الضغوط الدولية تضع إيران أمام خيارات صعبة.. أين يكمن مفتاح التغيير؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع فارسي الضوء على "الظروف العصيبة" التي تمر بها إيران، واصفا هذه الفترة بـ "إحدى أكثر مراحلها المعاصرة تعقيدا بلا أي مبالغة".

وعزا ذلك إلى "التراكمات الممتدة لعقود من المشكلات إلى جانب تجاهل الحاجات الحقيقية للمجتمع، مما أفضى إلى عقد يصعب حلها بالأساليب التقليدية أو عبر مسؤولين يفتقرون إلى المبادرة".

مع ذلك، يرى موقع "الدبلوماسية الإيرانية" أن فرصة حقيقية تتشكل، وسط هذه الصعوبات العميقة، لإعادة البناء والتغيير.

فعلى الصعيد الداخلي، ورغم الضغوط المعيشية العنيفة والجراح الناجمة عن انعدام الثقة، لا تزال إيران تزخر بطاقة بشرية وشبابية وإبداعية هائلة، فضلا عن رصيد اجتماعي متين.

وبحسب الموقع "إذا أتيح لهذه الطاقات أن تعبر عن نفسها بحرية، فإنها قادرة على أن تصبح محرك التحول المنشود".

وعلى الساحة الدولية، يعتقد أنه "رغم ما تواجهه إيران من ضغوط وعقوبات، فإن موقعها الجيوسياسي الفريد ومواردها البشرية والطبيعية الهائلة ما زالت أوراق قوة يمكن، عبر حسن التدبير والإصلاح في أسلوب الحوكمة، تحويلها إلى فرص جديدة".

خيار مصيري

وذكر الموقع أن "التاريخ أثبت أن الشعوب، حين تواجه أزمات كبرى، تستطيع تجاوزها إذا آمنت بقدراتها الجماعية واستدعت نخبها إلى ساحة اتخاذ القرار".

وأشار إلى أن "إيران تقف اليوم على أعتاب خيار مصيري: إما الاستمرار في تكرار الماضي، أو فتح أفق جديد قائم على الإصلاح والحوار والابتكار".

أما النظام العالمي، فيقدر أنه "لم يعد يشكل سندا موثوقا، خصوصا منذ وصول دونالد ترامب إلى السلطة الأميركية؛ حيث تراجعت قواعد العلاقات الدولية وتآكلت الأعراف الدبلوماسية".

ويحذر الموقع من أنه "في هذا المناخ المضطرب، تصبح الدول ذات القوة المتوسطة، كإيران، أكثر عرضة للتهديدات، لكن في خضم هذا الوضع، تبرز أهمية الخيارات الإستراتيجية".

فبينما تعتمد القوى الكبرى على القوة، وتهمّش الدول الصغيرة، تستطيع القوى المتوسطة مثل إيران وتركيا، عبر سياسات ذكية واستشرافية، تقليص الخسائر وتعزيز مكانتها.

ويتوقع أنه "بالاستفادة من موقعها الجيوسياسي الفريد، وشبكاتها البشرية الإقليمية، ورصيدها الثقافي والاقتصادي؛ يمكن لإيران أن تصبح فاعلا مؤثرا في هذا العالم المتقلب، شرط أن تعيد تعريف سياستها الخارجية على أساس العقلانية والتفاعل وبناء الثقة".

وعليه، يشدد على أن "ما يبدو اليوم ضعفا، قد يكون بداية لقوة جديدة، وفرصة لتنتقل إيران من موقع العزلة إلى التأثير".

وفي ظل هذه الظروف، ينتقد تعليق كل الآمال على تحسن الظروف الدولية أو نتائج المفاوضات (بشأن الملف النووي).

وعد ذلك "لا يتسم بالواقعية ولا بالعقلانية، فإيران تحتاج إلى عبور هذه المرحلة عبر إستراتيجيات مستقلة ومدروسة وواقعية".

تحرير الدبلوماسية 

ويرى أن "هذه الإستراتيجيات تبدأ بتحرير الدبلوماسية من القيود الشعاراتية، إذ ينبغي أن تتمتع مؤسسة السياسة الخارجية بقدر أكبر من المرونة والصلاحيات، بما يتيح لها الحفاظ على نافذة الحوار مفتوحة دون الانجرار إلى التزامات تفوق قدرة البلاد".

