سقوط في سوريا وتدهور بأوكرانيا.. كيف تتبخر أحلام روسيا في أن تصبح قوة عظمى؟
الكرملين أظهر أنه لم يعد قادرا على التدخل لمساعدة حلفائه كالسابق
رأت صحيفة إيطالية أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يعد بمثابة ضربة موجعة للحليف الإستراتيجي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا سيما أنه أنفق واستثمر الكثير بشريا وماديا للدفاع عنه دون جدوى.
وبينت صحيفة "فان بيج" أن نهاية نظام بشار الدموي (في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024) بتلك الطريقة (هرب إلى موسكو)، قوض "صورة بوتين كمنقذ لنظرائه الديكتاتوريين".
كما ترجح أيضا خسارته لقواعده في البحر الأبيض المتوسط في مدينتي طرطوس واللاذقية عقب السقوط السريع للنظام السوري في أيام معدودة، على إثر عملية "ردع العدوان" التي أطلقتها المعارضة المسلحة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني.
وتتوقع أن تتأثر قدرة روسيا على استعراض القوة في الساحة الدولية ويتزعزع نفوذها في الجنوب العالمي، في عواقب ستكون حاسمة بسياق الصراع "الهجين" بين موسكو والغرب.
صفعة قوية
من جانبه، قال كبير مراسلي وكالة تاس الروسية للأنباء سابقا في الشرق الأوسط "رسلان سليمانوف"، للصحيفة الإيطالية إن سقوط النظام "يمثل هزيمة شخصية للرئيس الروسي".
وأضاف أن "الكرملين أظهر أنه لم يعد قادرا على التدخل لمساعدة حلفائه كما فعل قبل عشر سنوات".
فيما يشير الأستاذ في جامعة قطر نيكولاي كوزانوف، إلى أن "الأحداث في سوريا تبرز أن هناك ظروفا لا يستطيع فيها بوتين أن يفعل أي شيء لأصدقائه".
وبحسب الصحيفة، "بالإضافة إلى خشيته (سابقا) من أن يلقى (الأسد) نفس مصير العقيد الليبي معمر القذافي (مسحولا في الشوارع)، كانت هناك رغبة من بوتين في بقائه وفيا للحكام المستبدين في البلدان الواقعة في نطاق نفوذ الكرملين".
وتذكر منهم ألكسندر لوكاشينكو في بيلاروسيا والرئيس الكازاخستاني السابق نور سلطان نزارباييف.
وأشارت إلى أن أهم الأسباب التي دفعت بوتين إلى التدخل لدعم الأسد ضد المعارضة عام 2015 له صلة بطموح العودة إلى لعب دور القوة العظمى.
وترى أن روسيا أثبتت في تدخلها العسكري إلى جانب النظام السوري واستعراض قوتها العسكرية أن لديها "جدارة" لتكون قوة عظمى.
ويعني المصطلح في العلاقات الدولية "القدرات والموارد والقوة العسكرية مجتمعة مع الإرادة والإمكانية الحقيقية لاستخدامها".
وبحسب الصحيفة، "كان العالم في عام 2016 أمام حتمية قبول حقيقة أن موسكو تعمل في الشرق الأوسط للبقاء ولكي تكون لها كلمتها في الأزمات في المنطقة وخارجها".
خسارة القواعد العسكرية
وعن مستقبل القواعد الروسية في سوريا، يعلق المحلل كوزانوف بأنه "يجب على روسيا أن تكون متشائمة بشأن الوضع برمته، وأن ترى أنها قد خسرتها إلى الأبد".
وتعني الخسارة عدم حضور بحري دائم في البحر الأبيض المتوسط، وتقلص القدرات في ممارسة النفوذ على البلدان الإفريقية خاصة من خلال قاعدة طرطوس.
وهو ما قد يفضي، وفق تحليل الصحيفة الإيطالية، إلى الاعتماد على تركيا في أي عمل عسكري في "المياه الساخنة"، كما سيعود مضيق الدردنيل مجددا المنفذ الوحيد للوحدات البحرية الروسية.
