رغم التطبيع الرسمي.. هكذا هب الشعب المغربي تضامنا مع ابتهال أبو السعد

"موقف ابتهال يعبر بوضوح عن وجدان الأغلبية الساحقة من المغاربة الذين تشربوا القضية الفلسطينية مع حليب الأم"
خلقت المغربية "ابتهال أبو السعد"، خرّيجة جامعة هارفارد، المبرمجة في عملاق التكنولوجيا الأميركي مايكروسوفت، تفاعلات واسعة، عقب صرختها القوية لمناصرة غزة ورفض الإبادة الجماعية بالقطاع، واستغلال التكنولوجيا لصالح الاحتلال.
كلمة المهندسة ابتهال أبو السعد، جاءت خلال احتفال الشركة بمرور 50 سنة على تأسيسها، في 5 أبريل/نيسان 2025؛ حيث قاطعت كلمة الرئيس التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي مصطفى سليمان، محتجة على دعم الشركة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
واتهمت الموظفة المغربية سليمان بأن يديه ملطختان بدماء أطفال غزة، طالبة منه التوقف عن استخدام الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت للإبادة الجماعية.
وقالت أبو السعد: "عار عليك.. أيديكم ملطخة بالدماء.. كيف تجرؤون على الاحتفال بينما مايكروسوفت تقتل الأطفال.. عار عليكم جميعا".
وبعد وقت قصير من خروج ابتهال أبو السعد من احتفالية مايكروسوفت، أرسلت بريدا إلكترونيا إلى قوائم تضم الآلاف من موظفي مايكروسوفت، تفسر فيها سبب مقاطعتها كلمة رئيس الذكاء الاصطناعي بالشركة وتتهمه باستغلال الحرب والمشاركة في الإبادة الجماعية.
وقالت في رسالتها: "اسمي ابتهال، وعملتُ مهندسة برمجيات في منصة مايكروسوفت للذكاء الاصطناعي لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة.. عبّرتُ عن رأيي اليوم لأنني بعد أن علمتُ أن مؤسستي تُسهم في إبادة شعبي في فلسطين، لم أجد خيارا أخلاقيا آخر..".
واسترسلت: "يتجلى هذا بوضوحٍ خاص بعد أن شهدتُ كيف حاولت مايكروسوفت قمع أي معارضة من زملائي في العمل الذين حاولوا إثارة هذه القضية".
وأردفت: "على مدار العام والنصف العام الماضيين، تعرّض مجتمعنا العربي والفلسطيني والمسلم في مايكروسوفت للترهيب والمضايقة والتشهير، دون أي عقاب من مايكروسوفت.. في أحسن الأحوال، لم تجد محاولات التعبير آذانا صاغية، وفي أسوأها، أدت إلى فصل موظفين لمجرد تنظيمهما وقفة احتجاجية. ببساطة، لم تكن هناك طريقة أخرى لإسماع أصواتنا".
وتابعت أبو السعد: "نحن نشهد إبادة جماعية.. على مدى العام والنصف العام الماضيين، شهدتُ الإبادة الجماعية المستمرة للشعب الفلسطيني على يد إسرائيل".
وأضافت: "رأيتُ معاناةً لا تُوصف في ظل انتهاكات إسرائيل الجسيمة لحقوق الإنسان – قصفٌ ساحقٌ عشوائي، واستهدافٌ للمستشفيات والمدارس، واستمرار دولة الفصل العنصري – وهي جميعها أدانتها عالميا الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، والعديد من منظمات حقوق الإنسان".
وخلصت للقول: "لقد حطمتني صور الأطفال الأبرياء المغطاة بالرماد والدماء، وبكاء الآباء المفجوعين، وتدمير عائلات ومجتمعات بأكملها".
إشادة المقاومة
وتفاعلا مع الحدث، حيّت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، المهندسة المغربية ابتهال أبو السعد "لموقفها البطولي والشجاع في فضح تواطؤ مايكروسوفت مع آلة الإبادة الصهيونية".
وأضافت الحركة في بيان نقله موقع "القدس بريس"، في 5 أبريل 2025، أن "احتجاج الموظفة المغربية كشف زيف الادعاءات الأخلاقية في صناعة التكنولوجيا، وفضح دور مايكروسوفت كشريكة في سفك الدم الفلسطيني".
وثمنت "كل صوت حر يفضح القتل ويصطف مع شعبنا، وجبهة الأحرار تتسع عالميا في مواجهة الإبادة الصهيونية".
وأشارت إلى أن "الكوفية التي ألقتها أبو السعد على المنصة كانت صفعة مدوّية في وجه التواطؤ مع الإبادة، وصوتا حيا لفلسطين الحرّة".
