حكومة أخنوش تنفق 134 مليون دولار على الصحافة الخاصة بالمغرب.. من المستفيد؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

ترتفع أصوات منتقدي حكومة عزيز أخنوش في المغرب، بسبب تحكمها في قطاع الصحافة والنشر عبر الدعم العمومي، متهمين إياها باستغلاله للدعاية لها وأيضا لتصفية المنافسين.

ودعا مراقبون وخبراء إلى الكشف عن المستفيدين من الدعم المخصص للصحافة والنشر، والذي جاء بعد "جائحة كورونا" لحماية القطاع من الإفلاس والحفاظ على مناصب الشغل، وفق ما تقول الحكومة.

نشر اللائحة

وذكر الصحفي ومدير نشر موقع "لكم" المغربي، علي أنوزلا، أن "الرأي العام يجب أن يعرف كيف صرفت وزارة الاتصال طيلة السنوات الخمس الماضية منذ 2020 أزيد من 1348,9 مليون درهم (134 مليون دولار) دون احتساب الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، من أموال دافعي الضرائب على مقاولات صحفية تُصنف نفسها خاصة ومستقلة".

وأردف أنوزلا في مقال نشره موقع "بديل" المحلي في 24 مارس/آذار 2025، أن وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد ذكر أن “الدعم يهدف إلى تغطية أجور منتسبي المقاولات الصحفية، من صحفيين وتقنيين وموظفين ومساعدين، بما في ذلك الضريبة على الدخل وواجبات التأمين الصحي، وتكاليف الطباعة والنشر بالنسبة للصحافة الورقية”.

وأوضح أن "هذه المقاولات المستفيدة من الدعم تشمل 125 مقاولة تكفلت الدولة طيلة السنوات الخمس الماضية بتغطية جميع مصاريف موظفيها، و211 مقاولة استفادت من دعم جزافي (مبلغ محدد في حده الأدنى)”.

وشدد أنوزلا على أن "من حق دافع الضرائب المغربي أن يعرف تفاصيل صرف ماله العام، ومن واجب الوزارة الوصية نشر لائحة مفصلة بأسماء المقاولات الصحفية المستفيدة وبأسماء وأجور الذين تقاضوا أجورهم طيلة السنوات الخمس الماضية مباشرة من المال العام، وهم ليسوا موظفين داخل مؤسسات الدولة".

وأضاف: “للتذكير، فقد دأبت الوزارة الوصية إبان حكومة سعد الدين العثماني، أي قبل عام 2021، على نشر لوائح بأسماء المؤسسات المستفيدة من الدعم العمومي في صيغته السابقة سنويا، فلماذا ترفض اليوم الكشف عما صرفته من مال عام لدعم الصحافة خلال السنوات الخمس الماضية؟”

وأشار إلى أن "من بين المقاولات الصحفية المستفيدة من الدعم، مؤسسات حزبية وشبه عمومية، وأخرى خاصة مملوكة لأشخاص ذاتيين، ولأشخاص نافذين داخل الدولة".

وتابع: "وضمنها مقاولات تشارك في رأسمالها مؤسسات بنكية وشركات خاصة ومستثمرين أجانب، ومن بينها من تحظى بدعم غير معلوم من أجهزة معلومة وغير معلومة، وكلها ـ بدون استثناء ـ ذات هدف ربحي، وبعضها تحقق أرباحا سنوية صافية خيالية".

تطويع للمشهد

وأكدت القيادية النقابية والسياسية، حليمة الشويكة، أن "الدعم العمومي للصحافة، جاء في سياق سياسي سمته الأساسية هو تراجع حرية الصحافة".

وأضافت الشويكة لـ"الاستقلال" أنه "دعم ينسجم مع هذا السياق السياسي الذي يسعى من خلاله المتحكمون في المشهد إلى تطويع الصحافة وتنميطها وضرب استقلاليتها".

ورأت أن هذا الدعم "استثنائي" وغريب، سواء من حيث السخاء الذي تميز به تجاه منابر إعلامية محددة ومحدودة (حيث بلغ 1,3 مليار درهم/ نحو 13 مليون دولار)، وهو كذلك "استثنائي" وغريب من حيث المنهجية اللاتشاركية المعتمدة في صرفه.

