اتهمته بإهمال شعبه.. لماذا غيرت إيران موقفها من الأسد بعد سقوطه؟

منذ ٢١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تغيرت لهجة طهران تجاه نظام بشار الأسد الحليف بعد سقوطه في 8 ديسمبر/كانون الأول، مما يظهر النفاق الإيراني وأيضا الحرص على عدم معاداة قوى الثورة، الحكام الجدد لسوريا.

ويمكن فهم هذا التغير من خلال تصريحات لرئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف تطرق فيها إلى الأسباب التي أدت إلى سقوط نظام الأسد، وهي "تجاهل مطالب الشعب واعتماده الكامل على القوة العسكرية".

نظام هش

ويدعي موقع "عصر إيران" أنه على الرغم من النصائح المتكررة التي قدمتها إيران للأسد بضرورة الإصغاء لشعبه والعمل على تلبية احتياجاتهم، فإنه استمر في تجاهل مقترحاتها، مما أدى إلى تآكل شرعيته وانهيار أركانه من الداخل.

ومن ناحية أخرى، يلمح الموقع إلى أن إيران يمكن أن تتعلم من هذا الدرس، مشددا على أهمية تلبية مطالب المواطنين وفتح باب الحوار مع مختلف الفئات لضمان استقرار النظام وتجنب سيناريو مشابه لما حدث في سوريا. 

وقال قاليباف إن "بشار الأسد أُبلغ مرارا بضرورة الانتباه إلى الشعب، وحتى إلى المعارضين المسلحين الذين لديهم ما يودون التعبير عنه، حتى لو كان كلامهم غير مهم"، وفق ما نقل الموقع.

ويلفت الموقع الفارسي إلى أن بعض المسؤولين الآخرين قد كرروا هذا الرأي في البلاد، ولكن كان رد مسؤولي الحكومة السورية السابقة أنهم "لا يرون إمكانية تنفيذ مثل هذه التوصية في إطار سياسة الحفاظ على الاستقرار في سوريا".

وبالنظر إلى الواقع الحالي، يشدد على أن "الزمن أثبت أن المسؤولين الإيرانيين كانوا على حق، وأن الاستقرار الذي سعى نظام الأسد للحفاظ عليه بقبضة حديدية، رغم مظهره المهيب والمخيف، كان هشا للغاية من الداخل، لدرجة أنه انهار بضربة واحدة ولم يتبق منه شيء".

وتأتي هذه التصريحات على الرغم من التدخل الإيراني العلني في سوريا والزج بمليشيات من كل حدب وصوب لدعم نظام الأسد مما أطال أمد الحرب 13 سنة.

ورأى قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، أن ما حدث في سوريا درس مرير يجب أن نتعلم منه. وشدد على أن "بلاده سعت إلى صون كرامة السوريين"، عبر تدخلها.

كما شدد على أن القوات الإيرانية أو المستشارين "لم يذهبوا إلى الأراضي السورية من أجل ضمها، بل للدفاع عن المسلمين"، وفق زعمه.

إلى ذلك، وصف سلامي، في ختام الدورة السنوية الثالثة لاختيار أفضل الأعمال البحثية العسكرية، ما جرى في سوريا من تطورات بالمؤسفة. 

وكان المرشد الإيراني علي خامنئي أكد قبلها أن بلاده حذرت دمشق منذ سبتمبر/أيلول 2024، من تحركات مريبة، لكن الأسد تجاهل العدو، وفق قوله.

كما حمل "دولة مجاورة مسؤولية المساهمة في الإطاحة برئيس النظام السوري، في إشارة إلى تركيا.

مصير إيران

واستنادا إلى تصريحات قاليباف والمسؤولين الآخرين في طهران، يحلل موقع "عصر إيران" المشهد في 3 نقاط.

تتمثل النقطة الأولى في أن إيران ليست سوريا، كما أن دمشق ليست طهران، على حد وصف الموقع.

ولذلك، يعتقد أنه يجب وضع حد لتوهم بعض عناصر المعارضة الإيرانية الذين يعتقدون أن قوات الثورة السورية أو ما يشابهها ستتجه نحو إيران كما حدث في سوريا، لإسقاط الحكومة وجلب الحرية والديمقراطية والرفاهية للإيرانيين. 

وفي هذا السياق، ورغم أنه "لا ينبغي التقليل من شأن العدو أو عده ضعيفا"، يلفت الموقع إلى أن "سقوط حكومة الأسد لم يكن بسبب القوة الخاصة لأعدائه، بل نتيجة ضعف شامل اجتاح جميع أركان النظام". 

فأي حكومة قوية تستند إلى دعم شعبي -بحسب الموقع- لا يمكن أن تنهار بسبب تمرد مسلح قوامه بضع عشرات الآلاف، حتى لو كانت مدعومة من جهات خارجية.

أما فيما يخص النقطة الثانية، يؤكد الموقع الإيراني أن "الاهتمام بالشعب"، الذي كان دائما توصية المسؤولين الإيرانيين للأسد، هو السر الذهبي لبقاء الحكومات.

إذ إن اهتمام الحكومة بشعبها، بمعنى "التزام الحكام بإرادة الأمة"، يؤدي إلى نتيجة واحدة؛ وهي دفاع الشعب عنها وحمايتها. 

