بعد زيارة الشيباني إلى موسكو.. ما احتمالات عودة دمشق إلى الحضن الروسي؟

"طلب النجدة من روسيا لم يكن مجرد مجاملة دبلوماسية، بل نداء استغاثة من حافة الانهيار"
وسط اضطرابات مستمرة وصراعات مشتعلة في منطقة الشرق الأوسط، شهدت سوريا في 31 يوليو/ تموز 2025 "تحولا دبلوماسيا دراماتيكيا"، على حد وصف موقع "سوهو" الصيني.
إذ يقول الموقع الصيني: إن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني توجه إلى موسكو "حاملا غصن الزيتون وساعيا إلى إبرام اتفاق حماية حقيقي مع روسيا".

إعادة تموضع
ويزعم الموقع أن "هذا التحول المفاجئ يأتي في أعقاب تذبذب حاد في السياسة الخارجية السورية خلال الأشهر الستة الماضية، والذي كلف النظام ثمنا باهظا".
وتابع: "ففي فبراير/ شباط 2025، وتحت إغراءات غربية تضمنت رفعا جزئيا للعقوبات، قررت الحكومة السورية الجديدة النأي بنفسها عن روسيا".
وأردف: "حيث طالبت بانسحاب القوات الروسية من ميناء طرطوس، واعترضت قوافلها العسكرية، بل وذهبت إلى حد المطالبة بتعويضات عن الحرب وتسليم الرئيس السابق بشار الأسد، ما أثار غضب موسكو بشدة".
"وبحلول مايو/ أيار 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تخفيفا إضافيا للعقوبات على سوريا، مما دفع النظام للاقتراب أكثر من المعسكر الأميركي-الإسرائيلي، بل وترددت شائعات عن تعاون محتمل مع إسرائيل لكبح نفوذ إيران"، بحسب الموقع.
واستدرك: "لكن هذه المغامرة السياسية المحفوفة بالمخاطر لم تجلب المساعدات الاقتصادية أو الأمنية المتوقعة، بل على العكس، أدت إلى تصعيد الهجمات العسكرية الإسرائيلية على منشآت عسكرية واستخباراتية في سوريا، مما زاد من عزلة البلاد اقتصاديا وأمنيا".
وتابع: "في الوقت ذاته، تصاعدت الأزمات الداخلية والخارجية للنظام، فالتوترات مستمرة في محافظة السويداء، وفلول التنظيمات المتطرفة استعادت نشاطها مرة أخرى، والتدخلات الإسرائيلية أدت لتفاقم النزعات العرقية والطائفية".
مضيفا أن "العقوبات الغربية أدت إلى انهيار اقتصادي وتدهور معيشي، مهددة استقرار النظام الجديد، الأمر الذي دفع دمشق لإعادة النظر في تموضعها الجيوسياسي".

