ضربة استخباراتية.. ماذا وراء تصنيف "البديل لأجل ألمانيا" كيانا متطرفا؟

داود علي | منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

داخل أروقة الاستخبارات الألمانية، لم تعد المواجهة مع التهديدات الأمنية التقليدية، تحت عناوين الإرهاب أو الجريمة المنظمة، وحدها على رأس الأولويات. 

بل إن الحرب الأعمق تدور حاليا في الداخل ضد ما تعده الأجهزة الأمنية "التهديد الزاحف" المتمثل في صعود شبح اليمين المتطرف الذي لم يعد يختبئ خلف أقنعة شعبوية، بل صار يعبر عن نفسه بوضوح داخل البرلمانات والشوارع وعبر شبكات إعلامية تنمو في أنحاء أوروبا.

تحول حاسم

وفي 2 مايو/ أيار 2025، صعدت السلطات الألمانية من إجراءاتها ضد اليمين المتطرف، بإعلان جهاز الاستخبارات الداخلية، تصنيف حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AFD) كـ"تشكيل يميني متطرف"، في خطوة تمثل تحولا حاسما في التعامل مع أحد أبرز أحزاب المعارضة في البلاد.

وتفتح الباب أمام الأجهزة الأمنية لاستخدام أدوات رقابية كانت محظورة سابقا، بما في ذلك التنصت على الاتصالات الهاتفية، ومراقبة أعضاء الحزب، وتجنيد عملاء سِرّيين داخل صفوفه.

ويأتي ذلك في إطار ما تعده الدولة “مواجهة مفتوحة” مع التهديدات المتصاعدة للديمقراطية والنظام الدستوري، من قبل أحزاب اليمين المتطرف، وتحديدا "البديل لأجل ألمانيا". 

وتدرك المخابرات الألمانية أن معركتها ضد الحزب ليست سوى فصل من صراع أوسع يمتد عبر أوروبا، التي تتزعمها برلين اقتصاديا وسياسيا. 

فحزب "البديل لأجل ألمانيا"، الذي بدأ كحركة احتجاجية على سياسة اللاجئين، بات اليوم يمثل تحديا مباشرا لمنظومة ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وجاء قرار وكالة الاستخبارات الداخلية، بعد مراجعة شاملة استندت إلى تقرير ضخم مكون من 1100 صفحة، بعدما أكدت وزيرة الداخلية بالنيابة، نانسي فيزر، أنه "قرار واضح لا لبس فيه" جرى اتخاذه "دون أي تأثير سياسي على الإطلاق".

في المقابل، رأى زعيما الحزب، أليس فايدل وتينو كروبالا، أن التصنيف "ذو دوافع سياسية بوضوح" ويمثل "ضربة قاسية للديمقراطية الألمانية". 

وزعما أن حزبهم يتعرض لـ"التشويه والتجريم" قبل تغيير الحكومة، أما نائب رئيس الحزب، شتيفان براندنر، فوصف القرار بأنه "محض هراء ولا علاقة له بالقانون أو النظام".

وفي الانتخابات الفيدرالية التي جرت في فبراير/ شباط 2025، حصد الحزب 152 مقعدا من أصل 630، بنسبة 20.8 بالمئة من الأصوات. 

ليحل في المركز الثاني بعد المحافظين بقيادة فريدريش ميرتس، ورغم الفضائح التي لاحقت بعض قياداته، بما في ذلك إدانة أحد أعضائه باستخدام شعارات نازية محظورة، ضاعف الحزب حصته من الأصوات في أقل من أربع سنوات.

وعقب النجاح الانتخابي، طالب قادة الحزب بإنهاء ما سموه "الحاجز الناري" المفروض عليهم، وهو العرف السياسي الذي يمنع الأحزاب الأخرى من التعاون معهم، وقال كروبالا: "من يبني حواجز نارية، سيشوى خلفها".

