تجهز لاحتلال دائم في غزة.. لماذا تبني إسرائيل 19 قاعدة عسكرية بالقطاع؟
"من الضروري احتلال غزة وتخفيض عدد سكانها خلال عامين"
رغم إعلان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن رفضها احتلال إسرائيل لقطاع غزة أو أي منطقة فيه، تستمر تل أبيب في بناء خطوط تقسيم حقيقية داخل الجيب المحاصر.
هذه الخطوط، تتخللها مواقع عسكرية ثابتة، ومحاولات لتهجير الفلسطينيين منها عبر إبادة سكان هذه المناطق، وتفجير مربعات سكنية كاملة، بسلاح أميركي لإخلائها كي يسهل السيطرة عليها.
صحف أميركية وإسرائيلية نشرت العديد من التقارير، استنادا لصور الأقمار الاصطناعية، تؤكد تسريع أعمال بناء منشآت عسكرية في القطاع، وبناء 19 قاعدة عسكرية، وهدم 650 مبنى من أجل هذا الغرض، وسط صمت عالمي.
وهو ما يشير لنوايا إسرائيل الفعلية، باحتلال أجزاء كبيرة من غزة، بذريعة الخشية من عودة المقاومة لبناء نفسها واستمرار تهديدها لتل أبيب.
وزير المالية الإسرائيلي المتطرف “بتسلئيل سموتريتش”، قال بوضوح: "من الضروري احتلال غزة، وتخفيض عدد سكانها خلال عامين".
فيما يدعو زميله وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير" إلى تشجيع "الهجرة الطوعية"، وهي تسمية مخففة للتطهير العرقي للفلسطينيين.
ويجرى ذلك بتواطؤ غربي وصمت عربي مطبق، وسط انتظار إسرائيل قدوم دونالد ترامب الرئيس الأميركي المنتخب الداعم لخطط الاحتلال بشدة.
والأخطر، أنه لا يجرى فقط الحديث عن "احتلال دائم"، بل وعودة الاستيطان في غزة، بذريعة تأمين المستوطنات المحاذية للقطاع.
واقع عسكري جديد
وفي 2 ديسمبر/كانون أول 2024، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن الجيش الإسرائيلي كثف وجوده بوسط قطاع غزة.
واستنادا إلى صور أقمار اصطناعية، يبني الجيش ويحصن قواعد عسكرية، ويهدم مئات المباني الفلسطينية، مؤكدة أنه "يستعد للسيطرة لفترة طويلة على المنطقة".
وتشير تحليلات "نيويورك تايمز" لصور الأقمار الاصطناعية على مدى الأشهر الثلاثة الماضية إلى أن الجيش الإسرائيلي أقام ما لا يقل عن 19 قاعدة كبيرة في مختلف أنحاء المنطقة وعشرات القواعد الصغيرة.
وفي حين جرى بناء بعضها في وقت سابق من الحرب، فإن الصور تظهر أيضا أن وتيرة بناء متسارعة، إذ جرى بناء أو توسيع 12 قاعدة منذ أوائل سبتمبر/أيلول 2024.
وكثير من هذه المستوطنات العسكرية داخل غزة، مرصوفة ومحاطة بجدران وخنادق دفاعية وتلال، كما تحتوي على ثكنات وطرق وصول ومواقف.
ووفقا لصور الأقمار الاصطناعية، وسعت القوات الإسرائيلية ممر "نتساريم" الذي يبلغ طوله حوالي 6.5 كيلومترات، ويفصل قطاع غزة نصفين إلى كتلة مساحتها حوالي 29 كيلومترا مربعا.
ونقلت الصحيفة عن الضابط الإسرائيلي المتقاعد برتبة عميد، أمير أفيفي، قوله إن العديد من القادة العسكريين في البلاد يعتقدون الآن أن "الانسحاب والانفصال لم يعد خيارا ولهذا السبب يعملون على بناء كل هذا وفي نهاية المطاف، فإن الحقائق تتحدث عن نفسها".
وبحسب تحليل الصحيفة، هدمت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 620 مبنى سكنيا ودفيئات زراعية ومنشآت أخرى في الفترة من 3 سبتمبر إلى 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وذلك عبر شركات مقاولات إسرائيلية، ما يعني بقاءها في غزة فترة طويلة.
وقال محللون ومعارضون إسرائيليون إن رفض حكومة بنيامين نتنياهو وقف إطلاق النار في غزة، يعني سعيها لفرض حكم عسكري على القطاع.
وعقب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، أعلنت الولايات المتحدة رفضها ضمنا بناء قاعدة عسكرية إسرائيلية دائمة في غزة.
فيما زعمت الخارجية الأميركية، أن "الولايات المتحدة لا تستطيع تأكيد معلومات بناء قواعد عسكرية إسرائيلية في غزة".
