مال وسلاح ومرتزقة.. هكذا يطيل دعم الإمارات لحميدتي أمد الحرب في السودان

داود علي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

سلسلة مجازر جديدة ومستمرة ترتكبها مليشيا الدعم السريع "المتمردة" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" ضد الشعب السوداني، خلال الحرب الأهلية الدائرة ضد الجيش منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023. 

ففي 12 ديسمبر/ كانون الأول 2024، سقط قتلى وجرحى من المدنيين في قصف لقوات الدعم السريع، على مناطق لإيواء النازحين بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي البلاد.

وأعلنت صحف سودانية محلية أن نحو 10 أشخاص قتلوا وأصيب 70 آخرون معظمهم من النساء والأطفال جراء القصف الذي استهدف مراكز الإيواء الواقع في حي الثورة (جنوب) بصورة مكثفة واستخدمت فيه جميع الأسلحة.

وجاءت تلك الحادثة الدموية بعد يوم واحد من مقتل خمسة أشخاص في قصف آخر للمتمردين، على مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور أيضا.

وهذا المخيم يشهد مجاعة، بحسب التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور وهي إحدى منظمات المجتمع المدني.

وفي 10 ديسمبر أعلن والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة أن عمليات قصف نفذتها مليشيا الدعم السريع نالت محلية "كرري" بمدينة أم درمان، أسفرت عن مقتل 65 شخصا على الأقل.

بينما قتل 176 شخصا خلال يومين (في نفس الفترة) على إثر الضربات المتبادلة بين الجيش وقوات الدعم السريع في أنحاء مختلفة من السودان، وفقا لمعطيات قدمها مسؤولون وناشطون ومحامون، يتابعون أحداث المعارك الدائرة.

وقد عدّت الأمم المتحدة، حرب السودان أسوأ أزمة إنسانية في الذاكرة الحديثة، بعد أن أودت بحياة عشرات الآلاف، وشردت أكثر من 12 مليون شخص.

الدور الإماراتي 

وأعادت جرائم قوات حميدتي المستمرة فتح ملف الدعم الإماراتي لهذه المليشيا بالمال والسلاح والعلاج، ما يطيل أمد الحرب.

وقالت وكالة "رويترز" البريطانية في 13 ديسمبر 2024، إن بيانات الرحلات الجوية وصور أقمار اصطناعية تظهر باستمرار هبوط طائرات شحن قادمة من الإمارات على مهبط صغير للطائرات في تشاد.

وأتبعت: "خبراء من الأمم المتحدة ودبلوماسيون أوردوا أنه استخدم لنقل أسلحة عبر الحدود إلى السودان". 

وكانت بيانات للرحلات الجوية ووثائق لشركات فحصتها رويترز أشارت إلى أن 86 رحلة جوية على الأقل من الإمارات توجهت إلى مهبط للطائرات في أم جرس في شرق تشاد منذ اندلاع الحرب.

وبينت أن ثلاثة أرباع هذه الطائرات تديرها شركات طيران تتهمها الأمم المتحدة بنقل أسلحة قادمة من الإمارات إلى ليبيا.

وفي يناير/كانون لاثاني 2024 أقر تقرير للجنة خبراء للأمم المتحدة، بأن أبوظبي قدمت إمدادات عسكرية عبر مهبط طائرات في تشاد لقوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني.

وعلق المحلل البارز في "مرصد الصراع في السودان" جاستن لينش، والذي راجع تحليل رويترز للرحلات الجوية، قائلا: "إن الدعم اللوجستي يساعد في كسب الحروب، والإمارات استخدمت شبكة الطائرات لتسهيل وصول الأسلحة باستمرار إلى قوات الدعم السريع".

وأتبع: "الأسلحة الإماراتية غيرت ميزان القوى في الصراع في السودان، وأطالت أمد الحرب وزادت من أعداد الضحايا المدنيين".

وقال المتحدث باسم جيش السودان العميد الركن نبيل عبد الله، لرويترز إن إمداد الدعم السريع بأسلحة إماراتية "ليست اتهامات وإنما حقائق ملموسة".

