غير مسبوقة.. ماذا بعد مظاهرات الأميركيين الرافضة لسياسات ترامب الاقتصادية؟

إسماعيل يوسف | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تعكس موجة الاحتجاجات الأميركية أخيرا، تزايد الغضب الشعبي من السياسات الاقتصادية لإدارة دونالد ترامب مثل تقليص الخدمات الحكومية وبرامج الدعم، وتثير تساؤلات عن إمكانية اتساعها، في ظل رفض البيت الأبيض الاستجابة للمطالب الجماهيرية.

ونُظمت في 5 أبريل/نيسان 2025 أكثر من 1400 مظاهرة في 50 ولاية أميركية، شارك فيها ما يزيد عن 600 ألف شخص، وفق شبكة "سي إن إن" الأميركية.

وهو ما أثار تساؤلات حول مغزاها وتوقيت انفجارها ضد ترامب، وهل يمكن عدّها "ربيعا أميركيا"، لأنها رفعت مطالب اقتصادية وسياسية؟

المظاهرات عبرت عن الغضب من سياسات ترامب والملياردير إيلون ماسك الذي يدير وزارة الكفاءة الحكومية، وما ترتب عليها من أوضاع اقتصادية صعبة وارتفاع الأسعار، وتسريح عشرات الآلاف من موظفي الحكومة الفيدرالية، وسيطرة أنصاره على مفاصل الدولة.

وُصفت بأنها أول خروج جماهيري ضد ترامب، تحت شعار "ارفعوا أيديكم" في إشارة لمطالبة الرئيس ومسؤولي إدارته بالكفّ عن الإضرار بالأميركيين، ورحيل أثرياء الإدارة ومنهم إيلون ماسك، الذين صورتهم المظاهرات على أنهم مثل النازيين.

وكان لها جانب سياسي آخر تحت شعار “ارفعوا أيديكم عن الديمقراطية”؛ حيث اتهم المحتجون الإدارة بالسعي إلى الاستحواذ على السلطة، أي أنها احتجاجات ذات طابع اقتصادي وسياسي معا، ورفعوا لافتات تقول: "ليس رئيسي" و"نرفض الاستبداد الاقتصادي" و"الفاشية وصلت".

وتحدث المتظاهرون عن "أزمة دستورية"، ووصفوا ترامب بأنه "مجنون"، يدير أميركا بـ "أوامر رئاسية" لها قوة الدستور، قلبت حياة الأميركيين.

لماذا الآن؟

قبل اندلاع المظاهرات، كانت إدارة ترامب توحي أن الأمور على ما يرام وأن الأميركيين راضون عنه وعن قراراته التي زعم أنها ستُحسن أحوالهم الاقتصادية.

 لذا كان خروج المظاهرات بهذه الكثافة بصورة مفاجئة أمرا لافتا جاء بعكس تمنيات الرئيس الجمهوري المتطرف.

كان شعار المظاهرات الموحد هو "ارفعوا أيديكم Hands Off"، أو "ابتعدوا عنا"، وجاء توقيتها بالتزامن مع سلسلة قرارات اقتصادية وُصفت بالعشوائية، انعكست على حياة الأميركيين، بالسلب.

وحدد المنظمون لها عدة مطالب هي: إنهاء استيلاء المليارديرات والفساد المستشري في إدارة ترامب، أو ما أسموه التأثير المتزايد لإيلون ماسك في السلطة وتخفيضه الميزانية وتسريح الموظفين.

وانتقدوا خفض الأموال الفيدرالية المخصصة للرعاية الطبية والضمان الاجتماعي وغيرها من البرامج التي يعتمد عليها العمال.

واعترضوا على تقليص القوى العاملة الفيدرالية، وطالبوا بوضع حد للهجمات على المهاجرين والسود والمجتمعات الأخرى، من قبل عنصريي الإدارة اليمينية، والتيار الشعبوي الإنجيلي الذي يقوده ترامب.

غلب على المظاهرات شعارات أظهرت الغضب من فريق ترامب الاقتصادي، مثل " كلوا الأغنياء"، أو "افتكوا بهم، و"إيلون ماسك يجب أن يرحل"، في إشارة لما فعله الملياردير الذي طرد موظفين وألغى موازنات وكالات وهيئات فيدرالية عديدة.

ورُفعت شعارات مناهضة للأثرياء الذين يسيطرون على إدارة أميركا، في إشارة إلى ترامب وماسك خصوصا، وأعضاء إدارته من الجمهوريين.