احتلال طويل
وقد تطرقت صحيفة "هآرتس"، في 13 نوفمبر 2024، إلى الأمر، مؤكدة أن "إسرائيل تنفذ أعمال بناء بقطاع غزة تدل على نية احتلاله لفترة طويلة".
وكشفت أن "الرسم البياني القتالي للعام 2025"، الذي تلقاه ضباط وجنود في الخدمة النظامية والاحتياط، في الأسابيع الأخيرة، يدل على "استمرار تموضع الجيش في قطاع غزة خلال العام المقبل أيضا".
ونقلت عن ضابط إسرائيلي في غزة قوله إنه "حسبما تبدو المنطقة الآن، لن يخرج الجيش من القطاع قبل عام 2026".
قالت إن الجيش ينفذ أعمال بناء بنية تحتية واسعة في أنحاء متفرقة في قطاع غزة، بينها تحويل ممرات إلى شوارع عريضة، وبعضها يمتد إلى مناطق وجدت فيها مستوطنات قبل عام 2005، وإقامة مواقع عسكرية لفترة طويلة.
ونقلت عن ضباط وجنود إسرائيليين قولهم إن الجيش بدأ في الأسابيع الأخيرة "بتجريد مساحات كبيرة" داخل القطاع، أي "تدمير مبان وبنية تحتية موجودة" بادعاء أنها تشكل خطرا على الجنود.
ووفقا للصحيفة، ينفذ جيش الاحتلال أعمالا مشابهة لما يجرى في محيط محور "نتساريم"، في أكثر من مكان في القطاع.
"والهدف واضح وهو إقامة بنية تحتية من أجل بقاء الجيش لفترة طويلة في المنطقة، في المرحلة الأولى على الأقل".
إذ يشق الجيش الإسرائيلي شارعا آخر في محور "كيسوفيم"، بين دير البلح (وسط) وخانيونس (جنوب).
وقالت هآرتس: "الأعمال الجارية الآن تشير إلى إنشاء جيوب (إسرائيلية)، تُذكر بالفترة التي سبقت تنفيذ خطة انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005".
وأفاد ضابط إسرائيلي في منطقة محور "نتساريم" للصحيفة بأنه "يوجد داخل حاويات محصنة نقاط كهرباء ومكيف هوائي وكل شيء، وهذا كان بمستوى أعلى من معظم المواقع العسكرية التي كنت فيها خلال خدمتي".
وتابع: "لدينا مطبخ لمنتجات الألبان وآخر لمنتجات اللحوم، وكنيس، كما أن غرفة قيادة العمليات كانت داخل حاوية محصنة"، وفق قوله.
وأضاف الضابط نفسه أن "الشعور كان أن هذا خط آخر في غلاف غزة أو الضفة الغربية، وليس ترتيبا مؤقتا في منطقة خطيرة.
وأردف: "نتجول بدون خوذ ودروع واقية ولعبنا كرة قدم داخل الموقع، ونشوي لحوم كل مساء تقريبا، ولا شعور بأننا نتواجد في منطقة حرب".
وأرجعت هآرتس ذلك إلى تحسن الظروف "بسبب إخلاء السكان وتحويل المنطقة إلى ما يشبه جَيب عسكري".
والملفت أن صحيفة "نيويورك تايمز" أكدت أن الجيش يعمل أيضا ضمن خطط بقائه في غزة، على توسيع محور فيلادلفيا، عند الحدود مع مصر.
وبينت أن جيش الاحتلال عمل على هدم وتدمير أراض ومبانٍ عدة هناك يبلغ عرضها ما بين كيلومتر وثلاثة كيلومترات.
ولم يصدر أي رد فعل من جانب مصر، وعلى العكس، زعم تقرير للقناة 12 العبرية، 6 ديسمبر 2024 أن "القاهرة قدمت مقترحا بشأن غزة لا يشمل إنهاء الحرب" أو انسحاب إسرائيل من القطاع وإنما "هدنة تمتد لفترة محددة".
لكن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، جدد في 2 ديسمبر 2024، خلال لقاء بالقاهرة مع نائبة السكرتير العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، "رفض مصر الوجود العسكري الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح وبمحور فيلادلفيا".
وتقول “هآرتس” إن حكومة نتنياهو تطالب الجيش بتوسيع محور فيلادلفيا كيلو مترا آخر، وهو أمر سيكون مقرونا بتدمير أحياء كاملة في رفح.
ويرى مراقبون إسرائيليون أن صمت مصر على احتلال محور فيلادلفيا في مخالفة لاتفاق السلام، واكتفائها بالتصريحات التي تطالب بانسحاب إسرائيل دون فعل حقيقي، يشجع تل أبيب على توسيع هذه المنطقة الحدودية.
