صحيفة تركية: التحول الذي بدأ مع طوفان الأقصى يمهد الطريق لشرق أوسط جديد
"طوفان الأقصى نقطة تحول غيرت التوازنات الإقليمية بشكل جذري"
مازالت تتواصل تداعيات عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الإسرائيلي في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
وفي السياق، نشرت صحيفة ستار التركية مقالا للكاتب “محمد رقيب أوغلو” ذكر فيه أن عملية "طوفان الأقصى" ليست نقطة تحول في السياق الفلسطيني فحسب، بل هي أيضا نقطة تحول تكشف عن هشاشة الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط وتغير التوازنات الإقليمية بشكل جذري.
وأدى بالفعل إلى تسريع انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، وفتح أبواب حقبة جديدة في البلاد مع انتهاء الحكم الاستبدادي المستمر منذ عقود.
كما غيّرت العناصر المسلحة المعارضة موازين القوى بعد تحقيقها نصرا عسكريا ضد نظام الأسد في غضون 11 يوما فقط.
انهيار نظام الأسد
واستدرك رقيب أوغلو: تمكن نظام بشار الأسد من الصمود في الحرب الأهلية التي بدأت في 2011 بدعم من حلفائه الدوليين.
فقد أسهم التدخل الروسي في سبتمبر 2015 بشكل أساسي في بقاء النظام. كما دعمت مليشيات شيعية مدعومة من حزب الله وإيران النظامَ في الحفاظ على سيطرته من دمشق.
لكن في السنوات الأخيرة، أدى تراجع نفوذ روسيا وإيران وحلفاء النظام إلى إضعافه بشكل كبير.
والتغيير الذي حصل في أولويات روسيا والمحور الإيراني وحزب الله الذي أبقى النظام على قيد الحياة قد عجَّل من عملية سقوط النظام وانتصار المعارضة والشعب السوري.
أولا، لوحظ أن نفوذ روسيا في سوريا قد انخفض بشكل كبير بسبب تركيزها على حرب أوكرانيا. وقد أدى هذا الوضع إلى فقدان نظام الأسد السيطرة في الميدان.
فإن تراجع الدعم الجوي الروسي للنظامِ في الميدان السوري والانتفاضة المسلحة للعشائر المحلية ومختلف العناصر التي قامت ضد النظام سهلت تقدم المعارضة.
وعلى الرغم من أن روسيا نفذت مرارا وتكرارا غارات جوية لوقف تقدم المعارضة من 27 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 8 كانون الأول/ديسمبر، إلا أنه لم يكن بالإمكان وقف هذا التقدم.
ولقد تراجع نفوذ إيران وحزب الله في سوريا بسبب الأزمات الاقتصادية والنفوذ الإقليمي المتقلص.
حيث أضعفت الصراعات مع إسرائيل سياسة إيران التوسعية، بينما انشغل حزب الله بالصراع مع إسرائيل بدلا من دعم النظام السوري. وأدى هذا التراجع إلى إضعاف مقاومة النظام السوري وزيادة عزلته وفقدانه التنسيق في الميدان.
علاوة على ذلك، أصبح دعم النظام السوري عبئا اقتصاديا على روسيا وإيران، خاصة مع العقوبات الغربية على روسيا بسبب حرب أوكرانيا.
في المقابل، لم تعد إيران قادرة على تحمل تكلفة دعم النظام السوري، خصوصا بعد فشلها في الصراع مع إسرائيل واستنزاف مواردها الاقتصادية.
كما تسبب استنزاف الموارد الاقتصادية للنظام السوري في تراجع الروح المعنوية للجيش وتدهور قدراته القتالية، حيث فشلت الحكومة في دفع رواتب الموظفين وواجهت تضخما متزايدا.
نتيجة لذلك، لم يعد دعم النظام السوري خيارا عقلانيا بالنسبة لمحور روسيا وإيران.
الدور التركي في التحول السوري
وأردف رقيب أوغلو: أصبحت سوريا خلال السنوات الأخيرة ساحة صراع شهدت خلالها انتهاكات متكررة لوقف إطلاق النار من قِبل روسيا وإيران مع استمرار الاشتباكات المحلية في مناطق متفرقة.
وفي ظل هذا الوضع سعت المعارضة السورية لتنفيذ عمليات عسكرية ضد النظام كردّ فعل على تلك الانتهاكات، لكن التحركات كانت متأخرة بسبب إعطاء تركيا الأولوية للتفاوض الدبلوماسي بين أنقرة ودمشق.
ومع تعثر هذه المفاوضات بسبب رفض النظام السوري وإيران إشراك تركيا في عملية الانتقال السياسي عادت المعارضة إلى الخيار العسكري.
وبعد إزالة تركيا العوائقَ التي كانت تحول دون تحركات المعارضة، بدأت عمليات التحرير انطلاقا من مدينة حلب، وتوسعت لتصل إلى العاصمة دمشق، مما أسفر عن انهيار النظام السوري.
وبالفعل نجحت قوات المعارضة، بقيادة هيئة تحرير الشام ومجموعات أخرى، في السيطرة على مدن مثل حلب وحماة وحمص، وهو ما أسهم في قطع خطوط الإمداد اللوجستي للنظام وإضعاف قدراته الدفاعية بشكل ملحوظ.
