وكشفت تحقيقات جديدة أجرتها منظمة "سينتري"، عن توسع هائل في تهريب البنزين والديزل خلال الفترة من 2022 إلى 2024 عبر برنامج دعم الوقود الليبي.
وأشارت أبحاث المنظمة إلى أن ذلك كلف الدولة الليبية ما يقارب 20 مليار دولار خلال ثلاث سنوات.
وفي عام 2021، بدأت المؤسسة الوطنية للنفط بمقايضة النفط الليبي مباشرة بالوقود المكرر المستورد من الخارج.
وسابقا، كانت عائدات جميع مبيعات النفط الخام تذهب إلى البنك المركزي الليبي الذي كان بدوره يوفّر الأموال للمؤسسة الوطنية للنفط لشراء الوقود بما يتماشى مع مخصصات الميزانية.
ولكن على عكس مخصصات البنك المركزي، لم تُسجَّل المقايضات في الميزانية العامة.
وهذا مكّن المؤسسة من زيادة واردات الوقود دون أي زيادة في الإنفاق الحكومي المعلن.
ونتيجة لذلك، تضاعفت واردات الوقود الليبية خلال ثلاث سنوات فقط، لتصل بحلول أواخر 2024 إلى نحو 41 مليون لتر يوميا.
وتساءلت الكاتبة: "لماذا قفزت واردات الوقود بهذه السرعة؟"، وفي هذا السياق، تشير السلطات الليبية إلى أن الزيادة كانت ضرورية نتيجة تغييرات في سلسلة إمداد الغاز والحاجة المتزايدة للوقود لتشغيل شبكة الكهرباء في ليبيا.
"لكن الكميات المستوردة تفوق بكثير ما يمكن أن يستهلكه الاقتصاد الليبي الشرعي بشكل معقول، فالواقع أن أكثر من نصف هذا الوقود يُهَرَّب خارج البلاد، سواء عن طريق البحر أو البر". بحسب المقال.

دور حفتر
وقالت جودزوسكا: إن "صدام حفتر الابن الطموح لخليفة حفتر، هو القوة الرئيسة وراء تصاعد الأسعار، فقد استغل دوره كوريث واضح لتعزيز سيطرته على عمليات التهريب البحري والطرق البرية الحيوية إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ونتيجة لذلك، كان له دور فعال في رفع التهريب إلى مستويات غير مسبوقة".
وبحسب المقال، فإن ميناء بنغازي القديم يُعد القناة الرئيسة لإعادة التصدير في ليبيا، باستخدام أوراق مزورة وسفن "مظلمة" لنقل ملايين اللترات في كل رحلة.
ويعمل "علي المشاي"، الضابط في مليشيا حفتر، كحارس البوابة الرئيس.
وأضاف: "بينما تظل ليبيا منقسمة سياسيا، حصل الجميع على نصيب من الأرباح غير المشروعة، ربما تكون عائلة حفتر هي من دبرت الارتفاع الأخير في أسعار الوقود".
ويشارك العديد من الداعمين الدوليين للحرب في ليبيا أيضا، فقد نُفِّذت هذه السرقة التي بلغت قيمتها مليارات الدولارات بمساعدة خفية من دول مثل الإمارات. بحسب الكاتبة.
ونتيجة لذلك، يضطر المواطنون الليبيون في كثير من الأحيان إلى دفع 40 ضعف السعر الرسمي المدعوم للوقود، بينما يبيع العديد من قادتهم الوقود بشكل غير مشروع لشبكات أجنبية في ليبيا والدول المجاورة.
على سبيل المثال، يُحوّل تحالف حفتر وقود الديزل والبنزين ووقود الطائرات المدعوم إلى عسكريين روس متمركزين في عدة قواعد جوية في ليبيا، والذين بدورهم ينقلون الوقود إلى بعثات روسية أخرى في إفريقيا جنوب الصحراء.
كما يعد تحالف حفتر مزودا إستراتيجيا للوقود إلى مليشيا الدعم السريع طوال الحرب المستمرة في السودان، مما مكن الدعم السريع من ارتكاب فظائع في دارفور.
ولم يُغير سقوط الفاشر أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2025 أو المجازر المروعة للمدنيين التي تلت ذلك هذا الترتيب؛ حيث تواصل عائلة حفتر توفير الوقود لقوات الدعم السريع. بحسب المقال.

دور أميركي
وترى الكاتبة أن الولايات المتحدة يمكنها فعل الكثير؛ فقطاع النفط الليبي مُرتبط ارتباطا وثيقا بالدولار، وهذا يُوفّر وسيلة للضغط المُباشر وتحديد الشروط التي يُمكن للشركات العالمية بموجبها إعادة دخول السوق الليبية.
وقالت: "يجري القادة الليبيون حاليا مفاوضات مع شركتي إكسون موبيل وشيفرون، على سبيل المثال، وبدلا من الاعتماد على صفقات غير رسمية لتسهيل عودة هذه الشركات، ينبغي على إدارة ترامب العمل على تعزيز المؤسسة الوطنية للنفط الليبية كمؤسسة تقنية قادرة على ضمان عقود موثوقة وطويلة الأمد".
"ولكي تتمكن الشركات الأميركية من الاستثمار على المدى الطويل، فهي بحاجة إلى مستوى أفضل من الأمن المستدام مما يمكن أن يقدمه الفاسدون".
"ومن أجل هذا الهدف، يُعتقد أن المستشار الأميركي البارز، مسعد بولوس، يسعى لتخصيص ميزانية ثابتة للمؤسسة الوطنية للنفط الليبية للمساعدة في الحد من الإنفاق خارج الحسابات الرسمية. ومع ذلك، فإن هذا الجهد سيكون عديم الجدوى إذا تُركت مشكلة تهريب الوقود المتفشية دون معالجة". بحسب المقال.
وأضاف: "ينبغي على صانعي السياسات في الولايات المتحدة والدول ذات التوجه المماثل أن يرسلوا رسالة واضحة مفادها أن المؤسسة الوطنية للنفط يجب أن تظل مستقلة".
وتابع: "إن التحقيق وفرض العقوبات على الشخصيات الرئيسة، مثل علي المشاي، بسبب نهبهم أموال الشعب الليبي سيسهم في تحقيق ذلك".
وأردف: "لم تُستخدم العقوبات ضد أكثر الفاعلين فسادا في ليبيا ومن يسهلون أعمالهم؛ وتغيير ذلك سيكون خطوة كبيرة نحو الردع، وبالمثل، يمكن لواشنطن إصدار تحذير تجاري ينوّه الشركات الأميركية بالشبكات غير القانونية من التجار والوسطاء وناقلات الوقود الذين يستغلون برنامج دعم الوقود الليبي".
وختمت الكاتبة بالتأكيد على أنه "إذا أرادت واشنطن نجاح الشركات الأميركية في ليبيا على المدى الطويل، فعليها المساعدة في كبح جماح الفاسدين الليبيين".















