تخريج دفعة جديدة من "الدعم السريع" في السودان.. هل تطرق الحرب أبواب الشمال؟

“توقيت تخريج الدفعة يأتي في ظل هزائم ثقيلة ضربت المتمردين”
دفعة جديدة من مليشيا الدعم السريع المتمردة المدعومة إماراتيا، تخرج إلى العلن في 2 أبريل/ نيسان 2025، قوامها بلغ 20 ألف مقاتل.
فيما أعلن شقيق قائد الدعم السريع، عبدالرحيم دقلو، أن الدفعة الجديدة “بداية لتجنيد مليون جندي”، وفق ما نقلت عنه وسائل إعلام محلية.
ومن قلب دارفور ألقى دقلو خطابه إلى الدفعة الجديدة، قائلا: إن "المعركة المقبلة ستكون في شمال السودان".
وأظهرت المقاطع الناقلة للحدث ولكلمة دقلو، حشودا غير منظمة، لا من حيث الهيئة ولا الاصطفاف، تحمل الأسلحة الخفيفة، وتقف في ساحة مفتوحة، تحيط بها الصحراء.
دفعة جديدة
وحمل حديث الرجل الثاني في الدعم السريع عددا من الدلالات، منها توقيت تخريج الدفعة الذي يأتي في ظل هزائم ثقيلة ضربت المتمردين، وتحديدا طردهم من العاصمة الخرطوم.
كذلك إعلانه خطة الحرب القادمة، ونقل المعارك نحو الشمال، الذي كان آمنا، ومقرا رئيسا للمجلس السيادي والجيش، بقيادة عبد الفتاح البرهان.
تأتي هذه التطورات وسط تساؤلات عن دواعي حمل دقلو نيران الحرب إلى الشمال ومدى قدرة المتمردين على إحداث التقدم واحتلال الشمال.
يبدو أن حديث دقلو أمام شباب الدفعة الجديدة، الذين لم تتجاوز أعمارهم 20 عاما على أقصى تقدير، بحسب موقع “سودان تربيون”، تضمن إستراتيجية جديدة للحرب.
حيث كان شباب الدعم السريع، يهتفون بحماسة وهم يحملون أسلحتهم، "الشمالية جوة.. الشمالية جوة"، في إشارة إلى استعدادهم للهجوم على الولايات الواقعة شمال البلاد.
بينما أفاد دقلو، خلال تصريحه بأنه "في هذا اليوم خرجت ألفا سيارة بالصحراء وهي في طريقها إلى الشمالية (ولاية تقع في شمال السودان متاخمة للحدود المصرية)".
وتابع: "سنقاتلكم في الشمالية ونهر النيل.. لم نكن نعرف أين مسرح المعركة، لكن الآن عرفنا ذلك".
وقائلا: "خطابنا من هنا للمليون جندي، وقت ينتهوا أنا ومحمد حمدان (حميدتي) ننتهي معهم"، قاصدا أنهم سيقاتلون حتى الموت.
ثم توعد دقلو، ضباط الدعم السريع الهاربين من الخدمة، على وقع الهزائم الأخيرة.
وطالب بضرورة التبليغ الفوري عنهم، والوجود في خطوط النار الأمامية خلال ساعات.
وقال: "أي ضابط بالدعم لم يحضر في مقدمة صفوف القتال خلال ساعات سيتم إبعاده من الخدمة ومحاكمته عسكريا".
واتهم بعضهم بالركون والجلوس في البيوت “مع أمهاتهم وأخواتهم”، على حد تعبيره.
كما هدد كل من تثبت إدانته ببيع الأسلحة والذخائر ومعدات القتال، أو تسريب معلومات لجهات معادية، بالقتل دون رحمة.
وهدد شقيق زعيم التمرد بأبعد من ذلك عندما حدد قائمة بمن يجب أن يقتل، ووضع فيها ما أسماهم الداعمين لـ"الكيزان"، في إشارة إلى داعمي الجيش وطالب بقتلهم.
نحو الشمال
السؤال الذي طرح نفسه، هل كان خطاب دقلو مجرد تحفيز للدفعة الجديدة أم هناك خطوات اتخذت من قبل الدعم السريع لمهاجمة ولايات الشمالية ونهر النيل.
الإجابة تأتي من تحركات القوات المتمردة، ففي 23 مارس/ آذار 2025، تمكنت من السيطرة على بلدة المالحة بولاية شمال دارفور، والمحاذية لشمال السودان.
ما يجعل إمكانية اجتياح المنطقة الشمالية سهلا وقريبا، وربما يكون مسألة وقت، خاصة أن هذا السيناريو حدث بداية الحرب في أبريل/ نيسان 2023، عندما حركت الدعم السريع عشرات المركبات العسكرية صوب مدينة مروي بالولاية الشمالية.
