عبد القادر بلعيرج.. ما أسرار أحد أكثر الملفات الأمنية تعقيدا بين المغرب وبلجيكا؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

بعد 17 عاما قضاها في السجن من حكم مؤبد صدر بحقه عام 2009، عاد اسم عبد القادر بلعيرج، الشخصية المثيرة للجدل، إلى الواجهة بعد حصوله على عفو من العاهل المغربي محمد السادس بمناسبة عيد الفطر نهاية مارس/ آذار 2025.

وأوضحت مجلة "جون أفريك" الفرنسية أن "بلعيرج لم يكن مجرد سجين عادي، بل كان محورا لأحد أكثر الملفات الأمنية تعقيدا بين المغرب وبلجيكا". 

وأضافت أن "اسمه ارتبط بقضايا الإرهاب وتهريب الأسلحة وعمليات اغتيال غامضة في أوروبا". 

ورغم خروجه من السجن ضمن برنامج "المصالحة"، تحدثت المجلة عن أن ملفه "لا يزال يثير العديد من التساؤلات، خاصة مع وجود شبهات حول علاقاته بالاستخبارات الدولية وشبكات الإسلام السياسي".

اهتمام خاص

وقالت جون أفريك: إن "هذا المواطن البلجيكي-المغربي، البالغ من العمر 68 عاما، قضى في النهاية 17 عاما في السجن، قبل أن يُمنح العفو إلى جانب 1533 مدانا آخرين".

وبلعيرج يُعد جزءا من مجموعة تضم 31 سجينا أُدينوا في قضايا تتعلق بالتطرف أو الإرهاب، بعد اتهامه بقيادة "شبكة إرهابية".

ووفقا لبيان صادر عن وزارة العدل المغربية، فقد حصل هؤلاء -دون الكشف عن هويتهم- على العفو بعد أن "راجعوا توجهاتهم الأيديولوجية وتخلوا عن التطرف".

ونوَّهت المجلة أنه منذ عام 2015، تبنى المغرب إستراتيجية مؤسساتية لمكافحة التطرف من خلال برنامج "مصالحة"، والذي تشرف عليه المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بالشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (مؤسسات رسمية). 

ومنذ ذلك الحين، شملت عدة دفعات من العفو الملكي شخصيات إسلامية أو سلفية أدينت في قضايا إرهاب، بشرط إعلانهم العلني عن رفضهم للتطرف. 

ومن بين أبرز "السلفيين التائبين"، حسب وصف المجلة، الذين حصلوا على العفو عام 2016، محمد الفيزازي، وعبد الوهاب رفيقي الذي انضم لاحقا إلى وزارة العدل مستشارا للوزير.

وقالت: إن قضية العفو عن بلعيرج حظيت باهتمام خاص من وسائل الإعلام والرأي العام؛ لأن "ملفه لا يزال أحد أكثر القضايا غموضا وإثارة للجدل في النزاع الأمني بين المغرب وبلجيكا"؛ إذ اعتُقل هذا المواطن البلجيكي-المغربي في يناير/ كانون الثاني 2008 بمدينة مراكش، وحُكم عليه في العام التالي بالسجن المؤبد، وهو الحكم الذي صدق عليه في الاستئناف.

وفي ذلك الوقت، ذكرت جون أفريك أن "السلطات المغربية اتهمته بقيادة شبكة إرهابية وتهريب أسلحة سرا إلى المملكة في إطار عمليات مرتبطة بتهريب دولي، كما وُجهت إليه تهمة تنفيذ ستة اغتيالات سياسية في بلجيكا أواخر الثمانينيات". 

وتابعت: “من بين الضحايا، مدير المركز الإسلامي والثقافي في بروكسل، الإمام عبد الله الأهدل، ومساعده سالم البحري، بالإضافة إلى رئيس لجنة تنسيق المنظمات اليهودية في بلجيكا، جوزيف ويبران”.

وأضافت أن بلعيرج اعترف بـ"جرائمه" أثناء استجوابه من قبل الأجهزة الأمنية المغربية، وأقر بأنه "نفذ عمليات قتل لصالح صبري البنا، المعروف باسم أبو نضال، مؤسس حركة (فتح)".

ولكن بحسب ما لفتت إليه "جون أفريك"، فإن بلعيرج نفى خلال محاكمته جميع التهم الموجهة إليه، مؤكدا أن "اعترافاته انتُزعت منه تحت التعذيب داخل سجن تمارة السري". 

علاوة على ذلك، كتب آنذاك، في رسالة مفتوحة، نُشرت على موقع صحيفة "المساء" البلجيكية: "الأجهزة المغربية لفقت كل شيء، لم أُدخل أي أسلحة نارية إلى المغرب، وأنفي تماما أي محاولة من جانبي للإطاحة بالنظام".

صدمة كبيرة

وبالحديث عن حياته، أشارت "جون أفريك" إلى أن بلعيرج وُلد في مدينة الناظور شمال المغرب، وانتقل إلى بروكسل في سن 14 عاما للالتحاق بوالده. 