وقدر تقرير أعدته "هيئة البث الإسرائيلية" (كان) في 3 ديسمبر 2024، نقلا عن مؤسسات أمنية، أن تكلفة فرض حكم عسكري على قطاع غزة ستتجاوز قرابة 25-30 مليار شيكل (6.8 مليارات دولار) سنويا.
لكن وزير المالية سموتريتش قال للإذاعة الإسرائيلية إن "تكلفة الحكم العسكري بغزة لن تتجاوز مئات الملايين وليس مليارات كما يزعم البعض" ليبرر ويؤكد خطة الاحتلال.
"لن نسلمها للفلسطينيين"
وبرغم الحديث عن خطة مصرية لإدارة قطاع غزة والمعابر ومنها معبر رفح وانسحاب الاحتلال من المنطقة مؤقتا، لا تزال التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أنه لن يتم تسليم الجيب المحاصر أو أي منطقة لأي جهة فلسطينية حتى ولو كانت سلطة رام الله.
وكشفت صحف إسرائيلية وأجنبية عن وجود خطة لتسليم إدارة غزة لشركة مرتزقة أميركية إسرائيلية مرخص لها بالقتل.
وهي شركة خاصة تدعى "جلوبال ديلفري كومباني" (جي دي سي)، توظف الكثير من ضباط الموساد السابقين، ويرأسها مردخاي (موتي) كهانا وهو رجل أعمال إسرائيلي أميركي.
وهدف الخطة هو إنشاء ما يشبه الكانتونات المغلقة على الفلسطينيين في مناطق مختلفة، أو "معسكرات الاعتقال"، تُسمى "فقاعات إنسانية"، وتتولى هذه الشركة تغذية الفلسطينيين ونقل المساعدات الدولية لهم.
وسيُحظر الدخول إلى هذه الكانتونات في غزة، باستثناء السكان الذين يعيشون في الحي، والذين سيحصلون على إذن من خلال "تعريف بيومتري"، (أي التعرف الآلي على الأفراد، عبر بصمات الأصابع ومسح قزحية العين).
وسيُكلف الجيش الإسرائيلي بـ "تطهير" أي فقاعة من "الإرهابيين"، ثم يقيم حول كل "فقاعة"، أي منطقة سكنية محددة، جدارا فاصلا، وفق وصف الصحف العبرية.
وكان أول من كشف هذه الخطة صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 19 أكتوبر/تشرين أول 2024، مؤكدة أن الجيش الإسرائيلي اختار شركة "كاهانا" لتتولى تسليم المساعدات إلى غزة.
وقد أكدت هذه الخطة، صحيفة "الغارديان" البريطانية في 22 أكتوبر 2024، مبينة أن إسرائيل تدرس استخدام شركات أمنية خاصة تضم قدامى محاربين في قوات خاصة بريطانية لتوصيل المساعدات إلى غزة، مع تدهور الأوضاع في شمال القطاع بشكل كبير.
ونقلت "الغارديان" عن صاحب شركة المرتزقة "كاهانا" أن خطة شركته تتضمن تحديد مناطق توزيع إلى "مجتمعات مغلقة"، أو فقاعات، تحت حراسة مسلحة، وهي مكان آمن لتوزيع المساعدات.
قال إن "الفكرة هي وضع الفلسطينيين في مجتمعات مغلقة، ونحن نوفر الأمن لهم وهم يديرون حياتهم الخاصة، وننقل الإمدادات الإنسانية إلى مجتمعاتهم".
أيضا ذكرت صحيفة "دروب سايت نيوز" 22 أكتوبر 2024 أن إسرائيل تدرس خطة نشر شركات لوجستية وأمنية أميركية خاصة لإنشاء "مجتمع مغلق" في غزة.
إذ سيخضع الفلسطينيون لفحوصات بيومترية لتلقي المساعدات، حال الانسحاب من غزة، ما يعني بقاء إسرائيليين ضمن هذه الشركة الإسرائيلية الأميركية.
وفي تعليقها على فكرة شركة المرتزقة، قالت الكاتبة الإسرائيلية "نوعا لنداو" في صحيفة "هآرتس" 22 أكتوبر 2024 إن خطة نتنياهو لـ "اليوم التالي" هي "احتلال عسكري، ومرتزقة ومستوطنات في غزة".
شددت على أن حكومة نتنياهو أخذت قرارا بشأن "خصخصة" الحكم العسكري في قطاع غزة، ضمن خطط ما بعد الحرب على القطاع.
المصادر
- Israel Builds Bases in Central Gaza, a Sign It May Be There to Stay
- IDF Gearing Up to Remain in Gaza Until End of 2025, at Least. This Is What It Looks Like
- The Israeli-American Businessman Pitching a $200 Million Plan to Deploy Mercenaries to Gaza
- As Israel weighs subcontracting Gaza aid delivery, a philanthropist makes his pitch
- Netanyahu Is Selling Gaza to Private Militias