قلق متزايد.. كيف يؤثر صعود منظمة البريكس على إسرائيل؟
ذكر إسرائيل لدى المنظمة ورد لأول مرة في القمة الرابعة عام 2012
سلط معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي الضوء على التطورات المتعلقة بمنظمة البريكس بعد القمة الأخيرة التي عقدت في كازان، الروسية وشهدت مشاركة أعضاء جدد لأول مرة مثل الإمارات ومصر وإيران.
وفي هذا الإطار، تحدث المعهد عن سر انجذاب دول البريكس إلى المنظمة بقيادة الصين وروسيا، مشيرا إلى انعكاسات تعزيز المنظمة على إسرائيل.
وفي 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، اجتمع رؤساء تسع دول ذات اقتصادات متنامية في كازان. خمس منهم أعضاء سابقون في مجموعة البريكس؛ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
وبعد دعوة من رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، في أغسطس/ آب 2023، انضم إليهم أربعة أعضاء جدد؛ مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات.
الحاضر والتاريخ
ومن ناحية أخرى، يلفت المعهد الإسرائيلي إلى أن اثنين آخرين لم ينضما من المدعوين إلى المنظمة حتى انعقاد القمة.
وعلى الرغم من مشاركة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في المؤتمر، فإن السعودية تركت تاريخ الانضمام (للأعضاء الجدد)، 1 يناير/ كانون الثاني 2024، يمر دون اتخاذ خطوة، مما أبقى نواياها غامضة.
وفي هذا السياق، يوضح المعهد أن "انضمام السعودية لا يزال قيد الدراسة من قبل السلطات". ويفترض أنه "من الممكن أن تكون هذه هي طريقتها الدبلوماسية لرفض الدعوة بدبلوماسية وتهذيب".
وبنقل الحديث إلى الأرجنتين، وقبل شهرين فقط من الموعد المقرر لانضمامها، يذكرنا معهد الدراسات بالانتخابات العامة التي أُجريت، والتي فاز فيها خافيير ميلي، المؤيد للغرب، والذي تعهد وسحب بالفعل طلب انضمام بلاده إلى المنظمة.
إذ أبلغت الأرجنتين، قبل يومين من دخول العضوية حيز التنفيذ، الدول الأعضاء بأنها لن تنضم إلى المنظمة.
وبالحديث أكثر تفصيلا عن المنظمة، يقول المعهد إن مصطلح "بريكس" هو تعبير صاغه، في عام 2001، كبير الاقتصاديين في شركة غولدمان ساكس آنذاك، السير جيم أونيل، الذي حدد البرازيل وروسيا والهند والصين كمحركات محتملة للنمو الاقتصادي العالمي.
وفي عام 2009، وبعد محادثات تمهيدية رفيعة المستوى منذ عام 2006، انعقد المؤتمر الرسمي الأول لمجموعة "بريكس" في يكاترينبورغ، روسيا، حيث ناقشت الدول الأعضاء الأربع الأصلية إعادة تشكيل النظام المالي العالمي، مما تضمن الابتعاد عن الدولار الأميركي.
وبحسب المعهد، جاء ذلك في سياق ما عدته هذه الدول عدم مساواة، تمثل جزئيا في الفوارق في قوة التصويت بين الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي. وبعد ذلك، في عام 2010، انضمت جنوب إفريقيا إلى المجموعة لتصبح "BRICS".
وفي الوقت نفسه، أُنشئت مؤسسات مالية مكملة من قبل دول المنظمة، كان أولها بنك التنمية الجديد "NDB".
وجاء ذلك -بحسب المعهد الإسرائيلي- في ظل الأزمة المالية التي بدأت في الولايات المتحدة قبل حوالي عامين.
وذلك بالإضافة إلى عدم رضا الدول النامية عن إخفاقات المؤسسات متعددة الأطراف التي أسستها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
ويوضح المعهد أن الهدف من بنك التنمية الجديد كان إكمال أو استبدال النظام النقدي القائم، بما في ذلك توفير تمويل احتياطي للأحداث غير المتوقعة.
لكنه عانى أيضا من عدم التوازن بين الدول، حيث أسهمت دول مثل الصين بـ 41 مليار دولار، وأخرى مثل جنوب إفريقيا بـ 5 مليارات دولار.
العقوبات تبني عوائق
وفي هذا السياق، يسلط المعهد الإسرائيلي الضوء على أنه "رغم الطبيعة الاقتصادية للمجموعة في الأساس، فإن الأحداث الجيوسياسية جعلت من بريكس منظمة ذات أهمية سياسية".
