شاركوا في تحرير سوريا.. ما مدى جدية تهديدات مقاتلي تركستان الشرقية للصين؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

طوال سنوات الحرب في سوريا، شارك العديد من المقاتلين المسلمين الأجانب إلى جانب فصائل المعارضة المسلحة، ضد قوات بشار الأسد والمليشيات الإيرانية.

من أبرز هذه المجموعات مقاتلو الحزب الإسلامي التركستاني، الذي يتكون من الإيغور القادمين من شمال غرب الصين. 

وبعد سقوط نظام الأسد، بدا أن الحزب الإسلامي التركستاني "يشكل تهديدا واضحا لبكين"، وفق ما ذكر تقرير ألماني.

واستعرضت مؤسسة "كونراد أديناور KAS" مدى خطورة تهديدات الإيغور الأخيرة ضد بكين، مشيرة إلى التحديات والمخاطر الإستراتيجية التي قد يفرضها تهديد الحزب الإسلامي التركستاني على الصين.

وسلط التقرير الضوء على ردود فعل الإعلام الصيني على تلك التهديدات، وعلى علاقة الحزب بهيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، ودوره في معركة تحرير سوريا.

تصعيد وتهديد 

في مقطع فيديو دعائي في ديسمبر/ كانون الأول 2024، قال متحدث ملثم باسم الحزب الإسلامي التركستاني: "هنا في سوريا، نقاتل في سبيل الله في جميع المدن، وسنفعل الشيء نفسه في أورومتشي وأقصو وكاشي".

تقع هذه المدن المذكورة في منطقة شينجيانغ الصينية. وبحسب التقرير، "فإن المقاتلين الإسلاميين يسيطرون عليها ويسمونها تركستان الشرقية".

ورأى التقرير أن هذه الرسالة "تمثل تصعيدا في الدعاية للحزب الإسلامي التركستاني، الذي كان نشطا في سوريا لأكثر من عقد من الزمن".

إذ "لا تسلط الرسالة الضوء على مشاركة الإيغور في الحرب السورية فحسب، بل تؤكد أيضا على هدفهم المتمثل في نقل الصراع إلى الصين"، وفق قوله.

ويرجع تأسيس الحزب إلى حقبة التسعينيات، حيث كان يهدف لإقامة دولة إسلامية في إقليم شينجيانغ وآسيا الوسطى.

وقد كان للحزب قواعده في أفغانستان وباكستان، ويتألف بشكل أساسي من الإيغور الذين أرادوا مغادرة شينجيانغ، أو اضطروا إلى المغادرة بسبب الاضطهاد الصيني لهم.

وأوضح التقرير أن الإيغور التابعين للحزب الإسلامي التركستاني "يسعون إلى استخدام القوة لتحقيق انفصال منطقة شينجيانغ الإيغورية ذاتية الحكم عن الصين وتأسيس جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية".

وتابع: "بينما كان الحزب الإسلامي التركستاني ينشط بالمقام الأول في أفغانستان وباكستان في السنوات الأولى، فقد وسع فيما بعد أنشطته بشكل متزايد إلى سوريا".

إذ "لجأ العديد من المقاتلين الإيغور وعائلاتهم إلى معقل قوات الثورة السورية في إدلب، وأنشأوا مجموعات مع تحالفات إسلامية أخرى تضم مليشيات مختلفة، مثل هيئة تحرير الشام"، بحسب قوله.

ومنذ 1949، تسيطر بكين على إقليم "تركستان الشرقية"، الذي يعد موطن الأتراك الإيغور المسلمين، وتطلق عليه اسم "شينجيانغ"، أي "الحدود الجديدة".

وتشير إحصاءات رسمية إلى وجود 30 مليون مسلم في البلاد، 23 مليونا منهم من الإيغور، فيما تؤكد تقارير غير رسمية أن أعداد المسلمين تناهز 100 مليون، أي نحو 9.5 بالمئة من مجموع السكان.

وتقول الولايات المتحدة الأميركية ودول غربية إن احتجاز الصين للمسلمين بمراكز الاعتقال، "يهدف إلى محو هويتهم الدينية والعرقية".

غير أن الصين عادة ما تدعي أن المراكز التي يصفها المجتمع الدولي بـ "معسكرات اعتقال"، إنما هي "مراكز تدريب مهني" وترمي إلى "تطهير عقول المحتجزين فيها من الأفكار المتطرفة".

تصنيف سياسي 

وأشار التقرير إلى أن الحكومة الصينية لا تستخدم اسم TIP (الحزب الإسلامي التركستاني) بل ETIM (الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية)، حيث يُستخدم كنوع من المصطلحات الشاملة لجميع الإيغور المسلحين.