وادعت أنه "في الثمانينيات، انخرط لفترة في التيارات اليسارية المتطرفة، قبل أن يقترب من الأوساط المؤيدة لإيران داخل الإسلام السياسي". 

وبحسب المجلة، أطلقت عليه التحقيقات البلجيكية لقب “البالستو”؛ نظرا لنشاطه في الحركات الشيعية والمؤيدة لفلسطين.

وبالتوازي مع ذلك، قالت: إنه "بنى سمعة في الأوساط الإجرامية؛ حيث أُدين بعدة عمليات سطو مسلح في بلجيكا أوائل الألفينيات، وهي أعمال بررها لاحقا بأنها كانت ضمن (المقاومة الثورية)، لكنه عاد ليصفها فيما بعد بأنها مجرد (أخطاء شباب)".

ومن ناحية أخرى، أفادت المجلة بأن "بلعيرج لفت انتباه جهاز أمن الدولة البلجيكي منذ عام 1986، وخضع للمراقبة عدة مرات حتى أواخر التسعينيات".

وخلال استجوابه في المغرب، اعترف بلعيرج بأن شخصا يُدعى "باتريك"، وهو عميل بلجيكي، اتصل به ووعده بتقديم المساعدة في حال "وجود تهديد لأمن الدولة"، مع التأكيد على أن "هذا التعاون لم يكن بدافع المال".

ولكن وفق ما قالته المجلة، فإن هذه الرواية تتناقض مع ما ذكرته عدة مصادر غير رسمية، والتي تؤكد أن "بلعيرج قد زود أجهزة الاستخبارات بمعلومات حساسة في قضايا إرهابية، خاصة في المملكة المتحدة". 

ومع ذلك، أبرزت  أنه “لم يُقدم أي دليل قاطع يثبت أنه كان مخبرا بالفعل”. 

وفي الوقت نفسه، لم تظهر أي أدلة دامغة تثبت أنه كان العقل المدبر لشبكة جهادية دولية، حسب المجلة، وفي ذات الوقت، أكدت  أن خبر اعتقال بلعيرج عام 2008 “أثار صدمة كبيرة”. 

فمن ناحية، أثار "اختفاؤه" قلق الجالية المغربية في بلجيكا، بينما اكتشفت أجهزة الأمن البلجيكية قضيته عبر وسائل الإعلام.

ومن ناحية أخرى، في بروكسل، طالب رئيس الاستخبارات البلجيكية من “المديرية العامة للدراسات والمستندات” المغربية بسحب عملائها.

جدير بالذكر أن المديرية العامة للدراسات والمستندات ​​هي وكالة المخابرات الخارجية ومكافحة التجسس للدولة المغربية.

أزمة مفتوحة

وعلى حد وصف المجلة، سرعان ما تصاعدت الأزمة؛ حيث تبادلت الأجهزة الأمنية في البلدين الاتهامات بالتدخل والتجسس، مما أدى إلى فتح تحقيق حول أنشطة المديرية العامة للدراسات والمستندات المغربية في بلجيكا.

ومع حدوث استجوابات متكررة، انتهى الأمر بالوصول إلى أزمة دبلوماسية مفتوحة بين الجانبين.

ومن جهة أخرى، تحدثت "جون أفريك" عن خضوع 34 متهما آخرين في المغرب للمحاكمة إلى جانب بلعيرج، كما صدرت مذكرات توقيف بحق 14 شخصا إضافيا. 

وانتهت المحاكمة آنذاك بأحكام قاسية، من بينها السجن المؤبد لبلعيرج.

ولكن بالإشارة إلى أن الغموض ظل مخيما على القضية، تساءلت المجلة: “هل كانت حقا قضية إرهابية، أم أن بلعيرج كان مجرد ضحية جانبية لصراع استخباراتي بين دولتين؟”

وفي هذا السياق، أوضحت أن الملف البلجيكي لبلعيرج أُغلق عام 2015 دون توجيه أي اتهام رسمي.

وبعد 10 سنوات، حصل أخيرا على عفو في المغرب ليعود إلى الظل، رغم استمرار ارتباط اسمه بشبكة معقدة من القضايا.

جدير بالذكر أن بلعيرج اعتقل عام 2008 في مدينة مراكش، أثناء خروجه من فندق مملوك لشقيقه صلاح بلعيرج، الذي اعتُقل بدوره لفترة قصيرة قبل أن يحصل على عفو بعد عام. 

ومنذ ذلك الحين، برز اسم صلاح، الذي يدير ثروة عقارية كبيرة بالمغرب، في قضية تتعلق بمحاولة الاستيلاء على ممتلكات، بحسب ما أوردته "جون أفريك".

وفي النهاية، ختمت المجلة تقريرها بالقول: إن "المزيد من المناطق الرمادية تُضاف إلى ملف يحمل بالفعل الكثير من الغموض".