"تردد وقلق".. ماذا وراء موقف دول المغرب العربي المتصلب إزاء سوريا الجديدة؟

مصعب المجبل | منذ ١٤ ساعة

12

طباعة

مشاركة

رغم تنصيب "إدارة العمليات العسكرية" التي أطاحت بنظام بشار الأسد، قائدها أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسوريا، ما تزال دول المغرب العربي مترددة في فتح صفحة جديدة مع هذا البلد.

إذ ما تزال دول شمال إفريقيا العربية مترددة في مد جسور التواصل مع سوريا الجديدة ومحو مواقفهم السابقة المنحازة للنظام البائد، على الرغم من انتصار ثورة الشعب السوري.

وعلى رأس هذه الدول تبرز الجزائر وتونس وموريتانيا والمغرب؛ حيث تتفاوت طبيعة العلاقة بين هذه الدول ونظام بشار الأسد البائد الذي أطيح به في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 وفراره إلى روسيا.

الجزائر

وكان نظام الأسد البائد تربطه علاقات ود قوية مع النظام الجزائري، وهذا ما يفسر تخلف الجزائر عن تهنئة حكام سوريا الجدد على خلاف غالبية الدول العربية.

ومعلوم أن النظام الجزائري على مدى سنوات الثورة السورية عارض تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية عام 2011 ولم يسحب سفيره من دمشق.

فبعد سقوط الأسد تحدث وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، عن الأوضاع في سوريا، مؤكدا أن الجزائر تعترف بالدول وليس الحكومات.

وأكد عطاف في مؤتمر صحفي في 30 ديسمبر 2024 أن "بلاده تتبنى موقفا واضحا من الملف السوري يرتكز على ثلاث ركائز أساسية وهي وحدة التراب السوري، وشمولية الحل لجميع السوريين دون إقصاء وضرورة إشراف الأمم المتحدة على أي حوار سياسي للحفاظ على مستقبل سوريا".

وقبل أسبوع من سقوط الأسد هاتف أحمد عطاف نظيره في النظام السابق بسام صباغ، وأكد على تضامن الجزائر مع "سوريا في مواجهة التهديدات الإرهابية التي تتربص بسيادتها ووحدتها وحرمة أراضيها، وكذا أمنها واستقرارها".

وجاء الاتصال بعد تقدم فصائل المعارضة في الأراضي السورية منذ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وتمكنها من السيطرة على كامل محافظة إدلب ومدينة حلب عاصمة اقتصاد البلاد وطرد قوات الأسد البائد ومليشياته في 29 من الشهر المذكور.

وفي الوقت الراهن تمر الجزائر بوضع صعب أيضا؛ نظرا لتورطها بشكل كبير في جهود إعادة دمج نظام الأسد البائد في جامعة الدول العربية في مايو 2023.

إلا أنه رغم الحذر الجزائري في مد جسور العلاقة مع الإدارة الجديدة في سوريا، إلا أن ممثل الجزائر لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع يشارك بشكل مباشر في المناقشات بشأن رفع العقوبات المفروضة على سوريا؛ حيث ترأست الجزائر جلسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يناير 2025.

وبحسب تقرير لمجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، نشر في 23 يناير 2025 فإن الجزائر تراجع حاليا ترتيباتها الدبلوماسية في دمشق بعد مغادرة السفير كامل بوشامة العاصمة السورية في 9 من الشهر المذكور.

وضمن هذا السياق، رأى صالح عطية وهو كاتب سياسي تونسي، أن "الجزائر لن تكون خارج السياق السوري الجديد وهي تبحث الآن عن المداخل لذلك".

وأضاف عطية قائلا في مقال صحفي في 21 يناير : "لا شكّ أن موقف الجزائر مرتبط بالإقليم، في محورَيه المغاربي والعربي، ومن هذه الزاوية، لا ترى الجزائر لسياساتها فكاكا من الموضوع السوري، فالعلاقات البينية العربية، مهمة لسوريا كما للجزائر على حد السواء".

