رغم تهديده بالاستقالة.. لماذا يتمسك سموتريتش بالبقاء في حكومة نتنياهو؟

تصاعد تأثير سموتريتش الذي يتمسك بالبقاء في الحكومة حتى آخر نفس
منذ تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة بإسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2022، برز اسما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير كأشدّ الأصوات تحريضا وعداء للفلسطينيين.
ومع مرور الوقت وصولا إلى ما بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، خفت نجم بن غفير الذي استقال بسبب إبرام تهدئة مؤقتة في غزة وعاد للحكومة بعد عودة العدوان.
لكن في المقابل، تصاعد تأثير زميله سموتريتش الوزير المسؤول عن “الإدارة المدنية” الذي يتمسك بالبقاء في الائتلاف الحكومي حتى آخر نفس وذلك لضمان تنفيذ مشروعه الأكبر: ضم الضفة الغربية، والذي أضاف له أخيرا مطلب احتلال قطاع غزة.

برنامج احتلالي
وخلال شهور العدوان المستمر، خلصت تقديرات إسرائيلية ودولية عديدة إلى أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يرفض الذهاب نحو صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع غزة خوفا من انهيار ائتلافه الحكومي.
ولطالما هدد بن غفير وسموتريتش بالانسحاب من الحكومة حال توقيع نتنياهو الصفقة، وهو ما دفعه للتراجع كثيرا وإجهاض أي محاولة لإحداث اختراق.
ويطالب الوزيران بإعادة احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه وبناء مستوطنات بعد القضاء التام على حركة المقاومة الإسلامية حماس، وهو الهدف الذي لطالما ردَّده نتنياهو وتوعد بتحقيقه.
ولذلك، يُعد اعتماد نتنياهو على دعمهما للبقاء في السلطة السبب الرئيس لاستمرار الحرب في غزة، كما أنهما متنافسان، مما يدلّ على أن التطرف يتخذ أشكالا متعددة في إسرائيل.
وضربت مجلة ذا أتلانتيك الأميركية في 30 مايو/أيار 2025، مثالا على ذلك بالقول: "أعلن سموتريتش خلال مقطع فيديو في 19 مايو/أيار أن الهجوم الجديد للجيش الإسرائيلي (عملية مركبات جدعون) يدمّر كل ما تبقى في قطاع غزة، لمجرد أنه مدينة رعب كبيرة".
وأضاف أن السكان لن يتمركزوا في جنوب غزة فحسب، بل سيواصلون نزوحهم إلى دول أخرى. وقدّم كل هذا كدليل على أن الحكومة قد تبنت أخيرا نهجه في إدارة الحرب.
وكان سموتريتش يدافع هنا عن نفسه ضد انتقادات بن غفير، الذي وصفه بأنه يسعى دائمًا إلى “الوقوف على يمين اليمين”، وفق المجلة.
أيد سموتريتش خطة نتنياهو، التي عُرضت آنذاك في اجتماع لكبار الوزراء، لإنهاء الحصار الشامل على المساعدات الإنسانية إلى غزة والسماح بدخول ما أسماه "حدًا أدنى من الغذاء والدواء".
ووصف هذا التنازل بأنه ضروري ليدافع حلفاء إسرائيل عنها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ويسمحوا باستمرار الحرب.
عارض بن غفير القرار، وحسب رواية سموتريتش، سرّب أجزاءً من النقاش في الاجتماع إلى وسائل الإعلام بشكل انتقائي.
وسرعان ما تلقى الصحفيون الإسرائيليون، وأيضا سموتريتش سيلا من الرسائل النصية مجهولة المصدر التي تنقد الأخير وتدعم موقف بن غفير.
ويمكن لهذه الحادثة وغيرها أن توضح الفرق بين الشخصيتين، فعلى مدار شهور العدوان برز أن بن غفير لا يمتلك أي برنامج سوى تعميق معاناة الفلسطينيين وإحالة حياة الأسرى إلى جحيم.
