الجزائر تحذر مسؤوليها من العبور عبر مطارات الإمارات.. ما القصة؟

داود علي | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

وثيقة رسمية جزائرية حملت طابعا باللون الأحمر، مكتوب عليها "سري للغاية"، وتحتوي على رسالة صارمة للمسؤولين بتجنب العبور عبر مطارات الإمارات.

تلك الوثيقة صادرة عن وزير النقل الجزائري سعيد سعيود، في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وحملت عنوان: "بخصوص العبور عبر مطارات الإمارات".

وتتضمن عبارة "أولى أهمية (للأهمية) بالغة للتطبيق الصارم لمحتوى هذه التعليمة (التعليمات)".

ومما أوردته: "أمرت (أمر) مصالح (سعادة) الوزير الأول (رئيس الوزراء) المسؤولين الجزائريين بتجنب المرور عبر أجواء ومطارات الإمارات".

سبب الوثيقة

وجاء في الوثيقة، التي نشرتها مجموعة من الصحف والمواقع الإخبارية مثل (الحرية، بناص، عربي21) وتداولها عدد من السياسيين والمحللين، أنها موجهة للرؤساء المديرين العامين (درجة توازي وكلاء الوزارة)، ومديري النقل للولايات، وكذلك مديرو المعاهد.

وقالت أيضا: "إنه تنفيذا لتعليمات السيد الوزير الأول في إطار تنقلاتكم إلى خارج الوطن لأغراض مهنية أو شخصية، يشرفني دعوتكم لتفادي العبور عبر مطارات الإمارات، لا سيما مطاري دبي وأبو ظبي". 

وأضافت محذرة كبار المسؤولين: "نرجو اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع المستخدمين الموضوعين تحت سلطتكم من العبور عبر مطارات هذه الدولة خلال تنقلاتهم المهنية خارج الوطن".

وكشفت مصادر جزائرية النقاب عن أن تلك التعليمات الصادرة من قمة هرم السلطة للمسؤولين والموظفين السامين، بعدم العبور عبر الإمارات، أثناء سفرهم إما في مهام رسمية أو في سفريات خاصة، تحسبا لـ"مخاطر التجسس واستهداف الأمن القومي". 

وفي 10 يناير/ كانون الثاني 2024، عبرت الجزائر بشكل رسمي، عن أسفها مما وصفته بـ"التصرفات العدائية، المسجلة ضدها من طرف بلد عربي شقيق"، وذلك عبر بيان أصدره "المجلس الأعلى للأمن" بعد اجتماع مع الرئيس عبد المجيد تبون.

ورغم أن البيان لم يعلن اسم الدولة المعنية، لكن وسائل الإعلام الجزائرية أكدت أن الأمر يتعلق بالإمارات.

لا سيما أنه قبلها بأشهر قليلة، تحديدا في 19 يونيو/ حزيران 2023، وقعت واقعة أثارت جدلا، عندما كشفت قناة "النهار" الجزائرية، عما أطلقت عليه فضيحة مدوية للإمارات بالتجسس في الجزائر لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي.

وأوردت القناة الجزائرية حينها أن السلطات طلبت من السفير الإماراتي مغادرة التراب الوطني في غضون 48 ساعة على خلفية فضيحة التجسس.

وحسب تغريدة على منصة "إكس" قالت: “الجزائر تطلب من السفير الإماراتي مغادرة البلاد". 

وذكرت أن "قرار طرد السفير الإماراتي جاء بعد توقيف 4 جواسيس إماراتيين كانوا يتخابرون لصالح جهاز الموساد لدولة الاحتلال".

وأفادت بأن "الجواسيس الموقوفين حاولوا نقل أسرار ومعلومات عن الدولة الجزائرية".

ولفتت قناة “النهار” في ختام تغريدتها إلى أن "وزارة الخارجية تعبر عن أسفها لهذه التصرفات الخاطئة والمخططات الدنيئة التي تستهدف الجزائر".

لكن بعد نشر الخبر، دخل النظام الجزائري في ارتباك أدى إلى التضحية بوزير الاتصال محمد بوسليماني، الذي أقاله الرئيس تبون. 

