معهد هندي يهاجم انتشار المسيرات التركية في إفريقيا.. لماذا؟

منذ ساعة واحدة

12

طباعة

مشاركة

هاجمت مؤسسة بحثية هندية، انتشار المسيّرات التركية في إفريقيا، زاعمة أن وجودها في القارة يخلّف تداعيات أمنية إقليمية ودولية بالغة الأهمية.

وقالت مؤسسة أوبزرفر للأبحاث (ORF)، في تقرير لها: "بأسعارها المعقولة، وخبرتها الميدانية، وفعاليتها الجيوسياسية، تُعيد الطائرات المُسيّرة التركية رسم ملامح حروب إفريقيا، وتُغيّر تحالفاتها، وتُثير مخاطر أمنية جديدة".

فن إدارة النفوذ

وأوضح الباحث المتخصص في الشأن الإفريقي، سمير بهاتاشاريا، أن تركيا تنتهج ما يشبه فن إدارة النفوذ عبر الطائرات المسيّرة، وأنها تتمدد أمنيا في إفريقيا عبر هذه الأداة.

وقال: "بينما يواصل المقاتلون الجهاديون نشر الفوضى عبر سلسلة من الهجمات المتزامنة على مواقع عسكرية في عدد من بلدات مالي، تسابق الحكومة العسكرية الوقت -بإمكاناتها المحدودة ودعمها الدولي المتراجع- لاحتواء خطر وشيك يتمثل في سيطرة الإسلاميين على البلاد"، وفق تعبيره.

ومنذ عام 2012، تخوض قوات الأمن المالية مواجهات مع عدة جماعات جهادية، أبرزها "تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى" و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين".

وفي عامي 2020 و2021، استولى المجلس العسكري في مالي على السلطة عبر انقلابين متتاليين لتتفاقم الأزمة الأمنية. 

وبينما يستمر صراع الكرّ والفرّ، تحاول الحكومة العسكرية -في سعي يائس لقلب موازين المعركة- الاعتماد بشكل متزايد على الطائرات المسيّرة التركية لاستعادة السيطرة.

ومالي ليست وحدها في هذا الاتجاه؛ فدول الجوار، بوركينا فاسو والنيجر، وكلاهما عضو في "تحالف دول الساحل"، لجأتا أيضا إلى استخدام هذه المسيّرات لمواجهة الجماعات المتمردة في أراضيهما.

ففي يوليو/تموز 2024، شنّ الجيش المالي سلسلة غارات بطائرات مسيّرة استهدفت معسكرات تابعة لـ "الإطار الإستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي" (CSP-DPA)، وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 20 مسلحا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تمكنت قوات بوركينا فاسو من إحباط هجوم ضخم شنّه نحو ثلاثة آلاف مسلح على بلدة جيبا.

وقبل ذلك، استخدمت الحكومة الإثيوبية بقيادة، آبي أحمد، الطائرات التركية المسيّرة بشكل فعال في التعامل مع تمرد إقليم تيغراي، الذي استمر أكثر من عامين، من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وحتى نفس الشهر من عام 2022.

كما لعبت المسيّرات التركية دورا محوريا في مساعدة حكومة الوحدة الوطنية الليبية على صد هجوم اللواء الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر.

وبالتالي، ليس من المستغرب -وفق الباحث- أن يشيد عدد من القادة الأفارقة بهذه الطائرات، واصفين إياها بأنها "مغيّر لقواعد اللعبة".

وخلال السنوات الأخيرة، برزت تركيا كقوة عالمية مؤثرة في المجال الأمني. ففي عام 2024، بلغت صادراتها في قطاع الدفاع والطيران مستوى قياسيا وصل إلى 7.1 مليارات دولار.

وتعدّ السوق الإفريقية على وجه الخصوص أحد أكبر المساهمين في هذه الطفرة. فبعد أن كانت صادرات أنقرة العسكرية تقتصر في السابق على تونس وموريتانيا، باتت اليوم تقدم خدماتها العسكرية لما لا يقل عن 18 دولة إفريقية، مسجّلة زيادة بنسبة 10 بالمئة.

المصدّر الأول عالميا

كما أصبحت تركيا في السنوات الأخيرة المصدّر الأول عالميا للطائرات المسيّرة، في وقت تمثل فيه القارّة الإفريقية أسرع أسواقها نموا.

وتشارك عدة شركات تركية في هذا القطاع، من بينها: أسيلسان (Aselsan)، وبايكار (Baykar)، والشركة التركية للصناعات الجوية والفضائية (TAI)، وهافيلسان (Havelsan)، ولنتاكن (Lentaken)، وروكيتسان (Roketsan).

إذ تنتج هذه الشركات الطائرات المسيّرة إلى جانب مجموعة واسعة من المعدات العسكرية، تشمل أنظمة المراقبة الإلكترونية، والمروحيات القتالية، والصواريخ، والمنصات البحرية، وأدوات إزالة الألغام.