وكذلك قللت من أهمية أي قاعدة قد يطالب بها الروس من حليفهم الجنرال الليبي الانقلابي خليفة حفتر في طبرق بالمقارنة مع قاعدة طرطوس السورية نظرا لموقعها الجغرافي وما تمنحه من ميزات سياسية وعسكرية.
في الأثناء، أكدت وكالة "تاس" نقلا عن مصادر في الكرملين، أن المعارضة السورية قدمت ضمانات أمنية للقواعد العسكرية الروسية في سوريا.
وقالت المصادر: "يتواصل المسؤولون الروس مع ممثلي المعارضة السورية المسلحة، التي تكفل قادتها بضمان أمن القواعد العسكرية الروسية والمؤسسات الدبلوماسية في سوريا".
من جهته، تحدث آرون لوند، محلل شؤون الشرق الأوسط في "وكالة أبحاث الدفاع السويدية" للصحيفة الإيطالية عن إمكانية التوصل إلى اتفاق "رغم أنه غير مرجح، وسيتطلب مشاركة تركيا، المهتمة بالتعاون مع روسيا في مسائل أخرى".
ويضيف: "يبقى أن نرى إذا ما كانت أنقرة تريد مساعدة موسكو في الحفاظ على قوة بحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط".
ويرجح أن تخير "هيئة تحرير الشام" التي قادت عملية ردع العدوان، التسوية مع موسكو، "لأنها مهتمة بالاعتراف الدولي وشطبها من قائمة المنظمات الإرهابية".
فترة صعبة
ونسف بوتين النجاح الدبلوماسي العسكري الذي حققه في الشرق الأوسط عند تدخله الى جانب النظام ونسجه شراكات على أهداف محددة مع جميع الأطراف المعنية، وفق الصحيفة.
وقالت إن "الضربات التي وجهتها إسرائيل لحزب الله اللبناني أخيرا، أضعفت إيران، شريك روسيا الرئيس".
في الأثناء، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 9 ديسمبر أن اتفاق "فض الاشتباك" للعام 1974 مع سوريا بشأن هضبة الجولان قد "انهار" عقب سقوط نظام الأسد، وأمر قواته بـ"السيطرة" على المنطقة العازلة حيث تنتشر قوة الأمم المتحدة.
وترى الصحيفة الإيطالية أن الهيمنة في الوقت الحالي في المنطقة باتت بأيدي أنقرة على حساب طهران وموسكو.
وبحسب المحلل الروسي سليمانوف، "بسبب غزو أوكرانيا، قللت روسيا من وجودها ليس فقط بالشرق الأوسط، بل أيضا في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى ومناطق أخرى".
ووصف خفض الوجود العسكري في سوريا بالأمر المؤلم بشكل خاص للرئيس الروسي "لأن القوة فقط ما يهم في الشرق الأوسط وبوتين الضعيف سيحظى باحترام أقل".
وتتوقع الصحيفة أن كل هذا من شأنه أن يجعل بوتين أكثر تصلبا فيما يتعلق باحتمالات التوصل إلى تسوية لإحلال السلام في أوكرانيا.
وبالتزامن مع هروب الأسد من دمشق، عقد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومضيفهما الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتماعا ثلاثيا، في باريس على هامش حفل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام.
كما ألغت المحكمة الدستورية العليا في رومانيا 6 ديسمبر نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في البلاد بعد اتهامات بالتدخل الروسي.
وفي تأكيدها للفترة الصعبة التي يمر بها الروس، أشارت الصحيفة كذلك إلى الاحتجاجات الكبيرة ضد حكومة جورجيا الموالية لروسيا.
وزادت أن الجيش الروسي يتكبد خسائر بشرية كبيرة كل أسبوع في دونباس الأوكرانية، بينما وصل التضخم داخليا إلى مستويات قياسية.
كما لم تكن القدرات التي تباهت بها روسيا في خطاباتها، وفق الصحيفة الإيطالية، كافية لبقاء الأسد في السلطة.
وختمت بالقول إن بوتين "ربما كان في عجلة من أمره للتأكيد على عودة روسيا إلى لعب دور القوة العظمى"، معربة عن أملها "ألا يلجأ إلى قرارات غير عقلانية لإثبات العكس".