"ابتزاز وعربدة".. كيف يواجه الأردن ضغوط الإدارة الأميركية الجديدة؟
"الأردن في موقف حرج وهذا أمر لا شك فيه، ولكن ذلك لا يعني انعدام الخيارات لديه"
مع تزايد الضغوط على الأردن منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني 2025، تبرز تساؤلات عن كيفية مواجهة عمّان ما تطلبه واشنطن منها، وما مستقبل العلاقة بين البلدين وفق المعطيات الجديدة؟
ويُعد الأردن حليفا إستراتيجيا للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وبموجب ذلك تقدم إليه الأخيرة مساعدات مالية سنوية بقيمة 1.45 مليار دولار، حسب آخر بيان يتعلق بالموضوع صادر عن وزارة الخارجية الأردنية في 19 سبتمبر/ أيلول 2022.
ضغوطات متصاعدة
مع تولي ترامب السلطة، توالت الإجراءات الأميركية ضد الأردن، لعل آخرها قطع المساعدات المالية السنوية التي ترسلها الولايات المتحدة، إلى المملكة، وذلك ضمن قرار إيقاف جميع المساعدات الخارجية التي تمولها مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID).
وذكر بيان للخارجية الأميركية في 27 يناير/ كانون الثاني 2025، أن قطع المساعدات عن الدول الأجنبية جاء بهدف تقييم فعالية برامج المساعدات هذه ومدى توافقها مع السياسة الخارجية الأميركية.
وذكرت الوزارة أن مراجعة المساعدات وتنظيمها يعد "التزاما أخلاقيا"، وأن الإنفاق يجب أن يعود بالنفع على الشعب الأميركي.
وفي 21 يناير وقع ترامب، مباشرة بعد توليه منصبه، أمرا تنفيذيا بشأن المساعدات الخارجية، ينص على أن جميع الوزارات والمؤسسات المسؤولة عن برامج المساعدات الإنمائية الخارجية الأميركية سوف تقطع المساعدات عن الدول الأجنبية.
ولفت إلى بدء فترة مراجعة مدتها 90 يوما لتقييم مدى امتثال هذه البرامج للسياسة الخارجية الأميركية، وتشمل المساعدات الإنمائية الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة المساعدات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والإنسانية المقدمة إلى بلدان أخرى.
وجاء القرار الأميركي، رغم توقيع عمّان وواشنطن في سبتمبر/أيلول 2022، مذكرة تفاهم متطورة ومتعددة السنوات (2023 إلى 2029)، والتي بموجبها تقدم الولايات المتحدة مساعدات اقتصادية وعسكرية أساسية بما لا يقل عن 1.45 مليار دولار سنويا.
وعلى صعيد الدعم المالي أيضا، كان من المتوقع أن تصل المساعدات السنوية التي أقرها الكونغرس الأميركي إلى الأردن بحلول العام الجاري 2025 إلى 2.1 مليار دولار.
وقبل ذلك وفي قرار غير معروف الدوافع، وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 25 يناير، بسحب فوري لسفيرة بلاده في عمّان، يائيل لامبرت، التي جرى تعيينها في منصبها بسفارة واشنطن في العاصمة الأردنية في 21 أغسطس/ آب 2023.
يضاف إلى قرارات ترامب، تصريحاته بخصوص تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن واقتراحه على البلدين باستقبال مزيد من الفلسطينيين جراء الأوضاع الإنسانية المتدهورة في القطاع نتيجة العدوان الإسرائيلي.
وقال ترامب على متن الطائرة الرئاسية، خلال تصريحات للصحفيين في 28 يناير، إنه تحدث إلى رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بخصوص نقل بعض سكان غزة إلى مصر، وأنه "يتمنى ويعتقد أنه وملك الأردن (عبدالله الثاني) سيقبلان بنقل بعض سكان غزة إلى بلديهما".
وقبل ذلك، صرّح ترامب في 26 يناير، بأنه تحدث مع العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، حول إمكانية بناء مساكن ونقل أكثر من مليون فلسطيني من غزة إلى الدول المجاورة.