لكن كانت هناك مطالب سياسية أخرى، بفعل الأوامر الرئاسية المتعاقبة. وكان من الشعارات المرفوعة في المظاهرات: "قاوموا كما لو كنا في ألمانيا النازية عام 1938" و"الفاشية حية وبصحة جيدة وتعيش في البيت الأبيض"، وفق صحيفة "الغارديان" 6 أبريل 2025.

وقد أعرب أميركيون متضررون من سياسات ترامب، عن تحفظهم على التغيير في سياسات أميركا، واستيلاء الرئيس على السلطة (قال إنه يفكر في تغيير الدستور ليبقى لفترة رئاسية ثالثة)، وفق صحف أميركية.

وكانت القضية الموحدة للاحتجاجات: الاستياء المتزايد مما وصفته منظمة "إنديفيزيبل" بأنها "أكثر عمليات الاستيلاء على السلطة وقاحة في التاريخ الحديث"، بقيادة ترامب ومستشاره إيلون ماسك وأصدقائهما المليارديرات".

وقد أشار لهذا أحد منشورات الحملة بقوله: "سواء كنتم متأثرين بالهجمات على ديمقراطيتنا، أو بتقليص الوظائف، أو بانتهاك الخصوصية، أو بالهجوم على خدماتنا، فهذه فرصتكم، نحن ننطلق لبناء رفض وطني حاشد وواضح لهذه الأزمة".

دلالات وتداعيات

ولأنها أول مظاهرات ضد ترامب، تخرج بهذا العدد الكبير، وتنطلق في كل المدن الأميركية، تساءل محللون سياسيون في صحف أميركية وأوروبية عن دلالاتها وتداعياتها على إدارته، وهل يعقبها أخرى أكبر وأكثر عنفا؟

وهل تتصاعد هذه المظاهرات وتكبر كرة الجليد وتتدحرج ضد ترامب، وينقلب السحر على الساحر؟ أم تبقى في نطاق الاحتجاجات الروتينية؟

فمن قادوا المظاهرات بشكل أساسي، هم تحالف من عشرات المجموعات ذات الميول اليسارية، مثل "موف أون" و"ويمنز مارش".

وهي مجموعات ذات طابع سياسي تميل لمعاداة تيار ترامب (ماجا) الذي يرفع شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجددا"، لكنه يُقصي بقية التيارات السياسية الليبرالية لصالح اليمين المتطرف.

ووفق ما أعلنته الجهات المنظمة للمظاهرات، فإن الهدف من التظاهر هو تسليط الضوء على ما وصفوه "بأسلوب حكم ترامب الاستبدادي"، مثل قرارات فصل الموظفين الفيدراليين وتفكيك وزارة التعليم.

وشارك فيها نواب كونغرس، منهم النائب عن ولاية فلوريدا، ماكسويل فروست، الذي وصف ما يفعله ترامب وماسك بأنه "استيلاء المليارديرات على الحكومة"، وقال: "حين تسرق من الشعب، توقع أن ينهض في صناديق الاقتراع وفي الشوارع".

ولخص منظمو مسيرة بوسطن هدفهم بالقول: "تعتقد الإدارة الفيدرالية أن هذا البلد ملكٌ لها، وأنهم فوق القانون، إنهم يستولون على كل ما تقع عليه أيديهم، حقوقنا، رعايتنا الصحية، بياناتنا، وظائفنا، خدماتنا، ويتحدون العالم أن يوقفهم"، وفق شبكة "إيه بي سي" 5 أبريل 2025.

وعكست الاحتجاجات تنامي القلق بين الأميركيين بشأن مستقبل البرامج الاجتماعية والتأثير المتزايد للأثرياء في صنع القرار الحكومي، لذا جذبت العديد من قطاعات المجتمع من الفقراء والسود والمهمشين والمهاجرين.

فقد كان من بين رعاة مظاهرات "ابتعدوا عنا"، اتحاد العمل الأميركي ومؤتمر المنظمات الصناعية، ومنظمة الأميركيين من أجل الإصلاح المالي، ومنظمة القضية المشتركة.

وأيضا اتحاد المستهلكين في أميركا، ومنظمة غير قابلة للتجزئة، ومنظمة تنظيم الأسرة، ونحو 150 جماعة من الناشطين بحسب موقع "أخبار من الولايات المتحدة" 6 أبريل 2025.

وتحدث المنظمون عن رغبتهم في أن تسهم الاحتجاجات في "فرملة "سياسات ترامب التي تهدد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

وقال عزرا ليفين، مؤسس منظمة إنديفيزيبل وهي إحدى الجماعات التي نظمت الاحتجاجات: إن "هذه مظاهرة ضخمة ترسل رسالة واضحة جدا إلى ماسك وترامب والجمهوريين في الكونغرس".

