تضارب بيانات.. ماذا يخفي اتصال ترامب والسيسي بشأن تهجير فلسطينيي غزة؟
شكر ترامب السيسي على صداقته وتناول معه ملف سد النهضة الإثيوبي
حالة من الضبابية وتضارب المعلومات وغياب المكاشفة، تلف الحوارات الجارية بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي فيما يتعلق بقضية تهجير أهالي غزة.
فقد أصدر المتحدث باسم الرئاسة المصرية محمد الشناوي، بيانا مطلع فبراير/شباط 2025، قال فيه: إن السيسي تلقى اتصالا هاتفيا من ترامب، أجريا خلاله "حوارا إيجابيا" حول عدد من القضايا أبرزها أهمية الاستمرار في تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وتعزيزه.
وأضاف أن السيسي وترامب اتفقا على أهمية استمرار التواصل بينهما والتنسيق والتعاون بين البلدين في القضايا ذات الاهتمام المشترك، كما أكد رئيس النظام المصري خلال الاتصال على أهمية التوصل إلى سلام دائم في المنطقة.
ودعا السيسي ترامب لزيارة مصر في أقرب فرصة ممكنة “لتعزيز العلاقات الإستراتيجية بين البلدين والتباحث حول القضايا والأزمات المعقدة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، مما يسهم في دعم استقرار المنطقة”، بحسب البيان.
وأوضح أن السيسي دعا ترامب للمشاركة في افتتاح المتحف المصري الجديد، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي وجه دعوة مفتوحة إلى رئيس النظام المصري لزيارة واشنطن ولقائه بالبيت الأبيض.
في المقابل، أفاد البيت الأبيض في بيان عبر منصة إكس، بأن السيسي هنأ ترامب بتنصيبه رئيسا لأميركا، وأعرب عن ثقته في أن قيادته يمكن أن تبشر بعصر ذهبي للسلام في الشرق الأوسط.
وشكر ترامب السيسي على صداقته وتناول معه ملف سد النهضة الإثيوبي الذي أكملت أديس أبابا ملأه ويضر بحصة مصر من المياه.
وهذا هو الاتصال الأول الذي يجريه ترامب بالسيسي، بعد أيام من كشفه عن خطته لتهجير أكثر من مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى مصر والأردن.
وكان مصدر مصري مسؤول نفى أخيرا أن يكون قد جرى اتصال هاتفي بين ترامب والسيسي، كانت وسائل إعلام مرافقة للرئيس الأميركي تحدثت عنه.
وجاء ذلك بعدما كشف ترامب عن خطته تلك بشأن غزة خلال اتصال أجراه مع العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني.
وكان ترامب جدد المضي قدما في خطته المثيرة للجدل إلى حد كبير بشأن "تطهير غزة"، وأصر على أن مصر والأردن ستقبلان اللاجئين الفلسطينيين من القطاع لأن الولايات المتحدة "تفعل الكثير من أجلهم"، حسب قوله.
ولقيت المبادرة التي طرحها ترامب نهاية يناير/كانون الثاني 2025، رفضا قاطعا من قبل كل من مصر والأردن.
وذهب ناشطون إلى أن ذكر ترامب لسد النهضة واستحضاره في مكالمته مع السيسي يستهدف "لي ذراعه ومقايضته وتهديده" للقبول بخطته لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر.
واستنكروا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي "إكس"، "فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #السيسي، #ترامب، #سد_النهضة #لا_للتهجير، وغيرها، عن استيائهم من تضارب المعلومات حول الطرف المتصل بالآخر وما دار في المكالمة.
فقد أشار البيان المصري إلى أن السيسي تلقى اتصالا من ترامب، بينما قال البيان الأميركي إن الرئيس الأميركي تلقى اتصالا من نظيره المصري هنأه فيه على تنصيبه رئيسا.
وانتقدوا عدم ذكر البيانين الأميركي والمصري لأي تفاصيل عن مناقشة الطرفين الخطة التي يتبناها ترامب ويرددها ويعرب عن ثقته بتمريرها.