وقال ترامب إنه طلب من العاهل الأردني، استقبال المزيد من الفلسطينيين في مكالمة هاتفية مع الأخير، مضيفا: "قلت له إنني أحب أن تتولى المزيد، لأنني أنظر إلى قطاع غزة بأكمله الآن وأرى أنه في حالة من الفوضى، إنها فوضى حقيقية".
"حلول متاحة"
وبخصوص خيارات عمّان في مواجهة الضغوط الأميركية، قال الخبير في الشأن الأردني، منذر الحورات: إن "الأردن في موقف حرج وهذا أمر لا شك فيه، ولكن ذلك لا يعني انعدام الخيارات لديه".
وأضاف الحورات لـ"الاستقلال" أن "هناك تحرّكا أردنيا شاملا لمواجهة هذه الإجراءات الأميركية، والآن الملك عبد الله في دول الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاقيات وحشد الحلفاء إلى جانب المملكة".
وأكد الخبير الأردني أن "هناك تركيزا على أن يلتقي الملك عبد الله مع ترامب، من أجل النقاش حول أبعاد القضية الفلسطينية؛ لأنه من الواضح وجود سوء فهم وتقدير لدى الرئيس الأميركي، وهذا ما يتوقعه الأردن ويحاول أن يتحدث فيه".
وتابع: "لكن يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وحكومته اليمينية، وأطراف الإدارة الأميركية الداعمين بشدة لإسرائيل أقنعوا ترامب بأن القضية الفلسطينية هي قضية لاجئين".
وأضاف الحورات، أن "الأردن ومصر والدول العربية برمتها يؤكدون أن القضية الفلسطينية هي قضية حق عادلة للفلسطينيين وليست مجرد قصة لاجئين تُحل وتنتهي الأمور، بل إن مسألة اللاجئين بدأت نتيجة للاحتلال الإسرائيلي؛ لذلك يجب إيجاد حل للمشكلة وليس معالجة النتيجة".
وبحسب الخبير الأردني، فإن "الفلسطينيين متمسكون بأرضهم، والأردن لا يقبل أن يكون وطنا لأحد غير الأردنيين من جميع أصولهم ومنابتهم، وهو يصرّ على أنه مستمر بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى إذا كلفه ذلك بعض التضحيات".
ورأى الحورات، أن "قطع المساعدات عن الأردن هو جزء من حالة الضغوط على الأردن كي يرضخ ويلبي الطلبات الأميركية، لكن لا أعتقد أن يستجيب الجانب الأردني ويفعل ما يطلب منه".
وأوضح الخبير الأردني، أن "حجم المساعدات الأميركية التي تبلغ ملياري دولار، لأن هناك قواعد أميركية أيضا في الأراضي الأردنية تخدم الولايات المتحدة وليس الأردن".
وأكد الحورات أن "الأردن لديه تحالفات مع المعسكر الغربي ضد التنظيمات الإرهابية بجميع أشكالها، وهذا لمصلحة الولايات المتحدة والعالم، بالتالي الجانب الأردني ليس متطفلا على الإدارة الأميركية، وهناك تحالف بين واشنطن وعمّان لمواجهة الإرهاب، وأن الأردن دفع ثمنا غاليا في سبيل ذلك".
وشدد الخبير الأردني على ضرورة "ألا يجب أن تصبح المساعدات الأميركية جزءا من ابتزازه والضغط عليه، رغم أنها بلا شك ستؤثر على الاقتصاد الأردني، لكن لن يموت الشعب بدونها.
في المقابل، يرى الحورات أن "الأردن سيحافظ على وطنه واستقراره وبقاء هويته موحدة من دون أن يقبل موجات من الهجرة تؤدي إلى اختلالات ديموغرافية وسياسية واقتصادية تؤدي بالتالي إلى حراك اجتماعي يزعزع أركان الدولة".
وواحد من خيارات الأردن، برأي الحورات، هو "توحيد أبنائه في الداخل وضبط النفقات، والبحث عن المساعدات من مصادر أخرى، وعن تمويل من غير الولايات المتحدة الأميركية، إذا استمرت الأخيرة في قرارها، بالتالي يمكن للجانب الأردني مواجهة ذلك".