برنامج تجسس 

مع ذلك، عادت وسائل الإعلام الجزائرية مرة أخرى لاتهام الإمارات بالتجسس في 26 يوليو/ تموز 2023، عندما هاجمت صحيفة “الخبر”  أبوظبي، ووصفتها بأنها "عاصمة التجسس"، و"الوسيط الأمني لإسرائيل" كونها تقدم نفسها “عراب التطبيع” عربيا وإسلاميا.

وقالت الصحيفة اليومية إن “كراهية نظام الإمارات للجزائر زادت في الفترات الأخيرة، حيث أصبحت أكثر حدة وبلغت مستويات خطيرة قد تفضي إلى أبعاد لا تحمد عقباها”.

ووصفت الدور الإماراتي بـ"الشيطاني"، وأنها تلعب على وتر الخلافات بين الجزائر والمغرب و"دعمها الرباط لإيذاء الجزائر بأي طريقة".

وأوردت الصحيفة من مصادر خاصة بها قالت عنها "موثوقة" بأن حملات الكراهية التي أخذت طابعا رسميا من نظام الإمارات، تجاوزت حدود العقل والمنطق، وقد تضرب عرض الحائط بمستوى العلاقات الرسمية بين البلدين.

وأرجعت ذلك إلى "شدة وهول الأعمال العدائية الممارسة ضد الجزائر، والتي يقودها مسؤولون إماراتيون، زودوا المغرب بنظام متطور معد للتجسس على الجزائر". 

وكان مختبر "ذا سيتيزن لاب" التابع لجامعة "تورنتو" الكندية، والمختص في الأمن الإلكتروني، قد تحدث في أبريل/ نيسان 2023، عن برنامج تجسس إسرائيلي جديد طورته شركة "كوادريم"، وتشغله الإمارات فوق أراضيها، موجه لاختراق هواتف كبار المسؤولين والموظفين والصحفيين في 10 دول.

وأخذت الخلافات الجزائرية الإماراتية تنتقل من دائرة إلى أخرى لا تقل عنها تعقيدا. 

ففي أغسطس/ آب 2023، ذكرت صحيفة "الشروق" الجزائرية، أنها تمتلك معلومات تفيد بوجود "تحركات مشبوهة" لملحق الدفاع بسفارة الإمارات في الجزائر.

وتوقعت أن تنفجر أزمة دبلوماسية بين الجزائر وأبو ظبي في أي وقت، على وقع تلك التحركات التي أغضبت قادة البلاد.

وقالت الصحيفة نقلا عن مصادر وصفتها بأنها "دبلوماسية أجنبية موثوقة"، إن الملحق الإماراتي الذي يحمل رتبة عقيد، صرح لأحد الدبلوماسيين، في حضرة نظرائه الأوروبيين، أنه في حال نشوب حرب بين الجزائر والرباط، فإن بلاده ستقف بكل إمكاناتها مع المغرب.

وقبلها كان تبون، قد وجه رسالة تحذير للإمارات، دون أن يذكرها بالاسم، مشيرا إلى أن بلاده لا تزال تعدهم أشقاء، لكنها ترفض تصرفاتهم في دول الجوار.

تبون والإمارات 

وكان لافتا أنه منذ انتخابه رئيسا للجزائر عام 2019، لم يقم تبون بأي زيارة للإمارات، رغم أنه زار عددا من الدول الخليجية من بينها الكويت وقطر والسعودية.

وهو ما فعله الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، الذي لم يقم بزيارة الجزائر في عهد تبون، وكان من بين القادة القلائل الذين لم يحضروا قمة جامعة الدول العربية التي استضافتها الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وفي 14 ديسمبر/ كانون الأول 2023، دعت الأمينة العامة لحزب العمال في الجزائر، لويزة حنون، خلال لقاء جمعها مع تبون، إلى ضرورة تقويض العلاقات مع الإمارات.

وطالبت الرئيس بضرورة تأميم الشركات الوطنية التي استحوذت عليها الإمارات، وذلك بسبب ما قالت "الأعمال العدائية التي تقوم بها هذه الدولة ضد الجزائر".

وأوضحت حنون في حديثها عن تفاصيل اللقاء الذي جمعها بتبون، أنها أكدت عليه "الخطر الذي تمثله الإمارات على الأمن القومي الجزائري".

