درعا نموذجا.. ما دلالات اندلاع مقاومة شعبية سورية ضد الاحتلال الإسرائيلي؟

إسماعيل يوسف | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد 9 أيام من تصدي سوريين في بلدة "كويا" بريف درعا الغربي لتوغل قوات إسرائيلية، ورد الاحتلال بقتل 6، عاد السوريون يوم 3 أبريل/نيسان 2025 للتصدي لتوغل آخر بالرصاص، فقتل منهم الاحتلال 9 آخرين.

تكرار هذه المقاومة المسلحة، للمرة الثانية، من جانب سكان درعا للمدرعات والدبابات الإسرائيلية، طرحت تساؤلات حول بدء الأهالي "مقاومة شعبية" ضد عربدة قوات الاحتلال، في ظل عدم قدرة الحكومة الجديدة عن خوض حرب مع إسرائيل. 

التحرك من جانب أهالي القرى السورية التي توغل فيها الاحتلال وإطلاق الرصاص على الإسرائيليين، يشير ربما لاعتماد الأهالي نموذج "المقاومة الشعبية المسلحة"، على غرار ما جرى في مدن مصرية، خاصة السويس، ضد الجيش الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي.

ويطرح أسئلة حول مغزاه وتداعياته وانعكاساته؟ وهل هذه الهجمات الشعبية، منسقة ومعتمدة من نظام الرئيس الجديد أحمد الشرع، أم عفوية من الأهالي رفضا للاحتلال؟

ماذا جرى في "كويا"؟

يوم 25 مارس/آذار 2025، دعا سوريون، لأول مرة، إلى مقاومة شعبية ضد إسرائيل في المناطق الجنوبية.

وتصدى شبان من أهالي قرية بلدة "كويا" بريف درعا، الواقعة في منطقة إستراتيجية على مثلث الحدود الأردنية السورية والجولان المحتل، لدوريات إسرائيلية حاولت التوغل داخل عمق القرية، وأطلقوا عليها الرصاص.

ما دفع الاحتلال للانسحاب وقصفهم بالطائرات والدبابات، فاستشهد 6 سوريين وأصيب آخرون، في جريمة أثارت استياء واسعا بين السوريين على منصات التواصل، وبدأ الحديث عن أن هذا العدوان المتصاعد، سيوحّد السوريين.

مجلة "فورين بوليسي" ذكرت في 25 مارس أن "حوالي 10 مسلحين محليين قاوموا محاولة توغل بري للفرقة 71، وأطلقوا النار في الهواء في محاولة لردع جنود الاحتلال عن دخول قريتهم كويا".

"رد الجيش الإسرائيلي - مدعيا تعرضه لإطلاق نار مباشر - بإطلاق قذائف دبابات على القرية وشن غارة جوية واحدة على الأقل، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص على الأقل". وفق مصادر محلية لـ"فورين بوليسي".

ووفق روايات أخرى لشهود العيان بالمنطقة، رفض الأهالي السماح للدوريات بالدخول، مما أدى إلى اندلاع اشتباك انتهى بانسحاب القوات الإسرائيلية باتجاه أطراف البلدة، ثم قصفها جويا ما أدى لنزوح جماعي للأهالي بحثا عن الأمان.

وأشار سوريون إلى أن تصدي أهالي بلدة كويا للدوريات الإسرائيلية، يعد عملا مشروعا وفقا للقوانين الدولية، ودعوا المجتمع الدولي للتدخل لإيقاف "العربدة الإسرائيلية" المستمرة في المنطقة الجنوبية.

ورأوا أن الحل قد يكمن في بناء مقاومة شعبية مدنية قادرة على الضغط على الاحتلال لوقف توغله في القرى السورية واستفزاز أهلها طالما أن حكومة دمشق غير قادرة حاليا على الدخول في مواجهات عسكرية واسعة.

وبعد أسبوع من قتلها 6 مدنيين من أهالي البلدة وبعد ساعات من قتل 9 آخرين في مكان آخر بمحافظة درعا، ألقت طائرات إسرائيلية، في 3 أبريل 2025، منشورات على “كويا”، حذرت فيها من تجول "المسلحين" وعبورهم الطريق المؤدي إلى وادي اليرموك الفاصل بين الجانبين.