واسترسلت: "أيضا من حيث الشروط المجحفة واللاقانونية التي كانت سببا في موجة من الانتقادات الصادرة عن عدد من الهيئات المعنية، على تقدير أنها شروط تخالف منطوق المادة 7 من قانون الصحافة التي تنص على تكافؤ الفرص والشفافية والحياد".

وأردفت الشويكة: "الحال أن شروط هذا الدعم، عوض أن تأتي منسجمة مع جوهر العمل الصحفي وتعتمد معيار نسبة القراءة.. اعتمدت معايير أخرى كعدد البطائق المهنية ورقم المعاملات السنوي".

ولفتت إلى أن "ذلك نتج عنه إقصاء للمقاولات الصحفية الصغرى والجهوية والإلكترونية، والتي يقدرها المختصون بنسبة 95 بالمئة من الناشرين، ويحظى أغلبها بنسبة قراءة أعلى ممن توافرت فيهم شروط الدعم، وكأنها شروط فصلت تفصيلا لصالح منابر وصحافة موالية للحكومة".

وقالت القيادية النقابية: إن "الخطير في الأمر، أن هذا الدعم يعزز التحكم في المشهد الإعلامي ويكرس المحسوبية، ويحول الدعم إلى آلية للأداء مقابل تنميط الخط التحريري للصحف المدعومة، بحيث لا تقوم بالدور المنوط بالصحافة".

واستذكرت أن "دور الصحافة وهو البحث عن الحقيقة وكشفها للرأي العام، وانتقاد السياسات الحكومية التي أوصلت البلاد إلى أزمة اقتصادية واجتماعية نتيجة الارتفاع الصاروخي في الأسعار بسبب المضاربين والمحتكرين والمستفيدين من الدعم العمومي دون أن ينعكس ذلك على انخفاض الأسعار".

وأوضحت الشويكة أن "خير دليل على ذلك الدعم الذي استفاد منه 18 مستورد للحوم ورؤوس الأغنام والذي بلغ 13 مليار درهم (1.3 مليون دولار)، دون أن يحدث هذا الأمر ضجة إعلامية كبرى".

وخلصت الشويكة إلى أنه "يبدو جليا أن اعتماد هذه الشروط الإقصائية لصرف الدعم العمومي للصحافة، غايته هي التحكم في المشهد الإعلامي وإقصاء الصحافة النزيهة والجادة من أجل التغطية على السياسات الحكومية اللاشعبية".

موقف الحكومة

وخلال اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بالبرلمان في 7 يناير/كانون الثاني 2025، قال وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد: "إن الوضع الحالي للصحافة المغربية عادي جدا وهناك تركيبة عادية؛ ضمنها صحافة تؤازر منجزات البلد"، وفق تعبيره.

وأفاد بنسعيد بأن "الحكومة لا تربط الدعم بنقد السلطة التنفيذية من طرف الصحف"، مبرزا أن "جميع الحكومات في العالم تدعم الصحافة وجميع الصحافات تنتقد هذه الحكومات؛ لكن علينا ألا نغفل النقاش حين يتعلق الأمر بالسب والشتم".

وأورد أن "الدعم الاستثنائي للصحافة جاء في ظرفية خاصة مرتبطة بتفشي فيروس كوفيد19، فقررت الدولة تحمّل الأجور، ورصدت خلال عام 2021 مبلغ 161 مليون درهم (16.1 مليون دولار) لهذه العملية التي تتحمل أيضا الضريبة على الدخل وواجبات التأمين الصحي، ثم ارتفع إلى 167 مليون درهم (16.7 مليون دولار) في 2022، ثم 314 مليون درهم (31.4 مليون دولار) خلال 2023، ثم 325 مليون درهم (32.5 مليون دولار) عام 2024".

وأشار إلى “دعم استثنائي تم توجيهه إلى الصحف التابعة للأحزاب بقيمة مليون و400 ألف درهم (140 ألف دولار) في المجموع، مضيفا أن ”تغطية تكاليف الطباعة كلفت 15 مليون درهم (1.5 مليون دولار) في 2020 و25 مليون درهم (2.5 مليون دولار)  بالنسبة للتوزيع".

