أنس البلتاجي نموذجا.. هكذا يواصل نظام السيسي التنكيل بعائلات معارضيه

داود علي | منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

منذ توليه السلطة عام 2014، أشرف الدكتاتور العسكري رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي على توسع هائل للدولة الأمنية.

ومارس مستوى من القمع بحق معارضيه لم يقم أسلافه من الجنرالات بالإقدام عليه رغم انتهاكاتهم الواسعة.

قد لا يزال السيسي أحد أكثر حكام مصر ارتكابا للانتهاكات مثل القتل الجماعي والقتل خارج إطار القانون، والتوسع في أحكام الإعدام على خلفيات سياسية وغيرها.

لكن يبدو أن للجنرال خاصية استثنائية في التعامل مع خصومه، حيث لم يكتف بالتنكيل بهم فحسب، بل نكل بعوائلهم، بما في ذلك الأبناء ذكورا وإناثا، والزوجات والشقيقات أيضا. 

ظهر ذلك في عائلات بعينها أشهرهم عائلة الدكتور محمد البلتاجي (البرلماني السابق والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين)، وخيرت الشاطر (نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين)، ومن قبلهم الرئيس المصري الراحل المنتخب الدكتور محمد مرسي.

عائلة البلتاجي

وفي أحدث صور هذه السياسة الإجرامية، نشرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 تقريرا عن أنس البلتاجي، نجل محمد البلتاجي، الذي يواجه حكما بالإعدام في سجون السيسي. 

وقالت المنظمة: لقد احتجز أنس ظلما لما يقرب من 11 عاما، وعوقب فقط بسبب الروابط العائلية.

خاصة أن والده من رموز ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وأحد قادة المعارضة الذين ناهضوا الحكم العسكري منذ البداية، ووقفوا بقوة ضد الانقلاب العسكري.

وأضافت المنظمة الحقوقية أنه منذ اعتقاله في ديسمبر/ كانون الأول 2013، ارتكبت السلطات المصرية انتهاكات جسيمة ضده، بما في ذلك الاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة.

وفي يونيو/ حزيران 2024، انضم أنس إلى إضراب عن الطعام في السجن احتجاجا على هذه المظالم. وردا على ذلك، وضع في الحبس الانفرادي لمدة ثلاثة أشهر.

وعقبت المنظمة الحقوقية، أن هذه المعاملة القاسية أدت إلى تدمير صحته الجسدية والعقلية، خاصة أن السلطات تحرمه من زيارات عائلته ومحاميه، مما يزيد من عزلته.

وفي 24 ديسمبر  2013، اعتقلت قوات الأمن أنس البالغ من العمر (آنذاك) 20 عاما أثناء زيارة مع والدته لمجمع سجون طرة؛ حيث كان والده محمد البلتاجي محتجزا، وقتها تعرض أنس ووالدته (زوجة الدكتور البلتاجي) للضرب على أيدي قوات الأمن واستجوبتهما.

ورغم الإفراج المؤقت عنه بكفالة بعد 20 ساعة، ألقي القبض على أنس مرة أخرى في 31 ديسمبر 2013 في منزل أحد أصدقائه في القاهرة.

وفي قسم شرطة مدينة نصر 1، رفضت الشرطة الاعتراف باحتجازه، وأخفته قسرا لمدة شهر. 

وخلال هذه الفترة، تعرض للتعذيب، وحبس في قفص حديدي "غير صالح للبشر"، وتعرض لانتهاكات أخرى. 

ثم نقل بعد ذلك إلى سجن أبو زعبل، حيث عانى من الحبس الانفرادي ونام على أرضية خرسانية عارية.

وبعد نقله إلى مجمع سجون طرة ثم سجن بدر، تعرض أنس لانتهاكات مستمرة. ففي سجن بدر، احتُجز في الحبس الانفرادي في زنزانة شديدة البرودة مع إضاءة المصابيح الفلورية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. 

وحرم من ممارسة الرياضة في الهواء الطلق، والاتصال بالسجناء الآخرين، والحصول على الطعام الكافي، أو الملابس، أو الأدوية.

وفي يونيو 2014، نقل إلى "زنزانة تأديبية" بسجن العاشر من رمضان كعقاب على احتجاجه على ظروف احتجازه. 

تفتقر هذه الزنازين إلى التهوية والضوء الطبيعي والضروريات الأساسية، وغالبا ما يحرم السجناء من الطعام والماء الكافيين، وبعد ثلاثة أشهر، أعيد إلى الحبس الانفرادي، حيث لا يزال العزل والحرمان مستمرين.