ماذا جرى في درعا؟

كان الصدام الشعبي الثاني مع قوات الاحتلال، يوم 3 أبريل 2025، حين اشتبك أهالي درعا مع القوات الإسرائيلية بالقرب من سد الجبيلية، أو حرش سد تسيل (الحديقة الوطنية) الواقع بين مدينة نوى وبلدة تسيل غرب درعا.

الشبان تصدوا بأسلحة خفيفة لقوات إسرائيلية مدرعة من اللواء 474 وأجبروها على الانسحاب، واعترفت إسرائيل بوقوع الاشتباكات، وتفاخرت بقصفهم برا وجوا وقتلهم.

فحين أطلق الشبان الرصاص على قوات الاحتلال، تدخل طيران ومدفعية الاحتلال لقصف من تصدوا له فاستشهد منهم 9 شبان، وأصيب 23. وفق صحيفة "الوطن" السورية.

وقالت محافظة درعا في بيان عبر منصة "تلغرام" في 3 أبريل 2025: إن هناك "استنفارا وغضبا شعبيا كبيرا بعد هذه المجزرة، خصوصا في ظل تقدم قوات الاحتلال لأول مرة إلى هذا العمق".

وتحولت جنازة الشبان التسعة إلى حملة غضب وتوعد للاحتلال بمزيد من المقاومة ومنعه من دخول درعا، وهتافات ودعوات للجهاد والمقاومة الشعبية.

وكان لافتا إصدار الشيخ الدرزي "ليث البلعوس" نجل الشيخ "وحيد البلعوس"، مؤسس حركة رجال الكرامة المعادية للاحتلال في محافظة السويداء، بيانا حول ما حصل غربي درعا أشاد فيه بالمقاومة الشعبية.

قال لمن تصدوا للاحتلال: "لقد سطرتم بالأمس صفحة جديدة من المجد، وكتبتم بدمائكم الطاهرة شهادة عز وكرامة".

وأضاف أن "دماء الشهداء التي سالت هي أمانة في أعناقنا جميعا، وهي وقود العزيمة والإصرار"، و"المعركة لم تكن يوما معركة سلاح فقط، بل هي معركة وجود وكرامة، وصمود في وجه الظلم والاستبداد".

وبسبب الخوف من خطورة تكرار هذا التصدي الشعبي لقوات الاحتلال، للمرة الثانية، شن الطيران الإسرائيلي 12 غارة عنيفة في درعا ودمشق (مبني البحوث العلمية) ومطار حماة العسكري ومطار t4 العسكري بريف حمص الشرقي.

دلالات المقاومة الشعبية

كان من الواضح أن التوغلات البرية والاعتداءات الإسرائيلية الجوية، لها هدفان: 

"الأول": محاولة فرض معادلة سياسية وعسكرية على سوريا، إما عبر الضغط العسكري أو الدفع باتجاه تقسيم البلاد، وجر دمشق لمواجهات مباشرة غير متكافئة، دون امتلاكها دفاعات برية وجوية، واحتلال مزيد من أراضيها. 

و"الثاني": الضغط العسكري والسياسي على الحكومة السورية، لمحاولة منع إنشاء قواعد عسكرية تركية وسط البلاد، سوف تهدد عربدة الطائرات الإسرائيلية فوق أجزاء كبيرة من سوريا، وخشية اندلاع صراع مباشر بين الطرفين.

لكن الخشية الأكبر من جانب الاحتلال هي من تنامي هذه المقاومة الشعبية وتمددها حتى الجولان المحتل، خاصة أنه مع تصاعد القصف والقتل الصهيوني زادت الدعوات للجهاد، وارتفعت لافتات تقول: "تسقط إسرائيل ولا تسقط درعا".

كما أصبحت ميكروفونات المساجد تنادي: "من يملك السلاح فليخرج للجهاد في سبيل الله".

وخلال تشييع شهداء مدينة نوى في ريف درعا، الذين ارتقوا جراء القصف الإسرائيلي، هتف السوريون: "نتنياهو اسمع اسمع، أرض درعا ما بتنباع"، "نتنياهو يا صعلوك، موعدنا أرض اليرموك".

كما حمل المشاركون في وقفة بساحة الأمويين وسط دمشق، 29 مارس 2025، لافتات بالعربية والإنجليزية، تؤكد أن "الدم السوري ليس رخيصا"، ولم ينس أهالي درعا خلال تشييع بعض شهداء العدوان الإسرائيلي، الهتاف لغزة.

