كتيبة البراء بن مالك.. رأس المقاومة السودانية التي كسرت شوكة الدعم السريع بالخرطوم

داود علي | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

مشهد دخول القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، إلى القصر الرئاسي بالعاصمة الخرطوم، بعد تحريره من قبضة مليشيا “الدعم السريع” المتمردة، يعد فارقا في مسار الحرب الأهلية.

ومن هناك، أعلن في 26 مارس/ آذار 2025، أن الخرطوم "حرة"، بينما التقطت مقاطع وصور، لهروب جماعي لمليشيا “الدعم السريع” المدعومة إماراتيا.

ومع سيطرة الجيش على القصر الجمهوري، برز فصيل مسلح يقود المقاومة الشعبية، في جميع مقاطع الفيديوهات المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي التي وثقت الحدث. 

الفصيل هو "كتيبة البراء بن مالك"، فبينما كان جنود الجيش يتجولون في المبنى المثقوب بالرصاص، سار قائد الكتيبة، مصباح أبو زيد طلحة، حاملا علم السودان بفخر، وتوافد الجنود لالتقاط صور "سيلفي" معه.

خبراء عسكريون سودانيون أكدوا أنه لولا إسناد كتيبة “البراء بن مالك”، إضافة إلى كتائب للقوات المسلحة، لكانت نتيجة الحرب أسوأ كثيرا، ولأصبحت المليشيات في أوضاع عسكرية وميدانية أفضل.

لكن اليوم بفضل ذلك الإسناد، تحررت العاصمة، وتوالت الأسئلة عن كتيبة “البراء بن مالك” ودورها في المعارك ومستقبلها المنتظر إذا حسمت الحرب بشكل نهائي لصالح الجيش.

وجود قوي

انضمت عناصر كتيبة "البراء بن مالك" التي يقودها، المصباح أبو زيد، إلى القتال بجانب الجيش بعد أيام من اندلاع الحرب عام 2023. 

وتمركزت بشكل أساسي في محيط الخرطوم وأم درمان، بحسب تقرير موقع "الحرة" الأميركي في 28 فبراير/ شباط 2024، الذي أورد أن عناصر الكتيبة تلقوا تدريباتهم على يد ضباط الجيش السوداني، وبواسطة جهاز المخابرات العامة. 

كذلك نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في 10 أبريل/ نيسان 2024، أن قوات الحركة الإسلامية وتحديدا كتيبة "البراء بن مالك" تكبدت العديد من الضحايا في مواقع مختلفة.

ومنها بوجه خاص إحدى أكثر المعارك دموية وشراسة لمقاتلي الكتيبة، وهم يدافعون عن الوحدات العسكرية في الخرطوم، جراء هجوم كاسح لمتمردي الدعم السريع.

وذكر الموقع البريطاني، أن كتيبة "البراء بن مالك" لها تمثيل في فرقتين عسكريتين على الأقل، هما سلاح المدرعات والمشاة، كما أن لهم وجودا قويا داخل قوات الاحتياطي المركزي.

ومن ضمن الأحداث أن قائد الكتيبة المصباح أبو زيد، أصيب في قتال الخرطوم، وقد زاره رئيس المجلس السيادي، والقائد العام للجيش البرهان، في مستشفى عطبرة.

ويبلغ قوام كتيبة "البراء بن مالك"، نحو 20 ألف مقاتل مجهزين بأسلحة متطورة، بحسب ما أوردته شبكة "عين" السودانية الناطقة بالإنجليزية. 

وقالت في تقريرها الصادر في 25 مارس 2025، إنه نظرا لافتقاره للمشاة، اعتمد الجيش على الكتيبة بقوة منذ بداية اندلاع الصراع.

وأكد الباحث العسكري محمد عباس، للشبكة أن "كتيبة البراء بن مالك أحدثت فرقا كبيرا في الحرب ضد الدعم السريع".

وأضاف: "لقد ساعدت الجيش في الحفاظ على سلاح المدرعات جنوب العاصمة من السقوط في أيدي قوات حميدتي عندما اشتدت الهجمات بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2023".

فيما يقول الباحث الأمني ​​والعسكري محمد السني: إن “الكتيبة، التي يقودها ثلاثة قيادات تابعة للتيار الإسلامي، وهم المصباح أبو زيد طلحة، وأنس عمر، وحذيفة إسطنبول، تمثل أكثر من مجرد كتيبة مسلحة”.

وأوضح السني لشبكة "عين" أن "الكتيبة تضم آلاف الشباب الإسلامي من الطبقة المتوسطة، ومعظمهم خريجو جامعات، وبعضهم يعمل في وظائف مرموقة، سواء في البنوك أو القطاعات الحكومية والخاصة". 

بداية التشكيل 

وبدأ تشكيل كتائب الحركة الإسلامية، ومن ضمنها "البراء بن مالك"، بعد سقوط حكم الرئيس السابق عمر البشير، حيث أعادت تشكيل نفسها مرة أخرى في صورة جديدة. 

وأواخر عهد البشير في ديسمبر/ كانون الأول 2018، أعلن لأول مرة عن وجود "كتائب الظل"، تابعة للحركة الإسلامية السودانية، حين ردد الأمين العام السابق للحركة، علي عثمان محمد طه، مقولته الشهيرة: "لدينا كتائب ظل تعرفونها". 

