تصدّع الولاء.. لماذا يتراجع تأييد الجمهوريين في أميركا لإسرائيل؟

"يتخلى الأميركيون بسرعة عن التزامهم الراسخ والثابت تجاه إسرائيل"
مع تجدد انطلاق المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة، ترى صحيفة إسبانية أن الجمهوريين الأميركيين لن يمنحوا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حرية التصرف مطلقا بعد الآن.
وقالت صحيفة الكونفدنسيال: إن الجمهوريين يشعرون بتراجع التزامهم نحو نتنياهو بشكل متزايد، بعد مرور عامين كاملين على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتجدد المفاوضات بشأنه في أكتوبر/تشرين الأول 2025.

صورة متغيرة
وأوضحت الصحيفة أن ترامب أعرب في مقابلة أجريت معه خلال سبتمبر/أيلول عن موقف غير مألوف حول إسرائيل. مشيرا إلى أن صورتها آخذة في التغير لدى السياسيين والمجتمع الأميركي.
وقال: إنه حتى قبل بضع سنوات، كان الإسرائيليون "يتمتعون بسيطرة مطلقة على الكونغرس"، في إشارة إلى الطريقة التي صوّت بها الديمقراطيون والجمهوريون لصالح أي مبادرة تعود بالنفع على إسرائيل.
وبلغ به الحدّ إلى الحديث عن القوة التقليدية للوبي الإسرائيلي، مؤكدا أنه كان حاضرا وفعالا لدرجة أن أي سياسي لم يجرؤ على الإساءة إلى إسرائيل.
وأضاف: "لكن الوضع تغيّر الآن. قد يكونون منتصرين في الحرب، لكنهم لا ينتصرون في العلاقات العامة، وهذا يُلحق بهم الضرر".
ونوهت الصحيفة إلى أن ترامب رئيس دقيق البصيرة، لكن في هذه الحالة، لم يكن خطابه سوى انعكاس واضح للواقع.
فإلى جانب ما يحدث في الكونغرس، يتخلى الأميركيون بسرعة عن التزامهم الراسخ والثابت تجاه إسرائيل.
ووفقا لأحدث استطلاع رأي، وبعد هجمات حركة المقاومة الإسلامية حماس قبل عامين، كانت نسبة تأييد الأميركيين للإسرائيليين في حدود 47 بالمئة مقارنة بحوالي 20 بالمئة أيدوا الفلسطينيين.
وفي غضون عامين فقط، ولأول مرة في التاريخ الحديث، تفوق نسبة الأميركيين المؤيدين للفلسطينيين، والتي أصبحت في حدود 35 بالمئة نسبة نظرائهم من الداعمين للإسرائيليين، والتي تعادل 34 بالمئة.
وأشارت الكونفدنسيال إلى أن هذا التحول يعود في المقام الأول إلى سببين. الأول حزبي؛ إذ يتخلّى الديمقراطيون جماعيا عن إسرائيل. والثاني جيلي: إذ لم يعد الشباب في كلا الحزبين يشعرون بالتزام خاص تجاه تل أبيب.
وفي ظل هذا الوضع، كان هذا التغيير بمثابة عزاء لإسرائيل، فلسنوات عديدة، اعتمدت على الولايات المتحدة لأسباب عسكرية واقتصادية وتلقت أكبر مساعدة اقتصادية أميركية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
ونوهت الصحيفة إلى أن هذه التبعية والاعتماد كان نفسيا أيضا بسبب إدراك إسرائيل أن الولايات المتحدة ستكون حاضرة دائما للضغط على الدول الأخرى أو تهديد وقصف الأعداء، عندما تحتاج تل أبيب إلى التضامن.
حتى الآن، افترض نتنياهو أنه حتى لو كان دعم إسرائيل في الولايات المتحدة يتراجع بشكل عام، فإن الجمهوريين سيحافظون عليه، خاصة مع قيادة ترامب لحركة "لنجعل أميركا عظيمة مجددا". مع ذلك، فإن هذا الدعم آخذ في الانخفاض أيضا.
عموما، الأرقام ليست مثيرة للقلق، لكنها تحيل على تغيير جذري: قبل عامين، كان 76 بالمئة من الجمهوريين يؤيدون إسرائيل؛ والآن، تراجع الرقم إلى 64 بالمئة.
وهنا، يطرح السؤال التالي نفسه: ماذا يحدث للدعم الأميركي وخاصة الجمهوري لإسرائيل؟ تتساءل الصحيفة.

