"تنظيم الدولة".. هل شاركت واشنطن معلومات استخباراتية مع إدارة الشرع؟
"أي دولة ناشئة تهدف إلى تطوير علاقاتها الاستخباراتية مع الدول الأخرى"
ركزت الإدارة السورية الجديدة عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد، على تكوين جهاز الاستخبارات العامة في البلاد وعينت في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2024 أنس خطاب رئيسا لهذا الجهاز.
وخطاب هو الذي أسس جهاز استخبارات "هيئة تحرير الشام" التي قادها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، وكذلك "جهاز الأمن العام" الذي عمل بمناطق سيطرة الهيئة في محافظة إدلب شمال غربي سوريا وأجزاء من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية منذ عام 2017.
مكافحة التنظيم
وقد كان أول اختبار أمني لجهاز الاستخبارات عقب سقوط نظام الأسد، هو تمكنه في 11 يناير/ كانون الثاني 2025 من إحباط محاولة خلية مؤلفة من أربعة أشخاص تنفيذ تفجير داخل مقام السيدة زينب جنوب دمشق.
ووقتها تمكنت الاستخبارات السورية الجديدة من إلقاء القبض على الخلية التي قالت إنها تتبع لـ"تنظيم الدولة"، وضبطت بحوزتهم أسلحة وذخائر ووثائق لبنانية وعملة أجنبية.
اللافت أنه بعد أيام من إحباط تلك العملية، كشف مسؤولون أميركيون لصحيفة "الواشنطن بوست"، أن الولايات المتحدة بدأت بمشاركة معلومات استخباراتية سرية حول تهديدات "تنظيم الدولة" مع الإدارة السورية الجديدة.
ونقلت الصحيفة في 25 يناير 2025 عن المسؤولين قولهم إن المعلومات الاستخباراتية الأميركية أسهمت في إحباط محاولة تفجير مقام السيدة زينب المذكورة.
وبينت مصادر الصحيفة، أن التعاون بين واشنطن والإدارة السورية ينبع من مصلحة مشتركة في منع عودة تنظيم الدولة، لكنه لا يعكس اعترافا كاملا أو دعما شاملا لـ"هيئة تحرير الشام"، التي لا تزال مدرجة كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة.
مسؤول أميركي سابق طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع، صرح للصحيفة ذاتها قائلا: "كان من الضروري والصائب أن نتصرف بناء على معلومات موثوقة ومحددة حول تهديدات تنظيم الدولة.. هذه الخطوة تتماشى مع جهودنا لتطوير علاقة عملية مع الهيئة".
وأكد المسؤولون أن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الإدارة السورية الجديدة لم يتم عبر وسطاء، بل من خلال لقاءات مباشرة بين مسؤولين أميركيين وممثلين عن الهيئة، سواء داخل سوريا أو في دولة ثالثة، وقد بدأت هذه القناة الاستخباراتية بعد قرابة أسبوعين من سقوط الأسد، وفقا لمصادر مطلعة للصحيفة.
وعقب سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، بدأت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن التواصل بحذر مع هيئة الإدارة السورية الجديدة وقائدها أحمد الشرع حيث خففت واشنطن العقوبات على سوريا لتسهيل المساعدات الإنسانية.
وقد زارت مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف دمشق في 20 ديسمبر 2024 والتقت بالشرع.
كما قالت مصادر لقناة “الجزيرة” القطرية في 8 يناير 2025 إن وفدا من الخارجية الأميركية يضم ممثلين لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب زار دمشق والتقى قائد الإدارة السورية الجديدة.
وأضافت المصادر أن الوفد الأميركي بحث مع الإدارة الجديدة قضية تخفيف العقوبات على سوريا، كما ناقش الوضع الأمني في البلاد وجهود محاربة الإرهاب.
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” عن مصدر في الجهاز المشكل حديثا قوله في 11 يناير 2025 إن "جهاز الاستخبارات العامة بالتعاون مع إدارة الأمن العام في ريف دمشق، نجح بإحباط محاولة لتنظيم الدولة القيام بتفجير داخل مقام السيدة زينب".
وأشار إلى اعتقال الأشخاص المتورطين في هذه المحاولة.
من جانبها، نشرت وزارة الداخلية عبر حسابها على تطبيق تلغرام صورا "لأفراد الخلية" التابعة للتنظيم أثناء وبعد توقيفها، قائلة إن قوات الأمن العام "داهمت وكرا" تحصنوا داخله في ريف دمشق.
"مصالح متبادلة"
و"هيئة تحرير الشام"، تعد عدوا لدودا لتنظيم الدولة وطاردت عناصره وفكره في شمال غرب سوريا.
وحينما تشكلت "هيئة تحرير الشام" عام 2017 في إدلب، كلف الشرع، نائبه الأول حينها أنس خطاب بملف "مكافحة تنظيم الدولة".
وراهنا، نفوذ تنظيم الدولة الذي تمدد مطلع 2014 في سوريا، يقتصر على مجموعات صغيرة تتبع له، منتشرة في البادية السورية منذ إعلان الولايات المتحدة في مارس/ آذار 2019 هزيمته في هذا البلد وتسليم المئات من عناصره أنفسهم إلى قوات سوريا الديمقراطية "قسد" حليفة واشنطن والتي زجتهم بسجون خاصة في محافظة الحسكة بإشراف أميركي.
