بعد إسقاط الأسد وتشكيل "حكومة انتقالية".. كيف تعبر سوريا إلى نظام ديمقراطي؟

مصعب المجبل | منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

تشكلت في سوريا "رسميا" حكومة انتقالية بعد يوم من إسقاط نظام بشار الأسد الذي دام 24 عاما؛ حيث كلفت إدارة العمليات العسكرية محمد البشير برئاسة الحكومة لمدة 90 يوما تقريبا.

وكلف القيادي في إدارة العمليات العسكرية بسوريا، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، في 9 ديسمبر/كانون الأول 2024، محمد البشير رئيس "حكومة الإنقاذ" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" بإدلب، بتولي رئاسة الحكومة الانتقالية حتى الأول من مارس/آذار 2025 إلى حين وضع الدستور.

حكومة انتقالية 

وفر رئيس النظام المخلوع بشار الأسد من سوريا فجر 8 ديسمبر 2024، إثر محاصرة العاصمة دمشق من قبل فصائل إدارة العمليات العسكرية التي أطلقت عملية تحت اسم "ردع العدوان" بقيادة "هيئة تحرير الشام".

وبعد يوم من تحرير دمشق، بحث أحمد الشرع، مع رئيس حكومة الأسد المخلوع، محمد الجلالي تنسيق عملية انتقال السلطة.

وقد جرى في اليوم التالي تسليم الوزراء السابقين مهامهم إلى وزراء الحكومة الانتقالية الجديدة خلال اجتماع في مبنى رئاسة الوزراء بدمشق.

وعلى الفور أكد البشير إثر تكليفه أن الوقت حان لينعم السوريون بـ"الاستقرار والهدوء".

كما وجّه في حوار له مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، في 11 ديسمبر دعوة للسوريين خارج البلاد للعودة إلى الوطن، عقب الإطاحة بنظام الأسد.

وشدد البشير على أن هدفهم الأول ضمان الأمن والاستقرار في مدن سوريا كافة، ومن ثم ضمان عودة ملايين اللاجئين السوريين.

وقال البشير: "الديون ضخمة، والصعوبات كبيرة، لكن لدينا تجربة ناجحة في إدلب (شمال غرب). لا شك أن المدينة ليست كدولة، لكن يمكننا تحقيق النجاح".

وبينما تجتهد الحكومة الانتقالية في إثبات قدرتها على قيادة هذه المرحلة بشكل مؤقت، فإن الاختبار العملي بدأ لإنتاج نظام سياسي جديد بسوريا في "بيئة آمنة ومحايدة سياسيا"، وفق الخبراء.

إذ يؤكد المراقبون أن من أولويات "الحكومة الانتقالية" إشراك السوريين في عملية "الحوار والنقاش" الهادف للوصول إلى نظام يحقق تطلعات جميع السوريين ويلبي مطالبهم في الانتقال الديمقراطي المنشود.

وأمام لحظة التغيير التاريخية التي يعيشها الشعب السوري في إنهاء الاستبداد الذي بدأ منذ تسلم حافظ الأسد السلطة في انقلاب عسكري عام 1971، تبرز كثير من "التحديات الهائلة" في الوقت الراهن للسير في الاتجاه الصحيح نحو إنشاء هيكل حكم رسمي للبلاد، لا سيما أن هذه أول فرصة للسوريين منذ منتصف القرن العشرين لتحديد من يحكمهم بشكل ديمقراطي.

وعلاوة على ذلك، فإن المجتمع الدولي أعاد التركيز على سوريا، وبدأ يقدم تصوراته لشكل الحكم في هذا البلد الذي قتل نظام الأسد البائد نص مليون من سكانه وهجر وتسبب بنزوح نصف الشعب داخليا وخارجيا.

وقد قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في 10 ديسمبر 2024 إنه "ينبغي لكل الدول التعهد بدعم عملية شاملة وشفافة في سوريا والامتناع عن التدخل في شؤونها".

وأضاف بلينكن، إن الولايات المتحدة "ستعترف وتدعم بالكامل حكومة سوريا المستقبلية الناتجة عن هذه العملية".

بدوره قال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، إن "هيئة تحرير الشام" التي قادت الإطاحة بالأسد، ينبغي أن تقرن بالأفعال "الرسائل الإيجابية" التي أرسلتها حتى الآن إلى الشعب السوري.

من جانبها حذرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس من "التحدّيات الهائلة" التي تواجهها العملية الانتقالية الجارية، مناشدة السوريين عدم تكرار "السيناريوهات المرعبة" التي حدثت في كل من العراق وليبيا وأفغانستان.

خطوات أولى 

وأمام هذه المرحلة المهمة من حياة السوريين، حاولت "الاستقلال" استقراء الآراء حول أبرز الخطوات العملية التي تتطلبها سوريا بعد تسلم "الحكومة الانتقالية" للعبور لنظام ديمقراطي.

وضمن هذا السياق، رأى الباحث في مركز الحوار السوري، أحمد قربي، أن “أول خطوة ينبغي على الحكومة الانتقالية فعلها هي إصدار إعلان من قبل إدارة العمليات العسكرية بتولي السلطة في سوريا وإيقاف العمل بالدستور الصادر عام 2012 وحل مجلس الشعب”.