وكان السيسي أكد، بعد تصريحات ترامب، أن "نقل الشعب الفلسطيني من مكانه، ظلم لا يمكن أن نشارك فيه"، في أول رد له على مقترح الرئيس الأميركي.
بيانات غامضة
واستنكارا لما أعلنه الجانب المصري بشأن الاتصال، سخر رئيس تحرير صحيفة المصريون جمال سلطان، قائلا: "رئاسة الجمهورية تصدر بيانا طويلا عريضا، عن اتصال ترامب والسيسي، وقال لي وقلت له، وعزمني وعزمته، وجمل نمطية باردة".
وانتقد إصدار البيان دون أي ذكر لما تحدث عنه ترامب من تهجير الفلسطينيين لمصر، أو توضيح لموقف القاهرة الحاسم في هذا الموضوع، قائلا: إن هناك بابا موارب، هناك ما يريب، هناك ما يقلق فيما يجرى بالغرف المغلقة.
وعطفا على ذلك، أشار سلطان إلى قول موقع "أكسيوس" الأميركي: إن ترامب ناقش مع نظيره المصري فكرته حول نقل الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن لإعادة بناء القطاع.
وتساءل: "لماذا أخفى السيسي عن الشعب المصري هذه المعلومة في بيانه الطويل العريض الذي نشره أمس عن اتصاله مع ترامب؟ وهي أهم وأخطر ما في الموضوع، بل هي حديث الساعة؟!".
وسخر الكاتب سليم عزوز، من البيانات المعلنة حول المكالمة بين السيسي وترامب، قائلا: "لا يعقل أن تكون الاتصالات دارت حول السلامات والطيبات.. وخلينا نشوفك.. لا أنت شرفنا الأول.. وتجاهلت قضية الساعة وهي التهجير..".
وقال: "عموما في انتظار خبر المكالمة في وكالات الأنباء والصحافة الأميركية، بل وما سيقوله ترامب بنفسه"، مضيفا: "لو لم يتطرق الحديث لقضية التهجير، لكان هذا هو عنوان الخبر".
وطرح الإعلامي أحمد عطوان، استبيانا سأل فيه المتابعين عن توقعاتهم حول رد السيسي على ترامب خلال المكالمة على خطته لتهجير الفلسطينيين، مشيرا إلى أن بيان الرئاسة المصرية قال: إن الاتصال شهد حوارا إيجابيا بين الرئيسين دون أن يفصح بكلمة عن "التهجير".
وقالت الأكاديمية عبير السيد: إن الإعلامي المقرب من السلطة عمرو أديب لفتت نظرنا أن اتصال ترامب بالسيسي لم يتناول موضوع التهجير، وذلك على حسب تصريحات رئاسة الجمهورية وقال: إن هذا يدل على العلاقات الجيدة وأن الموضوع غير مطروح.
وتساءلت ساخرة: "طب هو كان متصل ليه.. ازيك سلامات وتعال زور المتحف؟"، قائلة: "يعنى ترامب طلع تلات مرات وقال هم هينفذوا.. وقال أنا كلمتهم ومصر قالت لا ما حصلش اتصال، وبين النفي والإيجاب.. والتصريحات اللي كلها عن التهجير".
وذكرت الصحفية هبة نصر، أنه "قبل يومين عشنا حيرة حول حقيقة حدوث اتصال.. ترامب قال إنه اتصل وطلب من السيسي نقل سكان غزة، ومصر نفت، قبل أن يعود ويقول لنا البيت الأبيض الرئيس الأميركي على صواب.
وأشارت إلى أن الحيرة الآن حول "من اتصل بمن: السيسي أم ترامب؟"، لافتة إلى أن لدينا بيانين مختلفين من القاهرة ومن واشنطن.
ورأى السياسي عمرو عبدالهادي، أن السيسي استدعي إلى أميركا، قائلا: “أنا متخيله وهو قاعد زي التلميذ الخايب قدام ترامب و(الأخير) بيقلش عليه وبيهزأه”.
