موقع ألماني: تركيا الرابح الأكبر وأميركا أبرز الخاسرين من سقوط الأسد
واشنطن لم تعد قادرة ولا تملك الوسائل حتى لاستغلال الوضع لصالحها
هاجم موقع ألماني سياسة الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، ويرى أنها عبارة عن سلسلة من ردود الأفعال، أدت إلى غياب الأنظمة المستقرة وشيوع الفوضى في المنطقة.
ويستشهد موقع "تيليبوليس" بالحالة العراقية، حيث أدى تدخل واشنطن في عام 2003، والتعاون المشترك مع الإيرانيين، وتسليم البلاد لهم، والتخلي عن حلفائهم الأكراد، إلى الوصول لدولة عراقية هشة.
ومرورا بالفشل الأميركي في ليبيا، وصولا إلى سوريا، يتنبأ الموقع بمستقبل الوضع في دمشق، متسائلا عن مستقبل الصراع بين الحركات الكردية الانفصالية وتركيا، التي عدها الرابح الأكبر في دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد.
واستمرارا لانتقاد السياسة الأميركية الخارجية، رأى الموقع أن واشنطن لم تعد قادرة، ولا تملك الوسائل حتى، لاستغلال الوضع لصالحها في الشرق الأوسط.
ووسط ضبابية المشهد المشكل حديثا في سوريا، يوضح الدور المحتمل لروسيا وإيران في الساحة السورية، كما عرض احتمالات سحب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قوات بلادها من سوريا في ولايته الجديدة.
انهيار الدول
وينظر الموقع إلى الشرق الأوسط بوضعه الحالي نظرة سلبية، حيث يقول إن "الأنظمة المستقرة لكل من معمر القذافي في ليبيا وصدام حسين بالعراق وسلالة الأسد انهارت، ودولهم الآن في مراحل مختلفة من الفوضى الأمنية، وفشل الدولة، أو الاضطراب السياسي المزمن".
وأكمل: "أما مصر، فتظل باقية كنوع من الدول العميلة للولايات المتحدة، والتي جرى الحفاظ عليها من احتمالات الديمقراطية التي أتاحها الربيع العربي بفضل تقاعس أميركا".
ويعتقد أن بداية كل الأزمات التي جعلت الشرق الأوسط يصل لوضعه الراهن كان مع "غزو أميركا للعراق عام 2003، وتدمير نظام (شرير) -وجميعهم شريرون بالمناسبة- لكنه في نفس الوقت مستقر نسبيا، وكان يعد دعامة أساسية حافظت على معظم تقسيمات دول سايكس بيكو".
إذ "تسبب هذا الغزو في بداية عملية دعَت كل شخص للانقضاض على العراق، ورؤية إلى أي مدى سيصل".
ويتابع الموقع: "يمكننا أن نرى أن كثيرا من عناصر تنظيم الدولة والجماعات السابقة التابعة للقاعدة، الذين يقاتلون الآن في سوريا، كانوا قد سيطروا تقريبا على جميع أنحاء العراق، بعد أن غادرت القوات العراقية التي جرى تدريبها وتسليحها من قبل أميركا بعد الإطاحة بصدام حسين".
بعد ذلك، "تركت أميركا العراق للإيرانيين الذين حولوها إلى دولة عميلة، حيث قللت الولايات المتحدة من خسائرها من خلال التعاون مع إيران في تفكيك تنظيم الدولة التي نشأت بالأساس من بقايا تنظيم القاعدة المدمر من قبل الولايات المتحدة".
ويكمل: "ثم تركت أميركا الأكراد وحدهم، الذين اعتقدوا بجهل أن الولايات المتحدة مدينة لهم بإنشاء دولة قومية بعد كل هذا".
وبالانتقال إلى ليبيا، يرى الموقع أن "الهيمنة الأميركية هناك عام 2011، التي أدت إلى الإطاحة بمعمر القذافي، بدعم من حلف شمال الأطلسي (الناتو) والدعم الغربي؛ أنتج في النهاية دولة فاشلة في تلك المنطقة الهشة".
ويفسر الموقع النهج الأميركي، قائلا: "اعتقد خبراء السياسة الخارجية في واشنطن أن التدخل في ليبيا -كما في سوريا بعد ذلك- يعد ضربة ضد الطموحات الروسية في المنطقة".
في المقابل، ينتقد هذا النهج، ويرى أنه "أغفل حساب القيمة السلبية لاندلاع الفوضى في منطقة مرهقة، بسبب الحرب بالوكالة بين إيران من جهة وأميركا وإسرائيل على الجانب الآخر، كما تجاهل أيضا السياسة الخارجية في القرن الإفريقي".
وتأكيدا لفشل السياسة الأميركية في ليبيا، يقول الموقع: "في النهاية، لا تزال روسيا هناك، وهو ما يثير غضب الغرب".
سقوط الأسد
وبالحديث عن سوريا، يؤكد الموقع أولا أنه "لن يُفتقد أحد من عائلة الأسد، التي حكمت البلاد منذ انقلاب عام 1970".
وتابع: "في البداية، قدم الأسد نفسه كإصلاحي حديث، لكنه رد على الاحتجاجات السلمية خلال الربيع العربي بقمع وحشي".
وفي وصفه للربيع العربي، ذكر الموقع أنها "انتفاضة متعددة الجنسيات ضد الطغاة في جميع أنحاء الشرق الأوسط الذين استغلوا الحرب العالمية ضد الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة أكثر من اللازم لقمع شعوبهم".
وذكر أن هذا العنف "أدى إلى اندلاع حرب أهلية عام 2011، دخل فيها تنظيم الدولة ومليشيات مدعومة من الولايات المتحدة انضمت للقتال للإطاحة بنظام الأسد".