الابن والابنة

وخلال جلسات تجديد الحبس الاحتياطي عن بعد التي عقدت منذ عام 2022، اشتكى أنس من تدهور صحته والأثر النفسي الناجم عن سجنه. 

وتجاهل القضاة شكاواه، وكثيرا ما عانت الجلسات من مشكلات فنية، مما حال دون تمثيل قانوني ذي مغزى. 

وأبلغ محاموه عن حالات لم يظهر فيها أنس أمام الكاميرات، مما أثار مخاوف بشأن مكان وجوده.

ويعكس استهداف أنس الاضطهاد الأوسع الذي تتعرض له أسرة الدكتور محمد البلتاجي عموما، فقد قتلت قوات الأمن ابنته أسماء أثناء اعتصام رابعة العدوية في أغسطس 2013.

ولم تتم محاسبة أي مسؤول عن فض الاعتصام بالعنف، ولا تزال عائلته تواجه مضايقات ممنهجة، مما أجبر البعض على الفرار من مصر مثل زوجته وابنه الأكبر. 

عائلة مرسي 

دفع الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، بصفته أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث، الثمن الأكبر لانقلاب الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي على الشرعية يوم 3 يوليو 2013.

ومع ذلك لم تسلم عائلته من انتقام السيسي، الذي نكل بهم عن آخرهم، وتجلت ملحمة صمود العائلة يوم رحيل الرئيس الأب في 17 يونيو/ حزيران 2019، والذي غدا رمزا للنضال والثبات.

 ثم رحيل الابن الأصغر عبد الله بعده بـ 80 يوما فقط، يوم 4 سبتمبر/ أيلول 2019، لتلخص وفاته قصة الاضطهاد والحصار والتنكيل الذي تعرضت ومازالت تتعرض له عائلة الرئيس الشهيد محمد مرسي.

وقبل أيام من وفاة عبد الله مرسي، النجل الأصغر للرئيس الراحل، أعلن مصدر قضائي مسؤول بنادي القضاة، لموقع "القاهرة 24"، أن النادي سيلاحق ورثة الرئيس مرسي.

مطالبا إياهم بسداد غرامة قدرها مليون جنيه (نحو 60 ألف دولار) تعويضا للقاضي علي محمد النمر، في القضية المعروفة إعلاميا بـ"إهانة القضاء".

وكان عبد الله البداية الابن الصغير للرئيس، من أكثر عناصر الأسرة تعاملا مع الإعلام، وهو ما عرضه للملاحقات المستمرة، والتشويه المتعمد.

ففي 1 مارس/ آذار 2014، تم اعتقاله لمدة عام، بدعوى تورطه في قضية "تعاطي مخدرات" مع أحد زملائه، بعد ضبطهما داخل سيارة كانا يستقلانها بضاحية العبور في محافظة القليوبية.

قضية "تعاطي مخدرات" عدها حقوقيون "مفبركة"، خصوصا أنه تم وقتها إخلاء سبيل عبد الله وزميله في اليوم التالي.

لكن السلطات أعادت اعتقال نجل مرسي بعد إخلاء سبيله أثناء سفره على متن أحد القطارات المُتجهة إلى صعيد مصر، بذريعة أنه يحاول الهرب من العدالة، في محاولة من السلطة الحاكمة لتشويه سمعة عائلة الرئيس.

أما أسامة نجل الرئيس الراحل، فقد اعتقل في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2016، من داخل منزله بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية.

وذلك عقب دعوته الأمم المتحدة إلى الالتفات لملف انتهاك حقوق والده داخل محبسه، وذلك تحت مزاعم اتهامه بـِ"ممارسة العنف ضد قوات الأمن خلال فضّ اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.

النيل من السمعة والتشويه المتعمد، لم يكن آخر فصول النظام في التضييق على أسرة الرئيس الراحل، حيث أقام أحد المحامين المقربين من النظام دعوى أمام  محكمة القضاء الإداري تطالب بإسقاط الجنسية عن الشيماء ابنة مرسي لتجنسها بالجنسية الأميركية، دون الحصول على إذن السلطات المصرية".

السيدة "نجلاء علي محمود" زوجة الرئيس، أخذت نصيبها من تنكيل نظام السيسي، من خلال وسائل الإعلام، وكانت البداية من الصحفي المثير للجدل المحسوب على السلطة مصطفى بكري، الذي أصدر في 31 مارس 2014، كتاب "مرسي في القصر.. نوادر وحكايات" عن الدّار المصرية اللبنانية، ويقع الكتاب في 255 صفحة.

