إنشاء محور عسكري خامس في قطاع غزة.. ما أهداف إسرائيل؟

حسن عبود | منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مع استئناف العدوان على قطاع غزة، عادت إسرائيل إلى استخدام سياسة المحاور العسكرية لتقسيم الجيب الساحلي المحاصر وقطع أوصاله وتعميق معاناة سكانه بهدف معلن يتمثل في قتال حركة المقاومة الإسلامية حماس.

ومن خلال إنشاء المزيد من المحاور، تهدف قوات الاحتلال إلى تسهيل استهداف المقاومة الفلسطينية وعزلها وتهجير السكان، فضلا عن فرض سياسات التجويع في القطاع البالغة مساحته 360 كيلومترا فقط.

لكن لا يخفى على المراقبين الفلسطينيين وحتى وسائل الإعلام العبرية والدولية، استخدام الاحتلال تلك المحاور بهدف إعادة احتلال قطاع غزة وإقامة المستوطنات فيه، وهو ما ينادي به مسؤولون إسرائيليون باستمرار.

محور موراج

وكانت آخر خطوة في هذا الإطار، إحكام جيش الاحتلال السيطرة على ما يسمى "محور موراج" جنوب قطاع غزة، بعد ساعات من إعلانه بدء عملية عدوانية واسعة في مدينة رفح.

ومحور "موراج" أو "موراغ" باللغة العبرية، أحد الممرات الحيوية جنوب القطاع، ويمتد من البحر غربًا حتى شارع صلاح الدين شرقًا، وصولًا إلى آخر نقطة على الحدود الفاصلة بين غزة والأراضي المحتلة وتحديدا عند معبر "صوفا".

يبلغ طول المحور 12 كيلومترًا، ويفصل رفح عن باقي محافظات القطاع، ويبعد حوالي 5 كيلومترات شمالا عن محور "فيلادلفيا" على الحدود المصرية والذي يسيطر عليه الاحتلال منذ مايو/أيار 2024 ويرفض الانسحاب منه.

أنشئ هذا المحور في البداية كخط وهمي عند احتلال إسرائيل القطاع في عام 1967، لكنه تحول في 1972 إلى نقطة عسكرية ثابتة لمراقبة تحركات الفلسطينيين.

وفي عام 1982، حولته إسرائيل إلى منطقة تضم مئات الدفيئات الزراعية وتستغل من خلالها المياه والأرض الفلسطينية الخصبة لدعم النشاط الزراعي في المستوطنات.

وانسحبت قوات الاحتلال من المحور الذي كان يقع ضمن تجمع مستوطنات غوش قطيف عام 2005 على غرار ما فعلته في باقي مغتصباتها في قطاع غزة.

وقال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الثاني من أبريل/نيسان 2025، إن الجيش سيطر على المنطقة التي تفصل رفح عن مدينة خان يونس جنوب القطاع.

وفي كلمة مصورة نشرها على حساباته الرسمية، وصف نتنياهو الطريق الجديد بـ "محور فيلادلفيا الثاني"، في إشارة إلى المنطقة الفاصلة بين قطاع غزة ومصر، مضيفا: "لقد غيرنا مسار الأمور الليلة".

وقال جيش الاحتلال إن قوات الفرقة 36 عادت إلى العمل في قطاع غزة وبدأت أنشطتها في ممر موراج، ونشر توثيقا للنشاط العدواني الأول في المنطقة. 

وكشف نتنياهو أن هدف توسيع "النشاط العسكري" في القطاع أخيرا، هو السيطرة على "محور موراج" بين رفح وخان يونس، ما يظهر أهمية هذه المنطقة ويزيد التساؤلات عن الهدف من اقتحامها.

وبدوره، أعلن وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس، قبل كلمة نتنياهو بساعات عن توسيع النشاط العسكري في جنوب قطاع غزة.

ويأتي هذا الإعلان بعد 17 شهرا من تركيز الاحتلال على شمال القطاع وتدميره بشكل شبه كامل وفصله عن مدينة غزة، في محاولة لتكرار نفس السيناريو في الجنوب.

وأضاف نتنياهو: "الآن نعزل القطاع، ونزيد الضغط تدريجيا، حتى يُسلمونا أسرانا. وكلما امتنعوا، ازداد الضغط. نحن عازمون على تحقيق أهداف الحرب، ونعمل بلا كلل، بمهمة واضحة".