وبدعم أميركي مطلق ترتكب قوات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في القطاع الفلسطيني المحاصر، خلفت أكثر من 165 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
من جانبها، أشادت حركة المجاهدين الفلسطينية "بالموقف الحر الذي عبرت عنه المهندسة المغربية ابتهال أبو السعد رفضا لتواطؤ شركة مايكروسوفت في الإبادة الجماعية في قطاع غزة".
وأضافت الحركة: "احتجاج الموظفة المغربية هو تعبير عن الضمير الحي في العالم، ويعكس حالة الاشمئزاز المتنامية ضد كل من يساند العدو الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في قطاع غزة".
وطالبت الحركة "الشركات العاملة في صناعة التكنولوجيا بوقف انحيازهم للجرائم الصهيونية وتوفير السبل لمواصلة الإبادة الجماعية ضد شعبنا الفلسطيني الصابر".
كما ثمنت حركة المجاهدين "صوت كل حر وشريف يدافع عن شعبنا ويواجه الظلم الصهيوني ويفضح التواطؤ العالمي الرسمي وغير الرسمي".
ودعت "كل أحرار أمتنا والعالم لمزيد من الضغط على الكيان الصهيوني، ومحاصرة السفارات الصهيونية والأميركية، حتى تتوقف مجازر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد شعبنا في غزة".
تفاعلات مغربية
وقد نال موقف أبو السعد حظا وافرا من الإشادة والتنويه بالمجتمع المغربي، ومن ذلك ما عبرت عنه مظاهرة بمدينة طنجة شمالي المملكة، حيث عبر المتظاهرون عن تحيتهم لأبو السعد بعد فضحها تواطؤ مايكروسوفت مع إسرائيل في احتفال الذكرى الخمسين لتأسيس الشركة وتوقيفها عن العمل عقب ذلك.
من جانبها، قالت الأستاذة الجامعية والناشطة الحقوقية لطيفة البوحسيني، إن أبو السعد تعكس الوجه المغربي الذي تتشرف وتعتز بالانتماء معه لنفس الوطن ونفس الأمة ونفس الحضارة.
وأضافت: "هي الوجه المغربي الذي تحمل معه نفس القيم التي نشأنا عليها في عوائلنا وفي بيئتنا الاجتماعية العامة وفي تنظيماتنا الحزبية والنقابية والجمعوية والحقوقية والنسائية".
وشددت البوحسيني عبر حسابها على فيسبوك، 05 أبريل 2025، أن ابتهال أبو السعد، تعبر بوضوح عن وجدان الأغلبية الساحقة من المغاربة الذين تشربوا القضية الفلسطينية مع حليب الأم وهم بعد أطفال.
وأردفت، ولذلك لا ينفع معنا، نحن عشاق أنبل القضايا، لا التطبيع ولا محاولات تزييف الوعي ومعه بؤس الصهينة ولا السعي لإسكات أصوات التضامن.
بدوره، قال الناشط السياسي خالد مودن، إن "تجار تمغرابيت المزيفة ممن احتفلوا بمستوطن رشح لمنصب أمني في أرض مسروقة فضلها على أرض أجداده في أرفود، لم يكتبوا حرفا عن ابتهال، المغربية الشابة خريجة هارفرد والمهندسة في أرقى شركة معلوميات في عصرنا الحاضر".
واسترسل مودن في تدوينة عبر فيسبوك، 05 أبريل 2025، "كما أنهم لم يحتفوا بها وبنبوغها العلمي والاخلاقي ولم يروا فيها تجسيدا لتمغرابيت التي ينتشون بها في صورة مستوطنة تداعبهم بمكر الغواني بلباس قفطان مطرز أو لقطة مع طبق كسكس".
وأردف: "هم لا يحبون ابتهال لأن صفعتها وقعت على وجوههم الصفراء قبل أن تقع على وجه مايكروسوفت شريكة الإبادة، فكسرت نموذج وطنية مفتراة ترى غزة بعيدة وتل أبيب أقرب من حبل الوريد".
وشدد مودن أن "ابتهال تمثيل حي لتمغرابيت الحقيقية التي صنعت هذا البلد ولحمت أجزاءه وصهرت أبناءه على مدى القرون الطويلة..".
أما يونس الداودي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، فرأى أن الخطوة الشجاعة التي قامت بها أبو السعد، كانت بطولية وإنسانية كثيرا، ونابت عنا جميعا.
وأضاف الداودي في منشور عبر فيسبوك، في 5 أبريل 2025، كما أننا اختبأنا وراها لنخفي عجزنا وقلة حيلتنا.
وأوضح أن الشركة تعطي رواتب عالية كثيرا، بين 150 ألف دولار إلى 250 ألفا في السنة، مع امتيازات وتعويضات أخرى، وتغطية صحية شاملة وتكوين مستمر، وكلها تخلت عنها أبو السعد بكل شجاعة.