دعم خارجي

ورغم العواصف الداخلية القوية ضد الحزب، لكنه وجد دعما من شخصيات بارزة خارج ألمانيا؛ إذ التقت فايدل قبل تسعة أيام من الانتخابات الفيدرالية بنائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس (صاحب التوجهات اليمينية) في ميونيخ، والذي أعلن رفضه لفكرة "الحواجز النارية"، ويرى أن حرية التعبير تتراجع في أوروبا.

وفي تطور لافت، أجرى الملياردير الأميركي إيلون ماسك مقابلة مطولة مع فايدل على منصة "إكس"، دعا خلالها الألمان إلى التصويت لحزب “البديل لأجل ألمانيا”، وواصل ماسك دعمه بعد الانتخابات، ويرى أن حظر الحزب سيكون "هجوما متطرفا على الديمقراطية".

كما عبر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن قلقه، قائلا: إن تصنيف الحزب يمنح الاستخبارات الألمانية "صلاحيات جديدة لمراقبة المعارضة"، محذرا من أن ذلك يمثل "استبدادا مقنعا".

ومع أن وكالة الاستخبارات لا تملك صلاحية حظر حزب سياسي، إلا أن قرارها قد يفتح المجال أمام البرلمان أو الحكومة أو المحكمة الدستورية للسير في هذا الاتجاه. 

ووفقا للدستور الألماني، يمكن حظر أي حزب يعمل على "تقويض النظام الديمقراطي الحر" من خلال أساليب "عدائية وعنيفة".

وبرزت أصوات تدعو للمضي قدما في هذا المسار، فقد قالت نائبة رئيس البرلمان أندريا ليندهولتس: إنه "لا ينبغي معاملة الحزب كغيره من الأحزاب"، خصوصا فيما يتعلق برئاسته للجان برلمانية. 

بينما صرَّحت نائبة زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، سربيل ميدياتلي، بأن "الحظر يجب أن يأتي"، مشددة على أن الآباء المؤسسين للدستور الألماني سعوا لحماية الديمقراطية من الوقوع مجددا في الهاوية.

من جهته، دعا دانييل غونتر، رئيس وزراء ولاية شليسفيغ هولشتاين من الحزب الديمقراطي المسيحي، إلى بدء إجراءات الحظر، واصفا الحزب بأنه "خطر على الانسجام المجتمعي".  

في المقابل، شدد رئيس وزراء ساكسونيا الشرقية، مايكل كريتشمر، على أن "الدفاع عن الديمقراطية يبدأ من قلب المجتمع"، محذرا من الاعتماد فقط على أدوات الدولة.

ومن المتوقع أن يطعن الحزب أمام القضاء في قرار تصنيفه “يمينيا متطرفا”، وفي حال تثبيت التصنيف، ستتوسع صلاحيات الأجهزة الأمنية باستخدام المخبرين والمراقبة لمتابعة أنشطته، الأمر الذي قد يعقد مستقبله السياسي، رغم استمراره كقوة رئيسة في استطلاعات الرأي.

وبينما يتزايد الجدل حول مدى مشروعية حظره، تبقى ألمانيا أمام اختبار ديمقراطي صعب، يتعلق بحماية النظام الديمقراطي والمجتمعي، دون المساس بمبادئه الأساسية في حرية التعبير والعمل السياسي.

التأسيس والأيديولوجية 

تأسس الحزب رسميا عام 2013 على يد السياسي الألماني ألكسندر جولاند، والصحفي بيرند لوك، وفي المؤتمر التأسيسي تم انتخاب بيرند لوك، ورائدة الأعمال فراوك بيتري وكونراد آدم كمتحدثين.

وقتها تم تصنيف الحزب الجديد، كحركة يمينية محافظة تجمع بين الليبرالية الاقتصادية والقومية الثقافية، مع التركيز على حماية السيادة والهوية الألمانية. وقال قادة الحزب الأوائل: إنه مشروع محافظ ليبرالي ناقد للتكامل الأوروبي ومعارض لعملة اليورو.

لكن منذ أزمة اللاجئين عام 2015، تحول الحزب نحو مواقف متشددة معادية للهجرة وللإسلام، خاصة بعد مغادرة مؤسسه بيرند لوك وآخرين من الجناح المعتدل احتجاجا على ما وصفوه بـ"التوجه المعادي للغرب والمؤيد لروسيا" داخل الحزب. 