وبعد إعلان تعليق المساعدات الأميركية الخارجية التي شملت الأردن، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تقديم حزمة من المساعدات المالية للأردن بقيمة 3 مليارات يورو للأعوام 2025-2027.
وبحسب بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني في 29 يناير 2025، فإن المساعدات الأوروبية "تتضمن حزمة من المساعدات المالية للأردن منحا بقيمة 640 مليون يورو، واستثمارات بحجم 1.4 مليار يورو، ومخصصات لدعم الاقتصاد الكلي تقدر بنحو مليار يورو".
"رفض رسمي"
وبالرغم من عدم إصدار الديوان الملكي بيانا يوضح رد الملك عبد الثاني على ترامب خلال الاتصال، لكن المتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، صرّح في 28 يناير، بأن "الأمن الوطني الأردني يملي حتمية ثبات الفلسطينيين وبقائهم على أرضهم، وألا يكون هناك أي تهجير للشعب الفلسطيني".
وقبل ذلك أعلن وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، في 26 يناير، رفض بلاده خطة ترامب القاضية بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، بقوله إنّ موقف الأردن من تهجير الفلسطينيين "ثابت لا يتغير وضروري لتحقيق الاستقرار والسلام اللذين نريدهما جميعا".
وأضاف الصفدي في مؤتمر صحفي مع القائم بأعمال المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط وكبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة سيغريد كاغ في العاصمة عمّان، أن "تثبيت الفلسطينيين على أرضهم موقف أردني ثابت لم ولن يتغير، وأن حل القضية الفلسطينية هو في فلسطين، والأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين".
وعلى الصعيد ذاته، قال رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، في 28 يناير، إن الأردن واجه تحديات كبيرة تمكن من تجاوزها وتغلب عليها، مشددا على أن الأردن لن يتخلى عن ثوابته الوطنية وسيتصدى لأية محاولات تهجير قسري للفلسطينيين تجاه الأردن.
ونقلت قناة "المملكة" الرسمية عن الفايز، قوله إن الأردن يواجه تحديات سياسية وأمنية في ظل استمرار سياسات إسرائيل العدوانية والتوسعية والتخوفات من طرح مشاريع تسويه للقضية الفلسطينية على حساب أمن البلاد واستقراره وثوابته الوطنية.
وأشار إلى أن "الملك أكد مرارا أن حل القضية الفلسطينية في فلسطين من خلال تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة، على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف، فموقف الأردن من التهجير ثابت وصلب لا يتغير".
ونوه الفايز إلى أنه "ليس قلقا على مستقبل الأردن بسبب العلاقات القوية لجلالة الملك على المستوى الدولي وفي دوائر صنع القرار في أميركا وخاصة في مجلسي الشيوخ والنواب، إضافة إلى العلاقات القوية التي تربط الأردن بمحيطها العربي".
وشدد على أن "ما شهدته المنطقة من اضطرابات وأحداث مأساوية وتطورات متسارعة، يجعل من الصعب توقع ما سيجري، وما سيترتب على الأردن من تداعيات وتحديات سياسية واقتصادية وأمنية جديدة".
وخلص الفايز إلى أن هذه التحديات "مرتبط بالدرجة الأساسية بتطور الأحداث في سوريا، وسيناريوهات حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومواقف الإدارة الأميركية من هذا الصراع وشكل علاقاتها مع الدول العربية، وما ستطرحه هذه الإدارة الأميركية من مشاريع تسوية لإنهاء أزمات المنطقة".
المصادر
- وزارة الخارجية الأميركية تعلن إيقاف كافة المساعدات الخارجية
- ترامب يكشف ما قاله لملك الأردن وما سيقوله للسيسي حول خطته لقطاع غزة.. إليكم ما نعلمه
- 1.45 مليار دولار سنويا مساعدات مالية أمريكية للأردن
- ترامب بعد حديثه مع السيسي: أعتقد أنه وملك الأردن سيقبلان بنقل بعض سكان غزة لبلديهما
- بعد تعليق المساعدات الأميركية.. أوروبا تدعم الأردن بـ3 مليارات يورو
- مجلس الأعيان: سنتصدى لأية محاولات تهجير قسري للفلسطينيين تجاه الأردن