بعد تحجيم نفوذ إيران فيها.. هل تسهم دول الخليج بإعادة إعمار سوريا؟
تعمل الحكومة الانتقالية في سوريا على إزالة آثار الحرب المدمرة
هل تلبي دول الخليج العربي، تطلعات إدارة سوريا الجديدة لإعادة إعمار البلاد المدمرة بفعل حرب النظام البائد على شعبه؟
سؤال طرحته صحيفة فيكير تورو التركية سلطت من خلاله الضوء على خطوات الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع لإعادة الإعمار بدعم خليجي-تركي.
وقالت الصحيفة في مقال للكاتب التركي "محمد رقيب أوغلو": إن تحقيق هذا الهدف يتطلب مواجهة تحديات تقليص النفوذ الإيراني وتحسين العلاقات مع الغرب.
مرحلة سياسية جديدة
واستدرك الكاتب: مع سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024، دخلت سوريا مرحلة جديدة، أحدثت تغييرا جذريا في التوازنات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
إذ تعمل الحكومة الانتقالية على إزالة آثار الحرب المدمرة والتركيز على إعادة إعمار البلاد، ولكنها تواجه تحديات عميقة ومعقدة؛ تشمل استعادة الشرعية الدولية، وتحقيق السلم الداخلي.
وأيضا إطلاق التنمية الاقتصادية والتخلص من العقوبات، وإعادة تعريف علاقات سوريا مع القوى الإقليمية والدولية.
وأضاف الكاتب التركي: اتخذت الحكومة الجديدة قرارات حاسمة في وقت قصير؛ لمعالجة القضايا الأساسية التي ستحدد مستقبل سوريا.
بالإضافة إلى أنها اتخذت قرارات مهمة؛ مثل: منع دخول حاملي الجنسيتين الإيرانية والإسرائيلية إلى البلاد.
فمن جهة تُبرِزُ سياسة أحمد الشرع هذه التوازنَ الحساس في العلاقات مع إسرائيل، ومن جهةٍ أخرى يحاول دعمَ سوريا عبر الانفتاح على دول الخليج وتلبية توقعاتهم في تقليص تأثير إيران.
وبهذا تبرُزُ إستراتيجيتها في موازنة النفوذ الإيراني من خلال الدعم الخليجي.
فقد ارتبط نظام الأسد سابقا لفترات طويلة بتحالف إستراتيجي مع طهران، مما أدى إلى توتر علاقاته مع دول الخليج مثل السعودية والإمارات، التي عدت السياسات الإيرانية تهديدا للاستقرار الإقليمي.
بينما تسعى الآن الحكومة الانتقالية إلى طمأنة الخليج عبر قرارات مثل حظر دخول الإيرانيين، وتقليص تأثير المليشيات المرتبطة بإيران، وإعادة النظر في الاتفاقيات الإستراتيجية مع طهران.
وتابع الكاتب: تنظر دول الخليج، وخصوصا السعودية والإمارات، إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا كفرصة لتعزيز أمنها الإقليمي.
ورغم شكوك الإمارات تجاه الحركات الإسلامية، فإنها ترى الحكومة الجديدة في سوريا بديلا أكثر قبولا مقارنة بشبكات إيران المسلحة.
وبذلك فإن الموقف "البعيد عن إيران" الذي تتبناه الحكومة الجديدة يعد عاملا حاسما لاكتساب الدعم الخليجي وتعزيز قبولها الإقليمي على المدى الطويل.
تأثيرات خارجية
وأردف الكاتب: تسببت الحرب بسوريا في فرض عقوبات شديدة من قبل القوى الغربية، بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبها نظام بشار الأسد، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية.
ونتيجة لذلك، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى إعادة تنظيم العلاقات مع الدول الغربية خاصةً الولايات المتحدة، والعمل على تخفيف العقوبات المفروضة.
في هذا السياق، قد تلعب دول الخليج دورا مهما كوسيط؛ حيث تمتلك دولٌ مثل السعودية والإمارات علاقات إستراتيجية قوية مع واشنطن، مما يجعلها قناة محتملة لفتح قنوات تواصل بين الحكومة السورية الجديدة والغرب.
وفي إطار هذه الجهود أجرى وزير الخارجية السوري الجديد أسعد حسن الشيباني أولى زياراته الرسمية إلى السعودية وقطر والإمارات.
وهو ما يعكس رغبة الحكومة الجديدة في الاستفادة من علاقات دول الخليج مع العواصم الغربية والمؤسسات المالية الدولية لدعم إعادة إعمار الاقتصاد السوري.
وأضاف: في ظل الإدارة الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد يكون للجهود الدبلوماسية الخليجية تأثير إيجابي على تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا.
كما أن دول الاتحاد الأوروبي التي ترتبط بعلاقات تجارية ودبلوماسية قوية مع الخليج، وتبحث عن تعاون في قضايا مثل الطاقة والهجرة قد ترحب بالتقارب بين سوريا والدول الخليجية.
ويمكن القول إن الخطوات التي تتخذها الحكومة السورية الجديدة لتعزيز حقوق الإنسان والبدء في عملية ديمقراطية تُعَدُّ من العوامل التي قد تسهم في تخفيف القيود الأوروبية.
أشار الكاتب التركي أيضاً إلى أنّ العقبات أمام مستقبل سوريا لا تزال موجودة بالرغم من هذه الجهود المبذولة.
فأحمد الشرع قد يواجه صعوبات في تحقيق تقدم سريع في تحسين العلاقات مع الغرب بسبب أنه كان يقود هيئة تحرير الشام المدرجة سابقا على قوائم الإرهاب.
ومع ذلك، فإن تقديم رسائل واضحة عبر وساطة خليجية حول "تحول أيديولوجي" و"تعاون براغماتي" قد يعزز من شرعية الحكومة السورية الجديدة ويُسهم في تخفيف العزلة الدولية.
دور حاسم
واستدرك الكاتب: تعاني سوريا من انهيار اقتصادي، واجتماعي، ومؤسّسِيّ عميق. فقد دُمرت البنية التحتية بشكل شبه كامل، وأُجبِرَ ملايين السوريين على النزوح، كما توقفت قطاعات حيوية كالصناعة والزراعة بشكل شبه كامل.
وتؤكد هذه الأوضاع الكارثية على حاجة البلاد إلى برنامج إعادة إعمار شامل وطويل الأمد.
في هذا السياق، تلعب دول الخليج، مثل السعودية والإمارات وقطر دورا محوريا، فهي تمتلك إمكانيات مالية ضخمة بفضل عائدات النفط والغاز، ما يجعلها قادرة على دعم سوريا ماليا.
في حين تتمتع تركيا بخبرة كبيرة في مجالات البنية التحتية، وإعادة بناء الدولة، والمساهمة الأمنية.
ومن المتوقع أن تتعاون تركيا ودول الخليج ضمن إطار الشراكة لتحقيق مكاسب متبادلة بدلا من التعامل بمنطق الصراع، وفق الكاتب.
وتحتاج الحكومة السورية الانتقالية إلى دعم مالي واستثماري عاجل من دول الخليج، حيث تشير التقارير إلى احتمالية تمويل قطر رواتب موظفي الحكومة الجديدة.
علاوة على ذلك فإن إعادة بناء البنية التحتية، وتحسين قطاعي التعليم والصحة، وإنعاش الصناعة، ومعالجة أزمة السكن يتطلّب استثماراتٍ بمليارات الدولارات.
وتابع الكاتب: تتعاون الحكومة الانتقالية مع دول الخليج حول "حزم إعادة الإعمار"، والتي تشمل شراكات بين القطاعين العام والخاص، واستثمارات في الطاقة، ومشاريع زراعية.
فقطر تتميّز بخبرة طويلة في المساعدات الإنسانية والدعم اللوجستي، بينما تبرز السعودية والإمارات في تنفيذ المشاريع الكبرى والبنية التحتية.
وقد تلعب دول خليجية أخرى مثل الكويت والبحرين دورا في دعم تعليم اللاجئين السوريين ودمجهم.
من جهةٍ أخرى، تعد أنقرة شريكا لا غنى عنه في هذه العملية، فلا يمكن اعتبار سيناريو إعادة إعمار سوريا بدون تعاون تركيا مع دول الخليج خيارا منطقيا أو عمليا.
وتابع الكاتب: بعد عام 2020 شهدت العلاقات الإقليمية تطبيعا تدريجيا بين تركيا ودول الخليج، خاصة مع الإمارات والسعودية.
واليوم تسعى تركيا إلى توجيه الاستثمارات الخليجية في سوريا نحو مشاريع تدعم التنمية المستقلة عن إيران وإسرائيل، بهدف تعزيز دورها السياسي والاقتصادي في إعادة إعمار البلاد.
ومع تزايد فرص التعاون بين تركيا ودول الخليج، قد يتطور الأمر إلى شراكات دائمة تتجاوز التنافس الإقليمي.
إلى جانب ذلك، فإن تنسيق الجماعات المدعومة من تركيا مع تلك التي تتلقى الدعم المالي واللوجستي من الخليج قد يكون حاسما في تحقيق استقرار سوريا ووحدة أراضيها.
مع ذلك، يبقى نجاح هذه العملية مرهونا بعوامل أخرى مثل ردود الفعل الإيرانية، وموقف الدول الغربية، والتحولات السياسية والاجتماعية داخل سوريا.
وستكون قرارات الحكومة الانتقالية، سواء على صعيد الإصلاحات الداخلية أو توجهات السياسة الخارجية، العامل الأكثر أهمية في رسم مستقبل سوريا واستقرارها، وفق الكاتب.