وفي هذا السياق، يخشى الموقع "حدوث انهيار في سوريا على غرار العراق". ويستند في توقعه هذا، إلى ما فعلته إسرائيل بعد سقوط الأسد.
إذ "سيطرت على أجزاء حدودية جديدة من البلاد، ودمرت القدرات البحرية والجوية السورية، ومخازن الصواريخ والأسلحة الكيميائية".
ويحلل مواقف وحسابات القوى الإقليمية المنخرطة في الشأن السوري، فيقول: "على عكس عام 2012، عندما انضم حزب الله إلى الأسد ضد المتمردين، لا يمتلك الحزب الآن سوى عدد قليل من قواته في سوريا، مما حال دون تقديم الدعم لبشار".
وأردف: "أما تركيا، التي يعتقد كثيرون أنها تقف وراء السيطرة الإسلامية الحالية على البلاد، فإنها ترى فرصة جديدة للتخلص من حركة الاستقلال (الانفصال) الكردية عبر حدودها في سوريا".
وهو ما قد يؤدي إلى مواجهات عنيفة مع القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في الشمال الشرقي من البلاد.
لكن على عكس ما حدث في العراق من تخلي واشنطن عن الأكراد، يرى الموقع أن "حسابات أميركا قد تختلف هذه المرة، بسبب وجود آبار النفط في تلك المنطقة".
ويوضح أن واشنطن "تمتلك حاليا 900 جندي أميركي متمركزين في سوريا، وتشن طائراتها الحربية غارات جوية، يُزعم أنها ضد تنظيم الدولة وهو ما ساعد في الماضي القريب، بشكل غير مباشر، بشار الأسد على البقاء في الحكم".
الخاسر والرابح
ويعلق الموقع على شن أميركا هذه الضربات الجوية، قائلا: “لو حدث هذا قبل عام، عندما كان (الرئيس) جو بايدن لا يزال نظريا القائد العام للقوات المسلحة الأميركية ربما كان يمكن عده نوعا من التدخل”.
أو على الأقل "كان يمكن عدها حركة لعرقلة الجماعات الإسلامية ومنعها من التوحد، لتقليص نجاحها أو على الأقل إبطاؤه، واعتراض أي مساعدات إيرانية قادمة من الشرق".
ويضيف: "لكن بايدن لم يعد لديه السيطرة، فقد استنفد مصداقيته من خلال تدخلين قبيحين بالوكالة، بمحاربة روسيا حتى آخر جندي أوكراني، ودعم إسرائيل في غزة".
واستطرد: "قبل عام -أو بشكل واقعي قبل عامين أو ثلاثة- ربما كان على بايدن الدفاع عن تدخل مباشر في سوريا، أو ربط أميركا بشكل أكثر وضوحا بطرف وكيل آخر، ربما الأكراد الذين يعانون ولا يزالون يطمحون إلى السيطرة على جزء من سوريا".
وتابع: يبدو أن بايدن، في أيامه الأخيرة في منصبه، يفتقر إلى الطاقة السياسية لفعل كل هذا، وهذا أمر جيد، لأننا -بصراحة- لسنا في وضع يسمح لنا (ولا نملك الوسائل) لاستغلال الوضع بشكل إيجابي".
ويعقب الموقع على محاولات واشنطن التواصل والتفاهم مع هيئة تحرير الشام التي قادت معركة إسقاط الأسد.
وقال: "سواء كانت المجموعة الإسلامية الرائدة تؤمن بالاعتدال أم لا، فإن أي محاولة مستقبلية لإعادة تأهيل الإرهابيين السوريين ستشبه التلميع غير الصادق للمليشيات الأوكرانية النازية الجديدة، ومما لا شك فيه أنها ستواجه خطر تحقيق نتائج مماثلة".
وشكك في إمكانية الانخراط الأميركي بالشأن السوري مستقبلا، قائلا: "ترامب أوضح أنه لا يريد أن يكون جزءا من حرب سوريا، كما أنه ليس متحمسا بشكل خاص لمواصلة الحرب في أوكرانيا".
كما توقع الموقع أن تخرج أميركا من سوريا، وهو أمر حاول ترامب تنفيذه في ولايته الأولى لكنه فشل.
ويرجح أن يحاول فعل الشيء نفسه في ولايته الثانية، وسيكون ذلك هو التصرف الصحيح، ويحتمل أن يحظى بدعم واسع، وفق تقدير الموقع الألماني.
ويحذر من أن “عدم حدوث هذا، سيجعل سوريا دولة فاشلة أخرى بالشرق الأوسط، لكن لا يزال الوقت مبكرا للتنبؤ بجميع التحركات المستقبلية”.
من جهة أخرى يرى أن "هناك دولة واحدة تعد الرابح الأكبر في هذا الصراع، وهي تركيا، التي قضت على عدوها الجنوبي، الأسد". وبخصوص روسيا، يبدو أنها خرجت من اللعبة، مما يضع قواعدها البحرية والجوية الاستراتيجية في خطر.
ويتابع: "تبقى إيران، التي تأثرت بالإطاحة بالأسد، لكنها ليست خارج اللعبة بأي حال من الأحوال، ويمكن أن تنحاز إلى أحد أطراف الصراع بين المليشيات، أو تنسحب لعلاج جراحها، خصوصا أنها فقدت في نفس الشهر قوة حزب الله" بعد مواجهة شديدة مع إسرائيل.
واختتم الموقع تقريره بعدة أسئلة، قائلا: “هل ستنجح هيئة تحرير الشام فعليا في تشكيل نوع من الحكومة المركزية الموحدة لإبعاد الأخطار؟ هل ستهاجم تركيا أو وكلاؤها في سوريا الأكراد؟ وهل ستعمل الولايات المتحدة على حمايتهم أم التخلي عن المنطقة؟”