ودأبت "الفيدرالية المغربية لناشري الصحف" (هيئة تمثل الناشرين)، على انتقاد إجراءات الحكومة وسعيها إلى التحكم في مفاصل القطاع، وذلك في بلاغات مستمرة منذ 2021.

وقالت عبر بيان نشر في 4 فبراير/شباط 2025، إنها ترفض انفراد الوزارة والحكومة بصياغة القرارات التي تهم القطاع، دون أي تشاور حقيقي وجدي مع المنظمات المهنية المعنية.

وذكرت أن “مرسوم الدعم الحكومي وضع شروطا تعجيزية وغريبة لدعم مطابع الصحف، ما أدى إلى إقصاء معظم هذه المطابع الموجودة من الحق في الحصول أصلا على الدعم، علاوة على التراجع في تمثيلية الناشرين في لجنة الدعم، وفرض العمل برأي واحد داخل هذه اللجنة”.

ولفتت الفيدرالية إلى أن “الدعم العمومي تحول إلى التركيز على شرط رقم المعاملات مع تحديد مبلغه، مما يعني أنه دعم مخصص للرأسمال الصحفي، وفي هذا مس بالصورة الديمقراطية والحقوقية لبلادنا”.

وأردفت “فضلا أنه فتح الباب لإقصاء معظم المقاولات الصحفية الصغرى والمتوسطة والصحافة الجهوية، ومن ثم القضاء على تعددية وتنوع المشهد الإعلامي الوطني”.

وقالت الفيدرالية: إن "غياب الواقعية في قرارات الحكومة ذات الصلة بالدعم العمومي، يتجلى في كونها ستؤدي عمليا، إلى إسكات أصوات إعلامية وطنية أساسية والقضاء عليها، وهو ما يجعلنا أمام عمى سياسي كبير".

ودعت إلى "تطوير التشريعات والقوانين وتكريس حرية الصحافة وضخ نفس ديمقراطي وحقوقي عام في المهنة وحواليها، والبحث في واقع التكوين والتكوين المستمر وإيجاد المداخل المناسبة لكسب هذا التحدي".

تراجع صارخ

انتقدت النائبة البرلمانية فاطمة الزهراء باتا، المعايير التي تضعها الحكومة للمقاولات الإعلامية للاستفادة من الدعم من المال العام.

وقالت باتا لـ"الاستقلال"، إن “هذه المعايير مجحفة وستؤدي إلى إقصاء حوالي 95 بالمئة من المقاولات الصحفية في المغرب”.

وأوضحت أن ربط الدعم بتحقيق رقم معاملات سنوي يصل إلى 2 مليون درهم (200 ألف دولار) يُعد "تراجعا صارخا عن المكتسبات، لكونه يفتقر إلى مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص والحياد المنصوص عليها في المادة 7 من قانون الصحافة".

وأشارت باتا إلى أن هذا القرار "يخالف القانون وينتهك الأهداف المرسومة للدعم العمومي، والمتمثلة في تعزيز التعددية، وتنمية القراءة، ودعم الموارد البشرية".

وأبرزت أن “الدعم ذو طابع إقصائي، وسيسمح لأربع مقاولات فقط بالاستحواذ على حصة الأسد من قيمة الدعم”.

وتساءلت باتا إن كانت الحكومة الحالية “ستتحلى بالشجاعة والشفافية اللازمتين لنشر لوائح المستفيدين من الدعم”، مذكرة بأن الحكومات السابقة قامت بنشر اللوائح ليطلع عليها العموم.

وخلصت إلى أن هذا الوضع "لا يخدم الصحافة بأي شكل من الأشكال، ولا يؤدي سوى إلى إضعاف دورها في المجتمع".

بدوره، قال الناشط السياسي فؤاد السعدي، إنه “في الوقت الذي كان من المفترض فيه أن تمثل الصحافة بالمغرب أداة للتحقيق في الفساد وكشف الحقائق، باتت اليوم ساحة مفتوحة أمام فئة من المستفيدين من الدعم العمومي”.

وذكر السعدي في مقال رأي نشره موقع "المستقبل" المحلي، في 24 مارس 2025، أن “عددا من المستفيدين من هذا الدعم، حولوا الصحافة إلى منصة للفضائح والتفاهة والانحطاط، ونشر أبشع أنواع الأخبار، التي تخرب وعي المجتمع”.