وبعد يومين، هاجمت بالتزامن مع اندلاع النزاع في الخرطوم، مطار مروي والقاعدة الجوية، لتسيطر عليهما لأيام قبل أن يستردهما الجيش لاحقا، عقب معارك عنيفة وخسائر في المعدات والأرواح.
يذكر أن عبد الرحيم دقلو، كشف في 7 مارس 2025، خلال كلمته أمام أعضاء بعض القوى السياسية والإدارات الأهلية في قاعة مغلقة في فندق بكينيا، عن نِيّته مهاجمة الشمال.
وتعهد لحلفائه بـ"تحرير ولايات الشمالية ونهر النيل وبورتسودان وكسلا من الحركة الإسلامية"، على حد وصفه.
ورغم خطط ووعيد آل دقلو، لكن كانت هناك آراء تنتقص من إمكانية تقدم الدعم السريع، عقب خسائرهم القاسية.
ورأى المصباح أبوزيد طلحة، قائد كتيبة البراء بن مالك، المتحالفة مع الجيش، تهديدات عبد الرحيم دقلو، محاولة يائسة لتدارك هزيمتهم في الخرطوم.
وقال في تصريحات لصحيفة "تاج برس" المحلية: "إذا سقطت العاصمة ينهار النظام، عدا ذلك يصبح تمردا مقدورا عليه".
ونشر موقع "مونت كارلو" الفرنسي، في 4 أبريل 2025، تقريرا عن مدى قدرة الدعم السريع على تنفيذ تهديداتها باجتياح شمال السودان.
ومما أورده: "لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكشف خطتك العسكرية للخصم وتخبره أنك قادم إليه قريبا، وكأنك تقول له استعد وجهز قواتك وطائراتك، لكي تقوم بسحقها.. يصعب عليك أن تقول ذلك".
وأرجع الموقع الفرنسي في تحليله للموقف، أن الدعم السريع يعمل وفق خطة لتمويه هدفه الرئيس وهو تعطيل تحركات الجيش في الدبة شمال البلاد من جهة.
ومن جهة أخرى حتى يتمكن من شن هجوم كاسح وكبير يسقط بموجبه مدينة الفاشر عاصمة ولاية دارفور، وهى آخر الولايات في غرب السودان، التي لا تزال في قبضة الجيش.
سيناريو كارثي
ومع ذلك فإنه في حال إقدام الدعم السريع على اجتياح الشمال، فإن السودان سيكون على موعد مع سيناريو كارثي جديد، نظرا للبعد الإنساني والجغرافي.
فالولاية الشمالية هي الأكبر مساحة بين ولايات السودان، وعدد سكانها يقدر بمليون وخمسين ألف نسمة.
فيما يبلغ عدد سكان ولاية نهر النيل مليونا و212 ألف نسمة، موزعين على 7 محليات، حسب إحصائية رسمية عام 2023.
وهو ما دعا السياسي السوداني إبراهيم عبد العاطي، للتعليق قائلا: "سيكون الأمر مربكا؛ لأن ملايين السكان لجأوا أيضا للولايات الشمالية خلال الحرب، واستقروا هناك، وبالتالي ستشهد المنطقة موجة لجوء جديدة، تقدر بالملايين، سواء إلى مصر أو نحو الشرق".
وتابع عبد العاطي في حديثه "للاستقلال": "لا بد أن يحذر الجيش والمجلس السيادي من تقلبات الأوضاع؛ لأنه رغم الانكسارات، لا تزال قوات الدعم السريع تتلقى دعما كبيرا من الإمارات".
وأوضح أنه "دعم يشمل التمويل والتسليح المتطور بما في ذلك المسيرات، إضافة إلى التغطية الإعلامية، وهو ما يمنحها قدرة على الاستمرار والمناورة، رغم فقدانها الحاضنة الشعبية والتأييد الداخلي".
وشدد عبد العاطي على أن "تهديد دقلو بنقل المعركة إلى الشمال يجب أن يؤخذ على محمل الجد، فالتجارب السابقة أثبتت أن التهاون مع هذه المليشيا المتمردة سمح لها بالتوسع والتمدد، وهو ما يجب عدم تكراره".
ودعا الجيش أن “يكون على أتم الاستعداد، وأن يتعامل مع هذه التصريحات كجرس إنذار حقيقي لاحتمال اندلاع اضطرابات في ولايات الشمال”.
وأكد عبد العاطي أنه “رغم هذه التهديدات، فإن ما يجب التأكيد عليه هو أن مشروع الدعم السريع مصيره الفشل”.
وأرجع السبب إلى أنه “مشروع متمرد، يتعارض مع بنية الدولة، ويقف في مواجهة إرادة الأمة السودانية”.
واختتم عبد العاطي قائلا: "لا يمكن لمليشيات وعصابات إجرامية، تعتمد على النهب والعمالة للخارج، أن تنتصر على دولة وشعب صامد".