فعلى سبيل المثال، غزو روسيا لشبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس عام 2014، وطردها من مجموعة الدول الثماني "G8" التي تقودها الدول الغربية، دفع موسكو إلى استخدام المنظمة كبديل.
وبعد حوالي عام من الغزو، عُقدت قمة البريكس في أوفا، بروسيا، مما منح موسكو مزيدا من الشرعية، في وقت "لم تؤد العقوبات الغربية المفروضة عليها إلى عزلتها".
وفي رأي المعهد، ينطبق الأمر نفسه على قمة المنظمة في عام 2024، بعد غزو أوكرانيا عام 2022.
وفي هذا الصدد، يذكر معهد دراسات الأمن القومي أن روسيا تخضع لعقوبات بسبب غزوها لأوكرانيا، تُضاف إلى تلك التي فرضت عليها بسبب غزوها لشبه جزيرة القرم، مما جعلها الدولة الأكثر تعرضا للعقوبات عالميا.
جدير بالإشارة إلى أنه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت إيران تحتل المركز الأول عالميا في عدد العقوبات المفروضة عليها، وذلك نتيجة عدة "موجات" من العقوبات التي فُرضت على مدار سنوات.
وأما فيما يخص الصين، ينوه المعهد إلى أنه فُرضت عليها عقوبات، من بين أمور أخرى، بسبب اتهامها من قبل الدول الغربية بمساعدة الجهود العسكرية لكل من روسيا وإيران. إضافة إلى انتهاكات حقوق الإنسان والسياسات التجارية غير العادلة.
في هذا السياق، يلفت المعهد النظر إلى أن "عضوية الدول التي تخضع لعقوبات في المنظمة تلزمها بالتعامل مع هذا الموضوع".
وبالفعل، في إعلان قمة كازان الأخيرة، وُصفت العقوبات بأنها "تهديد للاقتصاد العالمي وانتهاك لميثاق الأمم المتحدة، بل وخطر على اتفاقيات المناخ".
ووفقا لتصريحات تلك الدول، فإن "الإجراءات الأحادية من هذا النوع تنتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان لمواطنيها، حيث تعد العقوبات عائقا أمام حقهم في التنمية، كما تعكس الهيمنة الأميركية ومحاولتها فرض سيطرتها على دول العالم".
ومن وجهة نظر المعهد الإسرائيلي، فإن هذا الطرح يحرف النقاش عن الانتهاكات ويركز اللوم على العالم الغربي بصفته المنتهك لحقوق الإنسان.
ونتيجة لذلك، يرى معهد الدراسات أن هذه إستراتيجية من تلك الدول لتقويض شرعية العقوبات المفروضة عليها، باستخدام لغة حساسة.
وفي هذا السباق، يستنكر المعهد الرسالة الواضحة من التضامن التي أُكد عليها عبر انعقاد القمة في روسيا.
ورغم أن رئيسها (فلاديمير بوتين) مطلوب بموجب مذكرة اعتقال دولية، فإن الرسالة أفادت بأن "روسيا وإيران ليستا معزولتين كما يرغب الغرب في تصويرهما، بل هما جزء من مجموعة دول ذات اقتصادات مهمة مستعدة لمواصلة التعاون التجاري معهما".
التطبيع والتباين
وإلى جانب ذلك، يسلط المعهد الضوء على أن رسالة الوحدة بين دول المنظمة تعززت بشكل أكبر مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، للمؤتمر.
ولفت إلى أن هذه الرسالة تعززت أكثر بمصافحة غوتيريش لبوتين، المتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية.
ويصف المعهد حضور غوتيريش بأنه "ليس أمرا عاديا"، خاصة في ظل اختياره عدم حضور القمة التي عقدت في سويسرا صيف 2024، والتي ركزت على تعزيز السلام في أوكرانيا بقيادة الدول الغربية.
ومن ناحية أخرى، يضيف معهد دراسات الأمن القومي أن مشاركته تسهم من بعض الجوانب في "تطبيع عودة روسيا إلى الساحة الدولية".
وبالحديث عن أهداف ونوايا دول المنظمة، يقول المعهد إنه "على الرغم من تأكيد الدول الأعضاء على نيتها الحفاظ على النظام العالمي القائم على الأمم المتحدة، فإن النظر في تاريخ المنظمة قد يكشف عن نيتها في تغيير النظام العالمي الحالي بشكل كبير".
وهنا، يلفت إلى أن تصاعد التنافس بين القوى العظمى، لا سيما بعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أدى إلى تشكيل مجموعة دول ترى نفسها "معادية للهيمنة" وتدعم موسكو في حربها.
