ترامب يوبخ نتنياهو ويدافع عن الدور التركي في سوريا.. ما القصة؟

منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت حدة رد الفعل التركي على العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، بعد تقارير غير مؤكدة عن استشهاد ثلاثة مواطنين أتراك -وصفتهم بعض المصادر بـ "المهندسين"- في الغارة الجوية الإسرائيلية، في 2 أبريل/نيسان 2025، على قاعدة "تي-4" الجوية السورية.

ورغم عدم صدور أي تأكيد رسمي بشأن مقتلهم، فإن هذه التطورات قد تفسّر تصاعد الخطاب التركي، بما في ذلك تصريح الرئيس رجب طيب أردوغان الأخير: "اللهم باسمك الأعظم، دمّر إسرائيل الصهيونية وأذِلّها".

وقال موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي، في تقرير له، إن إسرائيل تسعى إلى منع المزيد من التمركز التركي في سوريا. لكنها تصطدم بإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي ترغب في حل مشاكل تل أبيب مع أنقرة في دمشق.

ويشير محللون إلى أن تركيا توسّع حضورها الميداني في سوريا؛ حيث تفيد تقارير بأنها تعمل على تطوير منشآت في قاعدتي "تي-4" و"منغ" الجويتين، بهدف دعم انتشار القوات التركية ونصب أنظمة دفاع جوي متقدمة.

ولكن نفت وزارة الدفاع التركية إبرام أي اتفاق بشأن إقامة قواعد عسكرية دائمة في سوريا، ودعت الرأي العام إلى تجاهل الادعاءات.

استهداف التمركز التركي

وقد حذّر مسؤولون إسرائيليون من أن السماح لقوات معادية بالعمل انطلاقا من الأراضي السورية سيترتّب عليه "ثمن باهظ جدا".

وذهب بعضهم إلى وصف التحركات التركية بأنها محاولة لإقامة "محميّة تركية" في أجزاء من سوريا، وهي صيغة تعبّر عن تزايد القلق من الطموحات التركية طويلة الأمد.

وتصاعد التوتر بعد أن نفذت القوات الإسرائيلية عملية برية قرب مدينة نوى في محافظة درعا جنوب سوريا، أسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 9 أشخاص وأثارت احتجاجات واسعة في أنحاء المنطقة.

ووصف سكان محليون الهجوم بأنه أكثر العمليات البرية الإسرائيلية عدوانية منذ أن تجاوزت القوات خطوط فض الاشتباك الموقعة عام 1974، وذلك عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024.

وقال أمين السيد، أحد القادة المدنيين في القنيطرة: "هذه ليست مجرد عملية عسكرية أخرى، بل جزء من توسع ممنهج ومدروس".

وأضاف: "منذ سقوط نظام الأسد توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل أعمق في المناطق العازلة، وأعلنت إلغاء اتفاقية فض الاشتباك، وأقامت مواقع عسكرية، واستهدفت البنية التحتية العسكرية السورية بشكل واسع".

وفي الليلة التي سبقت التوغل البري في 3 أبريل، شنت إسرائيل ضربات جوية منسقة على عدة أهداف عسكرية في سوريا، شملت قاعدتي "تي-4" وتدمر الجوية في محافظة حمص، والمطار الرئيس في محافظة حماة.

هذه الضربات تسببت في أضرار كبيرة في البنية التحتية السورية، فيما لا تزال أعداد الضحايا موضع خلاف، رغم ورود تقارير عن سقوط قتلى.

وبحسب صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، وصف مسؤولون إسرائيليون الهجمات بأنها "تحذير إستراتيجي" يهدف إلى ردع القيادة السورية الجديدة عن تمكين قوى معادية بالقرب من الحدود الشمالية لإسرائيل.

وقال وزير الجيش الإسرائيلي، إسرائيل كاتس: إن الضربات جاءت استنادا إلى تقييمات استخباراتية تشير إلى تصاعد النشاط التركي في المواقع المستهدفة، بما في ذلك عمليات استطلاع أجراها عناصر من الجيش التركي تمهيدا لنشر محتمل للقوات.

وقال السيد: "في القنيطرة ودرعا، جُرفت أراضينا، وقُتلت مواشينا، واقتُلعت أشجارنا، هذه الأفعال تسحق إرادة الناس وتمحو وسائل عيشهم، إسرائيل لا تستهدف البنية العسكرية فحسب، بل تدمر سبل الحياة". وتظاهر الآلاف في السويداء وريف دمشق ومصياف وطرطوس.