ولم تشن خلايا تنظيم الدولة تلك أي هجمات منذ الإطاحة بالأسد على "إدارة العمليات العسكرية" التابعة للإدارة السورية الجديدة وهي عبارة عن تحالف من فصائل معارضة.
وقد استبعد العقيد المنشق عن جيش النظام السوري إبان اندلاع الثورة عام 2011، إسماعيل أيوب، أن تكون هناك مساهمة استخباراتية أميركية في إحباط محاولة تفجير مقام السيدة زينب جنوب دمشق، ويرى أن ذلك قد يكون من "باب التكهنات" أتت بها صحيفة "واشنطن بوست".
وأوضح أيوب لـ"الاستقلال" أن "التعاون مع الولايات المتحدة من قبل الاستخبارات الجديدة في دمشق هو أمر قائم وقد يتوسع مستقبلا نظرا لوجود قواعد أميركية في سوريا مثل قاعدة التنف إضافة إلى قواعد صغيرة في شمال شرقي سوريا بما يقارب 20 قاعدة".
ولفت إلى أن "أي دولة ناشئة تهدف إلى تطوير علاقاتها الاستخباراتية مع الدول الأخرى بما فيها أميركا كونها أقوى دولة في العالم ولا يمكن مقاطعتها، بل ينبغي أن يكون هناك تقاطع في المصالح معها".
وألمح أيوب إلى أن "التعاون الاستخباري السوري مع الولايات المتحدة على المستوى الأمني سيكون فاعلا في ظل استمرار التحالف الدولي بقيادة واشنطن في محاربة تنظيم الدولة وأن تتولى الدولة السورية ذلك بدعم من الدول المهتمة بمحاربة هذا التنظيم سواء بمعلومات استخباراتية أو السلاح أو الدعم اللوجيستي".
وكان وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، أسعد الشيباني، قال في تصريحات صحفية مطلع يناير 2025 إن الإدارة الانتقالية مستعدة لتطوير العلاقة مع الولايات المتحدة “طالما أظهرت الإدارة الأميركية الجديدة استعدادها”.
وشدد الشيباني على أن ميزان العلاقة مع واشنطن "سيكون مصلحة الشعب السوري".
خشية العودة
والخشية من عودة تنظيم الدولة لنشاطه في سوريا عقب الإطاحة بنظام الأسد البائد ما تزال قائمة.
لا سيما أن وزير الدفاع الأميركي السابق لويد أوستن، قال في 8 يناير 2025 لوكالة "أسوشيتد برس"، إن استمرار وجود قوات بلاده في سوريا "أمر ضروري" لمنع عودة تهديد تنظيم الدولة بعد الإطاحة بنظام الأسد.
وأضاف أن وجود القوات الأميركية في سوريا "مهم لضمان أمن المعسكرات التي تحتجز فيها عناصر تنظيم الدولة وعائلاتهم".
وحذر الوزير الأميركي من أن غياب هذا الوجود قد يؤدي إلى عودة التنظيم “ليصبح تهديدا كبيرا”.
ويصل عدد القوات الأميركية في سوريا إلى 2000 جندي، وهو ما يمثل زيادة ملحوظة مقارنة بالعدد المعلن رسميا لفترة طويلة وهو 900 جندي.
اللافت، أن تنظيم الدولة وفي إصدار مرئي نشر في 24 يناير 2025، هدد الإدارة السورية الجديدة بقيادة الشرع، في حال طبقت مواثيق الأمم المتحدة وقوانينها فإنه ينطبق عليها “واجب الحرب والسلم”.
ورأى بيان التنظيم أن فصائل "إدارة العمليات العسكرية" التي تشكلت للإطاحة بالأسد، ليست سوى "بيادق" تعمل لصالح تركيا ودول أخرى.
كما هاجم البيان الثورة السورية واصفا إياها بـ"الجاهلية" لأنها تسعى لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية.
وكانت القوات الأميركية نفذت غارات جوية دقيقة وسط سوريا ضد معسكرات وعناصر معروفة لتنظيم الدولة في 7 ديسمبر 2024 وفي إطار العملية، ضربت طائرات مقاتلة وقاذفة تابعة للقوات الجوية الأميركية أكثر من 75 هدفا.
وقال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل إريك كوريلا في بيان عقب الضربات: "لا ينبغي أن يكون هناك شك في أننا لن نسمح لتنظيم الدولة بإعادة تشكيل نفسه والاستفادة من الوضع الحالي في سوريا".
وأضاف: "يجب أن تعلم جميع المنظمات في سوريا أننا سنحاسبها إذا تعاونت مع تنظيم الدولة أو دعمتها بأي شكل من الأشكال".
وقد أكدت القيادة العسكرية المركزية الأميركية للشرق الأوسط (سنتكوم) عقب سقوط الأسد، أنها تسعى إلى ضمان "عدم استفادة تنظيم الدولة من الوضع لإعادة تشكيل صفوفه في وسط سوريا".
بعدها أعلنت "سنتكوم" أن الجيش الأميركي في 24 ديسمبر 2024 نفذ ضربة جوية في بادية دير الزور قتلت اثنين من عناصر تنظيم الدولة كانوا يتحركون بشاحنة محملة بالأسلحة عندما استهدفتهم الغارة الجوية.