مقاطعة الصدر لانتخابات العراق.. عودة للوراء أم هروب للأمام؟

"لن أمنح الشرعية لنظام لا يمثل تطلعات الشعب"
استمرارا لموقفه الذي اتخذه قبل عامين باعتزال السياسة "نهائيا"، أعلن زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2025، ما أثار جدلا واسعا في البلاد، خصوصا أن خطواته قبل أشهر كانت تشي بعكس ذلك تماما.
ففي 19 فبراير/ شباط 2025، وجه الصدر أتباعه بتحديث سجلاتهم الانتخابية، وبعدها بعشرة أيام التقى بأعضاء جناح التيار السياسي ونوابه السابقين، في خطوة فُسرت على أنها ستُنهي عزلته السياسية، وتمهّد لمشاركة أتباعه في الانتخابات البرلمانية.
"الأنفاس الأخيرة"
لكن الصدر أعلن بشكل صريح، أنه "مادام الفساد موجودا، فإنه لن يشارك في عملية انتخابية عرجاء لا همّ لها إلا المصالح والطائفية والعرقية والحزبية، بعيدة كل البعد عن معاناة الشعب وعما يدور في المنطقة من كوارث، كان سببها الرئيس هو زج العراق وشعبه في محارق".
وأكد في بيان نشره وزيره محمد صالح العراقي على منصة "إكس" في 27 مارس، أن "العراق لا يمكن أن يسير في الطريق الصحيح إذا استمر الفساد في العملية السياسية". مشيرا إلى أن "الانتخابات الحالية تفتقر إلى الأهداف الوطنية الحقيقية؛ حيث يسيطر عليها الطائفية والعرقية والصراعات الحزبية".
ورأى الصدر أن "العراق يعيش أنفاسه الأخيرة، بعد هيمنة الخارج وقوى الدولة العميقة على كل مفاصله". مشيرا إلى أن "الانتخابات في العراق يجب أن تكون بعيدة عن المصالح الضيقة التي تضر بالبلاد والشعب".
وبعدها بيوم واحد، أعلن النائب الحالي عن الإطار التنسيقي الشيعي، يوسف الكلابي، مقاطعته للانتخابات النيابية المقبلة، داعيا الشعب العراقي إلى مقاطعتها أيضا؛ لأن العملية الانتخابية باتت غطاء لاستمرار المحاصصة السياسية وهيمنة الفاسدين على مقدرات البلاد.
وقال النائب في بيان نشره على "إكس"، إنه أمضى أكثر من خمس سنوات في عضوية لجنتي النزاهة والمالية النيابيتين، ساعيا إلى "تشريع قوانين جوهرية لمكافحة الفساد وكشف ملفات بمليارات الدولارات"، إلا أن ما وصفها بـ"منظومة المحاصصة والحماية الممنهجة للفاسدين" أجهضت كل تلك الجهود.
وأكد الكلابي دعمه وتأييده لموقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في "رفض الفساد والدعوة إلى الإصلاح الجذري الحقيقي"، مشددا على أن "استمرار الانتخابات في ظل هذا الواقع الفاسد لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الأزمات ومفاقمة معاناة المواطن".
ورأى أن مقاطعة الانتخابات المقبلة "ليست موقفا سلبيا، بل وسيلة ضغط سياسية"، تهدف إلى دفع القوى الحاكمة نحو تبني إصلاحات حقيقية، رافضا "منح الشرعية لنظام لا يمثل تطلعات الشعب".
وشدد الكلابي في بيانه على أن "الفساد كان المحرك الأساس للحرب الطائفية، ودخول الإرهاب عام 2014، وانتشار المخدرات، وقتل العراقيين بالمفخخات"، مؤكدا أن "محاربته باتت واجبًا وطنيًا لا يقل أهمية عن الجهاد ضد الاحتلال أو الإرهاب".

تخوّف سياسي
وبخصوص مدى تأثير مقاطعة التيار الصدري على العملية الانتخابية، قال رئيس البرلمان، محمود المشهداني، إن "الصدر يرى أن قراءته دقيقة للمشهد، لكني أرى أن الانتخابات ماضية إما في 15 أكتوبر/ تشرين 2025، أو 25 من الشهر الذي يليه".
ودعا المشهداني خلال مقابلة تلفزيونية في 29 مارس، الصدر إلى التراجع عن قراره، خصوصا إذا رأى أن هناك جدوى من داخل التيار في الانتخابات؛ لأننا نعتقد أن العملية السياسية بدون التيار الصدري كـ"الزاد بلا ملح"، لكن في النهاية هم أعلم بشؤونهم.
وأشار المشهداني إلى أن الإصلاح هو أن تخوض العملية الانتخابية وتصلح من الداخل، وبالتالي تلقي الحجة على الآخرين، متسائلا: “ما هو الحل أو البديل في حال قاطع الجميع الانتخابات؟”
وفي السياق ذاته، قالت البرلمانية العراقية عن "الإطار التنسيقي" أمل عطية: إن "مقاطعة التيار الصدري للانتخابات قد تؤثر على العملية السياسية، خاصة أنه يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة"، حسبما نقلت وكالة الأنباء العراقية (واع) في 28 مارس.
وأوضحت عطية أن "وجود التيار الصدري يشكل توازنا أمام القوى التقليدية الحاكمة، وغيابه قد يؤدي إلى اختلال في ميزان القوى داخل البرلمان، وبالتالي فقدان المعارضة في البرلمان، وهي جزء أساسي لتقويم العمل البرلماني".