وشدد على أن "المفاوضات لا تعني بالضرورة التنازل، بل هي وسيلة لإدارة الأزمات وكسب الوقت وفتح آفاق جديدة".

ومن وجهة نظره، يمكن لطهران بهذه المقاربة، التعامل مع التحولات العالمية من موقع المبادرة، وخلق فرص جديدة لتخفيف الضغوط وتعزيز مكانتها الإقليمية، مع صون مصالحها الوطنية.

ولفت إلى أن "الأهم هو وجود قابلية دائمة للاستماع إلى المقترحات المنصفة والعقلانية، بما يتيح التقدم نحو الاستقرار والتنمية في أي لحظة".

أما الخطوة التالية، فتتمثل في تعزيز القدرات الدفاعية، وهي ضرورة لا جدال فيها، لكن فعاليتها تتحقق في الميدان، لا الضجيج الإعلامي، يقول الموقع.

"ففي عالم أصبحت فيه وسائل الإعلام والرأي العام جزءا لا يتجزأ من القوة، فإن الخطاب المتشنج لا يحقق الردع، بل قد يفتح بابا لسوء الفهم وزيادة الضغوط".

ودعا القوات المسلحة للتركيز على مهامها الأساسية والابتعاد عن الظهور المتكرر في المنابر، "لأن ذلك من شأنه زيادة الردع الحقيقي والثقة الشعبية".

اقتصاديا، يرى الموقع أن "العقبة الأكبر أمام التنمية بإيران ليست العقوبات الخارجية فحسب، بل البيروقراطية الثقيلة والقوانين المعقدة والمؤسسات غير الفعالة".

وأضاف: "عندما تعيق الحكومة والنظام المصرفي أنشطة المواطنين بقوانين مقيدة، يتلاشى الأمل في تحقيق ازدهار مستدام".

ويرى أن "الحل يكمن في تحرير الأنشطة الاقتصادية، وتقليص تدخلات الحكومة غير الضرورية، وتسهيل بيئة الأعمال". كما شدد على أنه "لا يمكن للبلاد أن تتحمل عبء العقوبات الخارجية والقيود الداخلية في آن واحد".

وفي مثل هذه الظروف الاستثنائية، يدعو لـ "التفكير في إجراءات استثنائية مثل: الجرأة في إصلاح الهياكل، والثقة بالطاقات الإبداعية للمجتمع، وتوفير المجال للابتكار والإنتاج". وأردف: "بهذا الشكل، يمكن حتى لأقسى الضغوط أن تتحول إلى فرصة للنهوض".

بناء الثقة

بالإضافة إلى ذلك، يرى أن "إعادة بناء رأس المال الاجتماعي ضرورة وجودية، فواحدة من جذور الأزمة الحالية هي الفجوة المتزايدة بين الدولة والمجتمع".

وانتقد الموقع "التعامل الأمني مع الناشطين المدنيين والسياسيين"، مبينا أنه "لم يحل المشكلة بل أضعف الثقة".

بدلا من ذلك، يدعو إيران "لتبني سياسة أكثر ثقة بالنفس؛ تميز بدقة بين النقد البناء والخيانة، وتتعامل مع الخونة الحقيقيين بناء على أدلة واضحة، لا على اجتهادات ضيقة أو أهواء شخصية".

وأكد أن "الانفتاح السياسي والتسامح وقبول النقد، يمكن أن يعيدوا بناء رأس المال الاجتماعي ويمنح المجتمع أملا جديدا بالمستقبل".

كما تحدث الموقع عن أهمية “التفاعل الإيراني مع العالم”؛ إذ يعتقد أنه "مفتاح فتح آفاق جديدة، فلا يمكن لإيران أن تتقدم وهي في عزلة".

في هذا السياق، يرى أن "تعزيز التبادل الأكاديمي والعلمي والثقافي والسياحي هو أفضل وسيلة لربط المجتمع الإيراني بالعالم".

وشدد على أن "خلق بيئة آمنة لهذه التبادلات يحرر البلاد من الصور النمطية الأمنية، ويقدم صورة أكثر إيجابية عنها".

واستطرد: "وحتى في القضايا المتعلقة بالتجسس أو التخريب، فإن الشفافية في نشر الوثائق تحرم الطرف الآخر من فرص الاستغلال الدعائي، وتثبت أن إيران دولة مسؤولة وتحترم القانون".