وتشمل هذه المجموعة إلى جانب روسيا كلا من الصين وإيران وكوريا الشمالية، وهي دول لها مصلحة في تحدي هيمنة الغرب.
ولذلك، يذهب المعهد الإسرائيلي إلى أن "المنظمة أصبحت منصة لروسيا لترسيخ موقفها بصفتها الصوت الأبرز في مواجهة ما تسميه الهيمنة الأميركية".
وإلى جانب كون الصين المحرك الاقتصادي للمنظمة، يبرز المعهد أن تأثيراتها السياسية أصبحت أكثر وضوحا منذ صعود شي جين بينغ إلى السلطة عام 2012.
بالإضافة إلى أن تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة وتقاربها مع روسيا خلال فترة حكمه، والذي بلغ ذروته بإعلان "شراكة بلا حدود" قبل أيام قليلة من غزو أوكرانيا، دفع مجموعة البريكس إلى اتخاذ موقف أكثر معاداة للغرب.
وبالإشارة إلى مواقف الدول الأخرى، ينوه المعهد إلى أن البرازيل والهند، اللتين تتمتعان بعلاقات واسعة مع الغرب، تفضلان رؤية نفسيهما كدول "غير منحازة".
كما يوضح أن الدول المنضمة حديثا، مثل الإمارات ومصر وإثيوبيا، التي تربطها أيضا علاقات وثيقة مع الغرب، من المتوقع أن تدعم الموقف الهندي- البرازيلي في هذا الصدد.
التداعيات على إسرائيل
وفيما يخص إسرائيل، يقول المعهد إن "ذكرها ورد لأول مرة في القمة الرابعة عام 2012، وكان الطرح حينها مخففا حيث تجنب إلقاء اللوم عليها".
وفي عام 2022، اختفى ذكر إسرائيل تماما من البيان بسبب التركيز شبه الكامل على جائحة كورونا.
أما اللهجة الاتهامية تجاه إسرائيل، فقد ظهرت لأول مرة في بيان جوهانسبرغ في أغسطس/ آب 2023، قبل اندلاع عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه.
وبحسب تأكيد المعهد، ألقت المنظمة بالمسؤولية الكاملة على إسرائيل في الصراع الإسرائيلي-العربي وما نتج عنه من تطورات سلبية.
وفي هذا الصدد، يسلط الضوء على أن بيان المنظمة ذكر أن "التصعيد غير المسبوق في العنف في قطاع غزة والضفة الغربية يأتي نتيجة الهجوم العسكري الإسرائيلي، الذي أسفر عن قتل وإصابة عدد كبير من المدنيين، وتشريد قسري وتدمير للبنية التحتية المدنية".
وهنا، يستنكر المعهد الإسرائيلي أن البيان لم يأت على ذكر حركة المقاومة الإسلامية حماس أو هجوم 7 أكتوبر 2023 حتى بالإشارة.
ولكن في غضون ذلك، يلفت إلى أن البيان دعا إلى إطلاق سراح جميع "المخطوفين والمعتقلين"، في إشارة إلى الأسرى الإسرائيليين لدى حماس.
وهو -من وجهة نظر المعهد- تغيير إيجابي في الخطاب الصيني الذي تجنب بالأشهر الماضية وصف الإسرائيليين المحتجزين في غزة بأنهم "مخطوفون".
وكما في الحرب على قطاع غزة، أدانت المنظمة كذلك هجمات إسرائيل على لبنان دون أن تأتي على ذكر عمليات حزب الله.
ويضيف المعهد أن الدول الأعضاء أدانوا إسرائيل بسبب قصفها لمبنى السفارة الإيرانية في سوريا وهجماتها على القوافل الإنسانية.
وأشار إلى أنه عندما أكدت الدول الأعضاء أهمية الحفاظ على حقوق الملاحة وحرية حركة السفن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لم تذكر الحوثيين الذين يشكلون التهديد الأكبر هناك، وفق قوله.
وفي نهاية هذا المشهد، يختتم تقريره بالتشديد على أن هذا النهج يجب أن يقلق تل أبيب، "ليس فقط لأن موقف تلك الدول أحادي الجانب، ولكن أيضا لأن دولا كانت سابقا تدين حماس وتتبنى خطابا أكثر اعتدالا تجاه إسرائيل، مثل البرازيل والهند، وقعت على هذا البيان".
علاوة على ذلك، لم تصر هذه الدول، على تبني موقف أكثر توازنا تجاه إسرائيل أو على إدانة حماس وإيران، وهو ما يثير قلق المعهد الإسرائيلي.