وبين لـ "الاستقلال"، أنه يجب أيضا “حل الأجهزة الأمنية، والبدء بتسيير شؤون الدولة بمرحلة انتقالية يمكن أن تكون مدتها تسعة أشهر أو عام، وخلال هذه الفترة يجرى الإعداد للانتخابات”.

وكذلك خلال فترة قريبة يتم إصدار إعلان دستوري مؤقت ينظم للمرحلة الانتقالية ويوضح من يتولى السلطة التنفيذية والتشريعية في البلاد مع تحديد هوية أعلى سلطة في الدولة خلال هذه الفترة هل هي الحكومة الانتقالية أم غرفة إدارة العمليات العسكرية، وفق قوله.

ولفت قربي إلى أن "الفترات الانتقالية عادة تتراوح مدتها من سنة إلى سنة ونصف يكون فيها إعلان دستوري ثم يجرى تشكيل لجنة لكتابة الدستور وطرحه بعد إعداده للاستفتاء عليه ثم الدعوة للانتخابات". 

بدوره يرى مدير الأبحاث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية معن طلاع: "أن إدارة العمليات العسكرية يفترض أن تعمل بمنطق تسيير الأعمال وليس إعلان حكومة انتقالية لكي تستمر في دوام تقديم الخدمات وضمان عمل مؤسسات الدولة الداخلية أو الخارجية". 

وأضاف طلاع لـ “الاستقلال”: "اليوم بعد تشكيل حكومة انتقالية برئاسة محمد البشير، يفترض أن تمر العملية بثلاث مراحل، الأولى مرحلة الضبط الأمني وما يرافقها من إيقاف الدستور الحالي مع جملة من المبادئ الدستورية أو إعلان دستوري مؤقت".

 ثم كمرحلة ثانية وفق طلاع: “الإعلان عن استحقاقات العملية الانتقالية ومناقشة الدستور والحياة السياسية والحزبية وقضايا الانتخابات وإعادة الإعمار وباقي الملفات بما فيها تطبيق العدالة الانتقالية وبرامجها، وثانيا الإعلان عن قانون الانتخابات”.

وبعدها المرحلة الثالثة المتمثلة بالإعلان عن "أول حكومة ديمقراطية منتخبة في سوريا".

"حوار سوري"

ويجمع كثير من المراقبين في الشأن السوري أن التعقيدات الحاصلة في الساحة السياسية التي تلت سقوط نظام الأسد، تتطلب انفتاح الحكومة الانتقالية على باقي الأطياف السورية.

ويرى مدير منصة "الذاكرة السورية" عبد الرحمن الحاج ضرورة “الانتقال إلى نظام سياسي جديد بما في ذلك تشكيل هيئة تأسيسية تمثيلية وكتابة الدستور وإجراء الانتخابات النزيهة في بيئة آمنة ومحايدة سياسيا”. 

وأضاف الحاج في منشور على حسابه في فيسبوك: "يجب على السوريين الانخراط في الحوار والنقاش والاتصال والتفاوض من أجل الوصول إلى نظام يحقق تطلعات جميع السوريين ويحمي مستقبل البلاد".

كما أن هناك من يدعو لتهيئة الأجواء وبدء الإعداد لحوار وطني شامل لإنجاز  ترتيبات الحكم الانتقالي في سوريا.

ويشير رئيس الائتلاف السوري المعارض نصر الحريري، في منشور له على حسابه في "إكس" بالقول: “الآن بعد سقوط النظام، يجب أن يكون المؤتمر الوطني العام الخطوة الأولى لإعادة بناء سوريا، مستندا إلى التوافق والشمولية والعدالة”.

وتابع: "المؤتمر يمثل فرصة لنا كسوريين لتقرير مصيرنا بأنفسنا، بعيدا عن التدخلات الخارجية أو الصراعات الداخلية".

وفي هذه المرحلة من التحول الدراماتيكي في التاريخ السوري الحديث، يدعو البعض إلى ضرورة التركيز على رفع العقوبات الدولية والأميركية عن سوريا كي تستطيع الدول والمنظمات الدولية تقديم أشكال الدعم والمساندة كافة للسوريين.

حتى إن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون أشار إلى أن الحكومة الانتقالية يجب أن تسعى إلى عملية أشمل تجمع مختلف الأطراف لتجنب اندلاع "حرب أهلية جديدة" بعد سقوط  الأسد.

وأضاف بيدرسون في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية في 11 ديسمبر 2024 أن الإشارات الأولية تظهر أن السلطات الانتقالية "أدركت أنها بحاجة إلى الاستعداد لعملية جامعة أكثر ".

وراح المبعوث الأممي يقول: "أعتقد أنه من المهم للغاية أن توضح السلطات الجديدة في دمشق ما تريد تحقيقه خلال هذه الأشهر الثلاثة".

وأعرب عن أمله في أن تدرك هذه السلطات الحاجة إلى “حكومة جامعة”.

وحذر أن عدم حدوث ذلك "لن يؤدي فقط إلى إحداث حالة من التوتر داخل سوريا فحسب، مع احتمال اندلاع اضطرابات داخلية جديدة، لا بل حتى حرب أهلية، قد تولد أيضا ردود فعل سلبية من الدول المجاورة”، وفق قوله.