فعلى سبيل المثال تحظى الجزائر بعلاقة إستراتيجية مع جارتها ليبيا حيث كانت الأخيرة الدولة الوحيدة من دول شمال إفريقيا التي أرسلت وفدا ليبيا كبيرا إلى دمشق للقاء الإدارة الجديدة.

وتجلى ذلك بزيارة وزير الاتصالات والشؤون السياسية الليبي وليد اللافي، المقرب من أنقرة ورئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، مع رئيس الاستخبارات العسكرية محمود حمزة إلى دمشق للقاء أحمد الشرع.

ومن المقرر في الأشهر المقبلة تعيين سفير ليبي في العاصمة السورية، بينما أرسلت ليبيا عبر مطار مصراته الدولي طائرة تحمل 34 طنا من المساعدات إلى سوريا في الرابع من يناير 2025.

تونس

أما تونس فقد نددت في الخامس من ديسمبر 2024 بعملية المعارضة السورية الرامية للإطاحة بنظام بشار الأسد.

وقالت الخارجية التونسية في بيان: "تونس تُندد بشدة بالهجمات الإرهابية التي استهدفت شمال سوريا في المدة الأخيرة، وتدعو المجموعة الدولية لمساندة هذا البلد حتى يحافظ على سيادته وأمن شعبه واستقراره ووحدة أراضيه".

وأدى التقارب بين الرئيس التونسي قيس سعيد والأسد إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين في عام 2023، لكن الدبلوماسيين التونسيين يصرون الآن على استمرارية العلاقات على حساب بعض المناورات الدبلوماسية.

ولم تتبلور إلى الآن علاقة جديدة بين البلدين بعد، حيث لم يتحدث وزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي ونظيره السوري أسعد الشيباني هاتفيا بعدُ، كما لم يُحدد موعد لتبادل الزيارات.

وربما شكل ملف المقاتلين التونسيين في سوريا حتى الآن أحد المجالات الرئيسة للتعاون بين تونس ودمشق.

لكن ضابط المخابرات التونسي المقيم في دمشق منذ عام 2011 والمسؤول عن تحديد هوية هؤلاء بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية التي كانت تتبع لنظام الأسد البائد تقاعد قبل عام 2023 دون تعيين خلف له.

علما أن الرئاسة الانتقالية في سوريا حلت الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد البائد وحتى الجيش.

لكنّ هناك ملفا حساسا ربما يعيق عودة العلاقة بين الرئاسة الانتقالية في سوريا وتونس المتعلقة بالمقاتلين التونسيين في صفوف "هيئة تحرير الشام" وهم بضع عشرات فقط.

إذ لم تفصح الرئاسة الانتقالية في سوريا بعد حول مصير المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا ضمن "إدارة العمليات العسكرية" التي أطاحت بالأسد.

على الجانب الآخر، تشعر تونس بالقلق إزاء عدم الاستقرار في شمال شرق سوريا الخاضعة مساحات كبيرة منها لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بدعم من واشنطن.

حيث يعيش ما يقرب من 900 تونسي مرتبط بتنظيم الدولة مع زوجاتهم وأطفالهم في مخيمات تحرسها مجموعات مسلحة كردية، وسيكون من الصعب الاستمرار في مراقبتهم نظرا لانقطاع الاتصال بين الدبلوماسيين التونسيين والمجموعات الكردية.

ويؤكد صحفيون تونسيون في تعليقهم على سقوط نظام بشار الأسد أن "ملف تسليم المقاتلين التونسيين في سوريا" هو الفيصل في بناء علاقة جيدة مع الرئاسة الانتقالية في البلاد.

ومنذ عام 2022، بدأت السلطات التونسية محاكمة العشرات من السياسيين وأساتذة جامعيين وخطباء مساجد ومسؤولين أمنيين في قضية ما بات يعرف بملف “تسفير المقاتلين التونسيين إلى سوريا” للقتال ضد نظام بشار الأسد عقب اندلاع الثورة السورية.

وفيما يتصل بالتجارة، تبحث تونس على المدى الأبعد في إمكانية استيراد القمح السوري، ولكن مناطق زراعة القمح الرئيسة تقع أيضا في شمال شرق البلاد الذي لم يستقر بعد.