وأكد أن هذه الاحتجاجات ستؤكد لأنصار شعار "فلنجعل أميركا عظيمة مجددا" أن الشعب لا يريد سيطرتهم "على ديمقراطيتنا، ومجتمعاتنا، وعلى مدارسنا وأصدقائنا وجيراننا".

وتشير تقديرات أميركية إلى أن ما شجع هذه المظاهرات، القلق بين القوى المناهضة لترامب من أن يكون قد نجح في تنفيذ أجندته في غياب المقاومة الكافية من الديمقراطيين بالكونغرس، وفي ظل غياب مظاهر المعارضة الجماهيرية الشعبية التي ظهرت في وقت مبكر من رئاسته الأولى.

أوضحت أن ما شجع المظاهرات أيضا، خسارة ترامب وماسك معركة المنافسة في انتخابات المحكمة العليا في ولاية ويسكونسن.

إذ أنفق ماسك 25 مليون دولار من ماله الخاص لدعم المرشح الجمهوري، وأيده ترامب ومع هذا خسر لصالح المرشح الديمقراطي.

عمق الأزمة

وبالمقابل، ترى تقارير أميركية أن الاحتجاجات ضد ترامب داخليا لأسباب اقتصادية، ليس من الوارد أن تتطور، إلى "ربيع أميركي"، أو تؤثر على إكمال رئاسته، إلا أنها ستتحول إلى شبكة عنكبوت تكبله وتضع قيودا على قراراته المستقبلية.

ويرى محللون أن أزمة الاقتصاد الأميركي لا تعود فقط لإعلان ترامب الحرب التجارية العالمية، وأن أصلها هو تراكم الدين العام الذي وصل إلى 36 تريليون دولار.

ويقول الأستاذ الجامعي في واشنطن خليل العناني، إن تظاهر الأميركيين ضد ترامب ليس متصلا فقط بالتعريفة الجمركية والقرارات الاقتصادية الأخيرة، ولكن أيضا بأزمة أميركا المستمرة وهي حجم الدين الكبير.

إذ إن حجم الدين العام الداخلي الأميركي 36 تريليون دولار (حوالي 122 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي)، وحجم الدين الخارجي 8 تريليونات دولار.

كما أن حجم العجز التجاري الأميركي الداخلي 1.5 تريليون (النفقات مقابل العوائد)، وحجم العجز التجاري الخارجي حوالي تريليون دولار (الصادرات مقابل الواردات).

ورغم المعارضة لفرضه الرسوم الجمركية الشاملة، والاستياء المتزايد من جانب العديد من الأميركيين، تجاهل البيت الأبيض الاحتجاجات، ولم يُبد الرئيس الجمهوري أي إشارة على التراجع وقال: "سياساتي لن تتغير أبدا".

وانخفضت نسبة تأييد ترامب إلى أدنى مستوياتها منذ توليه منصبه مع استمراره في إحداث تغييرات عدوانية في واشنطن وخارجها، وفق استطلاعات رأي حديثة.

وهناك دعاوى قضائية قيدت جزءا كبيرا من أجندة ترامب، وقرارات قضائية أوقفت العديد من أوامره الرئاسية، بعد اتهامه بتجاوز سلطاته من خلال محاولات طرد الموظفين بالحكومة وترحيل المهاجرين، والسطو على الديمقراطية.

وكشف استطلاع أجرته "رويترز/إبسوس" مطلع أبريل، أن نسبة التأييد للرئيس انخفضت إلى 43 بالمئة، وهي أدنى نسبة منذ بداية ولايته الثانية في يناير/كانون الثاني، حيث وصلت عند تنصيبه  إلى 47 بالمئة.

وأظهر نفس الاستطلاع أن 37 بالمئة من الأميركيين يوافقون على طريقة تعامله مع الوضع الاقتصادي، في حين أبدى 30 بالمئة فقط تأييدهم لإستراتيجيته في التعامل مع تكاليف المعيشة في الولايات المتحدة.

كما أشار استطلاع آخر أجرته مؤسسة "هارفارد كابس/هاريس"، إلى أن 49 بالمئة من الناخبين المسجلين يوافقون على أداء ترامب في منصبه، مقارنة بـ52 بالمئة في مارس/آذار 2025.

لذا يأمل منظمو المظاهرات أن تؤثر الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد على المشرعين في الكونغرس بشأن قضايا مثل حقوق التصويت والخدمات الاجتماعية والسياسة الاقتصادية.