سقوط نظام بشار الأسد: التحديات والفرص في مستقبل سوريا الجديد

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

بعد سقوط نظام بشار الأسد، طفت على الساحة الدولية سيناريوهات محتملة حول مستقبل سوريا، وسعي القوى الغربية إلى التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد العربية. 

ونشرت صحيفة "ستار" التركية مقالا للكاتب أرسين أكسوي، قال فيه إن "سقوط نظام الأسد الذي حكم سوريا لأكثر من نصف قرن بعد عملية عسكرية قادتها جماعات المعارضة أثار دهشة الرأي العام العالمي". 

وأضاف الكاتب التركي: "انسحبت قوات النظام دون مقاومة كبيرة من مناطق رئيسة مثل حماة وحمص، بينما سُلّمت دمشق دون قتال متأثرة بهروب عائلة الأسد ومحادثات الدوحة التي لعبت دورا في هذه النهاية المفاجئة".

واستطرد: "خلال هذه العملية حرصت جماعات المعارضة على توجيه رسائل إيجابية تهدف إلى طمأنة الشعب السوري والدول الأخرى". 

وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، سيطرت الفصائل السورية على العاصمة دمشق وقبلها مدن أخرى، بعد انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، منهية بذلك 61 عاما من حكم حزب البعث، و53 عاما من حكم عائلة الأسد.

تساؤلات ملحة

وقال أكسوي: "على الجانب الآخر، قدمت تركيا دعما دبلوماسيا غير رسمي، مما حال دون أي تدخل خارجي محتمل، فبينما تقدمت قوات المعارضة ميدانيا، عملت تركيا عبر محادثات الدوحة على ضبط مواقف الدول الداعمة للنظام وإقناعها بتبني نهج سلمي". 

ورأى أن “تسليم دمشق دون مقاومة يُعد إنجازا يُحسب لهذا المسار السياسي والدبلوماسي، حيث أسهمت تركيا أيضا في تخفيف مخاوف الدول العربية وتحييد مواقفها تجاه المعارضة”.

ولفت أكسوي إلى أنه “بعد هذه التحركات الناجحة، تمت الإطاحة بالنظام السوري الذي كانت يده ملطخة بدماء مئات الآلاف من المسلمين الأبرياء”.

واستدرك: "رغم سقوط النظام، تبرز تساؤلات ملحة حول مستقبل سوريا الجديد، وأهم هذه التساؤلات هو كيفية تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي، فإن تأثير الهوية والاختلافات الأيديولوجية بين مجموعات المعارضة على هذه العملية هو أحد أكثر القضايا إثارة للفضول". 

وذكر أنه “رغم تبني خطاب شامل لا يُقصي أحدا، فإن عدم التزام المعارضة بالحوار والتوافق أثناء صياغة النظام السياسي والدستوري الجديد قد يؤدي إلى انقسامات جديدة داخل البلاد”. 

وتابع: “كما يثير موقف هيئة تحرير الشام تساؤلات حول مدى صدق رسائلها الإيجابية الأخيرة وتحوّل خطابها تجاه جميع الأطراف”.

وشدد أكسوي على أن “نجاح المرحلة الانتقالية يبقى مرهونا بمدى تطبيق هذه الخطابات السلمية على أرض الواقع، وتأثير ذلك على مستقبل سوريا السياسي والاجتماعي”.

وأكد أنه “في ظل هذه التحديات تبدو المرحلة القادمة حاسمة، حيث سيتحدد من خلالها ما إذا كانت سوريا قادرة على تجاوز أزمتها وتحقيق السلام والاستقرار الإقليمي، أم ستظل رهينة الانقسامات والخلافات الداخلية”.

توقعات أنقرة 

وقال أكسوي: "لطالما كانت تركيا الداعم الأكبر للمعارضة السورية في معركتها ضد نظام الأسد، سواء على الصعيد العسكري أو الدبلوماسي". 

ولفت إلى أنه “بعد إسقاط النظام، فإن أبرز ما تتطلع إليه تركيا في سوريا هو القضاء على تهديدات حزب الاتحاد الديمقراطي ومواردها المرتبطة به، نظرا لأن هذه المسألة تمثل قضية محورية في المستقبل السوري”. 