وأوعز ذلك إلى أن "الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية صُنفت من قبل الولايات المتحدة بين عامي 2002 و2020 منظمة إرهابية، مما منح الرواية الرسمية الصينية شرعية".

ووفق التقرير، "أُدرجت الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية في قائمة المنظمات الإرهابية الأميركية في إطار جهود الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش لكسب الصين كحليف (في الحرب على الإرهاب) التي تقودها الولايات المتحدة".

وأُدرجت الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية على هذه القائمة، مما منع أعضاءها وداعميها من دخول الولايات المتحدة.

ومع ذلك، أزيلت الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية من قائمة الإرهاب الأميركية لاحقا؛ حيث صرحت وزارة الخارجية في يوليو/ تموز 2020 بأنه "لا توجد أدلة موثوقة منذ أكثر من عقد على إرهابها".

وقد أُدرجت أيضا في قائمة العقوبات الخاصة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2002 "بناء على ضغوط من الولايات المتحدة والصين، ولا تزال مدرجة على هذه القائمة"، وفق ما أفاد التقرير.

وزعمت بكين أن الحزب الإسلامي التركستاني "مسؤول عن هجمات إرهابية استهدفت الصين بين عامي 2008 و2015، بما في ذلك هجمات بالسكاكين في أماكن عامة، وتفجيرات بسيارات مفخخة، وعمليات انتحارية".

"وبناء على تلك الاتهامات، بررت الصين عمليات القمع التي تنفذها في منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة".

وتقدر منظمات حقوق الإنسان أن مئات الآلاف من الإيغور والكازاخ والهُوي، وأعضاء من أقليات أخرى في شينجيانغ، احتُجزوا "في معسكرات لإعادة التعليم"، تشمل أيضا العمل القسري والاعتقال والتعذيب، وهي الرواية التي تنفيها الصين.

وتساءل التقرير عن "مدى قوة الحزب اليوم وماهية الدور الذي لعبه في سوريا، لا سيما أنه كان على علاقة جيدة مع هيئة تحرير الشام".

وكشف أن الحزب الإسلامي التركستاني "عمل غالبا كوسيط في النزاعات بين هيئة تحرير الشام والجماعات المتمردة الأخرى". وأكمل: "كما وصفوا في التلفزيون السوري بأنهم الحليف المفضل للهيئة".

وأردف: "هذا بجانب مشاركة مقاتلي الحزب في العديد من المعارك إلى جانب الهيئة في تحرير اللاذقية وحماة وحلب، حيث تعد القوات التابعة للحزب الإسلامي التركستاني منظمة جيدا ولديها خبرة".

وحول عدد مقاتليهم في سوريا، أشار التقرير إلى "اختلاف التقديرات بشأن هذا الأمر".

وفي حين صرح السفير السوري السابق في الصين عماد مصطفى، عام 2017، بوجود ما يصل إلى 5000 مقاتل إيغوري في سوريا، قدر الخبراء أن العدد أقل من ذلك، حيث تتراوح الأرقام بين 1500 و4500.

ردود غاضبة

ورصد التقرير أنه "مع نهاية عام 2024، كثف الحزب الإسلامي التركستاني أنشطته الدعائية، ونشر العديد من الصور لقادته وهم يظهرون مع قواتهم النظامية وهم يقاتلون في سوريا".

وأضاف: "في 13 ديسمبر 2024، نشرت صحيفة التلغراف مقطع فيديو على منصة يوتيوب يتناول أصول الحزب الإسلامي التركستاني".

وأظهر المقطع مقتطفات مختلفة من الدعاية الخاصة به، مصحوبة بموسيقى تاريخية. وحتى الآن، حصد الفيديو الذي تبلغ مدته أربع دقائق تقريبا أكثر من 2.6 مليون مشاهدة".

في المقابل، ردت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" الواقعة في منطقة هونغ كونغ، بشكل غاضب وغير عادي على هذا التقرير الصحفي".

وتابع التقرير: ففي مقال رأي، وصفت الصحيفة الفيديو الذي نشرته ذا تليغراف بأنه "مقطع شبيه بالوثائقي"، واصفة إياه بأنه "إعلان عملي لصالح الحزب، بينما يكرر جميع السرديات الغربية ضد الصين، كما لو كان يبرر الإرهاب الموعود من قبل المجموعة ضد الصينيين".

وأضافت الصحيفة أن "الإبادة الجماعية التي يصورها الغرب في شينجيانج تعد في الواقع تبريرا للمجموعة المسلحة".

كما رأت أن الانتشار الواسع للفيديو، هو الذي "دفع الصينيين إلى طرح تهديد الحزب المزعوم في الأمم المتحدة".