كما أن التنظيمات الإدارية المحلية التي أسستها هيئة تحرير الشام ساهمت في كسب تأييد السكان وتعزيز فعالية المعارضة على الأرض.
وأضاف: لقد لعبت تركيا دورا حاسما في التحولات الجارية في سوريا سواء على المستوى الميداني أو الدبلوماسي.
وكان دعم الرئيس رجب طيب أردوغان للجيش الوطني السوري ومختلف الفصائل المعارضة عاملا رئيسا في دفع عمليات التحرير.
وجاءت هذه التحركات متزامنة مع موقف تركيا الصارم من السياسات الإسرائيلية في المنطقة، خاصة مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجولان وتزايد الاعتداءات على دمشق.
وتجلت القيادة التركية في إنشاء مناطق آمنة في شمال سوريا، مما أتاح للمعارضة الاستفادة من هذه المناطق كقواعد انطلاق لاستعادة المزيد من الأراضي من قبضة النظام.
وقد لعب الجيش الوطني السوري، بدعم تركي، دورا محوريا في تحقيق نجاحات عسكرية ضد النظام، مما أدى إلى إضعاف سيطرة النظام على العديد من الجبهات.
ولفت الكاتب التركي النظر إلى أن سقوط نظام الأسد عمّق التعاون بين الحكومة السورية الجديدة وتركيا مما أدى إلى فتح المجال الجوي السوري أمام الطائرات التركية.
وعزز هذا التطور من موقع تركيا الإستراتيجي، إذ أصبحت جارة مباشرة لإسرائيل وبذلك فقد ازداد نفوذها في المنطقة.
واستدرك الكاتب التركي: لم تقتصر التحركات التركية على الدعم الميداني فقط، بل امتدت إلى تحقيق أهداف أمنية إستراتيجية.
حيث أسهمت عمليات المعارضة بدعم من تركيا في تطهير مناطق مثل تل رفعت ومنبج من عناصر تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي، كما اتجهت القوات نحو مناطق أخرى مثل القامشلي والحسكة.
وساعدت هذه التحركات في تعزيز الأمن القومي التركي من خلال تحجيم التهديدات القادمة من الشمال السوري.
مستقبل سوريا الجديدة
وذكر الكاتب التركي أن سقوط نظام الأسد يعد فرصة فريدة لبناء نموذج حكم شامل وديمقراطي في سوريا.
والنظام الجديد، الذي سيتم بناؤه بدعم وتوجيه من قبل تركيا، لن يحقق فقط السلام الداخلي لسوريا بل سيعزز أيضا الأمن الإقليمي ويقوي التعاون بين دول المنطقة.
فسوريا المُحررة من إرهاب تنظيم حزب العمال الكردستاني ومن قمع نظام الأسد سيكون لها دور مباشر في تعزيز الاستقرار الإقليمي.
وعلى الرغم من وجود العقبات، خاصة من قِبل إسرائيل، فإن تطوير العلاقات العسكرية بين تركيا والإدارة السورية الجديدة يمكن أن يردع السياسات التوسعية الإسرائيلية.
وتابع: إن مستقبل سوريا الجديدة يتوقف على تحقيق الوحدة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات بشكل شامل، وهو ما يُعد تحديا كبيرا في هذه المرحلة الانتقالية.
ولهذا تسعى الإدارة الجديدة لتجاوز الانقسامات العرقية والطائفية وبناء هيكل سياسي شامل يمثّل أطياف المجتمع كافة.
والإنجازات العسكرية التي حققتها المعارضة السورية يمكن أن تُترجم على أنها نجاح دبلوماسي إذا تم اتباع سياسة بنّاءة ومؤسسية خلال عملية التحول.
ومن خلال مشاريع إعادة الإعمار متعددة الأبعاد التي تُنفذ بدعم من تركيا يمكن تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في سوريا.
وأشار الكاتب التركي إلى أن تحرير دمشق لا يقتصر على إنهاء النظام فحسب، بل يفتح أيضا آفاقا جديدة لمواجهة السياسات الإسرائيلية التوسعية وتعزيز المقاومة الفلسطينية.
وقد أصبحت سوريا بالفعل مصدر إلهام لحركات المقاومة الإقليمية، حيث أسست محورا جديدا يتجاوز الهيمنة الإيرانية-الروسية والمحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة.
إن هذا المحور يتماشى مع تطلعات الشعوب ويتخذ موقفا أكثر فاعلية ضد السياسات الاحتلالية الإسرائيلية. وهذه التحولات تعكس هشاشة الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط وتفتح المجال لحركات تغيير أوسع.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلاً: يُعد سقوط نظام الأسد في سوريا أكثر من مجرد تغيير في النظام السياسي؛ حيث إنه حركة تحول إقليمية.
فقد أصبحت سوريا الجديدة رمزاً لنضال الشعوب من أجل الحرية والتضامن. ومن خلال صبر وإصرار الشعوب يمكن أن يُمهّد هذا النضال الطريق لإقامة نظام جديد في الشرق الأوسط قائم على العدل والحرية.