وظهرت هذه الكتائب بقوة عندما اندلعت الحرب بين الجيش و"الدعم السريع". 

وقتها أعلنوا عن أنفسهم وعن مشاركتهم في القتال إلى جانب الجيش ضد المتمردين، وضد من أسموهم "الخونة والعملاء"، التابعين لجهات أجنبية (في إشارة إلى الإمارات).

وفي 7 يناير/ كانون الثاني 2020، أعلن بشكل مباشر عن كتيبة تحمل اسم "البراء بن مالك" وهي أقوى وأفضل تشكيلات الحركة الإسلامية، وكان لها دور كبير في إسناد الجيش ودحر الدعم السريع في عدة مواقع فاصلة.

وتناولت التقارير المحلية المتابعة لمسار الحرب، أحد أهم الأدوار التي لعبتها كتيبة "البراء بن مالك" في صد هجوم الدعم السريع على مدينة أم درمان ومنع سقوطها. 

ففي 4 فبراير 2024، أعلن الجيش السوداني في بيان، عن “تنفيذ عملية عسكرية نوعية ناجحة على خطوط العدو (الدعم السريع) وكبدتهم خسائر فادحة في العتاد والأرواح”.

ولأول مرة منذ بدء الاقتتال بين طرفي الصراع، بدأت قوات الجيش تتمركز في سوق مدينة أم درمان الرئيس بعد طرد مليشيا الدعم السريع، وذلك بفضل إسناد "البراء بن مالك" ومعها كتائب القوى الإسلامية الأخرى، التي مثلت عمود خيمة المقاومة الشعبية.

وقتها نشرت الصفحة الرسمية للقوات المسلحة في 8 فبراير 2024، مشاهد مصورة للبرهان، وهو يتفقد المواقع الأمامية للقوات المسلحة بمنطقة أم درمان. 

وكان في استقباله مجموعة من جنرالات الجيش على رأسهم الفريق أول ركن ياسر العطا عضو مجلس السيادة الانتقالي، ومساعد القائد العام.

وقد وأوردت صحيفة “سبق” السودانية في 5 فبراير أن "كتائب الحركة الإسلامية" أخرجت فرقا خاصة بينها “استخبارات المقاومة في أم درمان القديمة”، وهي المدينة التي تمثل جزءا مهما من العاصمة، وكان يتقاسم السيطرة عليها (آنذاك) الجيش والدعم السريع.

وساعدت كتيبة "البراء بن مالك" الجيش في هجومه المباغت، خاصة أنها تضم كوادر شعبية مدربة ومنتقاة، مهمتها جمع المعلومات حول أماكن وجود "الدعم السريع" ورصد تحركاتهم، ومعاونة الأجهزة العسكرية في تصويب الضربات الجوية والمدفعية لمراكزها.

الدوافع والمستقبل 

وفي بورتسودان، التي تعد عاصمة بديلة للحكومة الموالية للقوات المسلحة، التقى موقع “ميدل إيست آي” بأعضاء من كتيبة "البراء بن مالك".

وخلال مقابلة نُشرت في 12 مارس 2025، قال المتحدث باسم الكتيبة، عمار عبد الوهاب سيد أحمد، إن "عدد المقاتلين الموالين للجيش في الكتيبة تجاوز 20 ألف مقاتل". 

وأوضح سيد أحمد أنه "منذ الأيام الأولى للحرب في الخرطوم، توجه الشباب من مختلف الخلفيات السياسية إلى معسكرات القوات المسلحة لتلقي التدريب العسكري من أجل القتال ضد الدعم السريع والدفاع عن أنفسهم وأسرهم".

وأضاف: "لقد حدث الشيء نفسه في ولايات الجزيرة وغيرها، التي شهدت فظائع غير مسبوقة بما في ذلك القتل الجماعي واغتصاب النساء ونهب الممتلكات والتهجير القسري من طرف مليشيا الدعم السريع".

وبحسب سيد أحمد، تتوسع الكتيبة يوما بعد يوم، ويتوعد مقاتلوها، بمحاربة ما يصفونه بـ"الغزو الإماراتي" للسودان، في إشارة إلى الدعم الذي تقدمه الإمارات للدعم السريع.

ولم تكن الخرطوم فقط محور تمركز كتيبة "البراء بن مالك"، التي تقول إنها مجموعة جهادية أكثر منها إسلامية سياسية.

وظهر قادة الكتيبة في اشتباكات عنيفة على جبهات الحرب في مدن مثل الجزيرة وسنار والنيل الأبيض ومناطق أخرى. 

وأكد المتحدث سيد أحمد: "نحن في البراء بن مالك لا نمثل بشكل عام جماعة سياسية محددة أو لدينا انتماء سياسي محدد". 

وتابع: “لدينا قضية واحدة وهدف واحد وعدو واحد، لذلك نحن نقاتل فقط لتحقيق هذه الأهداف وليس لنا علاقة بالسياسة”.

ثم تحدث عن مستقبل الكتيبة، قائلا: "عندما ننتهي من مهمتنا، سيتم نزع سلاح هذه المجموعة وتسريحها". 

وأضاف: "وأولئك الذين يريدون بشكل فردي الاستمرار في الجيش أو أي قوات نظامية أخرى مثل المخابرات أو الشرطة أو غيرها، الأمر متروك له تماما".

ثم عقب: "نعمل بكامل قوانا تحت قيادة القوات المسلحة السودانية فقط".