تضارب في الأرقام يثير تساؤلات.. لماذا رفعت السعودية ميزانية الدفاع؟
“إستراتيجية السعودية للتوطين تعتمد على نهج مزدوج”
أقرت السعودية ميزانية الدولة لعام 2025، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وتوقعت إيرادات بقيمة 315.7 مليار دولار وإنفاقا بقيمة 342.1 مليار دولار، ما يعني وجود عجز قدره 26.4 مليار دولار.
وحصل قطاع الدفاع على أكبر حصة، بتخصيص 72.5 مليار دولار، مما يعكس زيادة بنسبة 5 بالمئة مقارنة بتقديرات عام 2024.
وتأتي هذه الأرقام في وقت تتخذ فيه المملكة خطوات في سعيها لتوطين الإنتاج الدفاعي، مما زاد من معدل توطين الإنفاق العسكري من 4 بالمئة عام 2018 إلى 19.35 بالمئة بحلول نهاية عام 2023.
وأُعلن عن هذا التطور في 21 نوفمبر 2024، خلال "منتدى المحتوى المحلي" في الرياض، على لسان محافظ "الهيئة العامة للصناعات العسكرية" (GAMI)، أحمد بن عبد العزيز العوهلي، الذي أكد هذا النمو.
تحولات جيوسياسية
وأشار موقع "المونيتور" الأميركي، إلى أن "الهيئة لعبت دورا محوريا في تنظيم وتحفيز القطاع من خلال سياسات وتشريعات جديدة، مما عزز القدرة التنافسية للمنتجات المحلية".
وأشار العوهلي إلى ارتفاع عدد الكيانات المرخصة في قطاع الصناعات العسكرية ليصل إلى 296 كيانا بحلول الربع الثالث من عام 2024.
وأى "المونيتور" أن "توطين صناعة الدفاع أصبح حجر الزاوية الإستراتيجي لأجندة الإصلاح الاقتصادي في السعودية".
وأوضح أنه "بصفتها أكبر دولة منفقة على الدفاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخامسة على مستوى العالم، فإن المملكة مدفوعة بالتحولات الجيوسياسية لتحقيق قدر أكبر من الاعتماد على ذاتها في التصنيع العسكري".
وأشار الموقع إلى أن "السعودية، في هذا السياق، تستفيد من التعاون الأمني والدفاعي مع شركائها".
وقال إن "الوصول إلى توطين يقارب 20 بالمئة بحلول نهاية عام 2023 يشكل نقطة تحول لافتة في مسار قطاع الدفاع السعودي الناشئ، الذي بدأت ملامحه الأولى تتشكل في أوائل السبعينيات".
وتابع: "في البداية، ركز القطاع على تجميع وإصلاح الأسلحة المصنعة في الخارج، وقد حقق خطوات ملحوظة نحو الاعتماد على الذات في السنوات الأخيرة".
وتنسجم هذه التطورات -وفق الموقع- مع رؤية السعودية 2030، التي تمثل خارطة طريق إستراتيجية للمملكة نحو تقليل الاعتماد على واردات الأسلحة بنسبة لا تقل عن 50 بالمئة، وبناء صناعة دفاعية مستقلة.
وأوضح أن "إستراتيجية السعودية للتوطين تعتمد على نهج مزدوج يجمع بين اقتناء المعدات العسكرية المتقدمة من أبرز الشركات العالمية، وبناء قاعدة صناعية محلية تقلل الاعتماد طويل الأمد على المصادر الخارجية".
وتجسد "الشركة السعودية للصناعات العسكرية" (SAMI)، التي تأسست عام 2017، هذا الطموح، حيث برزت سريعا في قطاع الدفاع السعودي مع تزايد حضورها في الأسواق العالمية".
أرقام متضاربة
وقال الموقع الأميركي: "رغم أن أرقام (الهيئة العامة للصناعات العسكرية) تعكس صورة إيجابية، إلا أن من المهم الإشارة إلى وجود تفاوت ملحوظ في معدلات التوطين المعلنة من جهات سعودية أخرى".
فعلى سبيل المثال، صرّح الرئيس التنفيذي السابق للشركة، وليد أبو خالد، في نوفمبر 2023، بأن السعودية وطّنت ما يقارب 14 بالمئة من الإنتاج الدفاعي خلال ذلك العام.
في المقابل، حدد التقرير السنوي لـ"رؤية 2030"، لعام 2023 معدل التوطين عند نسبة أقل بلغت 10.4 بالمئة من إجمالي الإنفاق الدفاعي.
وحول هذا التضارب، قال محلل أبحاث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، ألبرت فيدال، إن "هذه التباينات تعكس فجوة ملحوظة وديناميكيات أعمق، إذ يبدو أن الجهات السعودية المختلفة تعتمد أساليب متباينة لقياس معدلات التوطين".
وتجسّد الشراكة بين الشركة السعودية وعملاق أنظمة الصواريخ الأوروبي (MBDA) لإنتاج صاروخ الدفاع الجوي المعياري المشترك -الذي عُرض في معرض الدفاع العالمي 2022- أحد أبرز الأمثلة على هذه الإشكالية.
إذ أعلنت الشركة أن 60 بالمئة من إنتاج النظام سيُوطّن، لكنها لم تقدم تفاصيل كافية حول المكونات الفرعية التي صُنعت محليا.
هذا الغموض -بحسب وصف المونيتور- يثير تساؤلات حول دقة هذه الأرقام.
