بعد سقوطه.. هكذا تبرأ وزراء ورموز محسوبة على النظام السوري من بشار الأسد
"كنا مجرد موظفين لدى النظام"
فور إعلان هروب بشار الأسد من سوريا وسقوط أعتى دكتاتوريات الشرق الأوسط، لم يتوانَ كثير من المسؤولين في النظام البائد من الاعتراف للشعب السوري بأنهم كانوا يعيشون في "جمهورية الرعب" بقيادة الأسد الفارّ.
إذ لم يتردد مسؤولون بارزون كانوا من الدائرة القريبة لبشار الأسد من فضح أفعاله على مدى حكمه الذي دام 24 عاما، بعد انهياره خلال 11 يوما من بدء عملية عسكرية تحالفت فيها فصائل معارضة لإسقاط الأسد.
وفر بشار الأسد فجر 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 إلى روسيا بترتيب من الأخيرة، ليعلن السوريون انتصار الثورة، ونهاية حقبة الاستبداد التي انطلقت في سوريا منذ تولي أبيه حافظ السلطة عام 1971 بانقلاب عسكري أذاقوا فيها الشعب القتل والتشريد والدمار.
"يتزعم شبكة المخدرات"
وبدا لافتا اعتراف سفير الأسد المخلوع في السعودية، أيمن سوسان، لـ "تلفزيون سوريا" المعارض، أن بشار الأسد كان يتزعم شبكة تهريب المخدرات من سوريا.
وأقر سوسان الذي كان نائبا لوزير الخارجية قبل تسلمه سفارة الأسد في الرياض في 6 ديسمبر 2023، بأنهم لم يكونوا يستطيعون التحدث مع الأسد بخصوص تهريب المخدرات إلى الخليج والسعودية على وجه الخصوص.
وقال سوسان: "لم نكن نستطيع التحدث معه، كنا نتناقش كموظفين من دون أن نوصل تلك النقاشات له، لأننا نعرف عقله وتفكيره القائم على أنا وبس وأنا ومن بعدي الطوفان".
كما قال سوسان في لقاء آخر على قناة "الحدث" السعودية: "ما شهدته سوريا ثورة حقيقية.. نحن مطمئنون بشأن مستقبل سوريا".
أما المفاجأة الكبرى في جلد بشار الأسد وفضح طبيعة حكمه عقب ساعات من فراره، جاءت من بشار الجعفري، سفير الأسد في روسيا والمندوب الدائم السابق له لدى الأمم المتحدة.
وقال الجعفري في تصريحات صحفية: "إن انهيار منظومة الفساد خلال أيام يُظهر عدم شعبيتها وغياب الحاضنة المؤيدة لها في المجتمع أو الجيش".
وأضاف الجعفري: "فرار رأس النظام بهذا الشكل البائس والمهين تحت جنح الظلام دليل على عدم إحساسه بالمسؤولية الوطنية".
وهذا الجعفري كان يطلق عليه السوريون بأنه "مسيلمة الكذاب"، حينما كان يشغل منصب سفير الأسد في الأمم المتحدة قبل أن يصبح نائب وزير خارجية ومن ثم سفيرا في موسكو.
فمنذ أن اندلعت الثورة السورية عام 2011 راح الجعفري يشيطنها وينكر جرائم قوات رئيس نظام بشار الأسد البائد بحق السوريين من فوق كرسيه في الأمم المتحدة حينما كان يشغل منصب الممثل الدائم لوفد الدولة فيها.
وقد كان الجعفري آنذاك تفوح منه رائحة الحقد على السوريين، خاصة أنه- عدا عن تزوير واقع ما يجرى على يد قوات الأسد من قتل وتدمير وتهجير- كان يتعمد برمي "قنابل استفزازية" تحدث صدى في الأوساط السورية.
ومنها حينما استهزأ بالقرآن الكريم أمام عدسات الكاميرا أواخر يناير 2016 خلال جولة مباحثات "جنيف 3" عندما كان يشغل منصب رئيس وفد النظام إلى جنيف التي تجرى فيها مفاوضات مع المعارضة.
وقتها سئل عن شروط النظام للتفاوض مع المعارضة وأجاب الجعفري قائلا: "لن يكون هناك تفاوض، نحن هنا لإجراء محادثات غير مباشرة على شكل حوار سوري- سوري بدون شروط مسبقة وبدون تدخل خارجي".
ثم توجه الجعفري للصحفيين من وسائل إعلامية سورية معارضة، وبلهجة استخفاف قال لهم "احفظوها هاي فاتحة بالقرآن تبعنا.. صدق الله العظيم".
"عهد ولى"
أما نجاح العطار نائبة المخلوع بشار الأسد وصاحبة مقولة "سوريا وطن الشجعان لا يليق بها إلا رئيس كالقائد بشار الأسد"، فقد خرجت مباركة سقوط الأسد وقائلة إن "عهد الأنظمة الفردية قد ولى إلى غير رجعة".