وأضاف: "تدفق الأسلحة والمعدات من قبل الإمارات بهذه الطريقة لمليشيا الدعم السريع المتمردة لم ينقطع منذ اندلاع هذه الحرب، ونحن في القوات المسلحة قدمنا الكثير من الأدلة التي تثبت هذا التورط الإماراتي".

وأوضح: "تمثلت الإمدادات في أسلحة ومعدات وأدوية إماراتية، في صورة شحنات مساعدات عليها شارة هذه الدولة، واستطعنا الحصول عليها في الكثير من المواقع التي سيطرت عليها قواتنا وكانت تحت أيدي المتمردين".

مرتزقة كولومبيون 

لم تكن الأسلحة وشحنات المساعدات فقط هي عامل الدعم الوحيد الذي قدمته الإمارات للمتمردين.

ففي 12 ديسمبر 2024، تطرقت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، إلى مقاطع فيديو جرى التقاطها بالهاتف المحمول في السهول القاحلة في منطقة دارفور بالسودان.

وقالت: "إنها تبدو وللوهلة الأولى مثل العديد من مقاطع الفيديو الأخرى التي خرجت من الحرب الأهلية الوحشية في البلاد: رجال يرتدون زيا مموها يقفون بجوار صناديق الأسلحة، ويعرضون غنائم معركتهم".

وأتبعت: "ثم يقلب أحد الرجال أوراق السجناء الذين أسروا حديثا ويستولي على ممتلكاتهم الشخصية، ويقول: انظروا إلى هذا، إنهم ليسوا سودانيين".

ويكمل الرجل بلكنة عربية مائلة إلى لهجة الزغاوة المحلية: "إنهم يحملون جوازات سفر صادرة عن حكومة كولومبيا على بعد حوالي 7 آلاف ميل.. هؤلاء هم الأشخاص الذين يقتلوننا". 

وتقول الصحيفة الأميركية: "لقد جرى توظيف المقاتلين الكولومبيين، الذين أسروا الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني) في دارفور في وقت سابق من هذا العام من قبل شركة مقرها أبوظبي تسمى المجموعة العالمية للخدمات الأمنية أو جي أس أس جي بمختصرها الإنجليزي".

وذلك وفقا لمقابلات أجرتها "وول ستريت جورنال" مع أكثر من 12 مسؤولا دوليا وقدامى المحاربين الكولومبيين بالإضافة إلى مراجعة ملفات تعريف وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الويب الخاصة بالشركة.

وتصف الشركة التي وردت المرتزقة الكولومبيين إلى السودان، نفسها بأنها المزود الأمني الخاص المسلح الوحيد للحكومة الإماراتية، وتدرج ضمن عملائها وزارات الشؤون الرئاسية والداخلية والخارجية في الإمارات.

ضباط إماراتيون

وفي سياق متطور لطبيعة الدعم الإماراتي للمتمردين في السودان، وصل الأمر إلى إرسال الدولة الخليجية، ضباط عسكريين لميادين القتال هناك

ففي 24 سبتمبر/ أيلول 2024، نشرت وزارة الدفاع الإماراتية نعيا أثار جدلا عن مقتل 4 من أفراد قواتها المسلحة وإصابة 9 آخرين على إثر حادث تعرضوا له.

ذلك النعي خلف جدلا بشأن غياب التفاصيل الخاصة بكيفية مقتل وإصابة هذا العدد الكبير، وأثيرت تساؤلات من قبيل، هل هو بفعل حادث سير؟ أم تحطم طائرة؟ أم انفجار؟ 

وكشفت عن لغز مقتل العسكريين الإماراتيين، مواقع إخبارية سودانية، وناشطون وشخصيات سودانية.

وقال المفكر السوداني تاج السر عثمان علي، عبر منصة “إكس”: "مقتل أربعة جنود إماراتيين وإصابة آخرين أثناء وجودهم مع مليشيات حميدتي بالسودان". 