وفي مدينة السلام -التي كانت تُعرف سابقا بمدينة البعث قبل الإطاحة بالأسد- أفادت تقارير بأن صواريخ إسرائيلية استهدفت منشآت حكومية للمرة الأولى. وقال السيد: "كانت هذه رسالة موجهة إلى المدنيين بقدر ما هي إلى الحكومات".

من جهتها، تبنّت حكومة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع موقفا حذرا، فبعد أن أبدى في البداية "لهجة تصالحية تجاه إسرائيل"، دعا أخيرا إلى تدخل دولي لإنهاء الوجود العسكري الإسرائيلي في سوريا.

وقد صادقت حكومته على اتفاق مع تركيا، يتيح لأنقرة إنشاء قواعد عسكرية في وسط البلاد، وفق الموقع الأميركي.

نتائج عكسية

وبحسب تقرير حديث لمجموعة الأزمات الدولية أعدّته دارين خليفة ومايراف زونسزين، فإن الإستراتيجية الإسرائيلية الحالية قد تأتي بنتائج عكسية.

ويرى الكاتبان أن مواصلة الغارات الجوية والتوسع في الأراضي والضغط على الأقليات، قد يدفع الحكومة الانتقالية نحو مزيد من التقارب مع أنقرة.

ويحذران من أن الإبقاء على العقوبات الأميركية الواسعة قد يحرم حكومة سوريا الانتقالية من الشرعية التي تحتاجها لمقاومة النفوذ الإيراني والجهادي على حد سواء.

وقال السيد: إن "القواعد التركية هذه تختلف جذريا عن المنشآت الروسية في عهد الأسد؛ إذ يرحب بها السكان المحليون؛ لأنها تجلب الردع لا الاحتلال". ومع ذلك، لا يزال المسؤولون الإسرائيليون متشككين.

بدوره، قال المحلل السياسي المقيم في دمشق، عزيز موسى: "إسرائيل تتحرك بحساسية إستراتيجية وعجلة واضحة، وهدفها تدمير البنية التحتية، خصوصا تلك المرتبطة بتركيا، والتي يمكن استخدامها ضدها".

أما البروفيسور في جامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية مراد يشيل تاش، فكتب في صحيفة "ديلي صباح" أن النهج الإسرائيلي يبدو وكأنه مصمم لزعزعة استقرار سوريا بشكل دائم، ومنع نشوء دولة سورية متحالفة مع تركيا.

وقال الضابط السابق في الجيش السوري، سومر أحمد، إن تركيا تحركت بسرعة لبناء قواعد عسكرية ردا على التوسع الإسرائيلي.

وأضاف في حديثه مع "ذا ميديا لاين": “هم بالتأكيد يركزون على حماية الأمن القومي التركي، لكنّ هناك أيضا بعدا سياسيا”.

فأنقرة ترغب في دعم الحكومة الانتقالية السورية الجديدة وتحويل جيشها إلى شريك أو وكيل موثوق به لحماية المصالح التركية.

وتابع قائلا: إن نشر نظام دفاع جوي متقدم مثل النظام التركي إس 500 في وسط سوريا يعد خطوة كبيرة، ويضع تقريبا كل المقاتلات والطائرات المسيّرة الإسرائيلية في نطاق مكشوف.

وتقول تركيا: إنها لا تسعى للصراع المباشر؛ حيث صرح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، لوكالة رويترز البريطانية أن أنقرة تفضل الدبلوماسية على التصعيد وتظل ملتزمة بالاستقرار في سوريا.

ومع ذلك، فإن بصمة تركيا العسكرية -وخاصة في القواعد مثل "تي-4" و"تدمر"- تتوسع، مما يزيد من مخاوف إسرائيل، وفق الموقع الأميركي.

وقد أثارت ضربات إسرائيل الجوية في 2-3 أبريل ردود فعل إقليمية؛ حيث أدانتها كل من السعودية والإمارات وعدد من الحكومات الأوروبية.

إعادة تقييم السياسات

وتتزايد الدعوات في واشنطن لأن تعيد إدارة دونالد ترامب تقييم إستراتيجيتها الإقليمية؛ حيث يدعو بعض الخبراء إلى تعزيز التعاون مع الحكومة المؤقتة في سوريا لمنع حدوث فراغ في السلطة قد يستغله المتطرفون أو وكلاء إيران.