ويعد بن غفير مسؤولا عن ملف الأسرى، ولذلك فإن صفقة تهدئة وتبادل تعني ضرب عمق مشروعه الذي كان قائما على التنكيل بهم وسلبهم حقوقهم، ما يدفعه للتهديد الدائم بالاستقالة ليبقي شعبيته ويحافظ على وعوده.
ويشترك سموتريتش في نفس هذه الأهداف لكن برنامجه وقاعدته الشعبية تقوم بالأساس على خطته المتسارعة لضم الضفة الغربية، ولذلك تراجع للمرة الثانية عن تهديده بالانسحاب من الائتلاف الحكومي.

لماذا يبقى؟
ففي نهاية يوليو/تموز 2025، تراجع عن قراره بالانسحاب من الحكومة حال دخول "حبة قمح واحدة" إلى الفلسطينيين المجوعين في قطاع غزة.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أن سموتريتش أبلغ أعضاء كتلته "الصهيونية الدينية" في الكنيست (البرلمان) أنه لا يعتزم الانسحاب من الحكومة في الوقت الراهن.
وأضاف سموتريتش: "في زمن الحرب، لا يجوز اتخاذ قرارات بناء على تقديرات سياسية"، مدعيا: "نحن نعمل على خطوة إستراتيجية جيدة، ومن المبكر الكشف عن تفاصيلها".
وأكدت الصحيفة أن تصريح سموتريتش يعني تراجعا عن تعهد سابق له بأنه في حال "دخول حبة قمح واحدة كمساعدة ووصلت لحماس، سأغادر الحكومة والكابنيت (المجلس الوزاري الأمني المصغر)".
وهذه المرة الثانية التي يتراجع فيها سموتريتش عن تهديداته؛ إذ كانت الأولى في مطلع العام 2025، عندما لم يتبع خطى زميله المتطرف إيتمار بن غفير.
واستقال حزب "عوتسما يهوديت" (قوة يهودية) بزعامة بن غفير، في يناير/كانون الثاني احتجاجا على المصادقة على صفقة إطلاق سراح الأسرى ووقف مؤقت لإطلاق النار استمر شهرين، لكن هذا الوزير عاد لاحقا إلى الائتلاف بعد استئناف العدوان.
الأكاديمي والخبير بالشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى استبعد في وقت مبكر، مطلع العام 2025 انسحاب سموتريتش من الحكومة على تقدير أن كل استطلاعات الرأي على مدار العام ونصف الأخيرة تؤكد أن حزبه (الصهيونية الدينية) لن ينجح بالانتخابات القادمة.
وتُثير استطلاعات الرأي باستمرار احتمالات حول حصول حزبه على نسبة 3.25 بالمئة من الأصوات الوطنية اللازمة لدخول الكنيست في انتخابات جديدة.
ويُعزى نجاحها في الانتخابات الأخيرة على الأرجح إلى الشعبية النسبية لـ “بن غفير” التي جلبت أصواتًا لقائمة الحزبين المشتركة. وهذا يعني أن سموتريتش يتفادى إسقاط الائتلاف الحكومي؛ لأن ذلك يعني نهاية مستقبله السياسي.
وأوضح مصطفى، أنه من أجل تجنب الاستقالة، يتذرع سموتريتش أمام جمهوره بالحديث عن “ضرورة الحفاظ على حكومة يمين لأننا نحقق إنجازات كبيرة بالضفة الغربية".
ولذلك، بينما عد كثير من السياسيين الإسرائيليين هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، كارثة إستراتيجية، فقد تعامل سموتريتش معه كفرصة.
ففي منشور على موقع إكس بعد عام من بدء الحرب، كتب أنه كان يتوقع استعادة غزة منذ إخلاء المستوطنات عام 2005.
وفي 29 يوليو، قال: إن تل أبيب "أقرب من أي وقت مضى" لإعادة احتلال القطاع والاستيطان فيه، في أعقاب الحديث عن خطة جديدة لتنفيذ ذلك.
وجاء تصريحات سموتريتش الأخيرة خلال مؤتمر عُقد بمستوطنة "ياد بنيامين" وسط الأراضي المحتلة بمناسبة مرور 20 عاما على خطة "فك الارتباط".
