“اتفاق استخباراتي” بين تركيا وسوريا.. كيف يهدد مصالح أميركا وإسرائيل؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تجري تركيا محادثات مع الإدارة السورية الجديدة لإنشاء "فرع معلومات" جديد تابع لوزارة الداخلية في دمشق، مُصمّم لنقل المعلومات الاستخباراتية إلى أنقرة.

وكشف موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي أن مسؤولين سوريين وأتراكا عقدوا اجتماعا مغلقا في القنيطرة، جنوب غرب سوريا، ما بين 10 و12 أغسطس/آب 2025، لإتمام هذه الخطوة "بالغة الأهمية".

ووفقا لضابط سابق في "الجيش السوري الحر"، تحدث إلى الموقع شريطة عدم الكشف عن هويته، فقد جرى توقيع مذكرة تفاهم بهذا الخصوص في 13 أغسطس، عقب الاجتماع المغلق.

زرع هياكل استخبارية

فالاتفاق، كما نقلت مجلة "المجلة" الصادرة من لندن والمدعومة سعوديا، نصّ على التزام تركيا بتحديث القدرات العسكرية السورية عبر برامج تدريب ودعم لوجستي وتعاون في مكافحة الإرهاب، وهو ما من شأنه إحداث تحوّل ملموس في موازين القوى الإقليمية.

غير أن ما تكشفه المعطيات الواردة من القنيطرة يضيف بُعدا بالغ الحساسية لم يُكشف عنه من قبل، يتمثل في عدم اكتفاء تركيا بتعزيز البنية العسكرية السورية.

بل العمل أيضا على زرع هياكل استخبارية في القنيطرة والسويداء، وهما منطقتان تحاول واشنطن فيهما التوسط لإنشاء ممر إنساني عبرهما من جهة إسرائيل. وفق وصف الموقع.

وأشار إلى أن اجتماعات القنيطرة ضمّت ممثلين عن هيئة الأركان العامة السورية، ووزارة الداخلية، وعددا من مستشاري الأمن الأتراك.

وأفاد ضابط في الجيش السوري الحر أن قائد الأمن الداخلي العميد محمد قصي الناصير، استقبل الوفد ووفّر له الإقامة في مقر الشرطة المحلية.

وقال الموقع: وراء الأبواب المغلقة، تمحورت النقاشات حول إنشاء "فرع معلومات" جديد، وذكرت مصادر أن هذا الكيان سيرفع تقاريره مباشرة إلى وزارة الداخلية السورية، لكنه سيخدم أولويات الاستخبارات التركية في الجنوب.

وسيضمّ هذا الفرع سوريين، بمن فيهم شخصيات مرتبطة بفصائل إسلامية مثل "أحرار الشام"، وستوكل إليه مهمة جمع وتحليل المعلومات المتعلقة بالأنشطة العابرة للحدود، وشبكات المعارضين، والعمليات المحتملة لإسرائيل أو الولايات المتحدة.

وأوضح الضابط السابق في الجيش السوري الحر قائلا: "الأمر يتجاوز حدود التعاون؛ إنه في جوهره زرع راية تركية دائمة داخل أجهزة الأمن السورية".

مذكرة تفاهم

وبعد يوم واحد فقط من مغادرة وفد القنيطرة، وقّع وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، ونظيره التركي يشار غولر مذكرة تفاهم في أنقرة.

وفي 15 أغسطس نشرت "المجلة" الخطوط العريضة لتلك الاتفاقية، مشيرةً إلى برامج تدريب مشتركة، ودعم لوجستي، ومساعدة تركية في إزالة الألغام، ومكافحة الإرهاب، وحفظ السلام.

وفي مؤتمر صحفي مشترك، اتهم وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إسرائيل بتأجيج حالة عدم الاستقرار، وحذّر قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من استغلال المرحلة الانتقالية الهشة في البلاد.

وكرر نظيره السوري، أسعد الشيباني، الموقف ذاته، مقدرا أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة على بلاده قوضت السيادة وأججت الصراع الطائفي.

وأشار الموقع إلى أنه "بالنسبة لدمشق، وفر الاتفاق قدرة عسكرية كانت بأمسّ الحاجة إليها. أما لأنقرة، فشكّل فرصة لإعادة تشكيل مؤسسات الأمن السورية من الداخل، بدءا من الجنوب، حيث تتصاعد المواجهات بين المجموعات الدرزية والبدوية، فيما تتواصل الغارات الإسرائيلية".

اختيار موقع هذا التمركز الاستخباراتي لم يكن محض صدفة -وفق التقرير- فمحافظتا السويداء والقنيطرة تضمان الأقلية الدرزية في سوريا، وهي أقلية تعالت أصواتها بالمطالبة بتقرير المصير (الانفصال عن الدولة) منذ اندلاع الاشتباكات في يوليو/تموز 2025.

