سفاحون برتب عسكرية.. كيف تلاحق قوات الثورة السورية ضباط النظام المخلوع؟

مصعب المجبل | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

بعد تسلم الحكومة الانتقالية في سوريا زمام السلطة عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، ما يزال الشارع السوري يضغط باتجاه ملاحقة ضباط النظام البائد لمحاسبتهم على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب.

وترك هروب الأسد إلى روسيا واتباعه أسلوب الخداع والتكتم لأقرب الناس من حوله لتأمين خروجه من البلاد، عشرات الضباط المتورطين بدم الشعب مختفين عن الأنظار.

قائمة طويلة 

وقد توارى ضباط الدولة البوليسية عن الأنظار، خاصة المنحدرون من الطائفة العلوية الذين وثقت جرائمهم في قمع الثورة التي اندلعت في مارس/ آذار 2011 بشكل دقيق.

فلم تعلن الحكومة الانتقالية الجديدة بعدُ عن أسماء قادة الأفرع الأمنية والضباط الكبار الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لقمع الثورة.

ورغم أن أسماء هؤلاء الضباط معروفة لدى أبناء الشعب السوري، إلا أن مسألة مطاردتهم اليوم باتت من اختصاص جهاز الداخلية التابع للحكومة الانتقالية.

وتتضارب الأنباء حول أماكن اختبائهم بين هارب إلى لبنان والعراق المجاورتين، أو في قرى جبال الساحل بمحافظتي طرطوس واللاذقية على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

لكن مع ذلك، فقد تداول ناشطون سوريون قائمة طويلة من ضباط نظام الأسد وطالبوا الحكومة الانتقالية بالقبض عليهم ومحاسبتهم.

وقد أعلن أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) قائد "إدارة العمليات العسكرية" التي تدير فصائل المعارضة التي تحالفت في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 لإسقاط الأسد، أن الحكومة الانتقالية ستنشر قريبا "قائمة أولى بأسماء كبار المتورطين بتعذيب الشعب السوري" لملاحقتهم ومحاسبتهم.

وفي بيان نشره على تطبيق “تلغرام” في 10 ديسمبر 2024، أكد الشرع أن الحكومة التي ستتولى السلطة ستقدّم "مكافآت لمن يدلي بمعلومات عن كبار ضباط الجيش والأمن المتورطين في جرائم حرب".

وأضاف "لن نتوانى عن محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري. سنلاحق مجرمي الحرب ونطلبهم من الدول التي فرّوا إليها حتى ينالوا جزاءهم العادل".

وتابع: "لقد أكدنا التزامنا بالتسامح مع من لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب السوري، ومنحنا العفو لمن كان ضمن الخدمة الإلزامية"، مؤكدا أن "دماء وحقوق" القتلى والمعتقلين الأبرياء "لن تُهدر أو تنسى".

وعلى الفور أثيرت تساؤلات حول مكان وجود ماهر (57 عاما) شقيق بشار الأسد، وهو قائد "الفرقة الرابعة – مدرعات" أحد مكونات جيش النظام، حيث كان ضباطها في طليعة المنفذين لعمليات قتل المتظاهرين وتنفيذ مجازر بشعة خلال اقتحام المدن السورية لوأد الثورة.

وماهر الأسد الذي تم تحديده بصفته العقل المدبر أيضا لتجارة المخدرات بين لبنان وسوريا، أفادت تقارير صحفية بأنه فر أولا إلى العراق ثم إلى روسيا دون تأكيد موسكو ذلك، بخلاف إعلانها عن قبول لجوء بشار الأسد إليها.

وأول من طالب الأهالي بالقبض عليه من ضباط الأسد الهارب، هو مدير سجن صيدنايا قرب دمشق، العميد أسامة محمد العلي، وهو من مواليد قرى منطقة صافيتا بطرطوس عام 1971.

وسجن صيدنايا “سيئ السمعة” تأسس عام 1987 وشهد جرائم بشعة بحق المعتقلين من زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد حيث وصفته منظمة "العفو الدولية" بـ"المسلخ البشري".

ونفذت في السجن عمليات إعدام وتعذيب حتى الموت بحق المتظاهرين عقب اندلاع الثورة، واكتشف الأهالي بعد تحرير بعض معتقليه فجر 8 ديسمبر وجود جثث للمعتقلين، وكذلك مكبس حديدي لكبس أجساد المعتقلين لسحب السوائل من أجسادهم ليسهل نقلهم ودفنهم بمقابر جماعية في أماكن مجهولة.

والعميد أسامة محمد العلي تولى إدارة سجن صيدنايا من 2010 حتى عام 2014، ثم أعيد إلى إدارة السجن في 15 مارس 2020 حتى سقوط الأسد.

كما يعد سهيل الحسن الملقب بـ"النمر"، والذي كان رجل روسيا الأول في سوريا ويقود "الفرقة 25 مهام خاصة" من أكثر أسماء الضباط التي طالب السوريون بتعجيل القبض عليه.