وأضاف: “يبقى السؤال: لماذا تخفي الإمارات حقيقة مقتل جنودها وهم يقفون مع المتمردين؟”

ثم أورد: "لماذا يزج (الرئيس) محمد بن زايد بأبناء الإمارات في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل في السودان، ثم يعلن أنهم توفوا أثناء تأدية واجب في مكان مجهول أو في حوادث مرورية!".

وكتب علي، في منشور آخر معقبا على نعي وزارة الدفاع الإماراتية: "من حق أسر الجنود أن تخبروهم أن أبناءهم قتلوا وهم يقفون إلى جانب المتمردين في السودان!".

وتابع: "أخبروهم بمكان مقتلهم، ليعلموا أنكم تجار حروب بالوكالة دفعتم بأبنائهم في حرب لا تعنيهم". 

هكذا قتلوا 

من جانبها، أشارت حسابات ومواقع سودانية مثل صحيفة “سودان تريبيون”، إلى أن العسكريين الإماراتيين قتلوا وأصيبوا في قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني على مطار مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور.

وتلك المدينة تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع المتمردة، بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" المدعوم إماراتيا. 

وكشفت الصحيفة أن القصف الجوي أدى إلى تدمير المدرج وأبراج المراقبة ومكاتب إدارية داخل المرفق، كما نال القصف مقر الفرقة السادسة عشرة مشاة، ما خلف عشرات القتلى ومنهم الجنود الإماراتيون.

وبينت أن الهجوم  جاء على المطار بعد أيام قليلة من استقباله طائرة شحن ضخمة تقول مصادر متفرقة إنها أفرغت شحنات أسلحة ثقيلة وردت من الإمارات.

وذكرت أن القصف على تضمن أيضا ضرب أنظمة تشويش حديثة كانت توجد في جبل نيالا الواقع في شرق المدينة.

وأشارت كذلك إلى استهداف مخازن استخدمتها قوات الدعم السريع في تخزين إمدادات عسكرية بالقرب من مدرسة "البير راغب" الثانوية بنات.

وأعلنت مواقع سودانية أن مبررات القصف العنيف للمدينة في هذا التوقيت، جاءت لقطع الشحنات العسكرية المرسلة من الإمارات، إلى الدعم السريع في عاصمة جنوب دارفور، قبل نقلها إلى مسارح العمليات في الخرطوم ومناطق أخرى.

عاصمة الثورة المضادة 

وعلق السياسي السوداني الدكتور إبراهيم عبد العاطي على التدخلات الإماراتية في السودان، وإمدادهم الدعم السريع بالمال والسلاح والمرتزقة والضباط، قائلا: "لطالما كانت أبوظبي عاصمة الثورة المضادة منذ اندلاع الربيع العربي عام 2010، حيث عبثت بأمن تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا". 

وتابع في حديث لـ"الاستقلال": "ومع ذلك مثّل السودان لها وضعا خاصا حيث كان البلد الوحيد ضمن هذه البلدان الذي يتقاطع فيه الإسلاميون (نسبيا) داخل مؤسسات الدولة من أول الدولاب الحكومي وصولا إلى الجيش والشرطة والمخابرات". 

و"لذلك عملت الإمارات على حل الدولة نفسها وتدميرها كليا، واستبدالها بمليشيات ومجموعات متمردة، حتى تسحق تماما الشكل القديم الذي لم يكن يرضيها".

ووصف عبد العاطي الأمر بأنه أشبه بـ "لعبة الموت"، حيث راهنت أبوظبي على عصابات قبلية وأودت بأمن نحو 50 مليون إنسان هم قوام الشعب السوداني العريق.

واستنكر السياسي السوداني تأخر الجيش وأجهزة الدولة في التصدي لهذا الأمر مبكرا.

وذكر أنهم تركوا الإمارات حتى حولت الدعم السريع من قوات محدودة إلى جيش كبير ومجهز كاد أن يبتلع الدولة فعليا، ولو وقفوا في وجهها من أول لحظة لما حدث ما حدث. 

ورأى أن "كل ما فعلوه أنهم أجلوا الصدام حتى تحول إلى حرب أهلية كارثية عصفت بأمن السودان، ووضعته أمام سيناريو التقسيم".