وهي خطة إسرائيلية أحادية الجانب نفذتها حكومة أرئيل شارون صيف 2005، وأخلت بموجبها المستوطنات ومعسكرات الجيش بقطاع غزة، إضافة إلى 4 مستوطنات شمالي الضفة الغربية في حينه.

أبرز المحرضين
وينظر اليوم إلى سموتريتش على أنه المتحكم الأول في قرارات نتنياهو والمحرض الأبرز على اتخاذ خطوات أكثر تطرفا في غزة والضفة وحتى خارج الأراضي الفلسطينية.
فإلى جانب غزة والضفة، دعا سموتريتش نهاية يوليو لإقامة "ممر" بين إسرائيل ومحافظة السويداء، رغم عدم وجود حدود برية بينهما.
وتحدث سموتريتش عن ضرورة "إدخال مساعدات من طعام وأدوية ومعدات ضرورية للدروز المحاصرين، والاستعداد عسكريا للدفاع عنهم، ولتدفيع النظام السوري ثمنا باهظا، وخلق ردع قوي يمنع تجدد الهجوم".
ولا توجد أي حدود برية مشتركة بين إسرائيل والسويداء، التي تفصلها عن مرتفعات الجولان السورية المحتلة محافظة كاملة هي درعا.
وهو ما يجعل أي حديث عن "ممر إغاثي" محاولة لتبرير احتلال مزيد من الأراضي السورية تحت غطاء "دوافع إنسانية" هذه المرة.
وكان سموتريتش قد قال في مقابلة سابقة عام 2016 عندما كان عضوا بالكنيست عن حزب “البيت اليهودي”: إن حدود إسرائيل يجب أن تمتد لتشمل أراضي من 6 دول عربية.
وجاء في التصريحات أن قدر القدس أن تمتد إلى دمشق وأن إسرائيل يجب أن تضم العاصمة السورية والأردن وأجزاء من مصر ولبنان والسعودية والعراق، وفق قوله.
ويعد سموتريتش أبرز شخصية داخل الحكومة الإسرائيلية تدفع باتجاه ضم الضفة الغربية، وقد وعده نتنياهو بتحقيق هذه الخطة مقابل عدم الانسحاب من الائتلاف.
وأكثر من ذلك، تسبب سموتريتش أخيرا بتصاعد الخلاف بين المستويين السياسي والعسكري على خلفية تعميق “الحملة العسكرية” في غزة والحديث عن احتلالها.
وفي مطلع أغسطس/آب، تحدثت وسائل إعلام عبرية عن خلافات متعمقة بين رئيس الأركان إيال زامير والمستوى السياسي متمثلا بسموتريتش.
وقد أعادت هذه الخلافات إلى الواجهة المقارنات بين زامير وسلفه هرتسي هاليفي الذي استُبدل بعد انتقادات حكومية.
وعندها فاجأ سموتريتش الإسرائيليين بالقول: إنه "يشتاق" لهاليفي رغم كونه من أبرز من طالبوا بإبعاده، وفق ما نقلت القناة 12 العبرية.
وأوردت قناة "آي 24" أن زامير يعارض خطة احتلال غزة، ويكتفي بالإعداد لمحاصرتها، ما وضعه في مواجهة مباشرة مع أعضاء المجلس الوزاري المصغر.
وإلى جانب بن غفير، يعد سموتريتش أبرز شخصية تعارض إنهاء العدوان على غزة، وقد دعا مطلع أغسطس إلى “الإبادة الكاملة” للقطاع ردا على فيديوهات الأسرى التي تنشرها حماس.
كما لا تخلو السلطة الفلسطينية من خطط سموتريتش؛ إذ يضع تدميرها على رأس أهدافه السياسية ويفرض عقوبات عليها بحجب أموال الضرائب وإنهاء تعاون البنوك الإسرائيلية مع نظيرتها الفلسطينية.
ويقول موقع i24 news العبري عن سموتريتش: إنه "صاحب شخصية مثيرة للجدل لكنه أصبح لاعبا رئيسا في المشهد السياسي الإسرائيلي". وأردف: “لا يفتقر لا إلى الطموح ولا الجرأة، ولا ينوي البقاء في ظل نتنياهو”.