حيث زعم بكري أنَّ السيدة نجلاء: "حطَّمت بلاط حمامات قصر السلام المستورد، واستبدلته بسيراميكا، كما رفضت أثاث القصر واستبدلته بموبيليا دمياطية وأجلت السكن فيه إلى ما بعد 30 يونيو 2013".

وكان الرئيس الراحل قد ذكر في لقاء خاص مع الإعلامي عمرو الليثي، عندما سُئِل عن عدم إقامة أسرته في القصر الرئاسي، وتفضيله لبيته المستأجر.

ليرد أن "هذا أمر طبيعي، فلا يوجد رئيس سيظل رئيسا، فأنا في بيتي، والقصر بمثابة المكتب لإدارة شؤون الدولة، لكن بيتي أقيم فيه مع آخرين (مستأجرون)، لأقابلهم وأصلي معهم وأزورهم، وأولادي يتنقلون ويتعاملون معهم".

عائلة الشاطر 

كذلك تعد عائلة نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، خيرت الشاطر، إحدى العائلات التي دفعت فاتورة باهظة نتيجة انتقام رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، من الرجل الذي كان يعد من قادة العمل السياسي والتنظيمي للجماعة. 

ووصلت الإجراءات القمعية التي تمارسها سلطات الانقلاب إلى اعتقال 10 من أفراد الأسرة.  

وشمل الاعتقال رب الأسرة خيرت الشاطر، ونجليه سعد والحسن، وابنته عائشة، وزوج أخته محمود غزلان.

إضافة إلى خمسة من أزواج بناته هم أحمد ثروت (زوج مريم) ومصطفى حسن (زوج حفصة) وأحمد درويش (زوج خديجة) ومحمد أبو هريرة (زوج عائشة) وأخيرا خالد أبو شادي (زوج سمية).

وقد امتدت الإجراءات القمعية بخلاف السجن التعسفي والتنكيل، إلى مصادرة أموالهم وشركاتهم، ومنع الزيارة عنهم، واحتجازهم في ظروف غير إنسانية، وتلفيق العديد من القضايا الانتقامية لهم.

وفي عام 2020 بعثت سارة نجلة الشاطر برسالة إلى الجهات الإعلامية والمنصات الحقوقية، كشفت فيها عن معاناة أفراد أسرتها المعتقلين، وما يواجهونه من إجراءات عقابية وتعنت أمني، ومنع حقوقهم الدستورية والقانونية.

وأطلقت صيحة تحذير لإنقاذ أسرتها من التعنت الأمني، معلنة عن مخاوفها لما وصلت إليه الحالة الصحية لوالدها وأختها عائشة المضربة عن الطعام رفضا لحبسها احتياطيا.

وكيف يتم عقاب عائشة على وجه الخصوص بسبب ما تم نشره إعلاميا عن وضعها الصحي والحقوقي، وأنها تواجه خطر الموت نتيجة تلك الإجراءات، تحديدا الإهمال الطبي. 

بلا شرف 

وتفاعلا مع التقارير الدولية الجديدة، رأى الحقوقي المصري مصطفى عز الدين فؤاد أن منهج النظام الحاكم في مصر، الذي يصفي خصومته مع أعدائه من خلال الانتقام من العائلات، هو سابقة في مصر.

وأضاف فؤاد لـ"الاستقلال": “فلم يفعل ذلك جمال عبد الناصر ولا أنور السادات ولا حسني مبارك، رغم اعتمادهم على القمع واستخدام أسلوب الانتقام أيضا”. 

واستدرك: لكن ما يحدث اليوم مختلف شكلا ومضمونا فنحن أمام نظام سياسي بلا شرف، قادر على تلفيق القضايا لأطفال لم يتجاوز عمرهم 4 سنوات كما حدث عام 2013، وبالتالي فاستهدافه عائلات المعارضين لم يعد مستغربا. 

وفي السياق، قال فؤاد: عائلة كالشاطر مثلا تم التنكيل بها على المستويات كافة بالسجن والتعذيب والنيل من السمعة، حتى في وسائل الإعلام والمسلسلات الدرامية لم يسلموا. 

وأتبع: أما محمد البلتاجي فهو رجل فقد ابنته عن طريق القنص المباشر بالرصاص عن عمد وهي لم تتجاوز 17 عاما أي طفلة، إضافة إلي سجن ولديه أنس وخالد، ثم لجوء زوجته وابنه الآخر عمار إلى خارج البلاد، فتحت أي عرف ودين وعقيدة وطنية يحدث هذا. 

وختم الحقوقي المصري بالتشديد على أن السيسي ونظامه دمروا السلام المجتمعي عن طريق تلك الممارسات، و"البلد ستحتاج إلى عقود طويلة حتى تتجاوز هذه الحقبة وآثارها".