وفي السنوات اللاحقة، تعززت الروابط بين الحزب وبين حركات قومية متطرفة مثل "بيجيدا" و"حركة الهوية" و"النازيون الجدد"، مما غذى الانقسامات الداخلية حول استيعاب هذه التيارات.

عام 2020، صنف المكتب الاتحادي لحماية الدستور جناح "دير فلوجل" داخل الحزب كيميني متطرف، قبل أن يخضع الحزب بكامله للمراقبة عام 2021 كـ"حالة مشتبه بها"، في خطوة أثارت جدلا واسعا، خصوصا مع اقتراب الانتخابات الفيدرالية. 

ورغم الطعون القضائية، أيدت المحاكم الألمانية قرارات الاستخبارات عامي 2022 و2024، وترى أن هناك "مؤشرات واقعية كافية" على جهود مناهضة للدستور داخل الحزب.

معاداة للإسلام 

ويتبنى حزب "البديل لأجل ألمانيا" موقفا معاديا للمسلمين بشكل خاص؛ حيث يرى أن الهوية الوطنية الألمانية مهددة نتيجة التكامل الأوروبي وتزايد أعداد المهاجرين واللاجئين المسلمين داخل البلاد. 

وقد عبرت الزعيمة السابق للحزب، فراوكه بيتري، في مارس/ آذار 2016 عن هذا الموقف، مشيرة إلى أن الهجرة واسعة النطاق، خاصة من الدول الإسلامية "ستغير ثقافتنا".

وشددت حينها على ضرورة أن يكون أي تغيير ديمغرافي "نتاج قرار ديمقراطي واسع"، وليس نتيجة قرارات أحادية مثل فتح الحدود من قبل المستشارة آنذاك أنجيلا ميركل دون الرجوع إلى البرلمان أو الشعب.

وفي برنامجه السياسي، يدعو الحزب إلى إنهاء ما يسميه "الهجرة الجماعية"، مع الإبقاء فقط على استقبال أعداد محدودة من المهاجرين ذوي المهارات العالية القادرين على الاندماج وإتقان اللغة الألمانية. 

كما يحث على تشجيع المواطنين الألمان على زيادة الإنجاب بدل الاعتماد على الهجرة لتعويض النقص السكاني. 

وعلى الصعيد الثقافي، يرفض الحزب مفهوم التعددية الثقافية، معلنا فشله في ألمانيا، وداعيا إلى حظر النقاب، ومنع رفع الأذان في الأماكن العامة.

ويعلن الحزب بشكل واضح سياسته القائمة على وجوب حظر بناء المآذن الجديدة، بالإضافة إلى إنهاء التمويل الأجنبي للمساجد، وإخضاع الأئمة لمراقبة حكومية مشددة.

وقد تصاعد الخطاب المعادي للمسلمين داخل الحزب خلال فترة قيادة فراوكه بيتري، التي رحَّبت بالمقارنات بين حزبها وحركة "بيغيدا" المناهضة للإسلام. 

وفي عام 2016، أقر الحزب ضمن بيانه الانتخابي بأن "الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا"، معتبرا تزايد عدد المسلمين "خطرا على الدولة والمجتمع والقيم الألمانية".

وأطلق الحزب حملات دعائية تضمنت إشارات صريحة إلى نظرية المؤامرة اليمينية المتطرفة المعروفة بـ"يوروبيا" القائمة على مقاومة إحلال المسلمين محل الأوروبيين.

كما يدعو إلى حظر الذبح الحلال داخل البلاد، بما في ذلك استيراد وبيع اللحوم المنتجة وفقا للشريعة الإسلامية. 

ويطالب بفرض إلزامي لصعق الحيوانات قبل الذبح، وهو إجراء يتعارض مع متطلبات الشريعة الإسلامية واليهودية التي تشترط أن تكون الحيوانات في كامل وعيها لحظة الذبح.