وعقبت: "لقد أعلنت الحرب من خلال مخططات إجرامية تحاول تنفيذها لزعزعة استقرار بلادنا خدمة للكيان الصهيوني، مما يطرح ضرورة تقويض حضورها في بلادنا دفاعا عن تكاملها وسيادتها وأمنها".

وأعلنت في تصريحاتها أن سبب تقديمها هذا الطلب للرئيس الجزائري، أن "الإمارات لم تترك شرا لم تفعله في المنطقة، فهي تغرق بلادنا بالمخدرات عبر الحدود مع ليبيا وأنها تحرض على الحرب بين الجزائر والمغرب باستغلال وجود الكيان الصهيوني في هذا البلد".

وأتبعت "كذلك تريد عزلة الجزائر عبر دفع موريتانيا وتونس للتطبيع، وتقوم بإدخال السلاح وزرع الجواسيس في المنطقة لضرب استقرار الجزائر". 

جوانب من الصراع

وفي 14 مارس/آذار 2024، رصد تقرير استخباراتي بريطاني أعدته شركة “ميناس أسوشيتس”، جوانب من الصراع بين الجزائر والإمارات، وعلاقته بالمغرب.

ويرى أن "الجزائر تعتقد أن التحالف المغربي الإماراتي الإسرائيلي يعمل ضد مصالحها في منطقة الساحل، وتخشى من تداعيات القلاقل في المنطقة على حدودها مع النيجر ومالي".

التقرير أكد أن الجزائر توجه اتهامات عديدة للإمارات، من بينها أن “أبو ظبي ترفض الكشف عن أموال نقلتها إليها شخصيات جزائرية تنتمي إلى نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة”.

وترفض الإمارات إعطاء أي معلومات للجزائر حول مبالغ مالية تصل إلى 300 مليون دولار تعتقد الدولة المغاربية أن أبوظبي تتستر عليها.

ومنها أيضا اتهام السلطات الجزائرية الإمارات بـ”محاولة زعزعة استقرار البلاد، عن طريق ضخ استثمارات مشبوهة في الجزائر من أجل التحكم في الطبقة السياسية الحاكمة".

بخلاف تفضيل نيجيريا مشروعا مغربيا تدعمه الإمارات يتعلق بأنبوب غاز، على حساب المشروع الجزائري.

وكان أكثر ما أغضب الجزائر هو تمويل الإمارات صفقات سلاح أميركية وإسرائيلية للرباط، في ظل حالة العداء بين الأولى وكل من المغرب وإسرائيل.

ضربة موجعة 

ولم تنفصل تلك الاضطرابات والأزمات عن العلاقات الاقتصادية التي تدهورت بالتبعية. 

فخلال عهد بوتفليقة (1999-2019)، كانت الاستثمارات الاقتصادية الإماراتية في الجزائر تقدر بمليارات الدولارات. 

حتى إنه كان يطلق على الإمارات داخل أروقة صنع القرار “المدللة”، حيث دخلت في شراكة كبيرة لتطوير الموانئ، وشراكة في مجال التبغ وغيرها من القطاعات. 

لكن في الوقت الراهن، أوقفت الجزائر الاستثمارات الضخمة للإمارات، رغم أهميتها للطرفين “نتيجة لسوء العلاقات”.

وكان أول ما أقدمت الجزائر على فض شراكته، هو قطاع الموانئ، بعدما فسخت العقد مع موانئ دبي العالمية التي كانت تعمل على إدارة وتطوير بعض الموانئ الجزائرية الإستراتيجية.

كذلك أوقفت الجزائر الشراكة العسكرية التي امتدت لسنوات مع الإمارات، وكان البلدان يصنعان عربة “النمر” المدرعة في المصانع العسكرية الجزائرية بالشراكة مع ألمانيا.

كما ألغت الجزائر مشروعها مع أبوظبي، الذي كان بصدد دراسة صناعة المروحيات العسكرية.

ومطلع فبراير/ شباط 2024، جاءت الضربة الموجعة التي تلقتها الاستثمارات الإماراتية هناك، عندما اتخذت السلطات الجزائرية قرارا بفض الشراكة في مصانع التبغ، التي تعد من أهم الشركات العمومية الرابحة في الجزائر، وكانت تدر فوائد كبيرة على المستثمر الإماراتي. 

وقتها قامت الحكومة بتغيير القوانين والنصوص، خصيصا من أجل استعادة الشركة وطرد الإماراتيين منها.