المحور الخامس

ويعد “موراج”، المحور الخامس الذي تنشئه قوات الاحتلال منذ بداية العدوان على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وكان المحور الأول والأشهر يقع في منطقة نتساريم وسط قطاع غزة، التي تفصل شماله عن جنوبه، وقد اشتهر منذ بداية العدوان بعدما هجر الاحتلال من خلاله السكان إلى الجنوب.

وهذه المنطقة كانت في السابق عبارة عن مستوطنة تحمل اسم نتساريم قبل أن ينسحب الاحتلال عام 2005 من القطاع تحت ضربات المقاومة.

وأقام الاحتلال هذا المحور بعرض 8 كيلومترات وطول 7 كيلومترات ليقطع قطاع غزة بشكل عرضي من الشرق إلى الغرب وطولي من الشمال إلى الجنوب.

وبسبب هذا المحور الذي أصبح بمثابة قاعدة عسكرية، لم يستطع مئات الآلاف من الذين نزحوا إلى جنوب القطاع مع بداية العدوان، العودة إلى منازلهم في الشمال.

وانسحبت قوات الاحتلال من محور نتساريم بعد توقيع صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في يناير/كانون الثاني 2025، لكنها عادت إليه مجددا مع استئناف العدوان في 18 مارس/آذار والتنصل من الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.

أما الثاني فهو محور صلاح الدين أو "فيلادلفيا" عند الحدود المصرية الفلسطينية، الذي تمركزت فيه قوات الاحتلال بعد اقتحام معبر ومدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة في مايو 2024.

ومع اقتحامه تحكمت إسرائيل بكامل المنطقة الحدودية مع مصر وأغلقت المعبر وجرفته لتمنع دخول وخروج الأفراد وتتحكم بالمساعدات الداخلة إلى القطاع.

ورغم المطالبات الدولية بفتح المعبر والخروج من رفح، احتلت إسرائيل أجزاء من المدينة بذريعة تجفيف منابع حماس العسكرية ومنع دخول السلاح عبر الأنفاق الحدودية.

ونفت حماس مرارا وجود أنفاق على الحدود، التي أغرقتها مصر بالكامل خلال عهدي محمد حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي.

ولم تنسحب قوات الاحتلال من هذا المحور خلال الصفقة الأخيرة، واتخذت الوجود فيه ذريعة لعرقلة كل محاولات وقف إطلاق النار السابقة وإتمام صفقة تبادل إسرائيل، منذ الهدنة المؤقتة التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وقبل توقيع الصفقة الأخيرة، أنشأت إسرائيل محورا ثالثا يعرف باسم جباليا أو "مفلاسيم"، ويقسم شمال القطاع عن مدينة غزة، وما تزال موجودة فيه.

ونشرت وسائل إعلام عبرية في 10 نوفمبر 2024، خريطة للقطاع أظهرت عمل الجيش على شق هذا المحور الذي يبدأ من أقصى شرق بلدة جباليا ويصل إلى ساحل البحر المتوسط أقصى غرب بلدة بيت لاهيا.

وجاء إنشاء المحور، بعد أسابيع من الترويج لـ"خطة الجنرالات" التي هدفت آنذاك لتفريغ شمال قطاع غزة من الفلسطينيين، تمهيدا لعودة الاستيطان إليه.

أما المحور الرابع فيحمل اسم "كيسوفيم"، وهو بالأساس معبر قديم يقع شرق قطاع غزة، أعاد الاحتلال فتحه وتأهيله لإدخال المساعدات إلى جنوب القطاع، وفق ما زعم الجيش في 12 نوفمبر.

ونشرت إسرائيل في 8 نوفمبر صورا لعمليات بناء وترميم هندسية في المنطقة قبيل إعادة فتح المعبر الواقع شرق قطاع غزة بين مدينتي دير البلح وخان يونس.

وكان ذلك المعبر بمثابة نقطة مركزية لسكان مستوطنة "غوش قطيف" جنوب القطاع لكنه أغلق منذ انسحاب إسرائيل من غزة. وتقول مصادر محلية: إن الاحتلال يتمركز اليوم في هذه النقطة أيضا.

أهداف وتأثيرات

وكان الرابط بين كل هذه المحاور أنه سبق إنشاؤها، تدمير وتجريف واسع على الأرض مع قصف مكثف بالطيران، ما يشير إلى عزم الاحتلال البقاء طويلا فيها كمقدمة للاحتلال والتهجير والاستيطان.

وقد نفذ جيش الاحتلال عام 2014 عمليات عسكرية كبيرة بين رفح وخان يونس، لكن إنشاء محور موراج الجديد يتجاوز مجرد استهداف المقاومة.

وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت في 5 أبريل 2025: "في الواقع، تشير تصريحات نتنياهو وكاتس إلى الهدف الثانوي للمستوى السياسي في العملية العسكرية المحدودة، إلى جانب الهدف المتعلق بالضغط على حماس: احتلال الأراضي في قطاع غزة والاحتفاظ بها".

فيما أوضحت شبكة سي إن إن الأميركية في اليوم السابق أنه “مع توسع عمليات الجيش الإسرائيلي، يتعهد نتنياهو بزيادة الضغط والاستيلاء على مزيد من الأراضي وتقسيم القطاع إلى أجزاء تفصلها محاور تريد إسرائيل من خلالها سيطرة طويلة الأمد في غزة”.

وخلال نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كشفت وسائل إعلام عبرية من بينها صحيفة هآرتس، عن نية إسرائيل إعادة احتلال قطاع غزة عبر تقسيمه إلى محاور منفصلة عن بعضها بعضا.

وأوضحت هآرتس أن الجيش الإسرائيلي يجهز البنية التحتية ويوسع الطرق ويقيم منشآت كبيرة في غزة، في خطوة تظهر أنه يخطط للبقاء في القطاع حتى نهاية عام 2025 على الأقل.

وإضافة إلى هذه المحاور، وسع جيش الاحتلال سيطرته على بيت لاهيا وبيت حانون ومناطق أخرى في شمال قطاع غزة، ووسع المنطقة العازلة في جميع أنحاء القطاع. 

وفي تسليطه للضوء على عمليات الاحتلال الأخيرة، قال موقع ماكو العبري في الثاني من أبريل 2025، إن “الجيش الإسرائيلي أصبح يحتل نحو 25 بالمئة من مساحة القطاع”.

وبين أن الهدف الرئيس من توسيع العمليات وإنشاء محور موراج هو تطويق وتدمير لواء رفح التابع لحماس.

وأردف: “يتم تنسيق الأنشطة كافة مع قيادة أسرى الحرب والمفقودين وجهاز الأمن العام (الشاباك) حتى لا يتعرضوا للهجوم. الهدف النهائي للعملية كما تم تحديده: إعادة الرهائن”، حيث ما تزال تحتجز حماس نحو 59 أسيرا بين أحياء وجثث.

وتزامن تصعيد العدوان مع إعلان الجيش عن عمليات إخلاء جديدة في العديد من مناطق قطاع غزة، وهو ما يظهر الآثار المدمرة للسكان الذين لم يتوقفوا عن النزوح من منطقة إلى أخرى منذ بداية العدوان.

وقال موقع ماكو نقلا عن مسؤول عسكري كبير: “نقل الجيش السكان من رفح وشمال قطاع غزة إلى المواصي (في خان يونس)، وستكون هناك عمليات إخلاء إضافية. نرى أهمية كبيرة في مفاجأة العدو".

ونقل موقع واللا العبري، عن تقديرات في المؤسسة الأمنية، أن السيطرة على محور موراج ستزيد بشكل كبير من الضغوط على قيادة حماس، وتزيد من احتمالية الاضطرابات ضدها في ظل إغلاق المعابر الحدودية ومنع المساعدات الإنسانية. 

وبحسب التقديرات فإن السيطرة على محور موراج ستسمح بفصل رفح عن باقي القطاع، وخلق عزلة للمدينة عن نقل الأسلحة والذخيرة والمقاتلين، والوصول إلى مستودعات الأغذية والمعدات الكبيرة التي تتركز في غزة، وفق ما قال الموقع في 5 أبريل.

وفي اليوم التالي لإعلان نتنياهو، قالت الحكومة الفلسطينية في رام الله: إن “سيطرة الاحتلال على ما كان يُعرف بمحور موراج، والفصل بين مدينتي رفح وخان يونس، يعكس مخططاً إجراميا لترسيخ الاحتلال وتقسيم القطاع، في تحد صارخ للقانون الدولي”.

وصرح بعض الوزراء الإسرائيليين أكثر من مرة بأن السيطرة العسكرية على غزة يجب أن تمهد الطريق لاستئناف الاستيطان اليهودي، على الرغم من أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ينفي ذلك في الوقت الحالي، على عكس ما تظهر المعطيات الميدانية وصور الأقمار الصناعية.

وقال وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش: إن القوات الإسرائيلية يجب أن تحتل غزة و"تشجع" حوالي نصف المدنيين الفلسطينيين على مغادرة المنطقة في غضون عامين، وهو طرح يوافقه فيه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.