وأظهر ترامب موقفا متشددا تجاه تحركات تل أبيب في سوريا؛ حيث أكد على أهمية الدور التركي في دمشق، واصفا الرئيس رجب طيب أردوغان بأنه "رجل قوي وذكي للغاية".

وقال ترامب خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالبيت الأبيض في 7 أبريل: إنه يتمتع بعلاقات جيدة جدا مع أردوغان. مضيفا: "أنا أحبه، وهو يحبني أيضا، وليست هناك أي مشاكل بيننا".

وأضاف: "أردوغان رجل قوي وذكي للغاية، فعل شيئًا لم يتمكن أحد من فعله منذ ألفي عام، لقد أخذ سوريا مهما تعددت أسماؤها تاريخيا، عبر وكلائه، يجب الإقرار بذلك".

وقال ترامب مخاطبا نتنياهو: "إذا كانت لديك مشاكل معه فعليك حلها". مؤكدا أن "على الإسرائيليين التصرف بعقلانية لحل أي مشكلة مع تركيا".

ووفق تقرير مجموعة الأزمات الدولية المشار إليه آنفا، فإن اللحظة التي تكون فيها دمشق بعيدة نسبيا عن الهيمنة الإيرانية، تُعد فرصة نادرة لإعادة التوازن الإقليمي بشكل إيجابي.

هذا الرأي يكتسب تأييدا متزايدا في واشنطن -بحسب الموقع- فقد حذّر مقال نشره "المجلس الأطلسي" أخيرا من أن عمليات إسرائيل في جنوب سوريا قد تُشعل فتيل توترات طائفية، لا سيما في المناطق الدرزية.

كذلك، دعا تقرير مجموعة الأزمات الدولية إلى إعادة تقييم السياسة الإسرائيلية بالتنسيق مع الشركاء الأميركيين والأوروبيين.

وأشار إلى أن واشنطن تمتلك نفوذا كبيرا، منها العقوبات، ومساعدات إعادة الإعمار، والاعتراف الدبلوماسي، والتأثير على المؤسسات المالية العالمية.

وقال الموقع الأميركي: إن "ربط هذه الأدوات بمعايير مثل حماية الأقليات، والحد من التسلح، والتزامات بوقف العدوان، من شأنه أن يعزز الحوكمة المسؤولة في سوريا".

وأشار أيضا إلى أن هيئة تحرير الشام قد شهدت تحولا ملحوظا، فمنذ قطعها الروابط مع تنظيم القاعدة في 2016، أعادت تصنيف نفسها كجماعة وطنية-إسلامية سورية؛ حيث فتحت الكنائس وأعادت الممتلكات المصادرة للأقليات في إدلب.

وأكد الموقع أن فهم هذا التحول أمر أساسي لبناء إستراتيجية عملية للتفاعل، ومع ذلك، تظل السلطات الإسرائيلية غير مقتنعة، وتستشهد بالأصول الأيديولوجية للهيئة وماضيها العنيف، وتشكك في قدرة "الشرع" على السيطرة على الفصائل.

وحذرت مجموعة الأزمات الدولية من أن تركيز إسرائيل الحالي على الاحتواء دون مسار دبلوماسي، قد يؤدي لتهميشها من مستقبل سوريا السياسي.

وأوضح "ذا ميديا لاين" أن السياسة الأميركية تظل منقسمة؛ حيث يؤيد بعض المسؤولين تخفيف العقوبات بشكل مشروط يرتبط بالتعاون في مكافحة الإرهاب وحقوق الأقليات، بينما يعتقد آخرون أن أقصى درجات الضغط هي الطريقة الوحيدة لردع إيران ومنع عودة المقاتلين.

هذا الغموض يترك إسرائيل في مواجهة مشهد متغير مع دعم دولي محدود وفق الموقع. فالدول الأوروبية تعيد أيضا النظر في نهجها، حيث اقترح الدبلوماسيون الفرنسيون والألمان تطبيعا تدريجيا مرتبطا بمعايير إنسانية وانتخابات.

ووفقا للتقارير، التقى مسؤولو الاتحاد الأوروبي مع قادة المجتمع المدني السوري في جنيف، لكن لا توجد عملية دبلوماسية رسمية جارية.

وتؤكد مجموعة الأزمات الدولية أن إسرائيل قد تؤثر في المشهد إذا تحولت من إستراتيجية تُركز على الجانب العسكري إلى أخرى تعتمد الدبلوماسية.