وفي هذا الصدد، يقول "عصر إيران" إن "ما شهدناه في سوريا خلال الأيام الماضية يشبه ما حدث في السنوات الأولى بعد انتصار الثورة (1979) في بعض مناطق إيران، بما في ذلك شمال غرب البلاد". 

ويضيف أنه "في تلك الفترة، كانت هناك جماعات مسلحة ذات توجهات انفصالية تخوض مواجهات مع القوات الحكومية"، مشددا على أن ما أفشل مخططاتهم لم تكن المدافع والدبابات الحكومية، بل دعم الشعبي.  

جدير بالذكر أن أحد سكان أرومية (في محافظة أذربيجان الغربية بإيران) يروي أن "الانفصاليين عندما وصلوا إلى أبواب المدينة، أخذ رجال المنطقة مواقعهم حاملين السلاح، بينما أعدت النساء الحجارة والماء المغلي، بحيث إذا دخل العدو الأزقة، يقاومونه حتى بقدر غلاية ماء أو قطع من الطوب". 

وبهذا المستوى من التلاحم الشعبي، لم تسقط المدينة فحسب، بل استعيدت المناطق الأخرى أيضا، وعاد الأمن والاستقرار إلى البلاد، وفق ما ورد عن الموقع.

وبنفس الشكل، يتساءل: “لو كان هناك نفس النهج من التلاحم الشعبي في سوريا، هل كان بإمكان المتمردين المسلحين الاستيلاء على مدينة واحدة والاحتفاظ بها؟”.

الاستماع للآراء

واستكمالا لتحليل المشهد، يلفت النظر إلى أن "الاهتمام بالشعب والحوار مع المعارضين -حتى لو كانت آراؤهم، كما قال قاليباف، غير مقبولة- هو أحد متطلبات استقرار الحكومات". 

وأشار قاليباف في حديثه إلى "الجماعات المسلحة التي كانت من الشعب السوري، لكنها لم تكن من تنظيم الدولة والتي كان يجب أن تُسمع أصواتها ويُستمع إلى مطالبها".

وفي هذه النقطة، يشير الموقع إلى أنه "بفضل دعم الشعب وبركة دماء الشهداء وتضحيات حماة الأمن، لا توجد في إيران جماعات مسلحة معارضة تحظى بدعم شعبي خاص يستدعي التفكير في الحوار معها أو عدمه"، وفق تعبيره.

"ولكن، كما هو الحال في أي نظام سياسي بالعالم، توجد معارضة داخلية، وغالبية هؤلاء المعارضين ليسوا بالضرورة معارضين للجمهورية الإسلامية". 

بل إن الكثير منهم -بحسب الموقع- أكثر حرصا على إيران وشعبها من بعض المسؤولين أنفسهم، لكنهم يعارضون بعض السياسات.

ورغم الاختلافات الجوهرية بين إيران وسوريا، يتوقع الموقع أن تُطبق التوصيات التي قدمها المسؤولون الإيرانيون للأسد بشكل أكثر جدية داخل طهران نفسها.

فعندما قيل إن "حكومة الأسد كان ينبغي عليها سماع أصوات المعارضين المسلحين غير التابعين لتنظيم الدولة"، فمن باب أولى أن "يُفتح المجال للحوار مع منتقدين غير مسلحين ولا يسعون للإطاحة بالنظام، وأن يُسمح لهم بالنقد والمعارضة بشكل علني دون خوف"، وفق ما يراه الموقع.  

ويذهب إلى أكثر من ذلك، متسائلا: “ما المانع، دون الدخول في تفاصيل القضايا القضائية، أن يُتاح للأفراد المعتقلين لأسباب سياسية أن يجلسوا على طاولة الحوار بدلا من أن يكونوا خلف القضبان، ليعبروا عن آرائهم حتى لو لم تكن مقبولة؟”

ويوجه الموقع عدة تساؤلات، أهمها: "ما المانع في أنه بينما ننصح الحكومات الأخرى بالاهتمام بشعوبها، أن نكون نحن الأكثر التزاما بهذه النصائح؟".

بالإضافة إلى ذلك، يتساءل: “لماذا لا نصغى إلى الشعب ونعمل بما يريد في قضايا مثل الانتخابات وحجب المواقع والقوانين المتعلقة بلباس النساء والعلاقات الخارجية وتوزيع الميزانية وإتاحة الفرص لجميع التوجهات في الإعلام الرسمي وحرية الصحافة ومعايير التوظيف وغير ذلك؟”

وفي هذه النقطة، يؤكد الموقع على أن "التوصيات الحكيمة التي وُجهت للحكومة السورية السابقة إذا نُفذت بشكل جاد في الداخل الإيراني، فمن ستكون له الجرأة على شن حرب نفسية أو معرفية ضد الجمهورية الإسلامية، ومن ثم استغلال سلبية الناس للتدخل في هذا البلد؟".

وفي النهاية، ينوه إلى أن ظهور الجمهورية الإسلامية واستمرارها لم يكن قائما على دعم القوى الخارجية ولا على اقتصاد قوي ولا على قوة عسكرية، مشددا على أن "الشعب هو من حملها وحافظ عليها".  

لذلك، يختتم بتوصية للسلطة ومن يسعى للحفاظ على النظام بأمرين مهمين؛ الأول هو الاهتمام المستمر بالشعب والاستجابة لمطالب الأغلبية.

 والثاني هو تحديد الجهات التي تعيق هذا الاهتمام وتخلق فجوة بين الشعب والحكومة، مما يهدد بقاء النظام.