ورد التقرير الألماني على ذلك الطرح قائلا: "هذه ادعاءات غريبة، ففي نيويورك، قدم جينغ شوانغ، نائب الممثل الدائم للصين في الأمم المتحدة، في 17 ديسمبر 2024، بيانا هادئا إلى حد ما، مؤكدا أن الأراضي السورية يجب ألا تُستخدم لدعم الإرهاب أو تهديد أمن البلدان الأخرى".

واستطرد التقرير: "وقد رأت وزارة الخارجية الصينية مرارا أن مكافحة الحزب هي (إحدى القضايا الأساسية للصين في الحرب ضد الإرهاب)".

واسترسل: "في النهاية، يمكن فهم نص الصحيفة على أنه دعوة -على ما يبدو عاطفية جدا- (إلى الغرب) بعدم تصوير مقاتلي الحزب على أنهم مناضلون من أجل الحرية أو عدهم كذلك".

تهديد محتمل

وانتقل التقرير لتقييم خطر "تهديد الحزب للصين، عما إذا كان مقاتلوه سيبقون في المنطقة وينظمون حربهم ضد بكين من هناك".

ويرى المحلل السياسي فولفجانج هيرن، أنه "حتى الآن، لم يكن الحزب النشيط في سوريا منذ فترة، قادرا على تنظيم هجمات ضد الصين من سوريا".

وعزا ذلك إلى "البعد الجغرافي والتدابير الأمنية الصارمة في الصين، مما يجعل السفر بالنسبة لهؤلاء المقاتلين محفوفا بالمخاطر".

ومع ذلك، نقل التقرير عن  خبراء اعتقادهم “بوجود مخاطر قد تزيد التطرف بالصين، خاصة من الأنشطة التي يجري تنظيمها من سوريا عبر الإنترنت”.

وحول موقف القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع منهم، فقد صرح: "أتعاطف معهم، لكن حربهم ضد الصين ليست حربنا".

“لكن يبدو أن المقاتلين الإيغور في سوريا يزدادون قوة، حيث أثارت التقارير الإعلامية الأخيرة في الصين القلق بعد أن عُين بعض أعضاء الحزب في مناصب رفيعة في الجيش السوري الجديد”.

ويضيف: "أُفيد أن عبد العزيز داوود خدابردي، قائد قوات الحزب في سوريا، عين في الجيش الجديد برتبة عميد، وهناك تقرير آخر يشير إلى أن اثنين من المقاتلين الإيغور قد عُينوا برتبة عقيد".

وبالرغم من ذلك، أوضح أن "العودة المحتملة للحزب الإسلامي التركستاني إلى مناطقه السابقة بأفغانستان وباكستان، قد تثير قلق السلطات الصينية".

إذ "أصبحت أفغانستان وباكستان في السنوات الأخيرة ملاذا آمنا للجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة-خراسان، وحركة طالبان باكستان، وجيش تحرير بلوشستان"، وفق التقرير.

في الوقت ذاته، رأى أن "قرب تلك الحركات من حدود الصين الغربية، وضعف سيطرة حكومتي أفغانستان وباكستان، يزيد الوضع تعقيدا".

ويعتقد التقرير أن "استثمارات الصين في المشاريع البنية التحتية وإرسالها لآلاف العمال إلى الخارج، خاصة إلى باكستان، يزيدان من ضعف البلاد".

وفسر ذلك قائلا: "في السنوات الأخيرة، ارتفعت الهجمات ضد المواطنين والمصالح الصينية بشكل ملحوظ، خاصة في باكستان".

وأضاف: "تشتبه بكين في أن هذه الهجمات ينظمها الحزب بالتعاون مع تنظيمي الدولة والقاعدة وجيش تحرير بلوشستان، بهدف تقويض المصالح والاستثمارات الصينية".

وحذر التقرير من أنه "إذا عاد مقاتلو الإيغور المدربون إلى باكستان وانضموا إلى حركة تحرير باكستان وجيش تحرير  بلوشستان، وغيرها من الجماعات، فإن ذلك سيشكل تهديدا خطيرا على المصالح الإستراتيجية للصين".

إذ تمر مبادرتها البنية التحتية -الحزام والطريق- عبر هذا البلد، وقد زادت احتمالية حدوث هذا السيناريو بشكل كبير.

وادعى التقرير أن الحزب الإسلامي التركستاني "يعد جزءا رسميا من شبكة القاعدة العالمية ولم يتنصل من التنظيم كما فعلت هيئة تحرير الشام".

وأردف أن "قبول الهيئة للحزب في تحالف مشترك، يعد من أبرز الأدلة التي تثير تساؤلات حول التوجه الأيديولوجي للهيئة".

واختتم قائلا: "لا شك أن مستقبل الحزب الإسلامي التركستاني مرتبط ارتباطا وثيقا بآفاق سوريا ذات المستقبل المجهول".