فالحسن صاحب جملة "بشار الأسد رسول الله في هذا الزمان"، شخص دموي متهم بارتكاب جرائم حرب عديدة بحق السوريين خلال العقد الأخير، ويحمل شعار "الأرض المحروقة"، كتكتيك عسكري في استعادة المدن الخارجة عن سيطرة النظام.

ولد سهيل الحسن عام 1970 في قرية بيت غانا بريف اللاذقية، من أسرة من الطائفة العلوية التي ينحدر منها رئيس النظام، ويعد الحسن أبرز المسؤولين عن الانتهاكات التي وقعت بأحياء حلب الشرقية عام 2016، التي راح ضحيتها نحو 1370 قتيلا في صفوف المدنيين.

يضاف إلى ذلك سجله الدموي في إلقاء البراميل المتفجرة من الطائرات المروحية على المنازل السكنية والأسواق بمناطق المعارضة، والتي أودت بحياة الآلاف من المدنيين.

ومن شدة دموية الحسن وعناصره، عمد رجال أعمال سوريين إلى طرح مكافآت مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومات عن مكان وجوده هو والعقيد دريد العوض وقائد قوات المدفعية في الفرقة “النمر” من الربيعة بريف حماة، والعميد يونس محمد نائب سهيل الحسن، المنحدر من صافيتا بريف طرطوس.

وأيضا لم يغب المستشار الأمني للأسد ورئيس "مكتب الأمن الوطني" سابقا، اللواء علي مملوك، عن قائمة المطلوبين للعدالة.

واللواء مملوك المسؤول المباشر عن الجرائم التي ارتكبتها عناصر إدارة المخابرات العامة في الفترة الممتدة ما بين بداية الثورة عام 2011 وحتى يوليو/ تموز 2012.

ويعد مملوك منذ توليه "مكتب الأمن الوطني" في عام 2012 حتى مطلع عام 2024 المسؤول عن خمسة أجهزة أمنية تتبع للنظام وجميعها تشرف على عمليات الاعتقال والتعذيب للمناهضين لنظام الأسد البائد.

منفذ مذبحة التضامن

ويعد اللواء حسام لوقا الذي يرأس إدارة المخابرات العامة في سوريا، منذ يوليو 2019، بمرسوم من المخلوع الأسد، في هرم الأسماء المطاردة.

ولوقا من بلدة خناصر بريف حلب الشرقي، وهو شركسي، المسؤول عن مجازر ارتكبت بأوامر منه في مدينة حماة عام 2011 لقمع المظاهرات حينما كان رئيسا لفرع الأمن السياسي فيها، وفق ما ورد في كتاب "القائمة السوداء" الذي نشرته منظمة "مع العدالة" عن أسماء ضباط الأسد 

ولوقا له باع طويل في عمليات تهجير السوريين، من أحياء حمص القديمة في مايو/أيار 2014، والتي عدت "فاتحة التهجير الأولى" للمدنيين نحو الشمال السوري، واقتلاعهم من بيوتهم وواصل ذلك في درعا عام 2018.

أما الضابط في الاستخبارات العسكرية الذي انتشرت صورة فور سقوط نظام الأسد وجرى تناقل أخبار كاذبة عن القبض عليه فهو منفذ "مجزرة التضامن" المحقق أمجد يوسف من مواليد قرية "نبع الطيب" في سهل الغاب بريف حماة عام 1986.

وكشف عن واقعة إعدام جماعي بحق 41 مدنيا في أبريل/نيسان 2013 في أحد أحياء العاصمة دمشق، نفذها أمجد يوسف بسلاحه.

ففي مشهد "يدمي القلوب"، أظهر تسجيل مصور نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية في 27 أبريل 2022، أقدم يوسف على حفر حفرة كبيرة داخل "أبنية دعبول" في حي التضامن بدمشق، وكبل أيادي المدنيين، وعصب أعينهم وأوهمهم بأنه يجري نقلهم إلى مكان آخر، وأن عليهم توخي الحذر من قناص، ما يستدعي ركضهم قبل أن يطلق النار عليهم فور سقوطهم بالحفرة.

وعندما انتهت عمليات الإعدام، الموثقة بالفيديو، وضع القتلة عددا من إطارات السيارات فوق أجسادهم، وسكبوا فوقهم الوقود، وأشعلوا فيهم النيران ضاحكين.

وهزت هذه الجريمة البشعة التي نفذها أمجد يوسف الرأي العام المحلي والعربي والعالمي، لوحشية عملية الإعدام لمدنيين سوريين ولاجئين فلسطينيين يعيشون في الحي.

كما طالب السوريون بالقبض على اللواء جميل حسن المنحدر من بلدة القرنية بريف حمص عام 1952، لأسرة من الطائفة العلوية، صاحب فكرة البرميل المتفجر الذي دمر مدنا بأكملها وقتل الآلاف.