ونبه إلى أن أبو السعد قد تجد نفسها متابعة قانونيا من طرف الشركة، بل قد تفقد الإقامة القانونية في الولايات المتحدة الأميركية.
وأردف: "رغم هذه الخسائر الكبيرة، ابتهال اختارت أن تقف مع الحق، ودافعت على الإنسانية بجرأة نادرة.. فلا نامت أعين الجبناء ووكلاء الصهاينة".
وفي تفاعله مع الحدث، قال الناشط والمدون جلال اعويطة، "من فاطمة الفهرية التي أسّست أول جامعة في العالم سنة 859م، إلى مليكة الفاسي التي وقّعت وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، تاريخ المغربيات هو تاريخ وعي وكرامة وموقف.. ما قامت به ابتهال أبو السعد يُعيد كتابة هذا السطر من التاريخ بصوت عال".
وشدد اعويطة في منشور عبر فيسبوك، في 5 أبريل 2025، أن "ابتهال لم تكن تُلقي خطابا سياسيا، بل كانت تمارس حقا إنسانيا، وتُدافع عن أخلاقيات المهنة، وضمير التكنولوجيا".
وخلص إلى أن "هذا ما يجب نشره عن المغربيات وهذا ما يجب أن نفخر به جميعا".
أما الكاتب الصحفي سليمان الريسوني، فاختار التفاعل مع ابتهال أبو السعد بقصيدة شعرية جاء فيها:
عِمِي صباحاً يا ابتهالْ.... واشْرِقِي فاللَّيلُ طَالْ
واغضِبي في مِيكروسُفتٍ.... واصرُخِي.. خَرَسَ الرِّجالْ
وافضَحِي صَمتَ حُكّامٍ.... باركوا قتلَ العِيالْ
طبَّعُوا والطبعُ فيهمْ.... غدرُ جُبنٍ وانخذالْ
بايعوا ترامبَ كما.... بايعَ اللِّصُّ.. النشَّالْ
وأمَدُّوا ربِيبهُ النتنَ.... بسلاحٍ وصمتٍ ومالْ
حرِّكي الصخر يتزحزح.... أما هؤلاء مُحــــــالْ
فمتى الشعوبُ تثورُ.... أبِبَعثِ القبورِ.. ابتهال؟
رسائل سياسية
قال عزيز هناوي، الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، إن المهندسة أبو السعد جسدت الموقف المغربي الأصيل، المدين والرافض بإطلاق لجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية الممنهجة المرتكبة بغزة بدعم أميركي والشركات الداعمة للصهيونية.
وشدد هناوي لـ "الاستقلال"، إن موقف أبو السعد يتكثف فيه عدد كبير من الرمزيات؛ إذ إنها شابة مقبلة على الحياة، وحظيت بمنصب وعمل يتمناه أي شاب، ليس في العالم العربي فقط، بل في الكوكب كله.
واستدرك: "أن تقوم بهذا العمل المقاوم والممانع والرفيع، تكون قد حطمت شهوة البحث على الحلم الأميركي بمعناه المادي أو الشهواني فقط، إلى أن تعانق قضايا الإنسانية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية".
وأكد هناوي أن "هذه الشابة التي يُفترض أنها وصلت للحلم الأميركي، نرى أنها شكلت نقيض السردية الصهيونية/الأميركية من داخل أميركا نفسها، إذ لم تنحرف بها البوصلة كبعضهم".
وبخصوص عدم تفاعل أنصار الاحتلال بالمغرب والذين يطلقون على أنفسهم اسم "كلنا إسرائيليون" مع ما قامت به أبو السعد، قال هناوي: إن عدم تعبيرهم عن أي موقف هو موقف في حد ذاته.
وأضاف، لأن "كلنا إسرائيليون" يروجون للإبراهيمية وللتسامح زورا لمعانقة الصهيونية، في حين جاء الفعل الراقي لابتهال أبو السعد كضربة كبيرة للسردية التطبيعية في المغرب.
واسترسل، هؤلاء يقولون: إن أنصار فلسطين بالمغرب هم قوميون وإسلاميون وعروبيون، لكن، جاءت أبو السعد لتؤكد أن المغاربة، وعلى اختلاف انتماءاتهم، يناصرون فلسطين ويرفضون الإبادة بغزة.
وخلص إلى أن أنصار السردية الصهيونية بالمغرب يناقضون إنسانية الإنسان المغربي، وأن حجم الإشادة والتفاعل الشعبي مع ما عبرت عنه أبو السعد، تأكيد أن عموم الشعب المغربي مع فلسطين ومقاومته وقضيته الإنسانية العادلة.