ويُتوقّع أن يكون الأثر على السكان المحليين عميقا؛ حيث رفع بعض المتظاهرين أعلام إسرائيل في ساحة الكرامة، في مشهد يختصر تداخل خطوط الصدع الإقليمية داخل هذه المحافظة، وفق توصيف الموقع الأميركي.

وذكر أن التداخل بين الإغاثة والاستخبارات هو بالتحديد المجال الذي يُرجح أن ينشط فيه "الفرع المعلوماتي" الجديد، فمن خلال التغلغل في البُنى المدنية، تستطيع أنقرة مراقبة الشبكات المحلية والتأثير على تدفق الموارد في آن واحد.

توسع تركي

وقد برزت مؤشرات إضافية على توسع البصمة التركية في الجنوب خلال الأيام الماضية؛ إذ أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن وزارة الدفاع السورية جنّدت نحو 200 شاب من قرى محافظة القنيطرة ونقلتهم إلى تركيا، حيث يخضعون حاليا لدورات تدريب عسكري.

ويرى محللون أن هذه الخطوة تمثل دليلا آخر على أن أنقرة لا تكتفي بتقديم المشورة لدمشق، بل تعمل أيضا على إعادة تشكيل قوتها البشرية على الأرض، فالتحركات الاستخباراتية تنسجم تماما مع إستراتيجية تركيا الأوسع في سوريا.

وأشار رئيس تحرير "مجلة سوريا في مرحلة انتقالية" مالك العبدة، في عدد أغسطس، إلى أن أنقرة ضغطت على دمشق للانسحاب من المحادثات التي تستضيفها باريس مع الأكراد، وتعميق علاقاتها مع موسكو بدلا من ذلك.

ويضيف العبدة أن أنقرة تسعى إلى استباق أي مشاريع حكم ذاتي عرقي في المنطقة عبر التغلغل داخل مؤسسات الدولة السورية -بما في ذلك الأجهزة الأمنية- وضمان قدرة دمشق على مواجهة النزعة الانفصالية الكردية في الشمال الشرقي، وتطلعات الدروز للحكم الذاتي في الجنوب.

وكتب العبدة: "رسالة أنقرة واضحة: الدولة المركزية القوية في دمشق، المدعومة من تركيا وروسيا، هي السبيل الوحيد للحفاظ على وحدة البلاد".

لكن هذه الرؤية تصطدم مباشرة بالإستراتيجيات الأميركية والإسرائيلية؛ إذ تواصل واشنطن تمويل عمليات "قسد"، وأعلنت في يوليو/تموز تخصيص 130 مليون دولار حتى عام 2026.

أما إسرائيل، فترى في كل من “هيئة تحرير الشام” وتركيا تهديدا مباشرا. ففي وقت سابق من هذا العام، شنت الطائرات الإسرائيلية غارات على قواعد جوية سورية لتوجيه رسالة رفض واضحة لأي موطئ قدم عسكري تركي في الجنوب.

اللعب على الحبلين

وعلى هذا، أكد الموقع الأميركي أن تركيا وإسرائيل على طرفي نقيض، فالأولى تعلن التزامها بوحدة سوريا، بينما تركز الثانية على مطالب الأقليات بالحكم الذاتي.

وبدورها تحاول الولايات المتحدة اللعب على الحبلين، بدعم الأكراد من جهة وموازنة علاقتها مع أنقرة من جهة أخرى.

ومن دمشق، صرّح المحلل إلياس أبو جراب، بأن الرئيس أحمد الشرع وأجهزته السياسية والأمنية ينظران إلى التدخل التركي على أنه عامل استقرار.

وقال أبو جراب: "الاتفاقية تُعزّز قوتنا الجوية في مواجهة الغارات الإسرائيلية، والأهداف الإستراتيجية لتركيا تخدم دولة موحدة، كما أن الخليج يدعم هذه الرؤية أيضا".

ويحافظ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ولايته الثانية، على علاقات وثيقة مع كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأرسل مبعوثه توم باراك لمنع الطرفين من الدخول في صراع مفتوح.

لكن موقف الولايات المتحدة محفوف بالمخاطر، فهي تواصل دعم "قسد" عسكريا، بينما تحاول طمأنة تركيا بأن الحكم الذاتي الكردي لن يترسّخ.

ويبقى السؤال مفتوحا: هل ستنجح تركيا وسوريا في تنفيذ مذكرة التفاهم بالكامل؟ أم أن إسرائيل ستصعّد لمنعهما؟ الإجابة قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة من الصراع، وفق الموقع الأميركي.