موريتانيا

أما الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، فلم يعط أي إشارة على التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، وهو الذي عين في 13 فبراير 2024 "سيدي ولد دومان" سفيرا فوق العادة وكامل السلطة للجمهورية الموريتانية في دمشق.

بينما قابلت الجالية السورية في موريتانيا، وهي جالية كبيرة مكونة من مئات المواطنين السوريين الذين هم من بين ملايين السوريين الذين شردهم نظام الأسد، انتصار الثورة الشعبية السورية وهروب بشار، بمسيرة كبرى جابت شوارع العاصمة الموريتانية نواكشوط.

وشارك فيها عشرات الموريتانيين المزهوين بهذا المنعطف الكبير، ورفع المشاركون في هذه المسيرة لافتات وشعارات منددة بجرائم بشار الأسد.

لكن على المستوى ما تحت الرسمي، خرجت أصوات موريتانية مستنكرة لعملية التغيير الكبيرة التي حصلت في سوريا.

فقد كتب وزير الخارجية الموريتاني السابق إسلكو أحمد إزيد بيه، متشائما تدوينة له عقب سقوط الأسد بيوم قال فيها:

"ستقسم سوريا إلى إمارات طالبانية، طائفية، عرقية، متنافسة فيما بينها، وإلى صوماليلندات صغيرة ومزدهرة اقتصاديا على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، تابعة لهذه الجهة الخارجية أو تلك؛ واستدامة لذلك، ستكرس الطائفية والفئوية دستوريا"، وفق زعمه.

المغرب

وبما يخص الحضور المغربي في المشهد السوري الجديد فقد بقي في حده الأدنى، حيث لم ترسل الرباط بعد وفدا دبلوماسيا إلى دمشق رغم مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية ناصر بوريطة ونظيره السوري أسعد الشيباني في أواخر ديسمبر 2024.

كما لم تستأنف السفارة المغربية التي ظلت مغلقة طوال السنوات السابقة عملها بعد ولم يبق في مكتبها سوى موظفين محليين مكلفين بمراقبتها.

وعلق الكاتب "توفيق بوفرتيح" في صحيفة “هسبريس” المغربية على مكالمة بوريطة والشيباني بقوله: "تنطوي هذه الخطوة الدبلوماسية، حسب مهتمين، على رغبة مشتركة لدى الرباط ودمشق في تجاوز مختلف الخلافات التي أثرت على العلاقات الثنائية خلال السنوات الماضية، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين".

 وأضاف قائلا: "إن التغيرات التي طرأت على المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد تفرز إمكانيات واقعية لإعادة بناء العلاقات بين البلدين على أسس مشتركة تخدم مصالحهما القومية".

ولا بد من التنويه إلى أن المغرب، إلى جانب قطر، عارضتا عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية.

لكن في أوائل ديسمبر ومع انهيار جيش نظام الأسد في مواجهة هجوم فصائل الثوار، أنشأت المغرب أرقام طوارئ لمواطنيها المقيمين في سوريا حيث لا يزال السفير في بيروت محمد كرين يمثل الرباط رسميا في دمشق.

لكن مع ذلك، يبدو موقف المغرب من التغيير الحاصل في سوريا مريحا لها إلى حد بعيد.

لا سيما أن الملك محمد السادس، أمر باحتضان بلاده في ديسمبر 2012 بمدينة مراكش، الدورة الرابعة لمؤتمر أصدقاء الشعب السوري، حيث أقر المؤتمر حينها زيادة الدعم للائتلاف الوطني السوري المعارض، سياسيا وعسكريا وماليا.

وقد شكل توفير المغرب حاضنة للمعارضة السورية عبر مؤتمر "أصدقاء سوريا"، بمثابة "المسمار" الذي دقه ملك المغرب في نعش العلاقات المغربية مع نظام بشار الأسد حينها، خاصة أن المؤتمر اعترف بائتلاف المعارضة السورية "كممثل شرعي للشعب السوري".

بل إن ملك المغرب كان أول شخصية عربية في السلطة تؤدي سنة 2012 زيارة لمخيم "الزعتري" للاجئين السوريين في الأردن.