"وبهذا الشكل، فإن إعادة بناء الثقة داخليا، والتفاعل البناء خارجيا، يمكن أن يشكلا جناحين رئيسين لعبور إيران أصعب مراحلها التاريخية".

العقلانية الإقليمية

ويؤكد الموقع أن "العقلانية الإقليمية ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، فالنفوذ الإيراني في المنطقة حقيقة لا يمكن إنكارها، غير أن الإعلان المتكرر والمباشر عنها ليس ضروريا".

وبناء عليه، ونظرا للظروف الراهنة يدعو الموقع لـ "لخفض مستوى التدخلات العلنية، والاتجاه نحو الدبلوماسية الهادئة وغير المعلنة".

ويعتقد أن ذلك "سيخفف من التكاليف ويزيد من المكاسب في الوقت ذاته، فعندما يقترن النفوذ بالحكمة والتدبير، تصبح قوة إيران في المنطقة أكثر رسوخا واستدامة وقبولا".

بالتوازي مع ذلك، أوصى الموقع الفارسي بـ "ضرورة تنويع العلاقات الخارجية كوسيلة فعالة لتخفيف الضغوط".

في هذا الصدد، يشدد على أهمية العلاقة مع بكين وموسكو قائلا: "الصين وروسيا والقوى الشرقية الأخرى، رغم أنها لا تشكل بديلا كاملا عن الغرب، فهي قادرة على تخفيف جزء من أعباء الضغوط الاقتصادية والسياسية".

ومن هنا، "ينبغي على إيران أن تُظهر جدية أكبر في تنفيذ الاتفاقيات السابقة مع هذه الدول، مع الحرص على تجنب نشوء علاقات أحادية الجانب أو تبعية غير متوازنة".

وأردف الموقع: "فتنوع الشركاء يمنح البلاد هامشا أوسع للمناورة واستقلالية أكبر في اتخاذ القرار، ويجعل من إيران فاعلا أكثر توازنا في النظام الدولي".

واستطرد: "مثل هذا النهج، إذا اقترن بإعادة بناء الثقة الداخلية، وإصلاح البنية الاقتصادية، واتباع دبلوماسية ذكية، يمكن أن يفتح طريقا جديدا لتجاوز الأزمات واستشراف آفاق واعدة".

الاقتصاد الحدودي 

ويبرز الاقتصاد الحدودي والإقليمي كرافعة جديدة لتحريك عجلة التنمية في إيران. ولفت الموقع إلى أن "الأسواق الحدودية مع الدول المجاورة تحمل إمكانيات هائلة للتجارة والاستثمار وتبادل السلع".

وفي هذا الإطار يشير إلى أن "تسهيل التنقلات، والتغاضي المؤقت عن بعض اللوائح النقدية والمالية الصارمة، وإنشاء مسارات رقابية شفافة، يوفر فرصة استثنائية لتخفيف ضغوط العقوبات".

ووفق الموقع، فإن "هذه السياسة لا تقتصر على إنعاش الوضع المعيشي لسكان المناطق الحدودية، بل تفتح أيضا مصادر جديدة للعملة الصعبة تعزز من قدرة البلاد على الصمود".

وفي ختام هذا الطرح، يعتقد أن "إيران تقف اليوم وسط عاصفة لا يمكن تجاوزها بالإنكار، ولا التغلب عليها بتكرار الأساليب القديمة".

أما طوق النجاة، فيكمن في "تبني سياسة عقلانية، واقتصاد أكثر تحررا، ودبلوماسية نشطة، وإعادة بناء الثقة الاجتماعية، وتقليص التوترات غير الضرورية".

ويتوقع أنه "إذا ما اعتُمد هذا النهج بشجاعة وحكمة، فإن إيران قادرة على تجاوز حالة الانسداد، والحفاظ على مكانتها في النظام العالمي المتقلب، بل وتعزيزها".

أما إذا استمر التردد، فقد حذر من أن "خطر التآكل الداخلي والضغط الخارجي سيهدد مستقبل البلاد أكثر من أي وقت مضى".

واختتم قائلا: "إن خيار اليوم مصيري: إما الاستمرار في التآكل، أو فتح أفق جديد أمام الشعب الإيراني".