رغم الشراكة الإستراتيجية.. لماذا يبدو التحالف بين روسيا وإيران مهددا؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

أثار سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، موجة من الارتدادات الإقليمية والدولية، انعكست بشكل خاص على إيران وروسيا وتركيا.

وبينما عُدّت أنقرة أكبر الرابحين من سقوط النظام، تبدو في المقابل طهران وموسكو من أكبر الخاسرين، وفق ما يرى موقع "تيليبوليس" الألماني.

ورغم أن روسيا وإيران وقعتا اتفاقية شراكة إستراتيجية في 17 يناير/كانون الثاني 2025، فهناك العديد من المؤشرات التي تشكك في قوة تحالفهما.

في هذا السياق، سلط موقع “تيليبوليس” الضوء على محادثة سُربت لأحد قادة طهران في دمشق، واتهم فيها روسيا بخيانة إيران.

وحلل مدى صحة هذا الاتهام، مشيرا في الوقت ذاته إلى بعض النقاط السوداء في علاقة الحليفين.

انقلاب الموازين 

وقال الموقع: إنه "لفترة طويلة، كان يبدو أن الدولتين الضامنتين لأستانا (المسار السياسي السابق لسوريا)، روسيا وإيران، ستغادران ساحة البلاد بصفتهما المنتصرين".

وأوضح أنه "بجانب المليشيات الإيرانية بالوكالة، كان التدخل الحاسم للطيران الروسي هو الذي أنقذ بشار الأسد وفرقته المتقلبة من السقوط في قصر الرئاسة".

ورأى أن "ما تلا ذلك كان من الممكن أن يكون مقدمة ناجحة لنظام إقليمي جديد بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على حساب الإمبرياليات الغربية".

فمن خلال العملية التي سميت باسم العاصمة الكازاخستانية أستانا، أنشأت القوى الإقليمية الوسطى إيران وروسيا وتركيا قناة حوار حصرية لإنهاء محاولة تغيير النظام في دمشق، فضلا عن منتدى لـ"تنظيم القضايا الخلافية بين الدول الثلاث الضامنة".

وجاء ذلك بالرغم من أن سلاح الجو التركي أسقط في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 قاذفة روسية من طراز سوخوي 24.

وفي 13 سبتمبر/أيلول 2019، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن "الحرب في سوريا انتهت".

ويعلق الموقع بأنه “بدا أن محور أنقرة-موسكو-دمشق قد نجح في تطهير آخر جيوب المقاومة حول معقل الجهاديين في إدلب”، وفق وصفه.

واستدرك: "لكن الآن تغير الوضع، ولا يمكن التكهن، هل كانت تركيا تلعب طوال فترة أستانا بورق مزور، أم أنها استغلت فرصة عام 2024".

وأردف: "المؤكد أن تركيا والغرب هما الفائزان، في حين أن "محور الدول الخاضعة للعقوبات (إيران، روسيا وكوريا الشمالية)" أصبح في طريق الهزيمة".

وتوضح تلك الأحداث أن "سقوط نظام البعث أنهى عملية أستانا، ومن ثم جعل التكوين الذي يضم دولة عضو في حلف الناتو (تركيا) وإيران وروسيا مستحيلا".

وأكمل: "ربما بطريقة إستراتيجية، قدمت تركيا، التي سقطت في نظر الولايات المتحدة بسبب مشتريات الأسلحة الروسية والصراعات الخطابية حول قضية فلسطين والمعارضة الجيوسياسية؛ نصرا كبيرا للغرب".

واستطرد: "ومن ثم، أصبحت تركيا في وضعها التقليدي في اللعبة الجيوسياسية العالمية، في موقع وسط موالي للغرب".

علاقة ممتدة

وفي ظل هذه التطورات، تطرق الموقع إلى العلاقات الروسية الإيرانية، موضحا أنها بدأت منذ فترة طويلة قبل الحرب السورية. 