واسترسل: "الغريب في الأمر أنهم لم يكتفوا بتشويه صورة الصحافة، بل أصبحوا يروجون لأنفسهم كحماة لأخلاقيات المهنة والدفاع عن الشرف الإعلامي، بينما هم أنفسهم غارقون في أفعالهم التي تسيء إلى هذه الصحافة وتبتذلها".

وأردف: "في الوقت الذي كان فيه من المفترض أن يُستغل الدعم العمومي لتحفيز الصحافة الجادة والمهنية، نجد أن هؤلاء قد اختطفوا هذه الأموال ليستخدموها في تعميق فجوة الفوضى الإعلامية".

وانتقد السعدي “هيمنة هؤلاء على المشهد الإعلامي، وتمرير أجندات شخصية على حساب الصالح العام، ومنع الصحافة من أن تكون منبرا للحقيقة والمساءلة”. 

وقال: إن "الجهات الوصية تقف متفرجة، تاركة الصحافة رهينة لأهواء ثلة من الانتهازيين، ممن لا يعرفون عن المهنة سوى كيف يستنزفون المال العام تحت غطاء الدعم العمومي، وكأنهم موظفون رسميون في قطاع خاص جدا: قطاع الارتزاق الإعلامي".

وتساءل السعدي "عمن سيتحمل مسؤولية الخراب الذي ألحقه هؤلاء بمهنة الصحافة"، مشددا على أنه لن تكون هناك الصحافة حرة أو نزيهة إلا عندما يتوقف هؤلاء عن التلاعب بالأموال العامة.

استهداف مقصود

ومنذ تشكيل حكومة رجل الأعمال عزيز أخنوش، انتقد مراقبون منهجية تعاملها مع قطاع الإعلام، ومحاولة التحكم في مفاصله، عبر وسائل متعددة.

وصادق مجلس الحكومة في 12 أبريل/نيسان 2023 على مشروع قانون، يتعلق بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير المجلس الوطني للصحافة (مؤسسة للتنظيم الذاتي لمهنة الصحافة)، وذلك بعد تعذر إجراء انتخابات لتجديد المجلس، وسط انتقادات حادة من أطراف سياسية ومهنية.

وطالب حزب العدالة والتنمية المعارض، الحكومة بالتراجع الفوري عن مشروع القانون، معبرا عن رفضه الكلي له.

وجاء في بيان للأمانة العامة للحزب أن الحل القانوني السليم هو تكليف اللجنة التي ينص عليها القانون الحالي للمجلس، والتي يرأسها قاضٍ، بالإشراف على تنظيم انتخابات لاختيار أعضاء جدد للمجلس.

ورأى أن مشروع القانون يشكل "خطوة تراجعية جديدة، تطعن في الصميم المكتسبات الديمقراطية".

من جهة أخرى، أكد فريق التقدم والاشتراكية (معارضة) بالبرلمان، أن المجلس الوطني للصحافة "يعيش أزمة قانونية غير مسبوقة، بعد انتهاء فترة التمديد لولايته في أبريل 2023".

فيما أكدت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، والجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال (نقابة للصحافيين تابعة للاتحاد المغربي للشغل)، قد استنكرتا في بيان مشترك ما وصفتاه بـ"محاولة السطو على مؤسسة للتنظيم الذاتي".

ورأت أن مشروع القانون “غير دستوري، ومسيئ لصورة المملكة الحقوقية، وتراجع خطير عن استقلالية الصحافة في البلاد، من خلال تدخل الجهاز التنفيذي في التنظيم الذاتي للمهنة”.

ويتابع الشارع المغربي الجدل الذي خلقه المجلس الوطني للصحافة، والذي يرأسه اليساري السابق يونس مجاهد، إثر عدم تجديد بطاقة الصحفي حميد مهداوي، المعروف بنشاطه الإعلامي المنتقد للحكومة ولرئيسها أخنوش.

وقال المهداوي: إن “المجلس يحرمه من حقه في البطاقة المهنية، وذلك تمهيدا لمنعه من العمل الصحفي تحت مبرر عدم توافره على البطاقة”.