ومن بين مختلف المعدات العسكرية، برزت الطائرات المسيّرة القتالية التي طورتها شركة "بايكار"، لا سيما طرازَي "بيرقدار TB2" و"أقنجي"، التي حظيت بشعبية واسعة.

ويتزايد اعتماد القوات العسكرية لهذه الطائرات التركية في مناطق متعددة: في إفريقيا (إثيوبيا، وتوغو، والنيجر، وليبيا)، وأوروبا (بولندا، وأوكرانيا)، والشرق الأوسط (قطر، والإمارات)، وآسيا (قرغيزستان، وأذربيجان، وباكستان).

وبحسب "رابطة مصنّعي صناعة الدفاع والطيران التركية" (SaSAD)، المظلة التي تضم الشركات التركية العاملة في هذا القطاع، فقد ارتفعت الصادرات إلى مستوى قياسي بلغ 5.5 مليارات دولار أميركي في عام 2023.

وتستهدف أنقرة الوصول إلى 10 مليارات دولار أميركي بحلول نهاية عام 2025. ويدعم هذا القطاع المزدهر أكثر من 1500 شركة محلية، توظف ما يقرب من 100 ألف شخص.

ويكمن تفوّق عدد من الطائرات المسيّرة التركية في كونها أقل تكلفة بكثير مقارنة بنظيراتها المنتَجة في الولايات المتحدة وإسرائيل، وفق الباحث.

كما أن آليات ضبط صادرات السلاح في تركيا أقل تعقيدا وتشديدا من تلك المعمول بها في واشنطن ومعظم الدول الأوروبية.

هذا المزيج جعل الطائرات التركية محط اهتمام متزايد لدى دول لا تملك ميزانيات دفاعية ضخمة تمكّنها من شراء تقنيات عسكرية مرتفعة الكلفة.

ونتيجة لذلك، أوضح أن تركيا أصبحت أكبر مصدّر للطائرات المسيّرة في العالم، متقدمة على الصين والولايات المتحدة، مع مؤشرات تؤكد أن هذا النمو لن يتباطأ قريبا.

بل على العكس، تحوّل تصدير المسيّرات إلى أداة محورية في السياسة الخارجية للحكومة التركية.

أزمات أمنية

ورأى أن "صعود تركيا كمصدّر رئيس للتكنولوجيا العسكرية، خاصة الطائرات المسيرة، يحمل تداعيات مهمة، فهو يسمح لأنقرة بتكوين تحالفات جيوسياسية جديدة وتوسيع نفوذها من خلال مبيعات التكنولوجيا العسكرية وصيانتها وتطويرها".

"ولا شك أن هذا النمو يعزز القوة الناعمة لتركيا واقتصادها المتعثر، ويخلق فرص عمل للكفاءات، حيث يتزايد اهتمام العديد من الدول بالطائرات المسيرة كحل متقدم لمواجهة تحديات عملياتية متنوعة".

ومع ذلك، يرى الباحث أن استيراد الطائرات المسيّرة التركية إلى إفريقيا يخلّف تداعيات أمنية إقليمية ودولية بالغة الأهمية، فوجودها بين أيدي الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى وضع أمني متأزم أصلا، وقد يزيد من هشاشته.

ويُعدّ لجوء "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" إلى استخدام المسيّرات المسلحة نقلة نوعية في قدرات التنظيمات المتطرفة بالمنطقة، إذ يعكس مستوى متقدما من التطور.

وخاصة بعدما انتقلت هذه التنظيمات من استخدام الطائرات المسيّرة لأغراض الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارية إلى شنّ عمليات هجومية.

كما أن الانتشار الواسع للمسيّرات التجارية منخفضة التكلفة، وسهولة تعديلها لأغراض عسكرية، يزيد من صعوبة مواجهة التهديد المتنامي الذي تمثله الجهات غير الحكومية في المنطقة، بحسب الباحث.

"علاوة على ذلك، لا يُشكل انتشار الطائرات المسيرة في منطقة الساحل تحديا عسكريا فحسب، بل يُمثل أيضا أزمة إنسانية".

فكثيرا ما تستخدم "الجماعات المتطرفة" أساليب التمويه والخداع، متسللةً بين السكان المدنيين، مما يزيد من خطر وقوع إصابات بين المدنيين في غارات الطائرات المسيرة.

لذلك، يعتقد الباحث أنه "يجب على الحكومات الإفريقية دراسة هذه العوامل بعناية قبل استيراد الطائرات المسيرة أو المركبات الجوية غير المأهولة التركية".

والأكثر أهمية من ذلك، أن هذا التوجه يُشير إلى تحول في الاعتماد على مورّد جديد، مما يُحوّل المنطقة إلى ساحة صراع جديدة لمُصدّري الطائرات المسيرة.

وختم مزاعمه قائلا: بينما يُقدّم الاستيراد العشوائي للطائرات المسيرة حلولا قصيرة المدى لمواجهة المتمردين، فقد يُؤدي في النهاية إلى ما يُشبه "حصان طروادة"، وينتج عنه عواقب سلبية غير متوقعة.