ومن أشهر أمثلة ذلك محطة بوشهر النووية الإيرانية، التي بنيت في البداية بواسطة شركات سيمنز وآي إي جي الألمانية، ثم بعد نهاية المشروع المشترك الإيراني-الألماني، تدخلت روسيا بشكل مثير للجدل. 

وبعد نهاية الحرب الإيرانية العراقية، أصبحت روسيا المزود الرئيس للأسلحة للجمهورية الإسلامية.

وفي عام 2022، ردت إيران بتقديم طائرات مسيرة في سياق حرب أوكرانيا، وفي عام 2024 قدمت صواريخ ومواد عسكرية أخرى، وفق الموقع.

وأشار إلى أن التحالفات المعادية للغرب "كانت على وشك التحول إلى تحالف عسكري حقيقي".

ومع توافق المواقف بشأن قضايا غزة وأوكرانيا ومعارضة السياسة الغربية، اقترب الجانبان من بعضهما، بشكل أكبر.

كما يتعمق التعاون اقتصاديا بينهما، إذ تنقل روسيا الصادرات عبر الخليج، وتعمل على ربط أنظمة الدفع مع إيران.

وارتفع حجم التجارة إلى 4.9 مليارات دولار أميركي في 2022، وأخيرا جرى توقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية بينهما.

وتتضمن هذه الأخيرة اتفاقية تجارة حرة بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وتوسيع طرق النقل.

كما تتضمن قرضا روسيا بقيمة 1.3 مليار يورو، وزيادة في حركة الشحن من مستواها الحالي البالغ مليونين إلى 15 مليون طن.

ولكن إيران تمر بوضع هش، ففي الانتخابات الأخيرة لعام 2024، شارك 41 بالمئة فقط من الإيرانيين في الانتخابات، وقد تجنب 35 مليون شخص الذهاب إلى صناديق الاقتراع، في حين صوّت 8 بالمئة بأصوات باطلة. 

"أما بالنسبة لروسيا، التي أصبحت المقر الجديد لعائلة الأسد، فيبدو أن فجرا جديدا في الشرق الأوسط يلوح في الأفق"، بحسب الموقع.

ورجح أن "تكون نقطة الانطلاق الروسية إلى إفريقيا قد انتهت بسقوط الأسد، هذا بجانب حقيقة أن القاعدتين العسكريتين في سوريا (حميميم وطرطوس) تقفان على أساس هش".

وأضاف: "يجب على الدب الروسي أن يتحمل اللوم؛ لأنه كان في سبات خلال اللحظة الحاسمة، حيث ينصب التركيز الآن على أوكرانيا".

تسريب مقصود

وأشار الموقع إلى ما نشرته صحيفة "فاز" الألمانية حول محادثة مسجلة “أحدثت تطورا نوعيا في العلاقات الإيرانية-الروسية”، وأوضحت من خلالها أن "موسكو خانت دمشق، وبالتالي طهران".

وتابع: "يُقال: إن الشخص المسجل له هو القائد الإيراني في سوريا، بهروز إثباتي، ولكن لا يمكن التحقق من هذا الادعاء".

وكشف الصحفي الإيراني المقيم في جنيف عبد الله عبدي من خلال تسجيل لمحادثة مع الجنرال إثباتي، قوله: “إن انسحابنا من سوريا، ضربة قاسية لنا”.

ويتابع: "يعد كلام إثباتي صحيحا، فقد أصبحت إيران أضعف إقليميا كما لم تكن من قبل، خاصة بعد أن جرى إلغاء الاتفاق النووي (ومن المتوقع إعادة التفاوض عليه، مع فرص ضئيلة للنجاح)".

واسترسل: "الاقتصاد في حالة انحدار، والمجتمع منقسم بشدة، والعقوبات خانقة، والحلفاء تحت ضغط هائل، والنظام السياسي الداخلي هزيل".

مع ذلك، جزم الموقع أن التسجيل حقيقي وسُرب بموافقة إثباتي، حيث نشرت صحيفة "تابناك" القريبة من الحرس الثوري الإيراني في الأسبوع نفسه مقابلة مع الجنرال.

