جزيرة غرينلاند.. لماذا تحولت إلى مسرح للمنافسة بين أميركا والصين وروسيا؟

منذ ١٩ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تحولت جزيرة غرينلاند الدنماركية في السنوات الأخيرة إلى مسرح للمنافسة الجيوسياسية بين القوى العظمى؛ وذلك لأهميتها الإستراتيجية بالنسبة للأميركيين والروس والصينيين.

وقد أثارت تصريحات الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب خاصة رغبته في أن يجعل غرينلاند جزءا من الولايات المتحدة، وأنه لا يستبعد استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية لإجبار الدنمارك على منحها لواشنطن جدلا واسعا.

الأهمية الجيوستراتيجية

ونوَّه معهد "تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي إلى القيمة الجيوستراتيجية التي تتمتع بها أكبر جزيرة في العالم بالنسبة للولايات المتحدة.

ومن الناحية الجغرافية، تنتمي الجزيرة إلى أميركا الشمالية أكثر من أوروبا وهي أقرب إلى نيويورك من كوبنهاغن.

وهو ما يجعلها جذابة للغاية في نظر أكبر منافسي الولايات المتحدة، مثل الصين وروسيا، اللتين تخضعان لاحتواء أميركي في محيطهما الخارجي المباشر.

وكانت مجلة "فوربس" الأميركية قالت عام 2019 خلال ولاية ترامب الأولى، إن الأخير أبدى "اهتماما" بشراء غرينلاند، إلا أن سياسيين دنماركيين سخروا من الفكرة ورفضوها جملة وتفصيلا.

وبين المعهد أن الجزيرة يغطيها الجليد بنسبة 80 بالمئة، وهي تقع في وسط أقصر طريق بحري يربط أوروبا بأميركا الشمالية، عند مفترق طرق بين الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا، إلى الشمال الغربي من مضيق الدنمارك. 

ومع ذوبان الأنهار الجليدية تدريجيا، يتوقع أن تلعب دورا حاسما في السيطرة على طريق بحر الشمال، الذي يربط شرق آسيا بأوروبا عبر مضيق بيرينغ والمحيط المتجمد الشمالي.

ونتيجة تأثيرات تغير المناخ، بات هذا المسار البحري القطبي صالحا للملاحة طيلة بعض فترات العام ومن المنتظر أن يكتسب أهمية جيوستراتيجية متزايدة.

وذلك لأن بإمكانه تقليص مسافة السفر والتكاليف إلى النصف بين الغرب والشرق على طول المسار التقليدي الذي يمر عبر باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط وجبل طارق.

علاوة على ذلك، يعد المحيط الشمالي غنيا جدا بالموارد الطبيعية، إذ تشير التقديرات إلى أن ما بين 10 و40 بالمئة من احتياطيات النفط والغاز غير المكتشفة في العالم تقع على طول الممر القطبي.

تنافس شديد

يشكل هذا الممر مسرحا للتنافس بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، خاصة وأنه يمثل لكل من بكين وموسكو، بديلا لتجاوز نقاط الاختناق في السويس وباب المندب وهرمز ومضيق ملقا.

 وبالتالي يعد، وفق تعبير المعهد الإيطالي، وسيلة لكسر الاحتواء البحري الذي تفرضه الولايات المتحدة وتحدي القوة البحرية الأميركية.

إلى ذلك، يقع ثلث القطب الشمالي تحت السيادة الروسية، وتحصل موسكو على خمس ناتجها المحلي الإجمالي من أراضيها في المنطقة.

وتعد موسكو المحيط المتجمد الشمالي مياها داخلية، في حين تعده واشنطن مياها دولية تخضع لحرية الملاحة وبالتالي لاختراق البحرية الأميركية.

وأوضح المعهد الإيطالي أن الروس يعتزمون فرض سيطرتهم على القطب الشمالي من خلال ممر الملاحة الشمالي، من الناحية الهجومية لفرض نفوذهم وقوتهم الجيوسياسية والعسكرية، بعيدا عن مجال نفوذهم الإقليمي والظهور كقوة عظمى أو لأغراض دفاعية.

إلا أن الذوبان التدريجي للأنهار الجليدية في القطب الشمالي يهدد بتحويل الميزة الجيوسياسية إلى ثغرة إستراتيجية محتملة، لأنه قد يعرض الطرف الشمالي بأكمله لأكبر دولة على هذا الكوكب لتوغلات بحرية محتملة، وفق تحليل المعهد الإيطالي.

من ناحية أخرى، نفذت بكين منذ فترة طويلة استثمارات كبيرة تمثلت في بناء ثلاثة مطارات ومناجم لاستخراج الزنك واليورانيوم والمعادن النادرة، وتعتزم إنشاء محطة أبحاث ومحطة أرضية للأقمار الصناعية في الجزيرة.

وعلق المعهد البحثي أن بكين لا تهتم فقط باستغلال الثروة الطاقية والمعدنية في الجزيرة وإنما تحمل السيطرة عليها قيمة جيوستراتيجية كبيرة، خاصة في إطار مشروع مبادرة الحزام والطريق.

ومن شأن الممر القطبي أن يسمح لبكين بتوسيع إسقاطها البحري وتقليص المسافة إلى الموانئ الرئيسة في شمال أوروبا بمقدار الربع.

حصن دفاعي

إلى جانب الثروة المعدنية (المعادن النادرة، والنحاس، والزنك، والتيتانيوم، والحديد، والرصاص، وغيرها)، نوه المعهد الإيطالي بالأهمية الجيوستراتيجية الكبيرة للجزيرة لدى الولايات المتحدة.

وقال: إنها تشكل حصنا للدفاع عن أميركا الشمالية من هجوم محتمل من الشمال الشرقي، وموقعا متقدما لمراقبة الوجود البحري والغواصات الروسية (والصينية المحتملة) في شمال الأطلسي، والسيطرة على الممرات البحرية في القطب الشمالي.

 فضلا عن كونها نقطة انطلاق لإسقاط القوة العسكرية الأميركية ولحلف شمال الأطلسي “الناتو” في منطقة القطب الشمالي والشمال الأوروبي.

ومع ألاسكا، أردف المعهد أن غرينلاند ستسمح للولايات المتحدة بالحصول على السيطرة الكاملة على المحيط المتجمد الشمالي عبر الجانب الغربي من ممر القطب الشمالي الممتد من النرويج إلى فلاديفوستوك غربا واليابان إلى الشرق.

وفي حين يسمح الوجود الأميركي في ألاسكا بمراقبة وحراسة مضيق بيرينغ، فمن شأن السيطرة السياسية والعسكرية على غرينلاند أن تسمح للولايات المتحدة بتعزيز سيطرتها على نقطة الوصول الأخرى: خط جو يو كي GIUK.

وتوجد في غرينلاند القيادة المشتركة الدنماركية في القطب الشمالي، وقوات أميركية والعديد من نقاط الدعم والمراكز العسكرية واللوجستية الأميركية، أبرزها قاعدة بيتوفيك الجوية.

وتقع هذه المنشأة، التي تديرها القوات الجوية الأميركية، في الطرف الشمالي الغربي من الجزيرة، على بعد 947 ميلا جنوب القطب الشمالي.

نزعة استقلالية

ويرى المعهد الإيطالي أن هذا الوجود العسكري، إلى جانب مشاركة غرينلاند في حلف الناتو عبر كوبنهاغن، يبرز من ناحية جيوسياسية– جيوإستراتيجية، أن الجزيرة تتبع بالفعل الولايات المتحدة، بما يتجاوز انتماءها السياسي الرسمي.

 وفي تساؤله عن سبب رغبة واشنطن في السيطرة على الجزيرة، رغم أنها متاحة بالفعل إستراتيجيا للولايات المتحدة التي لديها قوات وقواعد عسكرية هناك، أكد أن الإجابة تكمن في مشاعر الاستقلال المتنامية بين سكان غرينلاند.

 ويشرح أن حصول الإنويت (شعب الإسكيمو) على استقلالهم عن مملكة الدنمارك، قد يؤدي بالجزيرة إلى خارج حلف شمال الأطلسي وتحت رحمة نفوذ القوى العظمى المنافسة للولايات المتحدة، ومن هنا برزت فرضية ضمها إلى الأخيرة.

فيما يرتبط السبب الآخر بحسب المعهد الإيطالي، بتنفيذ إستراتيجية "التوجه نحو آسيا" الذي تأجل لفترة طويلة بسبب الأزمات الجيوسياسية والحروب التي اندلعت في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية خلال الربع الأخير من القرن الماضي.

في السنوات القادمة، ألمح إلى إمكانية أن يقلص الأميركيون وجودهم العسكري في القارة العجوز، لافتا إلى أن ذلك سيؤدي إلى جعل خط دفاعهم الأول عن جزيرة غرينلاند أكثر هشاشة.

في هذا السيناريو، يفترض اضطرارهم إلى إعادة تأسيس الهيمنة المباشرة على العالم الجديد بتعزيز خطوطهم في شمال المحيط الأطلسي والقطب الشمالي، وصولا إلى حديقتهم الخلفية في نصف الكرة الغربي، شمالا عبر كندا وغرينلاند، وجنوبا عبر البحر الكاريبي وبنما.