وقالت نجاح العطار في بيان لها: "إن سقوط النظام يمثل لحظة فارقة في تاريخ سوريا، مؤكدة أن هذه المرحلة يجب أن تكون بداية لبناء دولة الحرية والديمقراطية والقانون".
وأكدت العطار في البيان أن "الحرية لا تمنح بل تُنتزع، مشيرة إلى أن الشعب السوري لن يقبل مجددا بالوصاية أو الاستبداد، وأن عهد النخب والأنظمة الفردية قد ولى إلى غير رجعة".
وقالت العطار: "الأجيال الجديدة رفضت الظلم والقهر اللذين مارستهما الطغم الحاكمة لعقود، وأثبتت أن الشعب قادر على انتزاع حقوقه في الحرية والديمقراطية".
كما أنه في الساعات الأولى لإعلان سقوط الأسد خرج فاروق الشرع نائب بشار الأسد حتى عام 2014 عن صمته الطويل لا سيما أنه لم يغادر دمشق منذ عزله كما لم يعلن أي موقف ضد الأسد قبل سقوطه.
ورحب الشرع "بالتغيير في سوريا من شمالها إلى جنوبها بعد معاناة الشعب السوري الطويلة"، وذلك خلال مقابلة مع "تلفزيون سوريا".
"أدوارنا هامشية"
أما رئيس الوزراء في حكومة الأسد الأخيرة محمد غازي الجلالي والذي أكد هروب الأسد من دمشق، أوضح أن أدوارهم كانت هامشية، ولفت في تصريحات تلفزيونية إلى أنهم كانوا "مجرد موظفين لدى النظام"، مشيرا إلى وجود "حاجز بينهم وبين الرئيس".
بدوره أنكر وزير العدل أحمد السيد، معرفته رغم منصبه بما يحدث في المعتقلات والمسالخ البشرية التي تديرها مخابرات الأسد، خاصة ما يخص سجن صيدنايا قرب دمشق.
والذي شهد جرائم بشعة بحق المعتقلين منها كبس أجساد المعتقلين بمكبس حديد لسحب السوائل من أجسادهم ليسهل نقلهم ودفنهم بمقابر جماعية بأماكن مجهولة.
وراح يقول في تصريحات تلفزيونية لقناة الحرة "حرام عليك ما فعلته بسوريا يا بشار الأسد".
وتفاجأ سوريون من حديث صحفي لوزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة الأسد المخلوع، ربيع قلعه جي، الذي قال بتصريحات تلفزيونية إنه لم يكن بينه وبين الأسد "أي تواصل مباشر كون هناك طوق محكم حوله"، معتبرا أن هناك أحيانا "استحالة في التواصل مع الأسد الذي أصلا يمر عبر قنوات"، وأردف قائلا: "ما حصل في سوريا انتصار للشعب".
كما قامت غالبية سفارات الجمهورية العربية السورية في الخارج برفع علم الثورة السورية على مبانيها.
في الحقيقة، فإن غالبية من الفنانين السوريين والصحفيين الذين كانوا يؤيدون بشار الأسد أعلنوا تأييدهم لسقوطه وتخلص سوريا من حكم آل الأسد.
وقد نشر هؤلاء بيانات ومقاطع مصورة أعلنوا فيها البراءة من نظام الأسد المخلوع، مشيرين إلى أنهم كانوا يعيشون في "جمهورية الرعب".
كما عمد هؤلاء إلى نشر علم الثورة السورية على حساباتهم الشخصية، وبعضهم نزل إلى ساحة الأمويين وسط دمشق وتوشح بعلم الثورة.
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، سيطرت الفصائل السورية على العاصمة دمشق وقبلها مدن أخرى، مع انسحاب قوات النظام المخلوع من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وقد تولت في اليوم الثاني لسقوط نظام بشار الأسد حكومة انتقالية برئاسة محمد البشير وهو رئيس حكومة "الإنقاذ" العاملة في إدلب التابعة لـ "هيئة تحرير الشام".
وأعلن المتحدث باسم إدارة الشؤون السياسية التابعة للحكومة المؤقتة السورية عبيدة أرناؤوط في 12 ديسمبر أنه سيتم تجميد الدستور الصادر عام 2012 والبرلمان خلال الفترة الانتقالية التي ستمتد ثلاثة أشهر.
وقال من مقر الهيئة العام للاذاعة والتلفزيون في دمشق لوكالة الصحافة الفرنسية "قررنا خلال اجتماع لوزراء الثورة عن حكومة الإنقاذ السورية مع الوزراء السابقين من أجل نقل الصلاحيات (...) هذه المرحلة ستسمر ثلاثة أشهر، ريثما يتم تشكيل الحكومة الجديدة، وطبعا سيجمد الدستور والبرلمان" خلال هذه المدة.
وتابع أرناؤوط "ستشكل لجنة قانونية وحقوقية من أجل النظر في الدستور وإجراء التعديلات"، مشيرا إلى أولويات مرتبطة بـ"حماية المؤسسات، والوثائق والثبوتيات وكذلك تحدّ على صعيد الخدمات".