وقال فيدال: "إذا اعتمدت المملكة أساليب محاسبية أكثر تساهلا، فقد تحقق نسبة توطين تصل إلى 50 بالمئة، لكن تبقى دقة هذه الأساليب محل شك".
وأوضح الموقع أنه "رغم أن الزيادة السنوية قد لا تبدو كبيرة بما يكفي لضمان تحقيق المملكة هدفها في الوقت المحدد، فإن الرياض تظل واثقة في إمكانية النمو المستقبلي".
وأردف: "من المتوقع أن تسهم السياسات والاستثمارات والمشاريع المشتركة وخطوط الإنتاج في تحقيق نمو متناسب في السنوات القادمة".
وفي هذا السياق، رفعت المملكة إنفاقها الدفاعي بشكل ملحوظ، حيث خصصت نحو 70 مليار دولار لعام 2023، بما في ذلك مشروعات التوطين، بزيادة قدرها 50 بالمئة عن العام السابق.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت "الهيئة العامة للصناعات العسكرية" قسم "استثمر في السعودية" على موقعها الرسمي، بهدف توجيه الشركات الدولية إلى مجالات الفرص المتاحة.
وأشار فيدال إلى أن الهيئة حددت "أكثر من 70 فرصة في سلسلة الإمداد"، بقيمة تصل إلى 64 مليار دولار على مدار العقد القادم.
التعاون مع آسيا
وبحسب الموقع، فلطالما أولت السعودية أهمية كبيرة للتعاون في صناعة الدفاع مع الموردين الغربيين مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، مع التركيز على التكامل وقابلية التشغيل المشترك.
واستطرد "إلا أن التوترات الأخيرة حول قضايا مثل إنتاج النفط وحرب أوكرانيا دفعت الرياض إلى توسيع شراكاتها الأمنية".
وأصبح تركيزها الحالي -بحسب الموقع- على تعزيز التعاون مع الدول الآسيوية، لا سيما كوريا الجنوبية وتركيا، من أجل توطين الإنتاج، في الوقت نفسه الذي تعمق فيه علاقاتها مع الصين.
وفي قطاع الطيران، ركزت السعودية على مجالات مثل صيانة وإصلاح وتجديد الطائرات، وتصنيع الطائرات المسيّرة.
وبعد تشغيلها للطائرات الصينية المسيّرة لأكثر من عقد من الزمن، بدأت الرياض في التحول نحو التصميم والإنتاج المحلي لأنواع مختلفة من الطائرات المسيّرة، وتجد هذه المبادرات دعما من خلال التعاون مع شركات عالمية واستثمارات محلية.
وأشار "المونيتور" إلى أنه "بفضل تجربتها الناجحة في تطوير قطاع دفاعي محلي، أصبحت تركيا نموذجا يُحتذى به بالنسبة للسعودية".
وفي يوليو/تموز 2024، وقعت الرياض عقدا دفاعيا تاريخيا مع شركة "بايكار" التركية، حصلت بموجبه على عدد غير مُعلن من الطائرات المسيّرة "بيرقيدار آقنجي"، في أكبر صفقة تصدير دفاعية لتركيا على الإطلاق.
ويشمل الاتفاق شراكة بين "الشركة السعودية للصناعات العسكرية" و"بايكار" إنشاء قدرات تصنيعية وتطوير أنظمة الطائرات المسيّرة داخل السعودية.
وبحلول عام 2026، من المتوقع أن يُصنّع أكثر من 70 بالمئة من إنتاج "آقنجي"، التابع لـ"الشركة السعودية للصناعات العسكرية" محليا، رغم أن بعض المكونات الأساسية ستظل مستوردة من الخارج.
وأرسلت "الشركة السعودية للصناعات العسكرية" 300 موظف سعودي إلى شركة "بايكار"؛ لدعم هذا الجهد وتطوير خبراتهم الفنية.
وألمح الموقع الأميركي إلى أن السعودية تسعى أيضا لتوسيع قدراتها في مجال الطائرات المقاتلة المتقدمة.
ففي عام 2023، أبدت الرياض اهتماما كبيرا في برنامج القتال الجوي العالمي (GCAP)، وهو مبادرة مشتركة بين المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان لتطوير طائرة مقاتلة من الجيل السادس.
وفي فبراير/شباط 2024، قال العوهلي إن المملكة "مهتمة للغاية" بالانضمام إلى هذا البرنامج، مع رؤية للمساهمة في مجالات التصنيع والتطوير والتكنولوجيا ورأس المال البشري.
وأخيرا، قال وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، إن "الاتفاقية التي وُقعت مع المملكة المتحدة واليابان بشأن الطائرات المقاتلة ستتوسع لتشمل دولا أخرى، منها السعودية على الأرجح".
إلا أن أي عضو جديد يتطلب توافقا من جميع الشركاء الثلاثة -لندن وطوكيو وروما-، في ظل تقارير تفيد بأن اليابان قد أعربت عن معارضتها لمشاركة السعودية في هذا البرنامج.
بدورها، قالت مراسلة موقع "ديفينس نيوز" في أوروبا، إليزابيث جوسلين مالو: "لا يمكن للسعودية الانضمام إلى برنامج القتال الجوي العالمي كشريك مالي فقط".
وأضافت: "لم تحدد الرياض بعد بشكل كامل حجم مساهمتها المحتملة في ترتيبات تقاسم العمل في المجال، ولن تُنفذ أي صفقة دون تحقيق مستوى كبير من التوطين داخل المملكة".