الرهان على الغرب
في هذا السياق، رأى الموقع الصيني أن "زيارة الشيباني إلى موسكو تمثل إقرارا صريحا بتراجع الرهان على الغرب، ورسالة واضحة مفادها الاستسلام السياسي الصارخ".
ويرى أن عبارته التي قالها خلال لقائه المغلق مع المسؤولين الروس: "نأمل أن تقف روسيا إلى جانب سوريا"، لم تكن مجرد كلام دبلوماسي، بل بمثابة إعلان واضح عن الرغبة في التبعية السياسية لموسكو، على حد زعمه.
ويعتقد أن "هذا الموقف يناقض بشكل صارخ الخطاب السوري الرسمي قبل بضعة أشهر فقط، والذي كان يطالب بطرد الروس ومحاسبتهم وتسليم الأسد".
وأردف: "في أقل من نصف عام، عادت سوريا إلى موسكو حاملة نوايا صادقة وطلبات واضحة".
وبالتوازي مع زيارة الشيباني لموسكو، وصل وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة إلى موسكو لإجراء محادثات عسكرية رفيعة المستوى مع وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف.
وعقب الموقع زاعما: "هذا النشاط الدبلوماسي العسكري المكثف يعكس مدى إلحاح سوريا في طلب الدعم، ليس فقط السياسي والمالي، بل العسكري والاستخباراتي، وحتى نشر قوات روسية على الأرض".
واستطرد: "بالنسبة لنظام يواجه أزمات داخلية وخارجية خانقة، لم تعد روسيا مجرد (شقيق أكبر)، بل أصبحت المظلة الوحيدة التي يمكن الاحتماء بها".
من الجانب الروسي، أعلن نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين أن موسكو ودمشق دخلتا في "اتصالات مستمرة" بشأن مستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا، مؤكدا أن هذه القواعد تمثل "ركيزة للاستقرار الإقليمي".
من جهته، حمّل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مسؤولية الاضطرابات في سوريا لـ "الهيمنة الغربية".
كما تعهد بالحفاظ على وجود القواعد الروسية هناك لاستخدامها في مكافحة الإرهاب وتقديم المساعدات الإنسانية، مؤكدا استمرار الدعم الاقتصادي الروسي لمساعدة النظام السوري على تجاوز أزماته الراهنة.
وعزا الموقع ذلك الحرص الروسي على استمرار وتطوير العلاقات مع سوريا، إلى "إدراك موسكو التام لأهمية موقع دمشق في الشرق الأوسط".
وتابع: "فرغم صغر حجمها، تحتل سوريا موقعا إستراتيجيا بالغ الأهمية، فقاعدتا طرطوس وحميميم تمثلان نقطة ارتكاز روسية على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وخسارة سوريا تعني خسارة نفوذها في الشرق الأوسط بأسره".
لذلك، يرى أن "تجاوب روسيا مع (نداء استغاثة) سوريا، لم يكن مجرد استجابة لحليف قديم، بل خطوة مدروسة لحماية مصالحها الإستراتيجية في المنطقة".

استراحة قصيرة
وبحسب مزاعم الموقع فإن "هذا التحول المفاجئ الذي وصفه بـ (العودة من حافة الهاوية)، قد يمنح النظام السوري فرصة قصيرة لالتقاط الأنفاس أمنيا".
حيث توقع أن "تتسارع وتيرة التنسيق العسكري والمساعدات الاقتصادية والدعم السياسي بين الطرفين في الفترة المقبلة، بما يعزّز من شرعية الحكومة السورية داخليا تحت المظلة الروسية".
غير أن الموقع الصيني لفت الانتباه إلى أن "هذه الانفراجة تبقى مؤقتة، ولا تعني الوصول إلى بر الأمان".
وتابع موضحا مقصده: "فنجاح دمشق في تحقيق الاستقرار بعد هذه المغامرة السياسية مرهون بقدرة موسكو على الوفاء بوعودها، وصمودها في وجه الضغوط الدولية، وحمايتها لسوريا كورقة إستراتيجية في رقعة الشطرنج الإقليمية".
مشيرا إلى أن "روسيا تواجه تحديات معقدة، على رأسها كيفية الموازنة بين علاقتها بطهران ودمشق، وقدرتها على التصدي للاستفزازات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، فضلا عن تجنب الانجرار إلى مستنقع صراع جديد في الشرق الأوسط، على غرار ما واجهته في أوكرانيا".
وبحسب الموقع، "يمثل هذا التحول السوري فصلا جديدا في لعبة الشطرنج الجيوسياسية المعقدة في الشرق الأوسط، ويعيد التذكير بحقيقة مريرة: وهي أن ثمن الاصطفاف الخاطئ قد يؤدي إلى انهيار الدولة".
مضيفا أن "طلب النجدة من روسيا لم يكن مجرد مجاملة دبلوماسية، بل نداء استغاثة من حافة الانهيار".
واختتم قائلا: "في منطقة مشبعة برائحة البارود؛ حيث لا سلام مستقر ولا إعمار في الأفق، يبقى مستقبل سوريا معلقا بين رهانات الكبار، وحدود قدرتها على البقاء".