وقال كتاب وسياسيون لوكالة "قدس برس" 3 أبريل/نيسان 2025: إن "المقاومة الشعبية السورية ستكون الرد الطبيعي على اعتداءات الاحتلال".

حيث رأى الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة أن "المقاومة الشعبية السورية ستكون الرد الطبيعي على هذه الاعتداءات"، وأكد أن "العمليات التي شهدتها بلدة كويّا ودرعا تمثل امتدادا لهذه المقاومة.

وأكد مدير الأبحاث والدراسات في "المعهد الدبلوماسي" (تابع لوزارة الخارجية السورية)، عبيدة غضبان، أن "هذا النوع من العدوان سيؤدي إلى دفع سوريا نحو تطوير قدرتها العسكرية بشكل أكبر، سواء عبر التصنيع المحلي أو شراء المعدات والتدريب.

وقد أثيرت تساؤلات في تل أبيب: هل كانت المقاومة الشعبية عفوية أم بدعم من نظام الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، كنوع من الاستنزاف للاحتلال؟

وتحدثت هيئة البث الإسرائيلية (مكان) عن أن "هناك تحركات يقوم بها أحمد الشرع لتقويض أمن إسرائيل"، في إشارة لدعمه وتوجيهه هذه المقاومة الشعبية.

وجاءت هذه الاتهامات في وقت، تحدث فيه سوريون على مواقع التواصل، عن "مسلحين آخرين"، أو "بعضهم من المقاومين"، بخلاف شبان درعا، شاركوا في إطلاق الرصاص على جنود الاحتلال، واستشهدوا.

ويقول القيادي والإعلامي السوري “أحمد رمضان”: إن ما جرى من تصدٍّ لعربدة نتنياهو، يشير إلى "مقاومة شعبية شاملة، لا تسمح للاحتلال بالتوغل أو النفوذ أو الاعتداء على المدنيين العُزل".

وأشار إلى أن جرائم الاحتلال في درعا والتصدي الشعبي له أدى إلى توحيد وتلاحم السوريين حكومة وشعبا ضد المحتل، وتحدث عن "انتفاضة سورية غير مسبوقة".

سوريا وإسرائيل وتركيا

عقب هذه المواجهات والتحركات الشعبية والقصف الصهيوني العنيف، أصدرت سوريا وإسرائيل وتركيا ثلاثة بيانات وتصريحات تشير لتصاعد التوتر بصورة غير معتادة ومخاوف انزلاق المنطقة لصدام عسكري مباشر.

الخارجية السورية، قالت في بيان: إن القوات الإسرائيلية شنت غارات على خمس مناطق في أنحاء البلاد خلال 30 دقيقة ما أسفر عن تدمير شبه كامل لمطار حماة العسكري

واتهمت إسرائيل بأنها "تقوض جهود التعافي بعد الحرب"، ودعت المجتمع الدولي للضغط عليها لوقف عدوانها والالتزام باتفاقية فصل القوات

ورد "يسرائيل كاتس"، وزير الحرب الإسرائيلي في بيان، قائلا: إن "القوات المسلحة الإسرائيلية ستبقى في المناطق العازلة داخل سوريا، وستتحرك للتصدي للتهديدات لأمنها".

وقال كاتس: "أحذر الزعيم السوري الجولاني، إذا سمحت للقوات المعادية بدخول سوريا وتهديد مصالح الأمن الإسرائيلي، فستدفع ثمنا باهظا"، في إشارة ربما لتركيا، موجها كلامه إلى الرئيس الشرع باسمه الحركي السابق "أبو محمد الجولاني".

وزعم وزير الحرب أن "النشاط الذي قام به سلاح الجو قرب المطارات في قاعدة T4، وحماة، ومنطقة دمشق يرسل رسالة واضحة ويشكل تحذيرا للمستقبل". 

ورغم أن الإدارة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، لم تهدد إسرائيل بأي شكل، تشن تل أبيب بوتيرة شبه يومية منذ أشهر غارات جوية على سوريا، ما أدى لمقتل مدنيين، وتدمير مواقع عسكرية وآليات وذخائر للجيش السوري.

ووصفت الخارجية التركية، في بيان لها، بدا كأنه رد على تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي، غارات إسـرائيل على مواقع سورية بأنه "لا يمكن فهمها بعيدا عن نهجها الذي يتغذى على الصراع".