تحول تاريخي
وأكدت الصحيفة أن العديد من الجمهوريين يشعرون بالفزع والاستياء من مقتل المدنيين في غزة، لكن هناك أسبابا تتجاوز الظروف الخاصة لهذه الحرب.
أولا، عزز فكر ترامب شعبيته بين المحافظين الأميركيين من خلال مناصرة النهج الانفرادي ورفض تقديم المساعدات للدول الخارجية.
ويتساءل عدد متزايد من الجمهوريين عن سبب استثناء إسرائيل من مبدأ "أميركا أولا". كما أكد ترامب لناخبيه التزامه بعدم التدخل مجددا في حروب الشرق الأوسط نظرا لتكاليفها الاقتصادية والبشرية الباهظة، ولتنامي اللامبالاة تجاه تلك المنطقة في مواجهة صعود الصين.
ويخشى العديد من المعلقين الأميركيين مثل الصحفي الشهير تاكر كارلسون من أن تجر إسرائيل البلاد إلى حرب جديدة في المنطقة. وقد رأوا بوادر ذلك عندما أمر ترامب، قبل الصيف، بقصف إيران.
ورغم ظهور جيل جديد من المحافظين يؤمن بأن المسيحية نهج يجب أن يوجه السياسة الأميركية، فإن هذا الجيل يختلف تماما عن نظيره الإنجيلي في ثمانينيات القرن الماضي.
فهذا الجيل القديم كان يعتقد أن مصير الولايات المتحدة وإسرائيل مرتبط بالدفاع عن الحضارة اليهودية المسيحية. واليوم، لم يختف هذا الخطاب، ولكنه أقل أهمية بكثير.
وبالتزامن مع بدء المفاوضات بين الولايات المتحدة والطرفين المتحاربين، في القاهرة في 6 أكتوبر 2025؛ يتمثل السيناريو الأكثر ترجيحا في مدى إمكانية قبول حماس وإسرائيل هذه الخطة بتحفظات، ثم التراجع عنها بعد ذلك بوقت قصير. وفق تعبيره الصحيفة.
لكن، يشير مجرد طرح ترامب لها إلى إطلاق صافرات الإنذار في إسرائيل؛ حيث أصبح من الجلي أنها لم تعد قادرة على تقدير الدعم الجمهوري غير المحدود، وهو أمر مفروغ منه.
ورأت الصحيفة أن ما يحدث بين الحليفين ليس قطيعة، بل شعور متزايد بالضجر استوعبه الرئيس وسئم منه، خاصة وأنه رجل لا يعرف عنه صبره.
وفي خضم هذه التغييرات، هناك أخبار سارة: يجب على أحدهم أن يُفهم الحكومة الإسرائيلية أنها لم تعد قادرة على التصرف كما يحلو لها في الأراضي وحياة مئات الآلاف من الناس. والآن، يعد ترامب وحده القادر على هذه المجازفة، وفق الصحيفة.
وحتى بين الجمهوريين المؤيدين لشعار "لنجعل أميركا عظيمة مجددا"، تلاشى أثر الدعم الأميركي لإسرائيل، وهو مؤشر يحيل على أن شيئا ما يتغير داخل الحزب الجمهوري.
يقول محللون: إن الجمهوريين يشعرون بضغط من قاعدتهم الانتخابية. وأوضح كوستاس باناغوبولوس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة نورث إيسترن، أن الدعم لإسرائيل قد "يتلاشى" بسبب تزايد الشكاوى من الأوضاع في غزة.
عموما، بدأ ولاء الحزب الجمهوري التاريخي لإسرائيل يتصدع. وتصعّد شخصيات بارزة في حركة "لنجعل أميركا عظيمة مجددا"، مثل مارجوري تايلور غرين وستيف بانون، انتقاداتها للحكومة الإسرائيلية، مما يُمثل قطيعة مع عقود من الدعم غير المشروط من المحافظين الأميركيين.
وتتمثل نقطة التحول في الهجوم العسكري على غزة وتزايد المخاوف بشأن الأزمة الإنسانية، وفق الصحيفة.