من جهته، قال القيادي المنشق عن التيار الصدري، أوس الخفاجي، إن "حدة بيان الصدر توحي بأنه لن يتراجع عن قرار المقاطعة، ولا يمكن أن يؤثر أي طرف من الإطار التنسيقي عليه، وأتوقع أن يذهب نواب آخرون وأطراف سياسية لتقاطع الانتخابات، وبالتالي قد يجرى تأجيلها".
وأضاف الخفاجي خلال مقابلة تلفزيونية في 28 مارس، أن "الصدر يريد تغيير هذا النظام السياسي الفاسد بآخر صالح، لذلك هو يريد قلب هذا النظام لكن ليس بشكل عسكري".
وأعرب عن اعتقاده بأن "مقاطعة الصدر تدل على أنه ليس لديه نظرة استشرافية فقط، وإنما يمتلك معلومة؛ لأنه لن يخطو هذه الخطوة إلا إذا كان متأكدا أن هناك خطرا داهما، وأن هذه العملية السياسية يشوبها مستقبل مجهول قد يؤثر عليها".
وشدد الخفاجي على أن "إفتاء الصدر بتحريم مشاركة أتباعه في الانتخابات، يعني أن هناك خطرا معينا على العملية السياسية والانتخابية لا يريد إقحام نفسه فيه، أو يقع ضمن هذه الدائرة".
وبحسب الخفاجي، فإن "قيادات الإطار التنسيقي بنسبة 99 بالمئة منهم، لم يناموا في ليلة قرار الصدر؛ لأنهم يريدون معرفة ماذا حصل، ورغم أنه لا أحد لديه اطلاع، لكن المؤكد أن ثمة شيئا خطيرا".
خطوة للمناورة
وعن الأسباب وراء اتخاذ قرار المقاطعة، رأى الباحث والأكاديمي العراقي، وسام عباس، أن "الصدر قرأ أنه ثمة تغييرات محتملة في العراق بسبب تداعيات ما يجرى في منطقة الشرق الأوسط، بالتالي أراد إبعاد نفسه عن أي تأثيرات محتملة تنال النظام السياسي العراقي الحالي".
وأوضح عباس لـ"الاستقلال" أن "الصدر يضع قدما في الحكومة والنظام السياسي، والقدم الأخرى في المعارضة، فهو حتى اليوم لديه مناصب كبيرة في مؤسسات الدولة، وفي مقدمتهم أمين عام مجلس الوزراء، حمد الغزي، إضافة إلى العديد من وكلاء الوزراء والمديرين العامين".
وشدد على أن "الصدر يتبع سياسة الامتناع حتى يزداد ثمنه، ثم يعود ويعلن المشاركة في الانتخابات، فهو يجعل أتباعه في استنفار دائم، وإلا فلماذا دعاهم إلى تحديث سجلات الناخبين إذا كان عازما بحق على عدم المشاركة".
من جهته، علق الكاتب والمحلل السياسي العراقي، فلاح المشعل، عبر منصة "إكس" في 28 مارس، قائلا: “تمام سيدنا العزيز، الفساد تغول في العراق، وصار يتحكم بكل شيء! لكن ما الحل؟”
وأضاف: “هؤلاء الفاسدون لا يكترثون لضياع العراق، يتخادمون فيما بينهم للبقاء في السلطة ومليارات الفساد، برغم الموت السريري للعملية السياسية. أليس مقارعة الفاسدين بالسبل المتاحة هو السبيل الأمثل للخلاص منهم؟”
وأردف، المشعل قائلا: "سماحتك الزعيم الأكثر فاعلية وجماهيرية في قلب المعادلة والبدء في مشروع الإصلاح الذي تنتظره الغالبية من الشعب، انسحابكم يمنحهم فرصة إضافية لتمديد سلطة الفساد لنهب الوطن وسحق المواطن".
وفي السياق ذاته، كتب أستاذ الإعلام في العراق، غالب الدعمي، على "إكس"، قائلا: كيف يحقق التيار الصدري الإصلاح ومحاربة الفساد وهو خارج التشريع، إلا إذا كان يستشرف أن المستقبل موجع، ولا يُريد أن يكون جزءا من مرحلة يلفظ فيها العراق أنفاسه الأخيرة بحسب وصف السيد مقتدى الصدر".
وقبل ثلاثة أشهر من الانتخابات البرلمانية السابقة التي جرت في أكتوبر 2021، أعلن الصدر انسحابه من العملية السياسية، وقال في كلمة له: إنه "حفاظا على ما تبقى من الوطن الذي أحرقه الفاسدون ومازالوا يحرقونه، وإنقاذا له، نعلمكم بأنني لن أشترك في هذه الانتخابات.. فالوطن أهم من كل ذلك".
لكنه وبعد 3 أشهر من إعلان الانسحاب، عاد تياره للترشح مجددا في الانتخابات البرلمانية محققا نتائج عالية بحصوله على 73 مقعدا في البرلمان، خلال الانتخابات التي جرت في 10 أكتوبر 2021.
المصادر
- مقتدى الصدر يعلن موقفه من المشاركة في الانتخابات العراقية
- النائب الكلابي يعلن مقاطعته للانتخابات ويدعو العراقيين للوقوف بوجه الفساد
- مقاطعة الصدر للانتخابات المقبلة.. بين «التشكيك» والمخاوف من «غياب التوازنات»
- الصدر يلتقي أعضاء الكتلة الصدرية في الحنانة
- أوساط سياسية تدعو السيد الصدر للعدول عن مقاطعة الانتخابات
- مقتدى الصدر يضع عينه على "آية الله".. لتوحيد تياره أم لولاية الفقيه؟