وأوضح أن “قدرة تركيا أيضا على تحجيم نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا الجديدة تعد من أهم القضايا التي تنتظر الحل”. 

وذكر أنه “في هذا السياق، نجح الجيش الوطني السوري أخيرا في استعادة منطقتي منبج ودير الزور من قبضة وحدات حماية الشعب، ما يعزز موقف تركيا في المنطقة”.

ولفت الكاتب النظر إلى أن "استعادة منطقة دير الزور مهمة جدا لمستقبل سوريا، فدير الزور تحتوي على موارد نفطية مهمة تسهم في إعادة إعمار سوريا، إلى جانب ذلك، تُعد مسألة عودة اللاجئين السوريين وإعادة دمجهم من أبرز التحديات التي تواجه سوريا على المدى القصير". 

وتابع: “تستضيف تركيا عددا كبيرا من اللاجئين السوريين، ومن المتوقع أن تتسارع عملية عودتهم بشكل آمن بعد سقوط النظام”.

ومع ذلك فإن الدول الغربية، التي يُتوقع منها تقديم دعم مالي لعملية إعادة الدمج، قد تستخدم هذا الدعم لتحقيق نفوذ سياسي في سوريا، وهو الأمر الذي يزيد من تعقيد الوضع، يؤكد أكسوي.

كما أن إعادة إعمار سوريا تطرح تحديا في الحفاظ على التوازن بين الاستقلال السياسي للبلاد والدعم الاقتصادي الخارجي، وهي مسألة حاسمة في تشكيل النظام السياسي الجديد في سوريا.

فرص وتحديات

واستدرك أكسوي: "رغم التحولات السياسية الراهنة، لا يُتوقع أن تتخلى كل من إيران وروسيا عن مصالحهما الطويلة الأمد في سوريا، ومن المرجح أن يستمر دورهما المؤثر في السياسة السورية على المدى البعيد، ما سيشكل تحديا كبيرا في تشكيل الحكومة الجديدة". 

واستطرد: “قد تكون هذه العوامل أحد المحركات الرئيسة للسياسات الداخلية والخارجية لسوريا في المرحلة المقبلة”. 

ولفت الكاتب النظر إلى أن "النهج الذي تبنته الجماعات المعارضة منذ بداية العملية، والذي كان يركز على الحلول، قد أثّر جزئيا على موقف إيران، ولوحظ تغيير في اللغة المستخدمة من قبل الإعلام الإيراني تجاه المعارضة".

إلى جانب هذا، تظل قضية إسرائيل أحد أكبر التحديات أمام أي استقرار في سوريا، فرغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، تقوم إسرائيل من حين لآخر بشن غارات على الأراضي السورية، ما يهدد أمن المنطقة. 

وفي هذا السياق، تلعب الولايات المتحدة دورا حاسما في تحديد حجم تأثير هذا النزاع على سوريا. 

ورغم التصريحات السابقة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بعدم التدخل في العمليات العسكرية التي تقودها الفصائل السورية، فإن بعض المسؤولين الأميركيين قد أشاروا إلى إمكانية دعمهم لحزب الاتحاد الديمقراطي تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة، وهذا يجعل الوضع معقدا، خاصة مع العلاقات المتشابكة بين بعض الفصائل وواشنطن.

وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: "في ظل هذا المشهد المعقد يبقى مستقبل سوريا غامضا، خصوصا مع تزايد التساؤلات حول شكل الحكومة السورية المقبلة والآليات التي ستعتمدها لتوحيد البلاد وتحقيق الاستقرار". 

وتابع: “رغم هذه التحديات، يُعد سقوط نظام الأسد، الذي ارتكب مذبحة بحق مئات الآلاف من المسلمين، خطوة إيجابية نحو التغيير، وإذا أُديرت عملية الانتقال السياسي بشكل سليم، فإن سوريا قد تلعب دورا محوريا في حل مشكلاتها الداخلية وتعزيز السلام في المنطقة”.