وأظهرت دراسة رسمية أجراها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين عام 2021، بتكليف من مؤتمر الإسلام في ألمانيا ووزارة الداخلية الاتحادية، أن عدد المسلمين من ذوي الأصول المهاجرة في البلاد يتراوح بين 5.3 ملايين و5.6 ملايين شخص. 

وبحسب الدراسة، يشكل المسلمون ما نسبته بين 6.4 بالمئة و6.7 بالمئة من إجمالي سكان ألمانيا.

الحزب واليهود والسامية

ومن جهة أخرى، فإنه رغم نفي قادة "البديل لأجل ألمانيا" المتكرر لاتهامات معاداة السامية، إلا أن مواقف وتصريحات بعض أعضائه ومرشحيه كشفت عن توجهات معادية لليهود. 

فقد أظهرت دراسة أجراها معهد "فورسا" الألماني عام 2019 أن 15بالمئة من مؤيدي الحزب وافقوا على عبارة أن "الهولوكوست دعاية كاذبة".

ورغم أن العضو السابق بالحزب في البرلمان، فيلهلم فون غوتنبرغ، أدلى بتصريحات مثيرة للجدل بشأن الهولوكوست عام 2001 – أي قبل تأسيس الحزب بـ12 عاما – إلا أن تصريحاته التي اقتبس فيها من الفاشي الإيطالي ماريو كونسولي، ظلت تلاحقه؛ حيث وصف فيها الهولوكوست بأنه "أسطورة" يجب أن تظل "بعيدة عن أي بحث تاريخي حر".

وفي عام 2017، تفجرت قضية مثيرة للجدل عن الحزب، عندما كشف أن 10 أعضاء منه يشاركون في مجموعة مغلقة على "فيسبوك" تدعى "الوطنيون"، تضمنت منشورات معادية للسامية ومؤيدة للنازية. 

أحد هذه المنشورات التي أثارت ضجة إعلامية كبيرة، كات منها ما يصور وجه آن فرانك، ضحية الهولوكوست، على علبة بيتزا مكتوب عليها "طازجة من الفرن". 

ورغم تأكيد بعض المسؤولين أنهم أضيفوا إلى المجموعة دون علمهم، إلا أن عضو البرلمان ستيفان بروتشكا أعلن بوضوح تمسكه بعضويته قائلا: "أنا عضو لأنني أرى نفسي وطنيا أيضا".

وفي سياق آخر، أشار تقرير صادر عن المكتب الفيدرالي لحماية الدستور عام 2019 إلى أن تصريحات قادة بارزين في الحزب، مثل ألكسندر غاولاند وبيورن هوكا، تسهم في تبرئة مرتكبي الهولوكوست وتشويه إعادة تقييم فترة النازية. 

وهو ما وصفه التقرير بأنه "ارتباط بالتيارات اليمينية المتطرفة"، محذرا من أن ذلك قد يؤدي إلى "إنكار ذنب الحرب والهولوكوست".

وتزايدت المخاوف الرسمية مع مرور الوقت، إذ صرح فيليكس كلاين، مفوض الحكومة الاتحادية للحياة اليهودية ومكافحة معاداة السامية، في 2023 أن حزب البديل "يتسامح مع معاداة السامية"، متهما قياداته الرئيسية بإنكار الهولوكوست والترويج لخطاب معاد.

وفي 2024، عبر رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، جوزيف شوستر، عن قلقه من أن الحزب "قد يعمل عمدا ضد الحياة اليهودية إذا كان ذلك يتماشى مع مفهومه"، ويرى أنه "يوفر مأوى معاد للسامية".

من جانب آخر، خلصت دراسة أجرتها اللجنة اليهودية الأميركية عام 2021 إلى أن "معاداة السامية جزء جوهري من برنامج حزب البديل لأجل ألمانيا".

وأشارت إلى أن الحزب يقود "حملات مستهدفة" ضد شخصيات يهودية عامة، وأن العداء تجاه إسرائيل، وتخفيف فظائع الهولوكوست، ونظريات المؤامرة المعادية للسامية، تشكل جزءا بارزا من خطابه السياسي.