السيسي يهادن
وانتقادا لطريقة حديث السيسي مع الرئيس الأميركي، قال الخبير الاقتصادي مراد علي: “الإعلام المصري أشعرنا أن الحكومة المصرية ستعلن الحرب على أميركا بعد تطاول ترامب 4 مرات على مصر وتأكيده أننا سنقبل بتهجير أهل غزة”.
ثم فجأة الرئيس السيسي يحدثه وديا ويدعوه لافتتاح المتحف ويقول له إن قيادته تبشر بعصر ذهبي للسلام، وفق علي.
وتساءل: “أي سلام والرجل اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل؟ أي سلام والرجل يطالب بتهجير أهل غزة؟ أي سلام والرجل بدأ عهده بشحن أسلحة فتاكة لإسرائيل ورفع العقوبات عن المستوطنين في الضفة؟”
وأشار علي إلى أن قادة المكسيك وكولومبيا وكندا والدنمارك لم يترددوا في الهجوم على الرئيس الأميركي عندما اتخذ قرارات تضر بلدانهم، متسائلا: "لماذا صمت السيسي ولم يتحدث مع ترامب عن التهجير؟
وتابع تساؤلاته: “لماذا تودد إليه (ولا أريد أن أستخدم لفظ (نافقه) لأنه لا يليق برئيس مصر)؟، لماذا يكتفي الرئيس بالمظاهرات المصطنعة وبتصريحات أحمد موسي وعمرو أديب؟”
وتساءل الكاتب رفيق عبدالسلام: "هل تتصورون أن السيسي (المسالم والوديع) جدا مع الخارج، يمكن أن يرد طلبا لترامب البلطجي؟
وتابع تساؤله: هل تتصورون السيسي سيقول لترامب (لن أقبل بتهجير أهل غزة، فهذا خط أحمر)؟"
ورجح أن السيسي يريد تحسين شروط التفاوض، مثلما حرك بعض المسيرات في بداية العدوان على غزة ثم فرض صمت القبور ولم يسمح لأحد بالتحرك في الشارع.
وتساءل الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل: "لأغراض بحثية: من الذي قام بالاتصال؟"، مشيرا إلى أن البيت الأبيض صرح بأن ترامب تلقى اتصالا من السيسي، والمتحدث الرسمي صرح بأن الأخير تلقى اتصالا من الرئيس الأميركي.
وكتب حازم منسي: “تلقى السيسي اتصالا هاتفيا من ترامب، وجه دعوة له لزيارة مصر في أقرب وقت ممكن”.
وتابع “وجه ترامب خلال الاتصال دعوة مفتوحة للسيسي لزيارة واشنطن. يا ترى مين هيروح لمين؟!”
سد النهضة
وذكر علاء لاشين، بأن آخر مرة جرى النقاش بين أميركا ومصر حول سد النهضة كان ضمن نقاش أوسع حول صفقة القرن (لتصفية القضية الفلسطينية) من 5 سنوات.
ورأى أن النقاش حول سد النهضة الآن وليس هناك جديد في النزاع مع إثيوبيا، يدعو بلا مجال للشك أن صفقة القرن يعاد فتحها الآن، مذكرا بأن التهجير من أحد بنود الصفقة وليس البند الوحيد.
وأعرب أحمد محمد، عن حيرته من مسألة حديث بيان البيت الأبيض عن اتصال السيسي وترامب عن نقطة سد النهضة.
وقال: “حاجة زي دي لو حصلت كان بيان السيسي هيتكلم عنها لأنها تخصنا في المقام الأول، طيب إيه علاقة اللي بيحصل ده والتهجير وفلسطين بإن أول مكالمة بينهم تجيب سيرة السد وترامب يطلع يتكلم عنه لوحده؟”
وتساءل: “طيب هل ترامب مثلا بيهددنا إنه يا تقبلوا بالتهجير يا هنخلي إثيوبيا تقطع عنكم المياه؟”
وكتب مصطفى أحمد: "ملف سد النهضة، حتى أنت بتقايضنا.!!".
وقال نبيه العكوم: “قد يجد ترامب في سد النهضة الإثيوبي وأزمة مياه نهر النيل ورقة ضغط على مصر، إذا رفضت القاهرة الاستجابة لمطالب تتعلق باستقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين من غزة”.