واتهمت دولة الاحتلال بأنها "تزعزع الاستقرار في المنطقة وتعزز الفوضى والإرهاب".

استفزاز يرتد عليهم

طرح الاستفزاز الإسرائيلي بقصف مدن ومطارات سورية، والقيام بعمليات توغل، توقعات بأن يرد السوريون ويبدأوا مقاومة شعبية، في ظل عدم قدرة الدولة على الدخول في حرب مع الاحتلال.

وتحدث محللون وصحف عن احتمالات حفر الاحتلال قبرا جديدا له في سوريا بسعيه للاستعراض واستفزاز السوريين، مشيرين إلى مخاطر ذلك على إسرائيل على المدى البعيد، وبالتزامن مع بدء مقاومة شعبية يتوقع أن تقوى وتتطور.

وقالت مجلة "فورين بوليسي" في 25 مارس: إنه "ربما تكون لدى إدارة ترامب مخاوفها وشكوكها بشأن الحكومة المؤقتة في سوريا، ولكنها تدرك أيضا الفرصة التاريخية والإستراتيجية التي يقدمها رحيل الأسد وهزيمة إيران في سوريا".

وأوضحت أنه يجب على إدارة ترامب اغتنام هذه الفرصة وتحويلها إلى استقرار إقليمي، بحيث تستخدم علاقاتها ونفوذها للضغط على إسرائيل من أجل خفض التصعيد كما تفعل حاليا".

وحذرت أن "العدوان الإسرائيلي يُخاطر بتحقيق نبوءة ذاتية التحقق، (هي المقاومة) حيث قد ينتهي الأمر بسوريا الجديدة، التي رفضت سابقا إظهار أي نية عدائية، إلى خيار وحيد هو الرد إذا استمر هذا العدوان غير المبرر والقاتل في التفاقم".

وأشار السياسي بشير نافع إلى أن إسرائيل ستخسر إستراتيجيا في سوريا، كما خسرت إيران، ووصف هجمات تكتيكية بأنها لن تعوض خسارتها؛ لأن سوريا أخرى تولد وتنهض من جديد.

وشارك محللون إسرائيليون في تحذير حكومتهم من أن هذا الاستفزاز لسوريا قد يرتد على تل أبيب، وربما يفتح جبهة استنزاف جديدة في جنوب سوريا تقودها المقاومة الشعبية.

المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" تسفي برئيل، قال، في 27 مارس: إن "إسرائيل تحاول فرض حقائق على الأراضي السورية وتخاطر بنزاع واسع النطاق". محذرا من أن تصبح الحدود الإسرائيلية السورية "محفزا لصراع عالمي".

واعترف أن “حجم السيطرة الإسرائيلية على الأراضي السورية والتصريحات العلنية لوزير الدفاع يسرائيل كاتس بأن (الجيش الإسرائيلي سيبقى في المنطقة الأمنية فترة غير محددة، ولن نسمح لقوات معادية بالتمركز في المنطقة) تدل على نيات بعيدة المدى”.

وأضاف برئيل أن ذلك "يمكن أن يقحم إسرائيل في مواجهة، ليس فقط مع النظام السوري الجديد، بل أيضا مع تركيا، ولاحقا، ربما مع الولايات المتحدة".

وأكد أن "تحركات إسرائيل تشير إلى أنها تنوي إقامة منطقة أمنية مدنية، وليس عسكرية فقط، وتريد تجنيد السكان الدروز الذين يعيشون في مدينة السويداء وتحويلهم إلى قوة مستقلة تمنع وتكبح نشاط التنظيمات المعادية، وتعرقل تطلعات الرئيس أحمد الشرع إلى قيام دولة سورية موحدة".

وأشار إلى أن "الإستراتيجية الإسرائيلية التي تسعى لاستغلال التركيبة الطائفية في سوريا، لكي تبني لنفسها مركز نفوذ، وربما سيطرة، يمكن أن تصطدم بمقاومة ومواجهات مع قوى إقليمية ودولية".

وختم قائلا: إن هذه الإستراتيجية الإسرائيلية لتفكيك سوريا تتصادم مع آراء واشنطن والسعودية وتركيا الذين يرغبون في قيام دولة موحدة تحت حكم موحد، وليس كانتونات مستقلة ترى فيها إسرائيل إمكانا لإنشاء مراكز نفوذ لها فيها.