واللواء جميل حسن، الذي شغل منصب مدير إدارة المخابرات الجوية بين 2009 و2019، ومع انطلاق الاحتجاجات السلمية عام 2011، ظهر جميل حسن كأحد أبرز المتورطين في أعمال الاعتقال العشوائي والابتزاز والسرقة والتعذيب وقتل المتظاهرين، واغتيال الشخصيات الوطنية.

ويتهم اللواء جميل حسن بأنه المسؤول عن فكرة البراميل المتفجرة التي استخدامها النظام في قصف المدنيين ومواقع المعارضة، والتي قتلت الآلاف من السوريين وكانت السبب الأكبر في نزوحهم وتهجيرهم من مدنهم، نظرا لقوتها التدميرية.

والبراميل المتفجرة، سلاح قاتل وعشوائي، يحشى بمواد محلية متفجرة مخلوطة بقطع حديدية ومسامير، ويقدر خبراء عسكريون وزن الواحد منها بين 150 و600 كيلوغرام.

وهي بسيطة في عملية التصنيع، وذات كلفة منخفضة، مع قدرة تدمير عالية، تعادل قرابة سبع قذائف هاون للبرميل الواحد، وتلقى من الطيران المروحي بشكل عشوائي على الأحياء السكنية.

وتفيد "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" المعارضة، بأن النظام ألقى في غضون تسع سنوات قرابة 82 ألف برميل متفجر؛ تسببت في مقتل 11 ألفا و87 مدنيا بينهم 1821 طفلا، منذ استخدمه للمرة الأولى في يوليو/ تموز 2012 حتى أبريل 2021.

العدالة الانتقالية

كما جرى تداول اسم العميد ياسين ضاحي رئيس "فرع فلسطين" التابع للمخابرات العسكرية، الواقع عند طريق المتحلق الجنوبي في دمشق.

ومنذ سنوات، يذكر فرع فلسطين الذي تأسيسه عام 1969 كأبرز معتقلات نظام الأسدين الأب والابن التي شهدت على حصول انتهاكات بالجملة ضد المعتقلين، فضلا عن عمليات التعذيب اليومية التي تحصل بحقهم، وتنتهي في غالبيتها بالموت.

ومنذ إعلان سقوط نظام الأسد، بدأ السوريون ينشرون أسماء رؤساء الأفرع الأمنية والمعتقلات وضباط الأسد وجرائمهم أملا في أن تنال العدالة والمساءلة كل من تورط في القتل وقضايا التعذيب وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

ولا سيما أنه قبيل سقوط النظام، أعد حقوقيون وشبكات حقوقية وثائق وشهادات متراكمة عبر سنوات عن معظم هؤلاء الضباط وما ارتكبوه من جرائم سواء بأوامر إطلاق النار لقمع المظاهرات أو التعذيب داخل المعتقلات وقتلهم أو تنفيذ إعدامات ميدانية خلال مهاجمة المدن.

وضمن هذا السياق، تؤكد بريجيت هيرمانس الباحثة في مجال العدالة والمحاسبة بسوريا في مركز حقوق الإنسان بجامعة "خنت" البلجيكية بالقول: "هناك أخيرا عملية انتقالية في سوريا، لقد سقط نظام الأسد، وأعلنت المعارضة أنها ستحترم المبادئ الديمقراطية ونأمل أن يحدث هذا. ولأول مرة في التاريخ سيكون من الممكن إجراء محاكمات محلية في سوريا".

وأشارت هيرمانس لوكالة “الأناضول” التركية في 10 ديسمبر 2024 إلى أن "الجهات الفاعلة الدولية السورية والمدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين أكدوا دائما على ضرورة المحاكمات المحلية لتحقيق المساءلة المناسبة".

وأضافت: "لأنه المكان الذي ارتكبت فيه الجرائم، وسنشهد محاكمات محلية في سوريا ضد مؤيدي الأسد والمليشيات العسكرية".

وأوضحت هيرمانس أن “الإجراءات القانونية ضد نظام الأسد قد بدأت في محكمة العدل الدولية”.

وقالت: "طلبت كندا وهولندا فتح دعوى تحكيم بسبب ممارسة نظام الأسد للتعذيب الجماعي ضد مواطنيه، حيث كان النظام قد صدق على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وطلبت المحكمة من النظام وقف هذه الانتهاكات، إلا أن النظام انتقد ذلك ورفض القرار".

وذكرت هيرمانس أن “هناك لجنة تحقيق ضمن الأمم المتحدة والآلية الدولية المحايدة والمستقلة في سوريا (IIIM) للتحقيق في الجرائم بسوريا”.

وتابعت: "هذا بنك بيانات كبير، يحفظ الأدلة كافة على الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، وقد تم استخدام هذه الأدلة أيضا لعرض القضايا تحت الولاية القضائية العالمية".