كما تطرقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية وبعض الصحف الفارسية الأخرى مثل "شرق" و"جاماران" إلى الموضوع نفسه.

واتهم إثباتي روسيا، بمساعدة إسرائيل في قتل العسكريين الإيرانيين (في سوريا) من خلال تعطيل أنظمة الرادار، دون توضيح.

كما اتهمها بـ"قصف الصحراء (في سوريا) فقط، بدلا من قصف المتمردين المتقدمين"، في إشارة إلى قوى الثورة.

وعقب الموقع: "من الضروري توخي الحذر بشأن الرؤية التي تروج لها وسائل الإعلام الغربية. فبداية، كان جيش الأسد هو الذي انسحب بسرعة".

وأضاف: "هناك شكوك حول أن إثباتي قد يكون حاول إلقاء اللوم على الآخرين بسبب فشله بسوريا، فبدلا من القتال انسحب الجنود الإيرانيون".

ولفت الموقع إلى أنه "لا يجب التعامل مع الدولة الإيرانية بمفهوم الكتلة الواحدة، إذ يمثل إثباتي جزءا معينا من الطبقة الحاكمة الإيرانية". ويشير إلى الحرس الثوري الإيراني، باعتباره "كتلة أيديولوجية".

وأكمل: "وبعد الحرب الإيرانية العراقية وعمليات إعادة الإعمار المرتبطة بها، أصبح الحرس الثوري الإيراني يمتلك تكتلا اقتصاديا تبلغ قيمته المليارات".

وأردف: تعمل الصناعات والبنية التحتية والزراعة تحت إشراف "مقر خاتم الأنبياء للإعمار" التابع للحرس الثوري، ومن دونهم لن ينجح شيء في إيران، ولا يمكن فعل أي شيء ضدهم.

ورجح الموقع أن “يكون إثباتي، كمتحدث باسم فصيله، قد أراد انتقاد تصرفات الحكومة الجديدة”.

وهي حكومة ترتبط تقليديا بالحرس الثوري الإيراني ومتجذرة الولاء للمرشد الأعلى علي خامنئي، وتتبع دائما نهجا حربيا.

غياب الثقة

ورأى أن اتهامات الغرب حول خيانة روسيا لإيران رغم "أنها متسرعة، فإن لها جانبا من الحقيقة". وعزا ذلك إلى أن "التحالفات التكتيكية مؤقتة، وغالبا ما تكون قصيرة العمر".

ورأى أن "الشراكة بين البلدين متضررة منذ سنوات، ولا يغير من ذلك تعاونهما في التكتلات فوق الوطنية مثل بريكس"، التكتل السياسي الاقتصادي الدولي.

كما أن روسيا “تحافظ على علاقات قوية ومؤثرة مع إسرائيل كما هو الحال مع دول الخليج العربية”.

وأيضا كان هناك توترات بين البلدين بسبب الممر البري بين أرمينيا وأذربيجان (نظرا لأن إيران وروسيا جاران مباشران).

ويضيف الموقع: “هناك أيضا خلاف حول ثلاث جزر صغيرة (تسيطر عليها إيران وكانت روسيا قد دعمت مطالب الإمارات بشأنها)،”.

أما على المستوى الاقتصادي، ذكر أن حجم التجارة بين البلدين مقارنة بنظيره بين الاتحاد الأوروبي وروسيا (قبل 2022)، وكذلك بين طهران وبكين يعد "منخفضا".

وعقب قائلا: "وفي حين يتمنى الغرب نهاية الشراكة المرجوة، فإن السياسة الغربية هي التي أدت إلى هذا الوضع".

وتابع: "إيران وروسيا أصبحتا قريبتين من بعضهما، بعد انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من الاتفاق النووي في 2018، ومن وقتها، يبدو وكأنهما قد انجذبا لبعضهما مغناطيسيا".

واختتم قائلا: "حاليا، لا يوجد ما يمنع تكرار الكارثة السورية، اقتصاديا وعسكريا، حيث تقف إيران وروسيا في التكتلات الدولية على الجانب نفسه في إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب".